مواضيع اليوم

الأعمال الكاملة للمفكر الإسلامي محمد بن عمر ؟ق4

محمد بن عمر

2010-09-15 17:17:57

0


نـــــــــداءات حارة


بقلم : محمد سالم بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين -
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)

 

 

 

 


نداء إلى خطباء المساجد
في العالم الإسلامي

قد بوأكم الله – أيها السادة- مكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد علمتم أن الله قد فرض على المسلمين صلاة الجمعة بعد هجرة الرسول عليه السلام ومن آمن معه إلى المدينة وإقامة دولة الإسلام هناك، دولة أسها مؤمنون صادقون باعوا أنفسهم وأموالهم لله رب العالمين ، ودستورها ما تنزّل على النبي الكريم من سور قرآنية مدنية فصّل الله فيها القول تفصيلا في كل مناحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية... فلماذا تسمحون لأنفسكم أيها الخطباء بالافتراء على الله ورسوله وتعتلون منابر في ظل أنظمة حكم علمانية لا تحكم بما أنزل الله، ظالمة لشعوبها، فاسقة عن كل القيم والمبادئ الإسلامية... أتبتغون عند هؤلاء المجرمين العزّة فإن العزّة لله جميعا، تدعون لهم بالنصر، ولن ينصر الله أقواما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فلستم منهم وليسوا منكم، بل هم قوم عادون. كتب الله عليهم الخزي دنيا وآخرة ولن ينجيكم الله من مصيرهم المظلم إلا بالتبرؤ منهم، فالله قد أهلك من قبلكم فرعون وجنده، وأنتم قد أصبحتم جنودا من جنود فراعنة العصر الحديث تخضعون لوزارات الداخلية في حكوماتهم وتقبضون مرتباتكم منهم، مرتبات زهيدة مقابل بيعكم لآيات الله التي تلعنكم وتلعن سادتكم ليلا نهارا... فأف لكم وأفّ للمبررات الكاذبة التي ستقفون بها أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.
اعلموا أيها "الخطباء" أن هؤلاء الفراعنة يسخرون منكم في سرهم عند حضورهم مناسباتكم الدينية لأنهم يعلمون يقينا أنكم لن تتفوّهوا إلا بما يرضيهم ويرضي استكبارهم في الأرض بغير الحق، وما أنتم إلا خاتما في إصبعهم، وأنكم لأهوائكم متبعون، وبمشائخ أموات مقتدون، وأنكم وإياهم عن الصراط لناكبون، وأنكم وإياهم أموات غير أحياء وما تشعرون، وأنكم قد حولتم أمتنا الإسلامية إلى جثث هامدة لذلك تداعت علينا الأمم من كل حدب وصوب لو تشعرون، لذا فإننا نتبرّأ منكم وسنبقى نكن لكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وتوحدوه بصدق وتعلنوا سرّا وجهرا كفركم بهؤلاء الفراعنة المجرمين، واعلموا أننا لن نصلي وراءكم حتى تثوبوا إلى رشدكم.
"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم به يوقنون" (المائدة/49-50).صدق الله العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نداء إلى المرأة المسلمة في العالم الإسلامي


لقد خلقك ربك وسواك في أحسن الصور وأبهاها وأجمل قوام وأروعه، وجعل سكينة الرجل وسعادته لاتتم إلا بالتوحد بك ومعك جنسيا وعاطفيا وفكريا لذلك فالرجل يطلبك ولا تطلبينه وينفق عليك كل غال ونفيس طلبا لرضاك لأن في رضاك سعادته وهناءه دنيا وآخرة.
أما الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية والحكومات في العالم الإسلامي .. فهم جميعا يستغلونك ويوظفونك لقضاء مآربهم ومصالحهم واتخاذك مصعدا للفوز بكراسي الحكم والنفوذ لا غير، إن أمرك الإخواني بواجب فلفرض سيطرته وتلبية لنزواته واستجابة لعادات أوحى بها إليه ذهنه المريض أو شيخه الميت أو زعيمه المتاجر بآيات الله والمحرف لها ابتغاء الفتنة والتحيز إلى فئة.. و إن أمرك السياسي المعارض بالإنتماء إلى معارضته وحزبه فليخوف بك رجال السلطان علّهم يمنّون عليه بفتات موائدهم من الحكم والنفوذ... أما قرارات السلط السياسية في العالم الإسلامي .. وإنجازاتها فقد حولتك أيتها الطاهرة العفيفة ، وحولت أخواتك إلى سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة: في وسائل الإعلام المختلفة صوتك و جمالك لإشهار سلع المستكرشين و المستكبرين في الأرض والظلمة لعمالهم في مصانعهم... أكرهوك على دور الخناء والنزل وأماكن الترفيه .. لتدنيس عفتك وطهرك مع أن خالقك قد فرض على أبيك أو زوجك أوالدولة – دولة التوحيد - التكفل بكل مصاريفك وكل احتياجاتك..شجعوك على العمل في الشركات والمؤسسات لاستغلالك فيما لم تخلقي من أجله وهو الإنفاق على نفسك وعيالك وزوجك حتى فقدت بهائك وجمالك ونضارتك... وانصرفت عن مهمتك الحقيقية في رعاية الأجيال .. و تربيتهم .. لقد أرهقوك يا سيدتي بدنيا ونفسيا حتى كرهوك في جمال الحياة وروعتها.
إن الأحرى بك أيتها الطاهرة العفيفة أن تكفري بربوبية هؤلاء المجرمين جميعا - الأموات غير الأحياء وما يشعرون - العاجزين عن النفع والضر ولو لأنفسهم وتستضيئي بنور ربك في القرآن لإحياء نفسك وأخيك الإنسان وتبحثي لك عن مسلم مثلك لا يخضع إلا لأوامر الله عز وجل خالقكما من نفس واحدة ، يكون لك لباسا وتكونين له لباسا تستران بعضكما بعضا وتوحدان الله ناصركما ومحقق سعادتكما.
اتحدي أيتها المسلمة الطاهرة مع حبيبك وزوجك وأبوك وأخوك المسلم لإقامة "دولة التوحيد " في العالم دولة الرب الحقيقي , لنصرة المستضعفين من النساء والرجال والولدان والقضاء على دول المستكبرين والطواغيت والظلمة والمجرمين في الأرض...
تحرري من أغلال هؤلاء الأرباب المزيفين فلن يضروك بشيء ولن ينفعوك مادمت مع الله.
فالله يمقت هؤلاء الحكام لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويذيعون قرآنا يلعنهم ويلعن سدنتهم من الكهان المتاجرين بالدين ليل نهار...
وتمتعي بالحياة كما شاءت لك روحك الطاهرة.

 

 

 


نداء إلى الشعوب الإسلامية
الشعوب الإسلامية تنحاز إلى تطبيق سنن و قوانين القرآن؟

يا شعبي العربي المسلم الحبيب ׃

لقد عشت بين أظهركم منذ أربعين سنة، انعم بخيرات هذه البلاد الإسلامية المعطاء.. لذا أحببت أن أذكركم و اذكر كافة القوى الحية في عالمنا الإسلامي بالله ربنا جميعا و رب العالمين.. مالك الملك و رازق الخلق بغير حساب ... و أن نعبده وحده دون شريك .. و أن نفرده بالطاعة و الخضوع لما أنزل علينا في القرآن .. و نجعل من جميع آياته البينات دستورا لحياتنا و قوانين تنتظم به علاقات بعضنا ببعض ׃ أفرادا و جماعات .. نساء ورجالا .. حكاما و محكومين..

يا أحفاد طارق ׃

إن القوانين التي استنوها لكم منذ استقلال بلداننا في العالم الإسلامي و تخضعون لها اليوم في حياتكم.. قد استنها عباد أمثالكم عاجزين بطبعهم عن تقييم أي سلوك أو مدى نفعه أو ضره لكم.. و قد حولت هذه القوانين الوضعية حياتكم إلى جحيم لا يطاق .. و ضنك في العيش لا يدانى ..لأنها قوانين تتعارض و الفطرة التي خلفكم ربكم عليها( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله). فأفقدت رجالكم رجولتهم و نساءكم أنوثتهن.. فاستشرى العجز الجنسي و مرض السكري و ضغط الدم و شتى الأمراض المزمنة و البطالة المهلكة و الانحراف المهين لكرامتكم.. و ضاع أبناؤنا في متاهات الطريق..! (أربعون في المائة من التونسيين – مثلا - يعانون عجزا جنسيا متفاوتا.. و أن الأمراض المزمنة تتزايد في تونس من عام إلى آخر حسب ما جاء في جريدة القدس العربي ليوم 28 فيفري 2008) و( تحت عنوان : تونس الأولى عربيا .. و الرابعة عالميا : 9127حالة طلاق سنة2008 و العنف و الخيانة أبرز الأسباب
- المرجع: جريدة الصباح ؟8 أوت 2009 – تحتل تونس المركز الأول عربيا و الرابع عالميا في نسبة الطلاق بعد أن بلغت حالات الطلاق أرقاما قياسية / المشاكل الإجتماعية تسبب بنسبة 48.3%بحالات الطلاق و التي تشمل المعاملة السيئة و العنف و عدم الشعور بالمسؤولية و الإختلاف في المستوى الثقافي و التعليمي / حالات الطلاق لسنة 2008 بلغت 9127 حالة مقابل 16 ألف زواج لنفس السنة ، و تعتبر نسبة الطلاق الأعلى في المنطقة العربية حسبما جاء في الدراسة والملفت للإنتباه في الدراسة أن أكثر من 50% من رافعي قضايا الطلاق من النساء سنة 2008بينما كانت سنة 1960لا تتجاوز 6%)

تذكروا أيها الأحبة ׃

إن قوانين الله و سننه نافذة على جميع خلقه طوعا و كرها لأنها قوانين أزلية خلقت مع خلق الإنسان .. فلنختر السير على هديها طوعا لا كرها.. بإيمان و احتساب .. حتى نسعد دنيا و آخرة كما سعد كل أتباع الرسل عليهم السلام ׃" فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى" سورة طه الآية 123و 124.

و اعلموا أيها الأحبة ׃

إن جميع الخلق .. مهما أوتوا من علم و قوة لا يملكون لكم ضرا و لا نفعا إذا آمنتم بربكم حق الإيمان و نصرتم دينه واستجبتم لما أنزل علينا في القرآن .. و تذكروا أن الله قد أهلك من قبل فرعون و هامان و جنودهما.. فهل تقبلون العيش جنودا للطواغيت و قوانينهم التي ما سنت إلا لإخضاعكم للطواغيت و سدنتهم من الكهنة و رجال الدين البائعين لآيات الله بثمن بخس و استغلالهم.. و نهب الثروات التي أنعم الله بها عليكم و على بلادنا لتكونوا عبيدا له لا لغيره من الخلق.. .! و تذكروا أيها الأحبة أنكم قد أعطيتم عهدكم و ميثاقكم الغليظ لله ربكم عندما تقفون بين يديه كل يوم معاهدين مرددين׃" إياك نعبد و إياك نستعين"

يا أبناء شعبي المسلم:

تشكل بلادنا الإسلامية منارة للإسلام دين التوحيد و الخضوع لشرع الله العزيز... و قلاعا حصينة لأمة الإسلام في العالم .. أمة جميع الأنبياء عليهم السلام.. فلا تسمحوا لأنفسكم بالخضوع لحكم سماسرة/ طواغيت ما أنزل الله بها من سلطان أو نفوذ .. إني أعظكم أن تكونوا من " الجاهلين " أو" الظالمين " أو" الفاسقين عن شرع الله" ׃(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) سورة المائدة الآية 44 .

يا شعبي الحبيب:

إني أهيب بكم جميعا أن لا تتخذوا من الطواغيت مهما كانت مسمياتهم أربابا لكم تتبعون قوانينهم الوضعية الفاسقة عن شرع الله و تشريعاتهم الظالمة – التي ما حبروها إلا لخدمة مصالحهم ... إنها قوانين عمياء كعمى بصيرة الذين حبروها.. فاسقة عن قوانين الله و فطرته التي فطر الناس عليها و سننه في الأسرة و المجتمع و الحياة الحق الطيبة... و التي أهوت بكم في مكان سحيق من الظلم و الضياع و ضنك العيش ﴿ شاهدوا إن شئتم برامجهم الإجتماعية مثل "برنامج الحق معاك" على قناة تونس 7 الفضائية مع العلم أن تونس العلمانية ، تزعم أنها تمثل رمز التقدم و التطور في العالم الإسلامي كله..؟!﴾.... فالله وحده مولاكم و رازقكم و العالم بحقيقة ما يناسب خلقتكم .. نعم المولى و نعم النصير.. و تذكروا أن الأرض أرضه وعد بتوريثها عباده الصالحين المتبعين لما أنزل في القرآن العظيم.. إني أدعوك يا شعبي المسلم لنتكاتف جميعا و نوحد جهودنا و إرادتنا .. نساء و رجالا حكاما و محكومين لإقامة دولة التوحيد في عالمنا الإسلامي .. دولة أسها الإيمان و قانونها آيات القرآن العظيم .. و نجمع شتات أمتنا الإسلامية في مشارق الأرض و مغاربها حتى نقوى بهم و يقووا بنا و نرفع الظلم عن أنفسنا و عن كل المستضعفين في الأرض و نوصل رحمة الله إلى جميع الخلق :" و إن هذه أمتكم امة واحدة و أنا ربكم فاتقون"سورة المؤمنون الآية 52.

 

 


ارفعوا الظلم عن أمتي


السادة زعماء و قادة المسلمين.. سلام الله عليكم وبعد :

لقد ملكتم رقاب المسلمين عنوة و حكمتم بغير ما أنزل الله في كتابه الحكيم... فأذل الله شعوبكم على أيديكم لأنهم قبلوا الخضوع لربوبيتكم- أصبحتم مصدر التشريع الظالم !!؟- و الإحتكام لغير ما أنزل الله ... و أذلكم على أيدي أعدائكم من عبدة العجل و الطاغوت.. الذين حولتهم أفعالهم الآثمة إلى قردة و خنازير ... و على أيدي الصليبيين من أمريكان و أنكليز و فرنسيين و ايطاليين ...

السادة زعماء و قادة المسلمين:

عاهدتم الله أن تصونوا حرمة ديارنا لكنكم تجاوزتم كل الحدود في نكث العهد: فقد أبحتم حرمة ديارنا و أبنائنا و نسائنا لغير المسلمين ممن يتفننون في مص دمائنا متخفين وراء مؤسسات متعددة الجنسيات... استوليتم على الحكم استيلاء ! و تعهدتم بنشر الأمن و تحقيق العزة و المناعة... فتلك خيرات بلادنا منهوبة.. و أعراض رجالنا و نسائنا منتهكة.. و المواطن يعاني شتى صنوف القهر و الإذلال.. يلهث وراء لقمة العيش لهاث الكلاب .. و عجزتم عن توفير الأمن حتى لأنفسكم و أهاليكم ... أشعلتم نيران الفتنة و التصادم و التنافر بقوانينكم الوضعية/ الظالمة ، فصارت المرأة تعادي زوجها عوض التكامل معه و التعاون كما أراد رب العزة :(هن لباس لكم و أنتم لباس لهن ). و جعلتم شعوبنا فرقا و مللا متناحرة .. متنافرة بما يبثه سحرتكم و كهنتكم من سموم...!

اعلموا أيها السادة أن القوانين الوضعية /الأديان التي ابتدعتموها بمعية سحرتكم و كهنتكم و التي صيرتموها موازية لدين الله / دين الحق و التي تخضعون لها شعوبكم لن تضمن لكم و لهم أمنا أو استقرارا و لا ازدهارا و لا طيب عيش لأنها تتصادم و قوانين الفطرة و الحياة و نواميسها التي خلقها الله عليها ..؟! لذا فبطن الأرض خير لكم من العيش على غير ما شرع الله لنا جميعا لو كنتم تعقلون..!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

أليس فيكم رجل رشيد .. فيحكم شعبه المسلم بقوانين القرآن و سننه الأزلية في الأسرة و المجتمع المفصلة تفصيلا بينا ..!!؟؟ و يتخذ من الله و رسوله و المؤمنين الصادقين أولياء له يستعين بهم على تطبيق آيات الذكر الحكيم و قوانينه الأبدية على واقع المسلمين المعيشي حتى يؤتيه الله أجره مرتين .. في الدنيا و الآخرة .. !! فيسعد هو و يسعد شعبه؟؟ لقد سبق و اتخذتم من الغرب و الروس .. أولياء لكم من دون الله .. فسمم عبد الناصر و دمرت بلاده.. و أعدم صدام و أهلك حرثه و نسله .. و يراد لعمر البشير أن يحاكم كمجرم حرب هو و شعبه ثم يباد..!!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

لا نجاة لكم .. و لا نجاة لنا إلا بالإحتكام لشرع الله جميعا حكاما و محكومين و إقامة عدالة الإسلام في ارض الإسلام إخلاصا لله و نصرة لدينه الذي فضلنا به على العالمين ..

- حولوا المجالس التشريعية في بلدانكم إلى لجان مختصة كل في ميدانه لاستنباط أحكام القرآن و شريعته في الأسرة و المجتمع و الإقتصاد و السياسة و كل العلاقات الداخلية و الخارجية ...

- شكلوا من أحيائكم السكنية لجانا .. كل أسرة يمثلها فرد تعطى لها صلاحيات تشريعية (فيما يخص حيهم فقط ) و تنفيذية لخدمة مصالح حيهم و سكانه تحت إشراف وزارة تابعة للدولة المركزية.. فيعم البناء و التشييد و النشاط كافة سكان بلداننا و نصبح جميعا شركاء في خيرات بلادنا..
- أعطوا الشباب العاطل الأراضي الخصبة لفلاحتها و تخضيرها و تشجيرها بما ينفع البلاد و العباد و سهلوا لهم إنشاء صناديق تمويل تؤخذ من أغنياءنا و ترد على المحتاجين من شبابنا حتى يصبحوا أفرادا منتجين .. فالأرض و الخيرات كلها لله و ما دمنا جميعا عبيدا لله متساوون، فلا بد أن نتساوى جميعا في عطايا الله.ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أيها الناس في الشرق و في الغرب

اعبدوا ربكم الذي خلكم و الذين من قبلكم...خالق كل شيء في الوجود.. و لا تتخذوا بعضكم بعضا أربابا من دون الله تتبعونهم من دوت الله و تقدسون القوانين و الدساتير التي تمليها عليهم مصالحهم و أهواءهم ليقتسموا بها الثروات و الخيرات التي انعم الله بها عليكم.. حتى صار لكل بلد دستوره و قوانينه التي يتبعها معرضا عن شريعة الله و سننه في القرآن الذي جاء مصدقا لكل الكتب الإلاهية التي سبقته ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه) - سورة الشورى الاية13-

أيها الناس في الشرق و في الغرب

لا تتركوا هؤلاء المتاجرين بآيات الله يضحكون على ذقونكم.. ويشرعون لكم القوانين باسم الإجتهاد و مواكبة العصر.. فالذي شرعه لكم ربكم منذ خلق آدم عليه و على نبينا السلام هو الشرع الحق الذي يناسب فطرتكم التي خلقكم ربكم عليها... و سيحاسبكم طبقا لتلك المعايير/الآيات يوم تقفون بين يديه للحساب .. إن قوانين الله و سننه نافذة علينا جميعا في الدنيا و الآخرة .. و انظروا إلى عذابات الخلق في الحياة لأنهم لا يلتزمون بقوانين الله التي شرعها لهم منذ الأزل .. عذابات الفلسطينيين.. عذابات اليهود.. عذابات المسلمين في العالم ... : عذابات نفسية و بدنية تتناسب و الإنحراف عن شرع الله و التنكب عن قوانينه في الكون و الإنسان و الحياة...

أيها المستضعفون في الشرق و الغرب

اصطفوا جميعا وراء القرآن/كتاب ربكم الحق و اكفروا بطواغيت/ فراعنة الأرض جميعا.. فهؤلاء الجهلة لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا و لا لأنفسهم.. إنهم يستغلون جهلكم بشرع ربكم ليسخروكم لمصلحتهم و مصلحة المتاجرين بآيات الله ... و تكاتفوا لإقامة دولة التوحيد في العالم .. دولة الرب الحقيقي .. حتى نسعد جميعا برحمة الله.. دنيا و آخرة ...!

 

 

 

 

 

 

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد اخترتم أن تكونوا من أتباع من أرسله ربه " رحمة للعالمين " و لقد أحياكم ربكم و جعل لكم نورا تمشون به بين الناس بعدما كنتم "أمواتا" فما الذي أزرى بحالكم و حولكم إلى جثث هامدة تابعة إلى أنظمة و حكومات علمانية لقيطة و تابعة لأنظمة الغرب الإستعماري ألإستكباري تتبع أهواءها في سن القوانين و التشريعات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و لا تقيم أي وزن لشريعة الله المفصلة تفصيلا بينا في كتابه العزيز !؟
ما سبب قبولكم أن تكونوا عبيدا و خدما و جنودا في جيوش فراعنة العصر الحديث الذين تنكروا لربوبية الله خالق الكون و الإنسان و الحياة و ادعت لنفسها الربوبية بتحكمها في خلق الله طبقا لقوانين و تشريعات وضعية يستنونها حسب أهوائهم و قد أعلنوا عداءهم لكل ما هو رباني مسلم ؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد استبيحت أرضكم و أعراضكم من قبل مشركين نجس و انتهبت ثرواتكم ممن يعلن العداء لله و لرسوله و للمؤمنين و أنتم صامتون أو متواطئون أو منغمسون في جمع فتات موائد هؤلاء الأنجاس الذين قد حولوا أرضكم إلى فيء منتهب من قبل قوى الإستعمار و الإستكبار العالمي... !!؟؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

بماذا ستجيبون ربكم القوي العزيز يوم تقفون بين يديه للحساب.. و قد وعدكم بالنصر الأكيد إن أنتم نصرتم دينه و أقمتم حدوده واتبعتم منهجه؟؟؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

إن ربكم واحد و قرآنكم واحد و رسولكم واحد فلماذا انقسمتم إلى أمم متفرقة و نحل متنافرة و أحزاب متقاتلة مما حولكم إلى اضعف الأمم و أذلها.. بأسها بينها شديد و قد قال ربكم " و لا تتفرقوا فتذهب ريحكم "!!!؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد بنى نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم – قدوة كل المؤمنين في العالم - الإنسان المؤمن الموحد لله رب العالمين و الخاضع لأوامر الله و نواهيه خلال ما اصطلح على تسميته بالفترة المكية ثم بحث عن النصرة لدين الله فوجدها بالمدينة المنورة أين أقام دولة الإسلام على ضوء القرآن المدني الذي رسم له و للمؤمنين كل تفاصيل و معالم المجتمع الإسلامي إجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. و أنتم لا تزالون راضين بأن تكونوا تابعين لأنظمة بشرية مشركة بالله.. تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.. و ليسوا بخارجين منها إلا بالقطيعة التامة معها مهما كانت مسمياتها.. : ( ملكية.. إستبدادية.. ديمقراطية... حداثية أو غيرها ).

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد أهلك الله من قبل من هو أشد قوة من أمريكا و إنكلترا و روسيا و فرنسا.. و أغرق فرعون و هامان و جنودها و خسف بقارون و بداره الأرض... لما وجدت الفئة المؤمنة الموحدة لله رب العالمين... فهل تنتظرون أن يهلك الله هؤلاء المستكبرين في الأرض و أنتم قد أصبحتم جزءا لا يتجزأ من شعوبهم تؤمنون بأنظمتهم الوضعية و تطبقون قوانينهم المكرسة للجريمة بمختلف أشكالها – لاحظوا نسبة العود إلى السجون في مختلف أنحاء العالم- و تخضعون لها بملء إرادتكم و تستمسكون بأخلاقهم .. و تتبعون أهواءكم .. و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله !؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

تخافون أمريكا و إسرائيل و أنظمة لقيطة.. و لا تخافون الواحد الأحد القوي العزيز الجبار.. تعملون ألف حساب لأنظمة لقيطة تابعة و لا تخافون من الملك الديان.. مالك الملك.. ثم تزعمون أنكم مسلمون ؟!! تتعهدون و انتم واقفون بين يدي الله - للصلاة- بطاعته و الخضوع لشريعته ثم تنكصون على أعقابكم في جميع تفاصيل حياتكم و تنتهكون حدود الله و حرماته ظاهرا و باطنا .. فكيف ينصركم الله ؟؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

ثوبوا إلى رشدكم و انصروا دين الله لينصركم الله و يمكن لكم في الأرض كما مكن لأسلافكم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. و السلام على من اتبع الهدى .

 

 

نداء إلى قادة حركة حماس

لقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين.. و لقد استطاع هذا النبي الأمي خلال 23 سنة من بعثته أن يحول الأميين في جزيرة العرب إلى خير امة أخرجت للناس في التاريخ البشري كله.. فلماذا تحولت حركتكم إلى نقمة على الشعب الفلسطيني – شعب الجبارين- و أنتم تحملون نفس ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم!؟

و الجواب بكل بساطة ووضوح:" لأن محمدا قد بنى شعبا بدءا من بناء الإنسان المؤمن، و أنتم قد بنيتم سلطة انطلاقا من شعب ورث الإسلام..!!"
لقد اتبع محمد صلى الله عليه و سلم ما أوحي إليه من ربه خطوة بخطوة لأنه يعلم علم اليقين أن ما أنزله الله عليه من آيات بينات هو النور الذي يضيء له دروب الحياة المدلهمة و يحميه من السقوط في متاهاتها الكثيرة.. لأنه من عند الله العزيز الحكيم الذي يعلم غيب السماوات و الأرض و يعرف حقيقة هذه الحياة.
لقد قام محمد صلى الله عليه و سلم ببناء الإنسان المؤمنالذي يؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله.. و غير مفاهيمه عن الكون و الإنسان و الحياة بمفاهيم القرآن المكي الذي يكشف للمؤمن حقائق الوجود.. و أفرغ ذهنه من المعتقدات الباطلة التي لا صلة لها بحقائق الوجود.. و ملأ عقله بمفاهيم الإيمان الصحيح و ما يترتب عن هذا الإيمان من سلوك قويم في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية.. حتى إذا ما اكتمل له بناء الإنسان المؤمن الذي يستنير في حياته كلها بآيات الذكر الحكيم كلفه ربه بالهجرة إلى المدينة التي احتضنت المؤمنين بدعوته صلى الله عليه و سلم و تكوين السلطة /الدولة التي تحتكم إلى شرع الله داخليا و خارجيا.. و في كل ميادين الحياة..
و في المدينة / الدولة سعى الرسول / القدوة صلى الله عليه و سلم إلى تأسيس جيش قوامه "مؤمنون" باعوا أنفسهم و أموالهم و كل ما يملكون لله رب العالمين مقابل الفوز برضوانه يوم لقاه :" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم و ذلك هو الفوز العظيم" (سورة التوبة الآية 111 ).
أما أنتم في حركة حماس فقد سعيتم منذ بداية تأسيس حركتكم إلى تكوين " مجاهدين" يجتهدون في معصية الله و مخالفة أوامره.. بقتل أنفسهم في سبيل القدس و ليس في سبيل الله مع أن الرسول /القدوة صلى الله عليه و سلم لم يسع يوما إلى تكوين مجاهدين يقاتلون في سبيل البيت الحرام- و قد كانت بأيدي المشركين- رغم أنها اشرف عند الله من بيت المقدس.. و الله يقول:"و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" ( سورة النساء الآية 29). كما نهى الله عز و جل عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أنتم تقتلون - في الغالب الأعم – أناس أبرياء لا صلة لهم بالحرب الوهمية التي تخوضونها ضد إسرائيل !
كما ترشح قادة حركتكم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني وهو مؤسسة تشريعية لا تحكم بما أنزل الله:"و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة الآية 44 ). : "و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة و لكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم فيما كنتم فيه تختلفون. و أن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم و إن كثيرا من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ( سورة المائدة الآيات 48 و49 و50 ).
فالمؤمنون أبدا لم و لن يكونوا في حاجة لمجلس تشريعي لأن الله هو المشرع الوحيد في الإسلام – لذلك سمي بدين التوحيد (وحدانية المشرع)- و المؤمنون ملزمون جميعا بما فيهم الأنبياء عليهم السلام بالإحتكام إلى شريعة الله المفصلة تفصيلا في القرآن المدني و الخضوع التام لها.
و هكذا تكون حركة حماس و إن رفعت الإسلام شعارا لها فهي لا تخضع لأوامر الله و نواهيه في حركتها و نضالاتها و اختياراتها.. بقتل ناشطيها لأنفسهم في عمليات انتحارية قصد قتل أناس أبرياء في الغالب الأعم نهى الله عن قتلهم ، و قد حرم الله الجنة عن قاتل نفسه أو قاتل نفس بريئة عمدا !

إن منهج الإسلام واضح في تأسيس السلطة الإسلامية /الدولة.. تبتدئ بإيجاد المؤمنين بالله ...المستمسكين بالوحي.. الخاضعين لشريعة الله و تنتهي بإنشاء الهياكل التي تسهر على رعاية شؤون المسلمين طبقا لشريعة الله و ثوابته و إنزال آيات الله /الثوابت في الواقع المعيش للناس حتى تعمهم الرحمة التي بعث من أجلها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم... و كل الأنبياء من قبله .. ثم إيجاد الجيش الذي يحمي الدولة الإسلامية من المعتدين... و الظالمين .
لذلك أهيب بالعقلاء من أبناء حركة حماس أن يعتزلوا العمل في الحكومة الفلسطينية التي تسببت في محرقة غزة و يعملوا على تكوين المؤمنين الصادقين قبل التفكير في إيجاد سلطة لا تحكم بشريعة الله... عندها ستعود فلسطين /كل فلسطين إلى أهلها /

 

 


محمد سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
محمد سالم بن عمر، كاتب و ناقد تونسي ، عضو باتحاد الكتاب التونسيين .
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة، متزوج و له شيماء و نصير الله.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي منذ 1992، وقد عمل مديرا لدور الثقافة بتونس .
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري الحضاري...
صدر له كتاب :" اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995"
كما صدر له كتاب :" نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه عام 2009"

و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة وقصائد .. كما نشرت له بعض المجلات و الصحف العربية .. مقالات فكرية وحضارية..
له مخطوطات عديدة أهمها :
ذكريات زمن مضى (رواية) نحو إعادة تشكيل الفكر العربي الإسلامي في العصر الحديث ﴿مقالات فكرية / حضارية﴾ ...

اللغة العربية و الإبداع الحضاري

محمد سالم بن عمر

المقدمة
قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا!
تعتبر اللغة من أهمّ مقوّمات الشعوب. فهي ترجمان فكرها وعواطفها ومختلف مظاهر الحضارة والتمدّن فيها ،ولقد أدركت مختلف الأمم و الشعوب هذه الأهمية للغة، قديما وحديثا، فلم تتوان أيّ منها عن دراسة لغتها، والإهتمام بها، والحرص على نشرها وتعليمها للآخرين وتحبيبها إليهم.
ولقد بحث الإغريق في طبيعة اللغة ونشأتها، وتضافرت جهودهم في سبيل وضع قواعد للغتهم ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد. وشارك الفلاسفة اللغويين فكانت أبحاث أفلاطون في أصل الكلمة، ومشكلة المعنى كما درس العلاقة بين الأشياء والكلمات. وتابعهم في ذلك الرومان، فدرسوا اللاتينية ولما كان الإغريق قد اقتصروا على دراسة لغتهم فقط ، فقد فعل الرّومان مثلهم فلم يدرسوا قواعد أيّة لغة غير لاتينية، كأنّهم أرادوا أن تصبح هذه القواعد قوانين عامة تصلح لجميع اللغات، وهي نظرة سادت في أوروبا ، وظلت آثارها إلى سنوات قليلة مضت قائمة ، إذ حاول اللغويّون هناك تطبيق قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على اللغات التي انحدرت منها غاضين النظر عن مسافة الخلف بين هذه اللغات الحديثة وتينك اللغتين الميتتين.
ولقد انصبّ اهتمام الإغريق والرومان على وضع قواعد لما يمكن أن يقابل اللغة الفصحى أو النموذجية، وهي لغة لم تكن متحدثة آنذاك وانشغلوا بوضع قواعد وضوابط ومعايير محدّدة لهذه اللغة سميت بالقواعد "المعيارية" وهي لا تتغير بمرور الزمن.
أما في الهند فقد كان للكتاب الذي ألفه "بانيني" في القرن الرّابع الميلادي، الأثر البارز في توضيح قواعد اللغة السنسكريتية مبيّنا فيه وواصفا النظام الصوتي والصرفي والنحوي لتلك اللغة وصفا دقيقا.
و لا تزال الأمم و الشعوب في العصر الحديث تولي أهمية بالغة للحفاظ على لغاتها و تطويرها و نشرها، من ذلك إقدام الدولة الفرنسية على التدخل في الواقع اللغوي عبر قوانين أصدرتها في سنوات 1490 و1510 و 1539 م ، و هذا الأخير هو الأشهر و المعروف بقانون فيلي كوتري، و قد سعت هذه القوانين إلى إبعاد اللاتينية و الإسبانية و الإيطالية من الساحة الفرنسية .
كما أبعدت لغات فرنسا و لهجاتها الأصلية التي تعد بالعشرات ، و من بينها اللغة الباسكية ، و اللغة الكاتالانية و اللغة البروطانية ، إلى جانب ما يعتبره ﴿ كلود هاجيج ) في كتابه : ﴿﴿ الفرنسية و القرون )) بلهجات فرنسا ، كاللهجة الفلامانيكية المنتمية إلى اللغة الهولندية ، و اللهجة الألزاسية المنتمية إلى اللغة الألمانية و اللهجة الكورسيكية المنتمية إلى اللغة الإيطالية
و قد قامت فرنسا بواسطة قانون ﴿ توبون ) ، سنة 1994 م بمنع استعمال اللغات الأجنبية خصوصا الأنجليزية في كل شيء بما في ذلك الإشهار. و وصل هذا القانون قمته عندما أراد ﴿ توبون ) ، وزير الفرانكفونية ، إزالة كلمات أنجليزية مترسخة في القاموس اللغوي منذ قرون .
و في العصر الحديث أدركت المجتمعات الراقية أهمية اللغة في حياتها وحياة الشعوب التي تريد غزوها ، وبسط الهيمنة عليها فأخذت تنفق "الأموال الطائلة" من أجل تصنيع الثقافة بلغاتها وتصديرها إلى جميع أصقاع العالم ، تصرف بها وجوه الناس إليها وتغزوهم في عقر دارهم عن طريق القنوات المرئية والإذاعات المسموعة والمجلات والكتب والصحف و الشبكات العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ... تفرض عليهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - نمط حياتهم وطريقة عيشهم، وأسلوب تفكيرهم، وتقدم لهم الحلول لمختلف المشكلات التي تهم حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي خضم هذا الواقع الذي تتصارع فيه مختلف الأمم والشعوب من أجل الحفاظ على لغاتها ونشرها وتطويرها ننظر بعين الحسرة و الألم إلى المستوى المنحدر الذي آلت إليه اللغة العربية، لغة القرآن ، وقد ساهم كل منّا بقسطه في هذا الإنحدار الرهيب ، وجنينا جناية بالغة في حق أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة بل في حق اللغة العربية. يقول الأستاذ فاروق جويدة تحت عنوان ﴿﴿قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا)) :
﴿ اللغة العربية في محنة هذه حقيقة نكاد ندركها ونلمسها جميعا، ولكننا للأسف الشديد نقف أمامها مكتوفي الأيدي كمن يشاهد ابنه يصارع أمواج البحر ولا يحاول إنقاذه، ومحنة اللغة العربية ظاهرة يتصاعد دخانها أمام أعيننا منذ سنوات طويلة حتى وصلت الأحوال بها إلى درجة توشك فيها أن تصبح غريبة بيننا).
و سعيا منا إلى إنقاذ اللغة العربية و المساهمة و بلبنة بسيطة في مزيد إشعاع هذه اللغة الجميلة و إيلاؤها الأهمية التي تستحقها بوصفها تمثل هويتنا الوطنية و رصيدنا الحضاري حاضرا و مستقبلا ، سنسعى – قدر المستطاع – إلى إبراز :
1 – الظروف التاريخية لتقدم اللغة و الخط العربي و تطورهما وانتشارهما ؟
2 – خصائص اللغة و الخط العربي و مدى تميزهما عن بقية لغات العالم ؟
3 – المخاطر المحدقة باللغة العربية سواء أكان ذلك من قبل ﴿ العرب ) أنفسهم أو من قبل أعداء اللغة العربية و المتربصين بها ؟.
و نختم هذا الباب بالحديث عن البدائل التي يطرحها أعداء اللغة العربية و مدى تفاهة ما يطرحون ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تسهل علينا كشف النقاب عن :
4 – كيفية النهوض باللغة العربية و مزيد نشرها و تطويرها ... ؟ و قد ختمنا بحثنا بتوجيه التماسا إلى المشرفين على وسائل إعلامنا و إلى المهاجرين من أبنائنا باحترام لغتنا الأم لأن في احترام لغتنا هو احترام لهويتنا و كينونتنا الحضارية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الباب الأول
الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية و انتشارها


لقد أحب العرب القدامى ، قبل مجيء الإسلام ، لغتهم و تباروا في إتقانها و تجويدها واستعملوها في حلهم و ترحالهم، و في خطبهم و أشعارهم ... و شهدت منطقة الجزيرة العربية أسواقا أدبية عديدة من أشهرها : عكاظ و مجنة و ذو المجاز و غيرها .. و كان عكاظ أشهرها جميعا، فكانت تنتقى فيه القصائد العصماء التي اشتهرت باسم ﴿﴿ المعلقات )﴾ لتعليقها عند الكعبة بعد تمحيصها و خضوعها لإشراف و نقد دقيق وضعت نظمه قريش .

و بعد مجيء الإسلام ترقت بلاغة العرب بسبب نزول القرآن ﴿بلسان عربي مبين ﴾. فأصبح كلام المسلمين من العرب أعلى طبقة في البلاغة و أذواقها من كلام أهل الجاهلية في نثرهم و نظمهم ، فنجد شعر حسان بن ثابت و عمر بن أبي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق ... ثم كلام الشعراء في الدولة الأموية و صدر الدولة العباسية ارفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة و عنترة وابن كلثوم، و زهير و علقمة و طرفة و من كلام أهل الجاهلية، لأن هؤلاء قد سمعوا و حفظوا القرآن "وهو من خلق الله الواحد و إبداعه المتفرد" و الذي عجز الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فنشأت على أساليبه نفوسهم ،فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية.
و لقد انطلق آباؤنا المسلمون من الجزيرة العربية زاحفين إلى أقاصي الأرض ، متجاوزين الآفاق البعيدة التي لم يحلموا بالوصول إليها من قبل ، ليؤدوا الأمانة الكبرى التي اختارهم الله لها دون غيرهم من سائر الأمم، و حمل رسالة الإسلام ونواميسه الفطرية الأزلية الخالدة إلى كل شعوب الدنيا . و قد كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة الإسلام . فبها وحدها يستطيعون نقل تعاليم الإسلام الحقيقية و آياته البينات إلى الآخرين،و بها وحدها يستطيع المسلم الجديد أن يكون مسلما حقيقيا ، مستوعبا ومستجيبا لكل أوامر الله و نواهيه في القرآن، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ﴿ تعلموا اللغة العربية فإنها من دينكم ﴾. و يقول أبو إسحاق ألشاطبي ﴿﴿ في الموافقات﴾) : ﴿إن هذه الشريعة المباركة عربية فمن أراد تفهمها فمن وجهة لسان العرب و لا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة﴾.
فالدين الإسلامي لم يكن مجرد عقيدة و تشريع و مبادئ يعتنقها المسلم فحسب، بل هو معجزة فنية ، لغوية و فكرية، معنى و مبنى، بعث الله بها إلى الأرض لتصغي إليها قلوب تحجرت فتلين ، و تتعلق بها عيون جفت فيها المشاعر فتتفجر بالدموع ، و عقول تراكم فوقها غبار القرون ، فانجلت و تجددت و اهتدت بنور الله وهي تستيقظ على هذا الصوت الرباني الذي جاء يتحداها فيما تحدت به من قبل كل البشر : البيان و البلاغة ، - معنى و مبنى - و بذلك ارتكز المسلمون الأوائل الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإسلام و مراميه ، على ازدواجية الدعوة لدى الشعوب المفتوحة : دعوة القلوب إلى الإيمان و الألسنة إلى التعريب . فدخل الناس في دين الله، و الألسنة في لغة القرآن أفواجا ، فصنعوا حضارة لا تزال معالمها إلى اليوم شاهدة عليهم .
و لقد مر الحرف العربي وصولا إلى ما هو عليه بمراحل تحسينية عديدة ،عبر سنواته الطوال ، بدءا بالحرف غير المنقط ، و قد كان يقرأ غير منقط و غير مشكول دون خطإ حتى من الصبية لأنهم رضعوا الكلام الصافي من المنهل الذي نهل منه آباؤهم فجاء كلامهم فصيحا.
فلما جاء الإسلام و أنار الدنيا بتعاليمه ، دخل الأعاجم فيه و اختلطوا بالعرب و تعلموا لغتهم ليفهموا تعاليم الإسلام و يحملوا مع إخوانهم أمانته ، فظهرت حينها أخطاء القراءة و الكلام ، فاجتهد أبو الأسود الدؤلي لمعالجة الموقف، فقام بوضع أول علامات لشكل اللغة العربية حيث طبقت لأول مرة على القرآن الكريم .
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف بحور الشعر العروضية و واضعها ، فزاد اللغة تحسينا و تجميلا آخر ، حيث طور حركات أبي الأسود الدؤلي بحركات أكمل وضوحا ، وهي نفس الحركات التي نستعملها اليوم .
و في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عهد إلى نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر إيجاد حل للتفريق بين الحروف المتشابهة كالباء والتاء و الجيم و الحاء و الخاء ... حيث قاما بوضع النقاط على الحروف المتشابهة ، و كانت هذه المرحلة أتم المراحل في تزيين الحروف العربية مما جعلها أكثر بهاء و بريقا و حماية للألسن من الخطإ .
و لقد تواصل اهتمام المسلمين بلغة القرآن الكريم ، و كانوا يعتزون بها و يفخرون ، حتى راحوا يذبون عنها كل شائبة ، و يبينون خصائصها ، و جمالها ... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار ، و برزت في سماء العلم أسماء رجال أجلاء عرفهم العالم و شهد لهم العلماء من جميع أصقاعه نذكر منهم بالإضافة إلى أبي الأسود الدؤلي و الخليل بن أحمد : سيبويه ، و أبي علي الفارسي ، وابن جني و ابن فارس ، و الثعالبي و السيوطي و الأصمعي و الجرجاني و قوافل أخرى ممن خلفوا لنا تراثا تفوق فخامته ما أتى به غيرهم و استوفت اللغة جميع جوانبها النحوية و الصرفية و الصوتية و المعجمية و البلاغية . و لقد تملك كل هؤلاء حب اللغة الفصحى، و أخلصوا للغة القرآن ، و ظلوا على ذلك حتى استوت علوم اللغة العربية و اكتملت فروعها . و عندئذ أضافوا استطردات مبسوطة وافتراضات كثيرة ، و طرقوا مسائل وهمية ، تخيلوها و كدوا أذهانهم في حلها .
كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية ، و أبدعوا خطوطا جديدة زينتها بحلة قشيبة لا تزال تحتفظ بها و تنبض جمالا يأخذ بالألباب ، ذلك لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا كما يؤكد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
إن جمالية الحرف العربي ، و مرونته الساحرة و رشاقته الخاصة بما له من أشكال متعددة ، متصلة و منفصلة و لا سيما إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال عديدة ، و بصياغات جمالية متنوعة ، فتح الباب أمام فناني الحرف للتنافس في تجميله و تزويقه و تطويره جماليا باستمرار ، و لقد أولاه الدين الإسلامي الحنيف كل اهتمام ، من ذلك أن العديد من فواتح السور القرآنية تبتدئ ببعض الحروف : ألم ، ألمر، كهيعص، ق ، طه ، يس، ن ... ، و هل من تكريم للحرف أعظم من القسم به ، كما في سورة ﴿﴿ القلم )) : ﴿ ن ، و القلم و ما يسطرون) فالحرف يدل على ما في اللفظ ، و ما في اللفظ يدل على ما في الفكر ، و ما في الفكر يدل على الروح و الروح تدل على عظمة الله خالقها و العالم بأسرارها ، من هنا جاء الإهتمام بتجميل الحرف تفصيلا و جملة ، فظهر في العمارة ، و كأنه اللآلئ، مزينا المساجد و المآذن و القصور من الخارج و الداخل بآيات الذكر الحكيم ، و العبارات المأثورة من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم و الحكم و غيرها .
لقد زين الرسامون المسلمون المساجد و المنازل و القصور في مختلف البلاد الإسلامية و جملوا الأثاث و السجاد و الملابس و المباني على اختلاف أنواعها و الآلات كلها حتى المدافع و الكتب بتلك الحروف النورانية التي تكون مع بعضها البعض كتاب الله الخالد و الأزلي و المعجز ، و هناك من اللوحات البديعة التي لا تزال محفوظة في المتاحف و البيوت .
لقد انطلق المبدعون و جالوا و تفننوا في صياغة الحرف العربي و تركيبه ، في أنحاء العالم الإسلامي ، فدرس الفنان تراكيب مختلفة ، مراعيا العلاقات التكوينية في دراسة الفراغات ، فكان همه استمرارية ابتكار التكوينات التي تتآلف من انسجام الحروف و كأنها أصوات موسيقية مرئية ، تسمع بعينك و بروحك صوت اللآلئ المرصوفة ، حاملة الألفاظ القرآنية المباركة ، و كانت غاية الفنان أن يبدع في تراكيب و تآليف يغور فيها الناظر ، و يرتع مكحلا عينيه بجمالها .
و هذا الإهتمام بالحرف العربي نتجت عنه أنواع كثيرة من الخطوط ، اللينة و المزواة ، و أصبح الخط فنا جماليا ، و ارتبط كليا بالحضارة الإسلامية ، و ساد على باقي الفنون، و قد اشتهر من الخطوط : النسخ و الرقعة و الكوفي و الثلث و الفارسي و الديواني و تفرعت من هذه الخطوط خطوط كثيرة ، لقيت من الجميع الرعاية ، فأقدموا على دراستها و خاصة المسئولون من حكام و سلاطين و أمراء ، قال أحد الشعراء :
يخطط مولانا خطوط ابن مقلة فينظمها نظم اللآلئ في السلك
فهذا عليه بهجة الخط وحدها و ذاك عليه بهجة الخط و الملك
و الوزير ابن مقلة السالف ذكره في بيت الشعر هو من وضع الأسس و الأنظمة الهندسية للحرف ، ثم ابن البواب، ثم ياقوت المستعصي الذي أصبح قبلة الكتاب في عصره ، ثم ابن الصايغ ثم شفيق ، و حقي و ماجد الزهدي و حسين حسني ، و عبد العزيز الرفاعي ، و حامد الآمدي و سيد إبراهيم و هاشم البغدادي و غيرهم . و لقد انفرد بأسلوب التعليق الفارسي ، مير علي التبريزي ، و مير علي الهروي ، و مالك الديلمي و مير عماد الحسني و أسعد يساري و غيرهم .
لقد بذل هؤلاء الرسامون جهودا مضنية للارتقاء بالحرف العربي و ساهموا بقسط لا يستهان به في تحقيق مجد اللغة العربية و الخط العربي حتى أن ﴿ بيكاسو ) عبر عن إعجابه بالخط العربي قائلا : " إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير وجدت الخط لعربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد ".
كما نسب للإمام علي كرم الله وجهه قوله: " الخط مخفي في تعليم الأستاذ، و قوامه على كثرة ألمشق، و دوامه على دين الإسلام ".فهو بحر واسع إلا أن معرفة أسراره وحدها دون التمرن المستمر على ألمشق لا تكفي ! و ماذا نحن فاعلون – حكومات و شعوب و مفكرون و مبدعون – للحفاظ على رمز هويتنا الحضارية و تنميتها ؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني
خصائص اللغة العربية و مميزاتها

تمثل اللغة العربية إحدى اللغات العريقة ذات الماضي الأصيل ، و التاريخ الحافل ، وهي لغة ثرية بأبجديتها الوافية التي تضم من الحروف ما لا يوجد كلا أو بعضا في لغات أخرى كالثاء و الحاء و الذال و الضاء و العين و الغين و غيرها ، فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر لغات العالم .
و القارئ للعربية يجد العجائب و الغرائب في أصواتها و حروفها و إملائها و بلاغتها ، في شعرها و نثرها ، فشعرها عقد منظوم تتلألأ منه أنغام الماضي و الحاضر و المستقبل ، بألحان مختلفة يلبي جميع الأهواء ، و نثرها جوهر منثور يزخر بألوان زاهية من البيان الساحر الأخاذ الذي لا يشبع نهم المشتاق و يشفي غليل الطراق ، وهي تفي بالقليل عن الكثير ، و تمج الغث و تعج بالسمين ، تترقرق من أفواهنا كماء الغدير تريح النفس بعذوبتها و تهدر كالبحر الهائج فتثير النفس و تشمخ بها نحو القمم ، و قديما قيل :" كلم اللسان أنكى من كلم السنان " فكم من شخص لقي حتفه بكلمة و آخر نجا من الموت بكلمة ، و كم كلمة رفعت صاحبها و أخرى أذلته .
و لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال هوية الأمة الإسلامية ، و لسانها الناطق ، و قلبها النابض و عقلها الواعي الذي يحوي تراثها و ثقافتها و مجدها و رمز وحدتها ، و منذ مجيء الإسلام استطاعت اللغة العربية أن تؤدي رسالتها كاملة ، فتنشر الدين الإسلامي في جميع الآفاق ، و أن تستوعب بوفاء و أمانة علوم الأمم الأخرى و ثقافتهم ،و هاهي اليوم تواصل رسالتها في الحفاظ على وحدة مجتمعاتنا الإسلامية بغير كلل أو إعياء . يقول المستشرق الألماني " بروكلمان " : " بفضل القرآن بلغت العربية من الإتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا. و المسلمون جميعا مؤمنون، بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، و بهذا اكتسبت العربية من زمان طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى".
لقد نص الله تعالى في كتابه الكريم على أنه أنزل " قرآنا عربيا " و " بلسان عربي مبين " ملقيا بذلك المسؤولية في حمل الرسالة المحمدية إلى البشر على كواهل هذه اللغة الشريفة ، لأن الله قد شرفها بأن اختارها ، لأول مرة و لآخر مرة ، ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز حوى نصوصا حرفية من كلامه المعجز عز و جل ، توجه بها إلى الناس كافة معلنا لهم دينه الذي ارتضاه لهم ، و واضعا لدنياهم و لآخرتهم القواعد و الأسس الفطرية التي تصلح أن يستقيموا عليها و إلى الأبد . فهذه ميزة تنفرد بها اللغة العربية ، و تتربع على عرش اللغات جميعا لأنها لغة القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين على سيد الخلق ، خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم : " و إنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين " ( سورة الشعراء الآيات 192 – 195 ) .
و هذا التكريم الذي خص الله به اللغة العربية جعل منها لغة عالمية لأن محمدا صلى الله عليه و سلم أرسل إلى الناس كافة ، كما جعل منها لغة باقية بما جاء به من تشريع أزلي يتماشى و فطرة الإنسان و خلقته صالح لكل زمان و مكان ،و ارتقى بها بما اشتمل عليه من عقيدة سليمة ، و مثل سامية ، و قيم رفيعة سامقة تتمثل في تحرير العقول من السفه و من كل المعوقات الفكرية التي قد تحجب عنها حقائق الوجود ، و تحرير القلوب من العمى و الدروشة ، و في الدعوة إلى الإيثار ، و التضحية ، و الحب و التسامح ، و الرحمة ،و الحق و العدل ، و التنفير من الرذيلة في أي مكان و أي زمان . و كل هذا يجعل من اللغة العربية ضرورة حتمية لفهم القرآن و مدلولاته الدقيقة و في ذلك يقول الشافعي : ( فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به بأن لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسول الله و يتلو به كتاب الله و ينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير و التسبيح و التشهد و غير ذلك . و مهما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته و أنزل به آخر كتابه كان خيرا له ).
و يضيف ابن تيمية رحمه الله : ( فإن نفس اللغة العربية من الدين و معرفتها فرض وواجب فإن كتاب الله و السنة فرض و لا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
و يتابعه في ذلك أبو منصور الثعالبي في مقدمة كتابه : ( فقه اللغة و أسرار العربية ): " من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و من أحب النبي العربي أحب العرب ، و من أحب العرب أحب اللغة العربية التي تنزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم و العرب ". و قبل هؤلاء جميعا أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاقة الوثيقة و المتينة بين الدين الإسلامي الذي جعله الله سبب صلاح بني آدم دنيا و آخرة و بين اللغة العربية لغة أهل الجنة فقال: ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) . فأي مسلم هذا الذي يتنكر للغة العربية لغة القرآن و لغة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم !؟
إن اللغة العربية خصبة باشتقاقها و سهولته ، ثرية بكثرة ألفاظها و تصريفها ، مما يكسبها مرونة خاصة ، و يمنحها عطاء متجددا ، و يجعلها أقدر اللغات على التعبير في كافة العلوم و الفنون و مختلف المجالات الحياتية ، يقول المستشرق " جوبيوم " في مقدمة كتابه (تراث الإسلام ): "إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها و اشتقاقها و خاصة ما يتصل بالفعل و الإسم . فمثلا مادة الفعل "دار" يشتق منها : أدار، و دوّر، و تدوّر،و تداور، و داور ، واستدار ، و دوْر ، و دوران و دوار، و داره و دوّار، و مدار و مدارة ،و مدير،وهكذا .."
كما أن للعربية قدرة على التجريد و النزوع إلى الكلية و الشمول حيث تتلاقى كلماتها في الغالب على أصول تجمع بينها و تتجلى فيها ، فعلى سبيل المثال نجد الكلمات ذات الأصول من السين و اللام و الميم تلتقي عند أصل يجمع بينها وهو التعري عن الآفات الظاهرة و الباطنة ، فيتمثل معنى التعري عن الآفات الظاهرة في قوله تعالى في سورة البقرة آية 71 : (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض و لا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ). فكلمة مسلمة تشير إلى أن الله قد سلم البقرة المطلوبة من العيوب أو سلمها أهلها من العمل. و يتمثل معنى التعري عن الآفات الباطنة في قوله تعالى في سورة الشعراء الآية 88 و 89 : ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). فالقلب السليم هو الخالي من الدغل واستبطان الحقد و العداوة أو السالم من الدنس و الشرك بالله أو السالم من البدعة المطمئن إلى سنن الله . و لقد صور لنا القرآن الكريم ما يعتري نفوس البشر و حالاتهم في المواقف المختلفة ، أدق تصوير ، بكلمات دقيقة تحمل كل منها معناها حتى و لو كان الإختلاف بين الكلمات في حرف واحد كما في كلمتي اهطاع و اهراع و قد ورد في لسان العرب قولهم : " لا يقال للإسراع في السير إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، و لا إهراع إلا إذا كان معه رعدة . و يلاحظ أن هذا الإختلاف في المعنى في قوله تعالى : ( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى ألداع يقول الكافرون هذا يوم عسير) سورة القمر آية 7- 8. مقارنة بقوله تعالى : (ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون، و لقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) سورة الصافات الآيات 68 -71. هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز ، و ذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها ،و إلى التأكيد على إظهار هذه الحروف ، و لا سيما ما يحتاج منها في نطقه إلى ضغط أو نبرة معينة كحروف القلقلة ، و الحروف التي تخرج من بين الثنايا ، و غيرها بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي لا تحفل بذلك ، فلا يكاد الحرف فيها يبين ، أو تكثر بكلماتها الحروف الساكتة ، أو التي يتلاشى بعضها في بعض أثناء النطق . هذه الخصوصيات التي تتميز بها اللغة العربية يجعلها تقبل عن جدارة الإعجاز البياني و ضروبه مما لا يتوافر في الكثير من اللغات الأخرى لكون ذلك طبيعيا فيها بفضل جزالتها و دقة أوضاعها و إحكام نظمها واجتماعها على تأليف صوتي يكون موسيقيا محضا في التركيب و التناسب بين أجراس الحروف و الملائمة بين طبيعة المعنى مما يجعلها قريبة من نفس كل إنسان لاتفاقها مع فطرته . و قد أدى كل ذلك إلى وجود كلمات ليس لها مقابل في اللغات الأخرى من ناحية الدلالة مثل : الحق – الرحمة – الرحمان – العالمين ... يقول الدكتور محمد جمال الدين الأفندي في الفصل الرابع من كتابه : ( الإسلام و قوانين الوجود ) : " و لا أظن أن هناك لغة تستطيع أن تعبر عن كثير من ألفاظ القرآن ، أو تستوعب معانيه غير العربية .. فقد كنت ضمن لجنة لترجمة معاني القرآن، - و لا أقول ألفاظ القرآن أو القرآن نفسه فهذا أمر مستحيل – و وقفنا طويلا أمام بعض الكلمات لا نجد لها مقابلا مثل كلمة " الرحمان" و كلمة " الله " و حتى كلمة "رب " ليس معناها DOG المستعملة عادة في الترجمات و كلمة " العالمين " ليس معناها الكون و "عباد" ليست بمعنى عبيد و لا حتى خدم ".
إن هذا الإعجاز البياني يجعل من طواعية العربية الفصحى و مرونتها و قدرتها على مطالب النفس الإنسانية بمشاعرها و انفعالاتها لا تدانى ، و اللغة العربية مع هذا تمتلك من مقومات الجمال ما تستحق به عن جدارة أن يطلق عليها لغة الجمال ، يتجلى ذلك فيما حوته من روائع الكتاب و السنة ، و فيما زخرت به من حكم و أمثال و في خطها العربي بأنواعه المختلفة ( النسخ ، و الرقعة ، و الثلث و الفارسي ، والديواني .. ) و غيرها مما لا تضارعها فيه لغة أخرى ، و في موسيقاها النابضة المعبرة الشجية الملونة التي تجد مجالها فسيحا في التنوين ، و الإدغام و المد ، و الإمالة ، و السجع ، و غيره ، و في ألوان البديع ، و في بعض بحور الشعر كالمتقارب و المتدارك ، و الهزج ، و الرجز ، و مجزوء بعض البحور كالوافر و الكامل و غيرهما .
إن هذه الخصوصيات الكثيرة التي تميزت بها اللغة العربية و جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعا بما احتوت عليه من ضروب البيان و البلاغة و الإعجاز و سهولة الإشتقاق منها ، و قدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها ، و أتراحها ، في هزلها و جدها ، في علومها و أدبها ، مما رشحها للتعبير عن كلمات الله التي تحدت الإنس و الجن أن يأتوا بمثلها فعجزوا : ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين) سورة البقرة الآيات 23- 24 .
كل هذا التميز لم يشفع لها من التراجع و الإنحدار إلى مستوى لم تعد تحسد عليه ، و أصبحت هذه اللغة الجميلة الرائعة تعيش محنة تذيب قلوب العاشقين لها حسرة و كمدا، أمام ما يتهددها من أخطار و مكائد تحاك لها من قبل الناطقين بها و غير الناطقين سواء وعوا بذلك أو لم يعوا.

 

 

 

 

الباب الثالث
المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث ؟

صلة وثيقة و متينة ربطت اللغة العربية الفصحى بالدين الإسلامي الحنيف،منذ نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، مما حدا بالمسلمين إلى اعتبار اللغة العربية من الدين و أس من أسسه " و إنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين " (سورة الشعراء الآيات 192 - 195) . وقد كان النبي محمد صلى الله عليه و سلم يفخر و يفرح كل الفرح بالإفصاح و يأبى اللحن و يقول : "و إن من البيان لسحرا "، مما نتج عنه اهتمام علماء المسلمين بها و كانوا يفخرون بها و يعتزون، كما راحوا يذبون عنها كل شائبة، و يفردون لها المصنفات العديدة التي تبين خصائصها و تميزها، و جمالها... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار و نشروها حيثما حلوا وارتحلوا...،
و منذ بدايات العصر الحديث ،أخذت الرابطة الإسلامية تتراجع كشكل من أشكال ضمانات البناء السياسي القائم و تحصينه ، أمام ضربات الإستعمار الغربي الموجعة وتقطيعه لأجزاء عديدة من الخلافة العثمانية و سقوط البلاد العربية الواحدة تلو الأخرى في براثن الإستعمار الغربي المقيت بدءا بالجزائر عام 1830م و تونس عام 1881م و مصر عام 1882م ... بالإضافة إلى اشتداد السياسة الإستبدادية التي سلكها السلاطين العثمانيون المتأخرون ، كل هذه العوامل أدت إلى درجة قصوى من التخلف و الإنحطاط و الجهل ، فلم يعد هناك علماء و مفكرون إلا قليلون ، و قلت الرغبة في البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف الميادين العلمية و اللغوية و الحضارية ، لأن الدولة لا تشجعها ، فليس إلا ترديد بعض الكتب الفقهية و النحوية و الصرفية و نحوها ، حتى قال السائح الفرنسي "ميسيو فولني" الذي زار مصر و بلاد المشرق العربي و خاصة الشام : (إن الجهل في هذه البلاد عام شامل ، مثلها في ذلك مثل سائر البلاد التركية ، يشمل الجهل كل طبقاتها ، و يتجلى في كل جوانبها الثقافية ، من أدب و فن ...) . هذا التراجع الحضاري نجم عنه ركود في كل الميادين العلمية و اللغوية، فبقدر ما كان المد الحضاري الإسلامي يتراجع كان اللسان العربي يتقلص، لأن الإسلام هو الذي حافظ عليها، و صانها، و رسم لها الحدود النهائية التي استمرت عليها حتى الآن.
إن هذا التهلهل الحضاري الذي أصاب الناطقين بالضاد استغله الجاهليون و الوثنيون الجدد ليطعنوا في لغة القرآن و يرمونها بالقصور حينا ، و بالجمود أحيانا أخرى ، و بذلوا و يبذلون جهودا جبارة لمحاربة الفصحى ، و تحريك الأقلام المأجورة ضدها . لقد أدرك أعداء أمتنا الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية و الدين الإسلامي و بين الدين الإسلامي و مجد و وحدة المسلمين ، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم و البداوة و ألقوا عليها مسؤولية تخلفنا رافعين شعار " من أراد التقدم و الرقي فلا يتكلم العربية "زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة و أنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
إن محاربة اللغة العربية الفصحى قد تشكلت في أشكال مختلفة وارتدت الأقنعة المتنوعة ، و تلونت بحسب الظرف الزماني و المكاني لأعداء أمتنا و لغتنا ، و إن اتفقت جميعها على استبدال اللغة العربية الفصحى بلغات المستعمرين أو باللهجات الدارجة للدول الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف اللاتينية لمسخها و القضاء على صحة النطق بها ، أو تغيير الأساليب البيانية و البلاغية للغة الفصحى ...
فقد شنت فرنسا منذ احتلالها للجزائر يوم 5 جويلية 1830م حربا لا هوادة فيها ضد اللغة العربية ، فأغلقت المدارس التي كانت مزدهرة قبل الإحتلال ، ثم اعتبرت اللغة العربية أجنبية حرم استعمالها في مصالح الحكومة ، و كانت فرنسا تعاقب كل من ينشئ مدرسة لتعليم اللغة العربية . أما المدارس التي أنشأها الفرنسيون فكانت كلها مدارس فرنسية ، و كانت الجامعة الجزائرية التي أنشئت عام 1887جامعة فرنسية أيضا ، و لا يدخلها من الجزائريين إلا من تكون له حظوة لدى المحتلين . كما بذل الفرنسيون جهودا كبيرة و قاموا بأعمال مستمرة لتنصير بعض أبناء القرى الجزائرية ، و هدم المساجد و تحويلها إلى كنائس . و في يوم 8 مارس 1938م أصدر ميسيو " شوطان " الفرنسي قرارا يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ،و كان القرار – في حقيقته – امتدادا للقانون السابق صدوره في 24 ديسمبر 1904م ، و الذي يمنع تعليم العربية في جميع مدارس الجزائر ...
و في مصر دعا اللورد " دفرين " البريطاني سنة 1883م إلى محاربة العربية و الإهتمام باللهجات العامية ، و سار على نفس النهج " ولييم ديلكوكس " سنة 1892م ، و كان " ديلكوكس " هذا يعمل مهندسا للري في مصر ، فقام بترجمة الإنجيل إلى ما أسماه باللغة المصرية . و تبعه القاضي الإنكليزي "ولمور" الذي عاش في مصر و ألف سنة 1902م كتابا باسم ( لغة القاهرة ) واقترح فيه قواعد نصح باتخاذها للعلم و الأدب ، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية . و كان الهدف من بذل كل هذه المجهودات هو القضاء على لغة القرآن ، لغة الإسلام الوحيدة و تحقيق حلم " ولييم جيفور دبلجراف " الذي قال : ( متى توارى القرآن و مدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في قبول الحضارة المسيحية التي لم يبعده عنها إلا محمد و كتابه ) !؟
و على نفس هذا النسق سارت بقية الدول الإستعمارية الأخرى في مختلف البلاد العربية و الإسلامية ، ساعية جهدها إلى قبر اللغة العربية و من ثم قبر الهوية الإسلامية لشعوبنا . و واصل هذه المجهودات الإستعمارية الجبارة في وأد اللغة العربية مجموعة هامة من حلفاء الإستعمار و الذين باعوا أنفسهم للشيطان ضد مصالح أمتهم العربية و الإسلامية و على رأس هؤلاء و أخطرهم يأتي سلامة موسى في كتابه ( البلاغة العصرية و اللغة العربية ) فقد تناول هذا الأخير في كتابه مخطط الهجوم على اللغة العربية و انتقاصها و الدعوة إلى العامية لتكون مصدر البلاغة العصرية زاعما أن الفصحى لا تستطيع التعبير عما تستطيع العامية أن تعبر عنه . ؟! فدعا إلى الأسلوب التلغرافي و مهاجمة الأسلوب البياني ، و إلغاء الحرم و العرض من اللغة بدعوى أنه تراث لغوي قديم يحمل عقدة اجتماعية يجب أن نكافحها ، كما دعا إلى الكتابة بالحروف اللاتينية و إدخال الكلمات الأعجمية دون قيد ، و هو بهذه الدعوة أراد في الحقيقة أن يكون الأسلوب خاليا من الروعة و البراعة و الجمال و الموسيقى التي تميز اللغة العربية ، فلا يمتاز عن أسلوب الخطاب المعتاد المتداول في الشؤون اليومية ، متعمدا تجاهل أن الأديب شاعرا كان أو كاتبا ، إنما يفتن القلوب و يسحر العقول بألفاظه . و ليس اللفظ رمزا يشير إلى فكرة و معنى فحسب، بل هو مجموعة من صور و مشاعر أنتجتها التجربة الإنسانية و بثها اللفظ ، فزادت خصبا و حيوية ، فالألفاظ تصدر عن الأديب مشحونة بعواطفه و تجاربه و تحمل مكنونه الذي اختزنه على مر العصور في خصائصها و سماتها ، و الأسلوب التلغرافي الذي دعا إليه سلامة موسى لا يحقق شيئا من ذلك لأنه قائم على النفع وحده لا على الجمال . و لو أن الأسلوب لا قيمة له إلا أن يكون تلغرافيا يسفر بين الناس بالمنفعة وحدها ما حرص الأدباء على تجويد أساليبهم في اللغات كلها و لاستوت العبقرية و التفاهة ، و القدرة و العجز ، بل هي مؤامرة على اللغة العربية لاجتثاثها من النفوس و إرباك عشاقها بتفاهات ما كان ينبغي أن تصدر عن الدكتور سلامة موسى الذي يدعي في العلم معرفة ؟! و يبقى أكبر دليل على كذب هذا الرجل، و وهمه و خبث طويته، أنه كان يدعو إلى العامية مستخدما في ذلك الفصحى، يدعو إلى العامية وهو يتكلم الفصحى ... إنه لم يستطع أن يتخلص من لغة أمته الفصحى فكيف تعجز الفصحى عن التعبير عما زعم !!؟ و قد واصل مجهوده سعيد عقل اللبناني داعيا إلى استخدام اللهجة العامية و كتابتها بالحروف اللاتينية قائلا : "من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن " . و رصد جوائز عديدة لمن يكتب ديوانا للشعر باللغة العامية ، و كتب ديوان ( يارا) بلغة عربية في أحرف لاتينية وهو (رجل حراس الأرز) الذين جعلوا شعارهم قتل الغرباء ( أي قتل المسلمين). و تقدم عبد العزيز فهمي عضو المجمع العلمي المصري سنة 1942م باقتراح يقضي باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية و شغل المجمع العلمي ببحث اقتراحه ثلاث سنوات. و لعل التاريخ لن ينسى مجرما لم يكتف بالدعوة إلى ذلك بل دخل بنفسه المدارس معلما الحروف الجديدة للمدرسين و الطلاب...؟! إنه ذلك اللقيط الذي حارب المسلمين و أسقط الخلافة الإسلامية ( كمال أتاتورك ).
و في سنة 1973م انعقد في لبنان مؤتمر ضم عددا من أساتذة الجامعات في أمريكا و أوروبا و البلاد العربية و بحث فيه اقتراح فرنسي قدمه "جاك بيول " و "أندريه رومان "و " رولان مانييه " باستعمال اللهجات العامية الدارجة و ذلك بحجة أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه !
و تنوعت دعاوي هؤلاء الإمعة و تبريراتهم ، فمنهم من حاول إقناع الجماهير بأن اصطناع اللغة العامية في الأدب و الصحافة إنما اعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير فيه ، و منهم من زعم أن للعامية قدرة على الوفاء بحاجات البشرية و قدرة على التعبير عن مطالب الحياة العصرية ، و أنها وسيلة ميسرة لتثقيف الجماهير الشعبية و تقريب الثقافة منهم ...إلخ .
إن أية دعوة تحاول النيل من اللغة العربية في قليل أو كثير ، مهما لبست من أقنعة ، و زخرفت من قول إنما هي دعوة مسمومة مفضوحة يريد بها أصحابها أن يطفئوا نور الله ، و يخربوا هوية الأمة الإسلامية حتى يسهل لهم بعد ذلك تذويبها و تركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح امتنا . إن هذه الدعوات المشبوهة تريد أن تطمس شخصيتنا و تميزنا الحضاري ، و تسعى إلى دمجنا و صهرنا إلى حد الذوبان في " الآخر العدو" لتحيلنا في النهاية إلى أذناب ليس لهم حول و لا قوة . و لكن هيهات ... هيهات !! فاللغة العربية خالدة، لأنها لغة القرآن، و القرآن خالد ما دامت السماوات و الأرض ... يقول عز و جل: (( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظن ) ) سورة الحجر الآية 9.
إن اللهجة العامية التي يريدها أعداء امتنا بديلا عن اللغة العربية الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد إلى آخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها ، مضطربة في قواعدها و أساليبها حتى أن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ، كما أنها لا تقوى على الشؤون الدقيقة و روح الإنسانية ، لان الفكر إذا لم تسعفه وسيلة قوية و أداة مواتية في التعبير عنه خمدت جذوته و ضعف شأنه و حينئذ يضيق نطاقه . و هذا من شأنه أن يخمد الثقافة العربية الإسلامية و ينكص بها إلى الوراء . إن الدعوة إلى استعمال الدارجة و القائلة بتقريب الثقافة من الجمهور لهي دعوة كاذبة و ساذجة ، إذ الأحسن من ذلك هو الإرتقاء بذوق القارئ ، و لا ننسى أنه بنفس هذا المنطق يمكن أن يروج للفن الهابط و الذوق السمج و الأخلاق الهابطة بدعوى أنها من "إبداع "الجماهير ، يقول العقاد : (( اللغة العامية لغة الجهل و الجهلاء و ليست بلغة الشعبيين ، و لا من يحبون الخير للشعوب ، لأن الغني الجاهل يتكلم العامية و لا يقرأ اللغة الفصحى و لا يمتاز بفهمها على الفقراء )).
أما الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية ، فيعتبر مسخا لها و قضاء على صحة النطق بها. فعلى سبيل المثال يعبر بالحرف : D عن كل من حرفي الدال و الضاد مما يؤدي إلى الخلط بين حرفي الدال و الضاد و وضع كل منهما مكان الآخر . و كذلك الحال بالنسبة للتعبير عن حرفي العين و الهمزة بالحرف اللاتيني A. كما يعبر عن حرفي الهاء و الحاء بالحرف اللاتيني H ، و قس على ذلك العديد من الحروف الأخرى .
لقد قامت فرنسا الإستعمارية برسم مشروع منفرد أطلق عليه مشروع الفرانكفونية يهدف إلى { فرنسة } كل دول إفريقيا و دول جنوبي شرق آسيا الفقيرة منها على الخصوص "فيتنام "مثلا ، و أوروبا الشرقية و بعض الدول الأمريكية انطلاقا من "كيبك "الكندية ، و هذا المشروع الفرانكفوني له عشرات الأنشطة و المؤسسات التي تخدمه . و يبقى الهدف الرئيسي لفرنسا الإستعمارية هو توطيد الفرنسية في المغرب العربي و شمال إفريقيا .. فماذا فعلنا نحن لمواجهة هذا الغزو الحضاري و حماية لغتنا من الإنحدار الرهيب الذي تعيشه لغتنا الوطنية حتى صارت غريبة بيننا ؟! إنه لشيء مخجل حقا أن نعلم أن كثيرا من الدول العربية تشارك في مؤتمرات القمم الفرانكفونية أو في إحدى المؤسسات الفرانكفونية (كتونس ، المغرب ، لبنان ...) مع العلم أن هذه الدول العربية ليست بدول فرانكفونية ،و إنما توجد بها أقلية فرانكفونية ، غالبا ما تكون من الطبقة الموسرة التي تسيطر على أغلب الوظائف العليا في الدولة . و نعود لنتساءل : ماذا يدفع هذه الدول إلى التهافت من أجل المشاركة في المؤسسات الفرانكفونية و الإصرار على الحديث بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و أهلك حرثنا و نسلنا و يسعى جاهدا لقبر هويتنا العربية الإسلامية؟!
إن الجواب يكمن في أن الفرانكفوني العربي – رمز التخلف و الإنبتات الحضاري – عنده عقدة المتخلفين ألا وهي عقدة الشعور بالنقص. فعندما يتكلم اللغة الفرنسية يحس بأنه ترقى إلى أعلى مستويات التقدم الفكري بينما ينظر إلى اللغة العربية كأنها لغة المتخلفين و رعاع الناس ، و الحقيقة الساطعة تفند هذه المزاعم ، فلقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة التقدم و الحضارة باستطاعتها أن تستوعب كل ما تنتجه الحضارة البشرية في مختلف الفنون و العلوم ، و قد برهنت على ذلك عندما نقل المسلمون فلسفة و علوم اليونان و الرومان و الفرس و الهنود ، و حولت كل ذلك إلى ثقافة واحدة ، وهي الثقافة الإسلامية . لقد دخلت في الإسلام شعوب و شعوب ، و لو قدر لهذه الشعوب جميعا أن تمتلك اللغة العربية ألسنتها كما امتلك الإسلام قلوبها ، لما كانت هناك اليوم مشكلة تواجه لغتنا رمز هويتنا و فكرنا و وحدتنا ، أما و قد انقسم المسلمون و أصبح كل حزب بما لديهم فرحين .. و سيطرت على كثير من الشعوب الإسلامية حالة "اللامسؤولية " تجاه اللغة العربية التي أصبحت بفضل القرآن لغة إسلامية عالمية ، واستغنوا عن القرآن بشروحه المترجمة ، القاصرة لطبيعتها البشرية .. و أنى لهذه الترجمات أن تنقل لأولئك إعجاز البيان القرآني ، بل إعجاز الفكر القرآني الذي لا يمكن أن تنقله كاملا ترجمة للنصوص و لا ترجمة لمعاني النصوص : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا ) سورة الكهف الآية 109.
إن السبيل الوحيد لبناء المسلم الحقيقي على الأرض في أي زمان و أي مكان هو إتقانه للغة الإسلام الوحيدة ، اللغة العربية ، لأن المسلم الذي لم يتمكن المسلمون المتأخرون من تبشيره بالعربية بعد أن بشروه بالإسلام لم يعد قادرا على أن يكون مسلما حقيقيا : مسلما يقرأ القرآن فيتدبره و يؤدي الصلاة فيخشع لمعانيها ، و يردد الأذكار و الأدعية فيطمئن قلبه لما فيها ... هذا المسلم لن يكون صورة حقيقية عن الإسلام لأن الإنفصال بين المسلم و العربية ينتج حتما الإنفصال بين المسلم و الإسلام القرآني الصحيح ، ذلك لان اللغة العربية وحدها استطاعت أن تعبر عن كلمات الله بدقة و إلا لما كان هناك داعيا لأن يختارها الله من بين جميع لغات العالم مؤكدا على قدرة اللغة العربية على الإبانة و التوضيح ( بلسان عربي مبين). لذلك تبقى اللغة العربية الوحيدة التي يمكن للمسلمين في جميع مشارق الأرض و مغاربها أن يجتمعوا عليها ، فيتناقلوا فيما بينهم مؤثراتها الفكرية و الجمالية .
لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة حضارة خالدة أولت الجانبين المادي و الروحي معا اهتمامها ، و حققت الإعتدال و الوسطية ، وهي ليست تلك اللغة اللاهوتية التي تحاط بهالة من التقديس تحجبها عن تلبية حياة المجتمع ، و تتركها قصية عن القيام بدورها في الحياة ، وهي ليست أيضا تطرح الدين جانبا لتنساق مع تيار يعجل بها إلى التذويب و فقد الهوية ، و أنى لها المقدرة على إبعاد الدين ، و إقصاء القرآن الكريم ، و التنكر لفكر المسلمين وهي التي استمدت من كل هذه الأسباب القوة و المنعة و طول العهد و العالمية . وهي ليست كذلك تلك اللغة المرتبطة بفترة زمنية قصيرة هدفها إشباع حاجات مادية أو علمية مؤقتة ، بل لقد عبرت اللغة العربية قديما و حديثا بحق و بصدق عن المفاهيم و المشاعر و المعاني التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة و دروبها ، تقوى و تينع بقوة المسلمين و عزتهم و تضعف بضعف المسلمين و تخلفهم. فلا مجال لأن تتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم نحن بالتخلي عن دورنا الحضاري في قيادة الشعوب و بلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا. ولنكن متأكدين أن اللغة العربية لن تضن علينا حينئذ بمفرداتها و تراكيبها و بلاغتها التي تؤدي بدقة عجيبة ما بلغناه من رقي حضاري و نماء ذوقي و اتساع معرفي و تمدن . فهي قد حوت واتسعت معاني القرآن المعجزة ، و نقلت لنا حضارة المسلمين في الطب و الهندسة و الجغرافيا و الحساب و التاريخ و التفسير و الشعر و الأدب و غيرها من العلوم و المعارف ، فكيف نقبل اتهامها اليوم بالعجز عن حمل المعارف العصرية و التعبير عنها و لا نتهم أنفسنا بالعجز و الكسل و التفريط فيمن جعلها الله لغة أهل الجنة في الجنة ؟! اللهم إلا أن تكون هذه اللغة الجميلة الجليلة قد استحيت من حمل تخلفنا و عجزنا و ركوننا إلى الذلة و المسكنة ، و قبولنا لأعداء الأمس و اليوم أن يكونوا علينا سادة و نجعل لهم علينا سلطانا مبينا بعدما كنا لهم قدوة و أسيادا ، و خير أمة أخرجت للناس .

 

الخاتمة
اقتراحات للنهوض باللغة العربية

إن استقراءنا التاريخ اللغوي يدعونا لأن نزعم بأن اللغة – أية لغة – لا يمكن أن تتطور و تزداد مفرداتها و تينع تراكيبها و يترسخ جمالها و تنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة و المعاني الجليلة ، و كثرت الإكتشافات و الإختراعات ، و أبدع الناس في كل المجالات الحياتية و المعرفية و التكنولوجية ، حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور و الرقي و الإزدهار عن طواعية ، و تسلم قيادها للمبدعين ، فالإنسان إذا ما أبدع أو ابتكر معنى جديدا أو اكتشف شيئا لم يسبقه إليه أحد فإن لغته التي يستعملها لا يمكن أن تضن عليه باللفظ و التركيب الجميل الذي يعبر له و بصدق عما أراد تبليغه للناس ، و عندئذ يجد الآخرون أنفسهم مجبرين على تبني اللفظ الذي عبر به ذلك الإنسان المبدع عن إحدى بنات أفكاره ، إما حرفيا و إما مترجما بصورة لا يمكن أن تكون مطابقة تطابقا كليا مع اللفظ الذي وقعت ترجمته ، ولنأخذ مثلا الشاعر الفيلسوف "محمد إقبال " ، فهو علم فذ من شعراء الإسلام ، خسر الناطقون بغير الأوردية أو الفارسية شعره لأنه لم يكتب بلغة الإسلام ، اللغة العربية ، اللغة التي يمكن للمسلمين جميعا أن يجتمعوا عليها . و إذا ما علمنا أن الشعر في أحدث تعريف له هو : ( الجزء الذي نفقده عند الترجمة ) عرفنا أن إقبال لم يكتب للمسلمين جميعا ، بل لجزء من المسلمين فحسب ، و لو كتب محمد إقبال باللغة الإسلامية ، لغة المسلمين جميعا ، لغة القرآن الكريم ، لكان هو الشعر الإسلامي . و هكذا ، فكلما ازداد المبدعون الذين ينتمون إلى أمة كلما تطورت لغة تلك الأمة واتسع قاموسها اللغوي و كثرت المعاني الجميلة بها ،و أقبل عليها الناس واستعملوها في حلهم و ترحالهم .. في أحاديثهم و خطبهم و كتاباتهم و مختلف إبداعاتهم. لذلك يبقى الشرط الأساسي لتطور لغتنا العربية ، و تحقيق الإنتشار اللازم الذي نطمح إليه : أن تستعمل من قبل المبدعين العرب و المسلمين في شتى صنوف المعرفة بحسب تخصصاتهم المختلفة ، فلا يكتب الشاعر المسلم إلا بلغة القرآن مهما كانت الأرض التي يقيم بها . و كذلك يقتضي واجب الأديب المسلم و الفيزيائي المسلم و الطبيب المسلم و رائد الفضاء المسلم و كل صاحب اختصاص أن يكتب بلغة الإسلام الوحيدة كي تكون إبداعاته و اكتشافاته واختراعاته... تنتمي كلها إلى الحضارة الإسلامية التي يجب أن تسود العالم مرة أخرى بعدما أفلست الحضارة الغربية و بان عوارها في كل مكان .إن الإستعمال الصحيح للغة الفصحى من قبل أهل الإختصاص هو الذي يحييها ، و يوقظ ما أهمل من ألفاظها ، و يقوم من تراكيبها ، وهي وسيلتنا جميعا للإفادة بما في القرآن و التراث الإسلامي من كنوز ، كما أنها أداة تفكيرنا للتقدم في ظل عقيدتنا التي تحثنا على التسامح و النضال من أجل التقدم و الرقي و البحث العلمي و التطور الإجتماعي .. وهي لساننا و لغة قرآننا و أمانة لأبنائنا وجب علينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر. يقول أحد الشعراء :
لا تلمني في هواها أنا لا أهوى سواها
و في انتظار أن يتحقق هذا الحلم لا بد أن نعجل بخطوات عملية – شعوب و حكومات – تقرب لنا ساعة الإنفراج و التحرر الفكري لإزالة آثار الغزو الحضاري للغرب الإستعماري الذي يسعى دائما لمسخ شخصيتنا و أصالتنا الإسلامية :
1 – ضرورة أن تكون الأحاديث في الإذاعة و التلفزة و مختلف وسائل إعلامنا الحديثة باللغة العربية السليمة ، و كذلك الأغنيات الشعبية، و التمثيليات ، و المسرح ... فكل هذه الوسائل ذات تأثير لا يجهل أحد قيمته و أن تترجم الأشرطة أو المسلسلات الأجنبية إلى العربية السهلة مباشرة أو عبر الدبلجة و نفس الشيء بالنسبة للإشهار .
2 – يتعين فتح الأقسام الليلية لتعليم العربية للكبار و الصغار ، نساء و رجالا ، و الإستعانة بجهازي الإذاعة و التلفزة يبث المختصون من خلالهما البرامج التي تعلم أفراد الأسرة كلها كيف يكتبون و ينطقون لغتهم الأصلية .
3 – الإكثار من الكتاتيب العصرية (إستعمال الحواسيب و التقنيات السمعية البصرية) التي تحفظ القرآن الكريم للناشئة و ترك الفرصة للمتطوعين و الخواص من أصحاب الشهادات العليا ليقوموا بذلك .
4 – إصدار قرارات لتعريب كل اللافتات التي تدل على مكان أو محل أو مؤسسة أو مصلحة أو شركة عمومية أو خاصة أو شارع ... و لكي يتم تنفيذ ذلك بيسر و نجاعة لا بد من تجنيد نخبة ممتازة من الأساتذة و المعلمين و الخطاطين و المناضلين لخدمة هذه القضية ، و يتم التنفيذ بعملية محو الحرف اللاتيني أينما وجد ، واستبداله بلغة عربية سليمة .
5 – إصدار قرارات تقضي بجعل اللغة العربية وحيدة الإستعمال في ميدان الإدارات العمومية و الجمعيات ، و المقاولات و المؤسسات و الصحافة و التعليم ما عدا في أقسام تعلم اللغات الأجنبية .
كل هذه الإقتراحات سهلة التنفيذ إذا صدقنا العزم في الحفاظ على هوية الأمة و لسانها الناطق و قلبها النابض و عقلها الواعي . فهل من مجيب ؟

 

 

ملحق
لغتنا الفصحى... واقع و آفاق !

في وطننا العربي هناك من يتمعش بهويتنا الحضارية ، يغامر بلغتنا العربية ، يزعم بأن اللهجة الدارجة المحلية أفضل و أنجع من لغة القرآن ، اللغة التي كتب بها الجاحظ و المعري وابن سينا وابن خلدون ... و غيرهم من جهابذة الحضارة الإسلامية و لسان حاله يقول بفجاجة: " من أراد التقدم و الرقي و اللحاق بركب الحضارة الغربية، فلا يتكلم العربية الفصحى "!؟ ، وأما حجته في ذلك ، فهي أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه، واستعمال اللهجة الدارجة لكل بلد هو إعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير !!؟ و هنا يتبادر إلى الذهن، أي علم سنكتبه بلهجات تفتقر إلى المصطلحات العلمية و الأدبية و حتى الإنسانية البسيطة التي تشتمل عليها اللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى اختلافها من بلد إلى آخر ، كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه !! لقد استنبطت الشعوب هذه اللهجات المحلية لتيسير التعامل اليومي بينها و قضاء الحاجات اليومية البسيطة، فكيف نسمح باتخاذها للتعبير عن حضارتنا و تمددننا و إبداعاتنا و ابتكارات أبنائنا ؟
و إني أتحدى كل من تحدثه نفسه باتخاذ اللهجات الدارجة بديلا عن اللغة الفصحى أن يكتب مقالا بلهجة دارجة عن نظرية ابن خلدون مثلا في العمران البشري أو ابن سينا و الرازي في الطب أو غيرها من النظريات العلمية أو الأدبية قديمة كانت أو حديثة .
أيها السادة يا من تحملون على عاتقكم مسؤولية الإعلام ، ارفقوا بنا و بلغتنا / لغتكم ، و حاولوا أن ترتقوا بمواطنيكم باختيار لغة فصيحة بسيطة و سهلة دون تقعر، عوضا عن لهجة دارجة ركيكة ركاكة من يتبناها ، تزيد الذوق تدنيا بحكم اشتمالها على ألفاظ سوقية مستهجنة نزعم أنكم أربأ من الإنحطاط إلى مستواها .؟
أيها السادة اقرؤوا التاريخ و راقبوا الأمم المتقدمة كيف تحافظ على لغاتها المعيارية (الفصحى) لأن اللغة وحدها تعكس ما بلغته الشعوب من رقي و تقدم في كافة مجالات الحياة. إن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و تبعيتنا المهينة للغرب و ليس عجز اللغة العربية أو تخلفها و عجزها . فهي مرآتنا في الحضارة و التمدن !
أيها السادة ثقوا كل الثقة أنكم متى اعتززتم بأنفسكم و حضارتكم و لغتكم رمز هويتكم ، و سرتم على درب البحث و التنقيب و الكد في كافة ميادين الحياة لتقوية أمتكم و حماية هويتها من الأعداء فلن تضن عليكم هذه اللغة الجميلة بكل غال و نفيس لفظا و تركيبا و معنى ، مبنى و معنى ، فعلينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها بمهجنا حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر .

 

 

 

 


رفقا بلغتنا أيها المهاجرون !!
من الظواهر التي أصبحت تلفت الإنتباه إليها و تعبر عن بعد من أبعاد أزمتنا الحضارية في العصر الحديث ، هو تخلي الجيل الجديد من جاليتنا بالخارج عن لهجتنا الدارجة المستمدة أساسا من لغتنا العربية الفصحى!؟ فأصبحنا نرى و نسمع في شوارعنا أطفالا و شبابا تونسيين يتحاورون باللغة الفرنسية ، بل و فيهم من يحرص كل الحرص على أن يسمعك صوته عاليا وهو يتخاطب مع أبيه أو أمه أو أخيه ... بلغة فرنسية غير سليمة في الغالب الأعم، مستهترين بكل قيمنا و سماتنا الحضارية التي تعتبر اللغة العربية أسا من أسسها. بل إن ما يبعث على الدهشة حقا أن ترى أما تكلم طفلها- فلذة كبدها - بلغة فرنسية ساعية جهدها لتعليمه كيفية التخاطب بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و خرب حرثنا و نسلنا و لا يزال يسعى جاهدا لقبر هويتنا الحضارية. و إذا سألت أحدهم : لم هذا الحرص على إنكار جذورك؟ صمت و لم ينبس ببنت شفة ، فتفهم أنه يقلد تقليدا أعمى لا يعرف هو نفسه مآله و مصيره . بل لعل هذه الظاهرة المرضية تكشف عن شعور بالنقص دفين لدى هؤلاء " المتفرنسين "و اعتقادهم الساذج أن في استعمالهم للغة من عاشوا بينهم لأسباب مهنية بحتة سترفع من قيمتهم بين أهلهم و ذويهم و تجعلهم في نفس المقام الذي بلغه المجتمع الفرنسي مثلا .؟!
و هذا لعمري خطأ فادح لأن فرنسا لم تصل إلى ما وصلت من تمدن حضاري و تقدم إلا باحترامها لقيمها و أصالتها الحضارية و على رأس كل ذلك يأتي احترام المواطن الفرنسي للغته الأم ، و إني أتحدى أي تونسي – يعيش على الأرض الفرنسية – أن يرى فرنسيين يتخاطبان باللغة العربية مثلا أو باللغة الألمانية ... بل إن السلطات الفرنسية اتخذت قرارا يقضي بأن يغرم الفرنسي الذي يستعمل مصطلحا غير فرنسي له ما يقابله في اللغة الفرنسية، مما ينم عن وعي هؤلاء بقيمة اللغة في الحفاظ على هويتهم الحضارية ، و من فقد هويته أنى له أن يبني حضارة أو يصنع تمدنا ؟؟!
فرفقا بنا و بلغتنا أيها المهاجرون و احترمونا كما نحترمكم و نجلكم !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المحتــــــــــــــــــــــــوى
المقدمة : قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا 3
الباب الأول: الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية وانتشارها 7
الباب الثاني : خصائص اللغة العربية 14
الباب الثالث : المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث 21
الخاتمة : اقتراحات للنهوض باللغة العربية 32
ملحق
لغتنا الفصحى ... واقع و آفاق 36
رفقا بلغتنا أيها المهاجرون 38

 

 

 

 

 

 

 

 


نـــــــــداءات حارة


بقلم : محمد سالم بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين -
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)

 

 

 

 


نداء إلى خطباء المساجد
في العالم الإسلامي

قد بوأكم الله – أيها السادة- مكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد علمتم أن الله قد فرض على المسلمين صلاة الجمعة بعد هجرة الرسول عليه السلام ومن آمن معه إلى المدينة وإقامة دولة الإسلام هناك، دولة أسها مؤمنون صادقون باعوا أنفسهم وأموالهم لله رب العالمين ، ودستورها ما تنزّل على النبي الكريم من سور قرآنية مدنية فصّل الله فيها القول تفصيلا في كل مناحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية... فلماذا تسمحون لأنفسكم أيها الخطباء بالافتراء على الله ورسوله وتعتلون منابر في ظل أنظمة حكم علمانية لا تحكم بما أنزل الله، ظالمة لشعوبها، فاسقة عن كل القيم والمبادئ الإسلامية... أتبتغون عند هؤلاء المجرمين العزّة فإن العزّة لله جميعا، تدعون لهم بالنصر، ولن ينصر الله أقواما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فلستم منهم وليسوا منكم، بل هم قوم عادون. كتب الله عليهم الخزي دنيا وآخرة ولن ينجيكم الله من مصيرهم المظلم إلا بالتبرؤ منهم، فالله قد أهلك من قبلكم فرعون وجنده، وأنتم قد أصبحتم جنودا من جنود فراعنة العصر الحديث تخضعون لوزارات الداخلية في حكوماتهم وتقبضون مرتباتكم منهم، مرتبات زهيدة مقابل بيعكم لآيات الله التي تلعنكم وتلعن سادتكم ليلا نهارا... فأف لكم وأفّ للمبررات الكاذبة التي ستقفون بها أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.
اعلموا أيها "الخطباء" أن هؤلاء الفراعنة يسخرون منكم في سرهم عند حضورهم مناسباتكم الدينية لأنهم يعلمون يقينا أنكم لن تتفوّهوا إلا بما يرضيهم ويرضي استكبارهم في الأرض بغير الحق، وما أنتم إلا خاتما في إصبعهم، وأنكم لأهوائكم متبعون، وبمشائخ أموات مقتدون، وأنكم وإياهم عن الصراط لناكبون، وأنكم وإياهم أموات غير أحياء وما تشعرون، وأنكم قد حولتم أمتنا الإسلامية إلى جثث هامدة لذلك تداعت علينا الأمم من كل حدب وصوب لو تشعرون، لذا فإننا نتبرّأ منكم وسنبقى نكن لكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وتوحدوه بصدق وتعلنوا سرّا وجهرا كفركم بهؤلاء الفراعنة المجرمين، واعلموا أننا لن نصلي وراءكم حتى تثوبوا إلى رشدكم.
"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم به يوقنون" (المائدة/49-50).صدق الله العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نداء إلى المرأة المسلمة في العالم الإسلامي


لقد خلقك ربك وسواك في أحسن الصور وأبهاها وأجمل قوام وأروعه، وجعل سكينة الرجل وسعادته لاتتم إلا بالتوحد بك ومعك جنسيا وعاطفيا وفكريا لذلك فالرجل يطلبك ولا تطلبينه وينفق عليك كل غال ونفيس طلبا لرضاك لأن في رضاك سعادته وهناءه دنيا وآخرة.
أما الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية والحكومات في العالم الإسلامي .. فهم جميعا يستغلونك ويوظفونك لقضاء مآربهم ومصالحهم واتخاذك مصعدا للفوز بكراسي الحكم والنفوذ لا غير، إن أمرك الإخواني بواجب فلفرض سيطرته وتلبية لنزواته واستجابة لعادات أوحى بها إليه ذهنه المريض أو شيخه الميت أو زعيمه المتاجر بآيات الله والمحرف لها ابتغاء الفتنة والتحيز إلى فئة.. و إن أمرك السياسي المعارض بالإنتماء إلى معارضته وحزبه فليخوف بك رجال السلطان علّهم يمنّون عليه بفتات موائدهم من الحكم والنفوذ... أما قرارات السلط السياسية في العالم الإسلامي .. وإنجازاتها فقد حولتك أيتها الطاهرة العفيفة ، وحولت أخواتك إلى سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة: في وسائل الإعلام المختلفة صوتك و جمالك لإشهار سلع المستكرشين و المستكبرين في الأرض والظلمة لعمالهم في مصانعهم... أكرهوك على دور الخناء والنزل وأماكن الترفيه .. لتدنيس عفتك وطهرك مع أن خالقك قد فرض على أبيك أو زوجك أوالدولة – دولة التوحيد - التكفل بكل مصاريفك وكل احتياجاتك..شجعوك على العمل في الشركات والمؤسسات لاستغلالك فيما لم تخلقي من أجله وهو الإنفاق على نفسك وعيالك وزوجك حتى فقدت بهائك وجمالك ونضارتك... وانصرفت عن مهمتك الحقيقية في رعاية الأجيال .. و تربيتهم .. لقد أرهقوك يا سيدتي بدنيا ونفسيا حتى كرهوك في جمال الحياة وروعتها.
إن الأحرى بك أيتها الطاهرة العفيفة أن تكفري بربوبية هؤلاء المجرمين جميعا - الأموات غير الأحياء وما يشعرون - العاجزين عن النفع والضر ولو لأنفسهم وتستضيئي بنور ربك في القرآن لإحياء نفسك وأخيك الإنسان وتبحثي لك عن مسلم مثلك لا يخضع إلا لأوامر الله عز وجل خالقكما من نفس واحدة ، يكون لك لباسا وتكونين له لباسا تستران بعضكما بعضا وتوحدان الله ناصركما ومحقق سعادتكما.
اتحدي أيتها المسلمة الطاهرة مع حبيبك وزوجك وأبوك وأخوك المسلم لإقامة "دولة التوحيد " في العالم دولة الرب الحقيقي , لنصرة المستضعفين من النساء والرجال والولدان والقضاء على دول المستكبرين والطواغيت والظلمة والمجرمين في الأرض...
تحرري من أغلال هؤلاء الأرباب المزيفين فلن يضروك بشيء ولن ينفعوك مادمت مع الله.
فالله يمقت هؤلاء الحكام لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويذيعون قرآنا يلعنهم ويلعن سدنتهم من الكهان المتاجرين بالدين ليل نهار...
وتمتعي بالحياة كما شاءت لك روحك الطاهرة.

 

 

 


نداء إلى الشعوب الإسلامية
الشعوب الإسلامية تنحاز إلى تطبيق سنن و قوانين القرآن؟

يا شعبي العربي المسلم الحبيب ׃

لقد عشت بين أظهركم منذ أربعين سنة، انعم بخيرات هذه البلاد الإسلامية المعطاء.. لذا أحببت أن أذكركم و اذكر كافة القوى الحية في عالمنا الإسلامي بالله ربنا جميعا و رب العالمين.. مالك الملك و رازق الخلق بغير حساب ... و أن نعبده وحده دون شريك .. و أن نفرده بالطاعة و الخضوع لما أنزل علينا في القرآن .. و نجعل من جميع آياته البينات دستورا لحياتنا و قوانين تنتظم به علاقات بعضنا ببعض ׃ أفرادا و جماعات .. نساء ورجالا .. حكاما و محكومين..

يا أحفاد طارق ׃

إن القوانين التي استنوها لكم منذ استقلال بلداننا في العالم الإسلامي و تخضعون لها اليوم في حياتكم.. قد استنها عباد أمثالكم عاجزين بطبعهم عن تقييم أي سلوك أو مدى نفعه أو ضره لكم.. و قد حولت هذه القوانين الوضعية حياتكم إلى جحيم لا يطاق .. و ضنك في العيش لا يدانى ..لأنها قوانين تتعارض و الفطرة التي خلفكم ربكم عليها( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله). فأفقدت رجالكم رجولتهم و نساءكم أنوثتهن.. فاستشرى العجز الجنسي و مرض السكري و ضغط الدم و شتى الأمراض المزمنة و البطالة المهلكة و الانحراف المهين لكرامتكم.. و ضاع أبناؤنا في متاهات الطريق..! (أربعون في المائة من التونسيين – مثلا - يعانون عجزا جنسيا متفاوتا.. و أن الأمراض المزمنة تتزايد في تونس من عام إلى آخر حسب ما جاء في جريدة القدس العربي ليوم 28 فيفري 2008) و( تحت عنوان : تونس الأولى عربيا .. و الرابعة عالميا : 9127حالة طلاق سنة2008 و العنف و الخيانة أبرز الأسباب
- المرجع: جريدة الصباح ؟8 أوت 2009 – تحتل تونس المركز الأول عربيا و الرابع عالميا في نسبة الطلاق بعد أن بلغت حالات الطلاق أرقاما قياسية / المشاكل الإجتماعية تسبب بنسبة 48.3%بحالات الطلاق و التي تشمل المعاملة السيئة و العنف و عدم الشعور بالمسؤولية و الإختلاف في المستوى الثقافي و التعليمي / حالات الطلاق لسنة 2008 بلغت 9127 حالة مقابل 16 ألف زواج لنفس السنة ، و تعتبر نسبة الطلاق الأعلى في المنطقة العربية حسبما جاء في الدراسة والملفت للإنتباه في الدراسة أن أكثر من 50% من رافعي قضايا الطلاق من النساء سنة 2008بينما كانت سنة 1960لا تتجاوز 6%)

تذكروا أيها الأحبة ׃

إن قوانين الله و سننه نافذة على جميع خلقه طوعا و كرها لأنها قوانين أزلية خلقت مع خلق الإنسان .. فلنختر السير على هديها طوعا لا كرها.. بإيمان و احتساب .. حتى نسعد دنيا و آخرة كما سعد كل أتباع الرسل عليهم السلام ׃" فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى" سورة طه الآية 123و 124.

و اعلموا أيها الأحبة ׃

إن جميع الخلق .. مهما أوتوا من علم و قوة لا يملكون لكم ضرا و لا نفعا إذا آمنتم بربكم حق الإيمان و نصرتم دينه واستجبتم لما أنزل علينا في القرآن .. و تذكروا أن الله قد أهلك من قبل فرعون و هامان و جنودهما.. فهل تقبلون العيش جنودا للطواغيت و قوانينهم التي ما سنت إلا لإخضاعكم للطواغيت و سدنتهم من الكهنة و رجال الدين البائعين لآيات الله بثمن بخس و استغلالهم.. و نهب الثروات التي أنعم الله بها عليكم و على بلادنا لتكونوا عبيدا له لا لغيره من الخلق.. .! و تذكروا أيها الأحبة أنكم قد أعطيتم عهدكم و ميثاقكم الغليظ لله ربكم عندما تقفون بين يديه كل يوم معاهدين مرددين׃" إياك نعبد و إياك نستعين"

يا أبناء شعبي المسلم:

تشكل بلادنا الإسلامية منارة للإسلام دين التوحيد و الخضوع لشرع الله العزيز... و قلاعا حصينة لأمة الإسلام في العالم .. أمة جميع الأنبياء عليهم السلام.. فلا تسمحوا لأنفسكم بالخضوع لحكم سماسرة/ طواغيت ما أنزل الله بها من سلطان أو نفوذ .. إني أعظكم أن تكونوا من " الجاهلين " أو" الظالمين " أو" الفاسقين عن شرع الله" ׃(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) سورة المائدة الآية 44 .

يا شعبي الحبيب:

إني أهيب بكم جميعا أن لا تتخذوا من الطواغيت مهما كانت مسمياتهم أربابا لكم تتبعون قوانينهم الوضعية الفاسقة عن شرع الله و تشريعاتهم الظالمة – التي ما حبروها إلا لخدمة مصالحهم ... إنها قوانين عمياء كعمى بصيرة الذين حبروها.. فاسقة عن قوانين الله و فطرته التي فطر الناس عليها و سننه في الأسرة و المجتمع و الحياة الحق الطيبة... و التي أهوت بكم في مكان سحيق من الظلم و الضياع و ضنك العيش ﴿ شاهدوا إن شئتم برامجهم الإجتماعية مثل "برنامج الحق معاك" على قناة تونس 7 الفضائية مع العلم أن تونس العلمانية ، تزعم أنها تمثل رمز التقدم و التطور في العالم الإسلامي كله..؟!﴾.... فالله وحده مولاكم و رازقكم و العالم بحقيقة ما يناسب خلقتكم .. نعم المولى و نعم النصير.. و تذكروا أن الأرض أرضه وعد بتوريثها عباده الصالحين المتبعين لما أنزل في القرآن العظيم.. إني أدعوك يا شعبي المسلم لنتكاتف جميعا و نوحد جهودنا و إرادتنا .. نساء و رجالا حكاما و محكومين لإقامة دولة التوحيد في عالمنا الإسلامي .. دولة أسها الإيمان و قانونها آيات القرآن العظيم .. و نجمع شتات أمتنا الإسلامية في مشارق الأرض و مغاربها حتى نقوى بهم و يقووا بنا و نرفع الظلم عن أنفسنا و عن كل المستضعفين في الأرض و نوصل رحمة الله إلى جميع الخلق :" و إن هذه أمتكم امة واحدة و أنا ربكم فاتقون"سورة المؤمنون الآية 52.

 

 


ارفعوا الظلم عن أمتي


السادة زعماء و قادة المسلمين.. سلام الله عليكم وبعد :

لقد ملكتم رقاب المسلمين عنوة و حكمتم بغير ما أنزل الله في كتابه الحكيم... فأذل الله شعوبكم على أيديكم لأنهم قبلوا الخضوع لربوبيتكم- أصبحتم مصدر التشريع الظالم !!؟- و الإحتكام لغير ما أنزل الله ... و أذلكم على أيدي أعدائكم من عبدة العجل و الطاغوت.. الذين حولتهم أفعالهم الآثمة إلى قردة و خنازير ... و على أيدي الصليبيين من أمريكان و أنكليز و فرنسيين و ايطاليين ...

السادة زعماء و قادة المسلمين:

عاهدتم الله أن تصونوا حرمة ديارنا لكنكم تجاوزتم كل الحدود في نكث العهد: فقد أبحتم حرمة ديارنا و أبنائنا و نسائنا لغير المسلمين ممن يتفننون في مص دمائنا متخفين وراء مؤسسات متعددة الجنسيات... استوليتم على الحكم استيلاء ! و تعهدتم بنشر الأمن و تحقيق العزة و المناعة... فتلك خيرات بلادنا منهوبة.. و أعراض رجالنا و نسائنا منتهكة.. و المواطن يعاني شتى صنوف القهر و الإذلال.. يلهث وراء لقمة العيش لهاث الكلاب .. و عجزتم عن توفير الأمن حتى لأنفسكم و أهاليكم ... أشعلتم نيران الفتنة و التصادم و التنافر بقوانينكم الوضعية/ الظالمة ، فصارت المرأة تعادي زوجها عوض التكامل معه و التعاون كما أراد رب العزة :(هن لباس لكم و أنتم لباس لهن ). و جعلتم شعوبنا فرقا و مللا متناحرة .. متنافرة بما يبثه سحرتكم و كهنتكم من سموم...!

اعلموا أيها السادة أن القوانين الوضعية /الأديان التي ابتدعتموها بمعية سحرتكم و كهنتكم و التي صيرتموها موازية لدين الله / دين الحق و التي تخضعون لها شعوبكم لن تضمن لكم و لهم أمنا أو استقرارا و لا ازدهارا و لا طيب عيش لأنها تتصادم و قوانين الفطرة و الحياة و نواميسها التي خلقها الله عليها ..؟! لذا فبطن الأرض خير لكم من العيش على غير ما شرع الله لنا جميعا لو كنتم تعقلون..!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

أليس فيكم رجل رشيد .. فيحكم شعبه المسلم بقوانين القرآن و سننه الأزلية في الأسرة و المجتمع المفصلة تفصيلا بينا ..!!؟؟ و يتخذ من الله و رسوله و المؤمنين الصادقين أولياء له يستعين بهم على تطبيق آيات الذكر الحكيم و قوانينه الأبدية على واقع المسلمين المعيشي حتى يؤتيه الله أجره مرتين .. في الدنيا و الآخرة .. !! فيسعد هو و يسعد شعبه؟؟ لقد سبق و اتخذتم من الغرب و الروس .. أولياء لكم من دون الله .. فسمم عبد الناصر و دمرت بلاده.. و أعدم صدام و أهلك حرثه و نسله .. و يراد لعمر البشير أن يحاكم كمجرم حرب هو و شعبه ثم يباد..!!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

لا نجاة لكم .. و لا نجاة لنا إلا بالإحتكام لشرع الله جميعا حكاما و محكومين و إقامة عدالة الإسلام في ارض الإسلام إخلاصا لله و نصرة لدينه الذي فضلنا به على العالمين ..

- حولوا المجالس التشريعية في بلدانكم إلى لجان مختصة كل في ميدانه لاستنباط أحكام القرآن و شريعته في الأسرة و المجتمع و الإقتصاد و السياسة و كل العلاقات الداخلية و الخارجية ...

- شكلوا من أحيائكم السكنية لجانا .. كل أسرة يمثلها فرد تعطى لها صلاحيات تشريعية (فيما يخص حيهم فقط ) و تنفيذية لخدمة مصالح حيهم و سكانه تحت إشراف وزارة تابعة للدولة المركزية.. فيعم البناء و التشييد و النشاط كافة سكان بلداننا و نصبح جميعا شركاء في خيرات بلادنا..
- أعطوا الشباب العاطل الأراضي الخصبة لفلاحتها و تخضيرها و تشجيرها بما ينفع البلاد و العباد و سهلوا لهم إنشاء صناديق تمويل تؤخذ من أغنياءنا و ترد على المحتاجين من شبابنا حتى يصبحوا أفرادا منتجين .. فالأرض و الخيرات كلها لله و ما دمنا جميعا عبيدا لله متساوون، فلا بد أن نتساوى جميعا في عطايا الله.ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أيها الناس في الشرق و في الغرب

اعبدوا ربكم الذي خلكم و الذين من قبلكم...خالق كل شيء في الوجود.. و لا تتخذوا بعضكم بعضا أربابا من دون الله تتبعونهم من دوت الله و تقدسون القوانين و الدساتير التي تمليها عليهم مصالحهم و أهواءهم ليقتسموا بها الثروات و الخيرات التي انعم الله بها عليكم.. حتى صار لكل بلد دستوره و قوانينه التي يتبعها معرضا عن شريعة الله و سننه في القرآن الذي جاء مصدقا لكل الكتب الإلاهية التي سبقته ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه) - سورة الشورى الاية13-

أيها الناس في الشرق و في الغرب

لا تتركوا هؤلاء المتاجرين بآيات الله يضحكون على ذقونكم.. ويشرعون لكم القوانين باسم الإجتهاد و مواكبة العصر.. فالذي شرعه لكم ربكم منذ خلق آدم عليه و على نبينا السلام هو الشرع الحق الذي يناسب فطرتكم التي خلقكم ربكم عليها... و سيحاسبكم طبقا لتلك المعايير/الآيات يوم تقفون بين يديه للحساب .. إن قوانين الله و سننه نافذة علينا جميعا في الدنيا و الآخرة .. و انظروا إلى عذابات الخلق في الحياة لأنهم لا يلتزمون بقوانين الله التي شرعها لهم منذ الأزل .. عذابات الفلسطينيين.. عذابات اليهود.. عذابات المسلمين في العالم ... : عذابات نفسية و بدنية تتناسب و الإنحراف عن شرع الله و التنكب عن قوانينه في الكون و الإنسان و الحياة...

أيها المستضعفون في الشرق و الغرب

اصطفوا جميعا وراء القرآن/كتاب ربكم الحق و اكفروا بطواغيت/ فراعنة الأرض جميعا.. فهؤلاء الجهلة لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا و لا لأنفسهم.. إنهم يستغلون جهلكم بشرع ربكم ليسخروكم لمصلحتهم و مصلحة المتاجرين بآيات الله ... و تكاتفوا لإقامة دولة التوحيد في العالم .. دولة الرب الحقيقي .. حتى نسعد جميعا برحمة الله.. دنيا و آخرة ...!

 

 

 

 

 

 

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد اخترتم أن تكونوا من أتباع من أرسله ربه " رحمة للعالمين " و لقد أحياكم ربكم و جعل لكم نورا تمشون به بين الناس بعدما كنتم "أمواتا" فما الذي أزرى بحالكم و حولكم إلى جثث هامدة تابعة إلى أنظمة و حكومات علمانية لقيطة و تابعة لأنظمة الغرب الإستعماري ألإستكباري تتبع أهواءها في سن القوانين و التشريعات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و لا تقيم أي وزن لشريعة الله المفصلة تفصيلا بينا في كتابه العزيز !؟
ما سبب قبولكم أن تكونوا عبيدا و خدما و جنودا في جيوش فراعنة العصر الحديث الذين تنكروا لربوبية الله خالق الكون و الإنسان و الحياة و ادعت لنفسها الربوبية بتحكمها في خلق الله طبقا لقوانين و تشريعات وضعية يستنونها حسب أهوائهم و قد أعلنوا عداءهم لكل ما هو رباني مسلم ؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد استبيحت أرضكم و أعراضكم من قبل مشركين نجس و انتهبت ثرواتكم ممن يعلن العداء لله و لرسوله و للمؤمنين و أنتم صامتون أو متواطئون أو منغمسون في جمع فتات موائد هؤلاء الأنجاس الذين قد حولوا أرضكم إلى فيء منتهب من قبل قوى الإستعمار و الإستكبار العالمي... !!؟؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

بماذا ستجيبون ربكم القوي العزيز يوم تقفون بين يديه للحساب.. و قد وعدكم بالنصر الأكيد إن أنتم نصرتم دينه و أقمتم حدوده واتبعتم منهجه؟؟؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

إن ربكم واحد و قرآنكم واحد و رسولكم واحد فلماذا انقسمتم إلى أمم متفرقة و نحل متنافرة و أحزاب متقاتلة مما حولكم إلى اضعف الأمم و أذلها.. بأسها بينها شديد و قد قال ربكم " و لا تتفرقوا فتذهب ريحكم "!!!؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد بنى نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم – قدوة كل المؤمنين في العالم - الإنسان المؤمن الموحد لله رب العالمين و الخاضع لأوامر الله و نواهيه خلال ما اصطلح على تسميته بالفترة المكية ثم بحث عن النصرة لدين الله فوجدها بالمدينة المنورة أين أقام دولة الإسلام على ضوء القرآن المدني الذي رسم له و للمؤمنين كل تفاصيل و معالم المجتمع الإسلامي إجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. و أنتم لا تزالون راضين بأن تكونوا تابعين لأنظمة بشرية مشركة بالله.. تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.. و ليسوا بخارجين منها إلا بالقطيعة التامة معها مهما كانت مسمياتها.. : ( ملكية.. إستبدادية.. ديمقراطية... حداثية أو غيرها ).

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد أهلك الله من قبل من هو أشد قوة من أمريكا و إنكلترا و روسيا و فرنسا.. و أغرق فرعون و هامان و جنودها و خسف بقارون و بداره الأرض... لما وجدت الفئة المؤمنة الموحدة لله رب العالمين... فهل تنتظرون أن يهلك الله هؤلاء المستكبرين في الأرض و أنتم قد أصبحتم جزءا لا يتجزأ من شعوبهم تؤمنون بأنظمتهم الوضعية و تطبقون قوانينهم المكرسة للجريمة بمختلف أشكالها – لاحظوا نسبة العود إلى السجون في مختلف أنحاء العالم- و تخضعون لها بملء إرادتكم و تستمسكون بأخلاقهم .. و تتبعون أهواءكم .. و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله !؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

تخافون أمريكا و إسرائيل و أنظمة لقيطة.. و لا تخافون الواحد الأحد القوي العزيز الجبار.. تعملون ألف حساب لأنظمة لقيطة تابعة و لا تخافون من الملك الديان.. مالك الملك.. ثم تزعمون أنكم مسلمون ؟!! تتعهدون و انتم واقفون بين يدي الله - للصلاة- بطاعته و الخضوع لشريعته ثم تنكصون على أعقابكم في جميع تفاصيل حياتكم و تنتهكون حدود الله و حرماته ظاهرا و باطنا .. فكيف ينصركم الله ؟؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

ثوبوا إلى رشدكم و انصروا دين الله لينصركم الله و يمكن لكم في الأرض كما مكن لأسلافكم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. و السلام على من اتبع الهدى .

 

 

نداء إلى قادة حركة حماس

لقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين.. و لقد استطاع هذا النبي الأمي خلال 23 سنة من بعثته أن يحول الأميين في جزيرة العرب إلى خير امة أخرجت للناس في التاريخ البشري كله.. فلماذا تحولت حركتكم إلى نقمة على الشعب الفلسطيني – شعب الجبارين- و أنتم تحملون نفس ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم!؟

و الجواب بكل بساطة ووضوح:" لأن محمدا قد بنى شعبا بدءا من بناء الإنسان المؤمن، و أنتم قد بنيتم سلطة انطلاقا من شعب ورث الإسلام..!!"
لقد اتبع محمد صلى الله عليه و سلم ما أوحي إليه من ربه خطوة بخطوة لأنه يعلم علم اليقين أن ما أنزله الله عليه من آيات بينات هو النور الذي يضيء له دروب الحياة المدلهمة و يحميه من السقوط في متاهاتها الكثيرة.. لأنه من عند الله العزيز الحكيم الذي يعلم غيب السماوات و الأرض و يعرف حقيقة هذه الحياة.
لقد قام محمد صلى الله عليه و سلم ببناء الإنسان المؤمنالذي يؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله.. و غير مفاهيمه عن الكون و الإنسان و الحياة بمفاهيم القرآن المكي الذي يكشف للمؤمن حقائق الوجود.. و أفرغ ذهنه من المعتقدات الباطلة التي لا صلة لها بحقائق الوجود.. و ملأ عقله بمفاهيم الإيمان الصحيح و ما يترتب عن هذا الإيمان من سلوك قويم في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية.. حتى إذا ما اكتمل له بناء الإنسان المؤمن الذي يستنير في حياته كلها بآيات الذكر الحكيم كلفه ربه بالهجرة إلى المدينة التي احتضنت المؤمنين بدعوته صلى الله عليه و سلم و تكوين السلطة /الدولة التي تحتكم إلى شرع الله داخليا و خارجيا.. و في كل ميادين الحياة..
و في المدينة / الدولة سعى الرسول / القدوة صلى الله عليه و سلم إلى تأسيس جيش قوامه "مؤمنون" باعوا أنفسهم و أموالهم و كل ما يملكون لله رب العالمين مقابل الفوز برضوانه يوم لقاه :" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم و ذلك هو الفوز العظيم" (سورة التوبة الآية 111 ).
أما أنتم في حركة حماس فقد سعيتم منذ بداية تأسيس حركتكم إلى تكوين " مجاهدين" يجتهدون في معصية الله و مخالفة أوامره.. بقتل أنفسهم في سبيل القدس و ليس في سبيل الله مع أن الرسول /القدوة صلى الله عليه و سلم لم يسع يوما إلى تكوين مجاهدين يقاتلون في سبيل البيت الحرام- و قد كانت بأيدي المشركين- رغم أنها اشرف عند الله من بيت المقدس.. و الله يقول:"و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" ( سورة النساء الآية 29). كما نهى الله عز و جل عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أنتم تقتلون - في الغالب الأعم – أناس أبرياء لا صلة لهم بالحرب الوهمية التي تخوضونها ضد إسرائيل !
كما ترشح قادة حركتكم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني وهو مؤسسة تشريعية لا تحكم بما أنزل الله:"و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة الآية 44 ). : "و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة و لكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم فيما كنتم فيه تختلفون. و أن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم و إن كثيرا من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ( سورة المائدة الآيات 48 و49 و50 ).
فالمؤمنون أبدا لم و لن يكونوا في حاجة لمجلس تشريعي لأن الله هو المشرع الوحيد في الإسلام – لذلك سمي بدين التوحيد (وحدانية المشرع)- و المؤمنون ملزمون جميعا بما فيهم الأنبياء عليهم السلام بالإحتكام إلى شريعة الله المفصلة تفصيلا في القرآن المدني و الخضوع التام لها.
و هكذا تكون حركة حماس و إن رفعت الإسلام شعارا لها فهي لا تخضع لأوامر الله و نواهيه في حركتها و نضالاتها و اختياراتها.. بقتل ناشطيها لأنفسهم في عمليات انتحارية قصد قتل أناس أبرياء في الغالب الأعم نهى الله عن قتلهم ، و قد حرم الله الجنة عن قاتل نفسه أو قاتل نفس بريئة عمدا !

إن منهج الإسلام واضح في تأسيس السلطة الإسلامية /الدولة.. تبتدئ بإيجاد المؤمنين بالله ...المستمسكين بالوحي.. الخاضعين لشريعة الله و تنتهي بإنشاء الهياكل التي تسهر على رعاية شؤون المسلمين طبقا لشريعة الله و ثوابته و إنزال آيات الله /الثوابت في الواقع المعيش للناس حتى تعمهم الرحمة التي بعث من أجلها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم... و كل الأنبياء من قبله .. ثم إيجاد الجيش الذي يحمي الدولة الإسلامية من المعتدين... و الظالمين .
لذلك أهيب بالعقلاء من أبناء حركة حماس أن يعتزلوا العمل في الحكومة الفلسطينية التي تسببت في محرقة غزة و يعملوا على تكوين المؤمنين الصادقين قبل التفكير في إيجاد سلطة لا تحكم بشريعة الله... عندها ستعود فلسطين /كل فلسطين إلى أهلها /

 

 


محمد سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
محمد سالم بن عمر، كاتب و ناقد تونسي ، عضو باتحاد الكتاب التونسيين .
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة، متزوج و له شيماء و نصير الله.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي منذ 1992، وقد عمل مديرا لدور الثقافة بتونس .
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري الحضاري...
صدر له كتاب :" اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995"
كما صدر له كتاب :" نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه عام 2009"

و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة وقصائد .. كما نشرت له بعض المجلات و الصحف العربية .. مقالات فكرية وحضارية..
له مخطوطات عديدة أهمها :
ذكريات زمن مضى (رواية) نحو إعادة تشكيل الفكر العربي الإسلامي في العصر الحديث ﴿مقالات فكرية / حضارية﴾ ...

اللغة العربية و الإبداع الحضاري

محمد سالم بن عمر

المقدمة
قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا!
تعتبر اللغة من أهمّ مقوّمات الشعوب. فهي ترجمان فكرها وعواطفها ومختلف مظاهر الحضارة والتمدّن فيها ،ولقد أدركت مختلف الأمم و الشعوب هذه الأهمية للغة، قديما وحديثا، فلم تتوان أيّ منها عن دراسة لغتها، والإهتمام بها، والحرص على نشرها وتعليمها للآخرين وتحبيبها إليهم.
ولقد بحث الإغريق في طبيعة اللغة ونشأتها، وتضافرت جهودهم في سبيل وضع قواعد للغتهم ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد. وشارك الفلاسفة اللغويين فكانت أبحاث أفلاطون في أصل الكلمة، ومشكلة المعنى كما درس العلاقة بين الأشياء والكلمات. وتابعهم في ذلك الرومان، فدرسوا اللاتينية ولما كان الإغريق قد اقتصروا على دراسة لغتهم فقط ، فقد فعل الرّومان مثلهم فلم يدرسوا قواعد أيّة لغة غير لاتينية، كأنّهم أرادوا أن تصبح هذه القواعد قوانين عامة تصلح لجميع اللغات، وهي نظرة سادت في أوروبا ، وظلت آثارها إلى سنوات قليلة مضت قائمة ، إذ حاول اللغويّون هناك تطبيق قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على اللغات التي انحدرت منها غاضين النظر عن مسافة الخلف بين هذه اللغات الحديثة وتينك اللغتين الميتتين.
ولقد انصبّ اهتمام الإغريق والرومان على وضع قواعد لما يمكن أن يقابل اللغة الفصحى أو النموذجية، وهي لغة لم تكن متحدثة آنذاك وانشغلوا بوضع قواعد وضوابط ومعايير محدّدة لهذه اللغة سميت بالقواعد "المعيارية" وهي لا تتغير بمرور الزمن.
أما في الهند فقد كان للكتاب الذي ألفه "بانيني" في القرن الرّابع الميلادي، الأثر البارز في توضيح قواعد اللغة السنسكريتية مبيّنا فيه وواصفا النظام الصوتي والصرفي والنحوي لتلك اللغة وصفا دقيقا.
و لا تزال الأمم و الشعوب في العصر الحديث تولي أهمية بالغة للحفاظ على لغاتها و تطويرها و نشرها، من ذلك إقدام الدولة الفرنسية على التدخل في الواقع اللغوي عبر قوانين أصدرتها في سنوات 1490 و1510 و 1539 م ، و هذا الأخير هو الأشهر و المعروف بقانون فيلي كوتري، و قد سعت هذه القوانين إلى إبعاد اللاتينية و الإسبانية و الإيطالية من الساحة الفرنسية .
كما أبعدت لغات فرنسا و لهجاتها الأصلية التي تعد بالعشرات ، و من بينها اللغة الباسكية ، و اللغة الكاتالانية و اللغة البروطانية ، إلى جانب ما يعتبره ﴿ كلود هاجيج ) في كتابه : ﴿﴿ الفرنسية و القرون )) بلهجات فرنسا ، كاللهجة الفلامانيكية المنتمية إلى اللغة الهولندية ، و اللهجة الألزاسية المنتمية إلى اللغة الألمانية و اللهجة الكورسيكية المنتمية إلى اللغة الإيطالية
و قد قامت فرنسا بواسطة قانون ﴿ توبون ) ، سنة 1994 م بمنع استعمال اللغات الأجنبية خصوصا الأنجليزية في كل شيء بما في ذلك الإشهار. و وصل هذا القانون قمته عندما أراد ﴿ توبون ) ، وزير الفرانكفونية ، إزالة كلمات أنجليزية مترسخة في القاموس اللغوي منذ قرون .
و في العصر الحديث أدركت المجتمعات الراقية أهمية اللغة في حياتها وحياة الشعوب التي تريد غزوها ، وبسط الهيمنة عليها فأخذت تنفق "الأموال الطائلة" من أجل تصنيع الثقافة بلغاتها وتصديرها إلى جميع أصقاع العالم ، تصرف بها وجوه الناس إليها وتغزوهم في عقر دارهم عن طريق القنوات المرئية والإذاعات المسموعة والمجلات والكتب والصحف و الشبكات العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ... تفرض عليهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - نمط حياتهم وطريقة عيشهم، وأسلوب تفكيرهم، وتقدم لهم الحلول لمختلف المشكلات التي تهم حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي خضم هذا الواقع الذي تتصارع فيه مختلف الأمم والشعوب من أجل الحفاظ على لغاتها ونشرها وتطويرها ننظر بعين الحسرة و الألم إلى المستوى المنحدر الذي آلت إليه اللغة العربية، لغة القرآن ، وقد ساهم كل منّا بقسطه في هذا الإنحدار الرهيب ، وجنينا جناية بالغة في حق أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة بل في حق اللغة العربية. يقول الأستاذ فاروق جويدة تحت عنوان ﴿﴿قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا)) :
﴿ اللغة العربية في محنة هذه حقيقة نكاد ندركها ونلمسها جميعا، ولكننا للأسف الشديد نقف أمامها مكتوفي الأيدي كمن يشاهد ابنه يصارع أمواج البحر ولا يحاول إنقاذه، ومحنة اللغة العربية ظاهرة يتصاعد دخانها أمام أعيننا منذ سنوات طويلة حتى وصلت الأحوال بها إلى درجة توشك فيها أن تصبح غريبة بيننا).
و سعيا منا إلى إنقاذ اللغة العربية و المساهمة و بلبنة بسيطة في مزيد إشعاع هذه اللغة الجميلة و إيلاؤها الأهمية التي تستحقها بوصفها تمثل هويتنا الوطنية و رصيدنا الحضاري حاضرا و مستقبلا ، سنسعى – قدر المستطاع – إلى إبراز :
1 – الظروف التاريخية لتقدم اللغة و الخط العربي و تطورهما وانتشارهما ؟
2 – خصائص اللغة و الخط العربي و مدى تميزهما عن بقية لغات العالم ؟
3 – المخاطر المحدقة باللغة العربية سواء أكان ذلك من قبل ﴿ العرب ) أنفسهم أو من قبل أعداء اللغة العربية و المتربصين بها ؟.
و نختم هذا الباب بالحديث عن البدائل التي يطرحها أعداء اللغة العربية و مدى تفاهة ما يطرحون ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تسهل علينا كشف النقاب عن :
4 – كيفية النهوض باللغة العربية و مزيد نشرها و تطويرها ... ؟ و قد ختمنا بحثنا بتوجيه التماسا إلى المشرفين على وسائل إعلامنا و إلى المهاجرين من أبنائنا باحترام لغتنا الأم لأن في احترام لغتنا هو احترام لهويتنا و كينونتنا الحضارية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الباب الأول
الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية و انتشارها


لقد أحب العرب القدامى ، قبل مجيء الإسلام ، لغتهم و تباروا في إتقانها و تجويدها واستعملوها في حلهم و ترحالهم، و في خطبهم و أشعارهم ... و شهدت منطقة الجزيرة العربية أسواقا أدبية عديدة من أشهرها : عكاظ و مجنة و ذو المجاز و غيرها .. و كان عكاظ أشهرها جميعا، فكانت تنتقى فيه القصائد العصماء التي اشتهرت باسم ﴿﴿ المعلقات )﴾ لتعليقها عند الكعبة بعد تمحيصها و خضوعها لإشراف و نقد دقيق وضعت نظمه قريش .

و بعد مجيء الإسلام ترقت بلاغة العرب بسبب نزول القرآن ﴿بلسان عربي مبين ﴾. فأصبح كلام المسلمين من العرب أعلى طبقة في البلاغة و أذواقها من كلام أهل الجاهلية في نثرهم و نظمهم ، فنجد شعر حسان بن ثابت و عمر بن أبي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق ... ثم كلام الشعراء في الدولة الأموية و صدر الدولة العباسية ارفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة و عنترة وابن كلثوم، و زهير و علقمة و طرفة و من كلام أهل الجاهلية، لأن هؤلاء قد سمعوا و حفظوا القرآن "وهو من خلق الله الواحد و إبداعه المتفرد" و الذي عجز الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فنشأت على أساليبه نفوسهم ،فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية.
و لقد انطلق آباؤنا المسلمون من الجزيرة العربية زاحفين إلى أقاصي الأرض ، متجاوزين الآفاق البعيدة التي لم يحلموا بالوصول إليها من قبل ، ليؤدوا الأمانة الكبرى التي اختارهم الله لها دون غيرهم من سائر الأمم، و حمل رسالة الإسلام ونواميسه الفطرية الأزلية الخالدة إلى كل شعوب الدنيا . و قد كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة الإسلام . فبها وحدها يستطيعون نقل تعاليم الإسلام الحقيقية و آياته البينات إلى الآخرين،و بها وحدها يستطيع المسلم الجديد أن يكون مسلما حقيقيا ، مستوعبا ومستجيبا لكل أوامر الله و نواهيه في القرآن، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ﴿ تعلموا اللغة العربية فإنها من دينكم ﴾. و يقول أبو إسحاق ألشاطبي ﴿﴿ في الموافقات﴾) : ﴿إن هذه الشريعة المباركة عربية فمن أراد تفهمها فمن وجهة لسان العرب و لا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة﴾.
فالدين الإسلامي لم يكن مجرد عقيدة و تشريع و مبادئ يعتنقها المسلم فحسب، بل هو معجزة فنية ، لغوية و فكرية، معنى و مبنى، بعث الله بها إلى الأرض لتصغي إليها قلوب تحجرت فتلين ، و تتعلق بها عيون جفت فيها المشاعر فتتفجر بالدموع ، و عقول تراكم فوقها غبار القرون ، فانجلت و تجددت و اهتدت بنور الله وهي تستيقظ على هذا الصوت الرباني الذي جاء يتحداها فيما تحدت به من قبل كل البشر : البيان و البلاغة ، - معنى و مبنى - و بذلك ارتكز المسلمون الأوائل الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإسلام و مراميه ، على ازدواجية الدعوة لدى الشعوب المفتوحة : دعوة القلوب إلى الإيمان و الألسنة إلى التعريب . فدخل الناس في دين الله، و الألسنة في لغة القرآن أفواجا ، فصنعوا حضارة لا تزال معالمها إلى اليوم شاهدة عليهم .
و لقد مر الحرف العربي وصولا إلى ما هو عليه بمراحل تحسينية عديدة ،عبر سنواته الطوال ، بدءا بالحرف غير المنقط ، و قد كان يقرأ غير منقط و غير مشكول دون خطإ حتى من الصبية لأنهم رضعوا الكلام الصافي من المنهل الذي نهل منه آباؤهم فجاء كلامهم فصيحا.
فلما جاء الإسلام و أنار الدنيا بتعاليمه ، دخل الأعاجم فيه و اختلطوا بالعرب و تعلموا لغتهم ليفهموا تعاليم الإسلام و يحملوا مع إخوانهم أمانته ، فظهرت حينها أخطاء القراءة و الكلام ، فاجتهد أبو الأسود الدؤلي لمعالجة الموقف، فقام بوضع أول علامات لشكل اللغة العربية حيث طبقت لأول مرة على القرآن الكريم .
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف بحور الشعر العروضية و واضعها ، فزاد اللغة تحسينا و تجميلا آخر ، حيث طور حركات أبي الأسود الدؤلي بحركات أكمل وضوحا ، وهي نفس الحركات التي نستعملها اليوم .
و في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عهد إلى نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر إيجاد حل للتفريق بين الحروف المتشابهة كالباء والتاء و الجيم و الحاء و الخاء ... حيث قاما بوضع النقاط على الحروف المتشابهة ، و كانت هذه المرحلة أتم المراحل في تزيين الحروف العربية مما جعلها أكثر بهاء و بريقا و حماية للألسن من الخطإ .
و لقد تواصل اهتمام المسلمين بلغة القرآن الكريم ، و كانوا يعتزون بها و يفخرون ، حتى راحوا يذبون عنها كل شائبة ، و يبينون خصائصها ، و جمالها ... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار ، و برزت في سماء العلم أسماء رجال أجلاء عرفهم العالم و شهد لهم العلماء من جميع أصقاعه نذكر منهم بالإضافة إلى أبي الأسود الدؤلي و الخليل بن أحمد : سيبويه ، و أبي علي الفارسي ، وابن جني و ابن فارس ، و الثعالبي و السيوطي و الأصمعي و الجرجاني و قوافل أخرى ممن خلفوا لنا تراثا تفوق فخامته ما أتى به غيرهم و استوفت اللغة جميع جوانبها النحوية و الصرفية و الصوتية و المعجمية و البلاغية . و لقد تملك كل هؤلاء حب اللغة الفصحى، و أخلصوا للغة القرآن ، و ظلوا على ذلك حتى استوت علوم اللغة العربية و اكتملت فروعها . و عندئذ أضافوا استطردات مبسوطة وافتراضات كثيرة ، و طرقوا مسائل وهمية ، تخيلوها و كدوا أذهانهم في حلها .
كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية ، و أبدعوا خطوطا جديدة زينتها بحلة قشيبة لا تزال تحتفظ بها و تنبض جمالا يأخذ بالألباب ، ذلك لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا كما يؤكد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
إن جمالية الحرف العربي ، و مرونته الساحرة و رشاقته الخاصة بما له من أشكال متعددة ، متصلة و منفصلة و لا سيما إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال عديدة ، و بصياغات جمالية متنوعة ، فتح الباب أمام فناني الحرف للتنافس في تجميله و تزويقه و تطويره جماليا باستمرار ، و لقد أولاه الدين الإسلامي الحنيف كل اهتمام ، من ذلك أن العديد من فواتح السور القرآنية تبتدئ ببعض الحروف : ألم ، ألمر، كهيعص، ق ، طه ، يس، ن ... ، و هل من تكريم للحرف أعظم من القسم به ، كما في سورة ﴿﴿ القلم )) : ﴿ ن ، و القلم و ما يسطرون) فالحرف يدل على ما في اللفظ ، و ما في اللفظ يدل على ما في الفكر ، و ما في الفكر يدل على الروح و الروح تدل على عظمة الله خالقها و العالم بأسرارها ، من هنا جاء الإهتمام بتجميل الحرف تفصيلا و جملة ، فظهر في العمارة ، و كأنه اللآلئ، مزينا المساجد و المآذن و القصور من الخارج و الداخل بآيات الذكر الحكيم ، و العبارات المأثورة من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم و الحكم و غيرها .
لقد زين الرسامون المسلمون المساجد و المنازل و القصور في مختلف البلاد الإسلامية و جملوا الأثاث و السجاد و الملابس و المباني على اختلاف أنواعها و الآلات كلها حتى المدافع و الكتب بتلك الحروف النورانية التي تكون مع بعضها البعض كتاب الله الخالد و الأزلي و المعجز ، و هناك من اللوحات البديعة التي لا تزال محفوظة في المتاحف و البيوت .
لقد انطلق المبدعون و جالوا و تفننوا في صياغة الحرف العربي و تركيبه ، في أنحاء العالم الإسلامي ، فدرس الفنان تراكيب مختلفة ، مراعيا العلاقات التكوينية في دراسة الفراغات ، فكان همه استمرارية ابتكار التكوينات التي تتآلف من انسجام الحروف و كأنها أصوات موسيقية مرئية ، تسمع بعينك و بروحك صوت اللآلئ المرصوفة ، حاملة الألفاظ القرآنية المباركة ، و كانت غاية الفنان أن يبدع في تراكيب و تآليف يغور فيها الناظر ، و يرتع مكحلا عينيه بجمالها .
و هذا الإهتمام بالحرف العربي نتجت عنه أنواع كثيرة من الخطوط ، اللينة و المزواة ، و أصبح الخط فنا جماليا ، و ارتبط كليا بالحضارة الإسلامية ، و ساد على باقي الفنون، و قد اشتهر من الخطوط : النسخ و الرقعة و الكوفي و الثلث و الفارسي و الديواني و تفرعت من هذه الخطوط خطوط كثيرة ، لقيت من الجميع الرعاية ، فأقدموا على دراستها و خاصة المسئولون من حكام و سلاطين و أمراء ، قال أحد الشعراء :
يخطط مولانا خطوط ابن مقلة فينظمها نظم اللآلئ في السلك
فهذا عليه بهجة الخط وحدها و ذاك عليه بهجة الخط و الملك
و الوزير ابن مقلة السالف ذكره في بيت الشعر هو من وضع الأسس و الأنظمة الهندسية للحرف ، ثم ابن البواب، ثم ياقوت المستعصي الذي أصبح قبلة الكتاب في عصره ، ثم ابن الصايغ ثم شفيق ، و حقي و ماجد الزهدي و حسين حسني ، و عبد العزيز الرفاعي ، و حامد الآمدي و سيد إبراهيم و هاشم البغدادي و غيرهم . و لقد انفرد بأسلوب التعليق الفارسي ، مير علي التبريزي ، و مير علي الهروي ، و مالك الديلمي و مير عماد الحسني و أسعد يساري و غيرهم .
لقد بذل هؤلاء الرسامون جهودا مضنية للارتقاء بالحرف العربي و ساهموا بقسط لا يستهان به في تحقيق مجد اللغة العربية و الخط العربي حتى أن ﴿ بيكاسو ) عبر عن إعجابه بالخط العربي قائلا : " إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير وجدت الخط لعربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد ".
كما نسب للإمام علي كرم الله وجهه قوله: " الخط مخفي في تعليم الأستاذ، و قوامه على كثرة ألمشق، و دوامه على دين الإسلام ".فهو بحر واسع إلا أن معرفة أسراره وحدها دون التمرن المستمر على ألمشق لا تكفي ! و ماذا نحن فاعلون – حكومات و شعوب و مفكرون و مبدعون – للحفاظ على رمز هويتنا الحضارية و تنميتها ؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني
خصائص اللغة العربية و مميزاتها

تمثل اللغة العربية إحدى اللغات العريقة ذات الماضي الأصيل ، و التاريخ الحافل ، وهي لغة ثرية بأبجديتها الوافية التي تضم من الحروف ما لا يوجد كلا أو بعضا في لغات أخرى كالثاء و الحاء و الذال و الضاء و العين و الغين و غيرها ، فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر لغات العالم .
و القارئ للعربية يجد العجائب و الغرائب في أصواتها و حروفها و إملائها و بلاغتها ، في شعرها و نثرها ، فشعرها عقد منظوم تتلألأ منه أنغام الماضي و الحاضر و المستقبل ، بألحان مختلفة يلبي جميع الأهواء ، و نثرها جوهر منثور يزخر بألوان زاهية من البيان الساحر الأخاذ الذي لا يشبع نهم المشتاق و يشفي غليل الطراق ، وهي تفي بالقليل عن الكثير ، و تمج الغث و تعج بالسمين ، تترقرق من أفواهنا كماء الغدير تريح النفس بعذوبتها و تهدر كالبحر الهائج فتثير النفس و تشمخ بها نحو القمم ، و قديما قيل :" كلم اللسان أنكى من كلم السنان " فكم من شخص لقي حتفه بكلمة و آخر نجا من الموت بكلمة ، و كم كلمة رفعت صاحبها و أخرى أذلته .
و لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال هوية الأمة الإسلامية ، و لسانها الناطق ، و قلبها النابض و عقلها الواعي الذي يحوي تراثها و ثقافتها و مجدها و رمز وحدتها ، و منذ مجيء الإسلام استطاعت اللغة العربية أن تؤدي رسالتها كاملة ، فتنشر الدين الإسلامي في جميع الآفاق ، و أن تستوعب بوفاء و أمانة علوم الأمم الأخرى و ثقافتهم ،و هاهي اليوم تواصل رسالتها في الحفاظ على وحدة مجتمعاتنا الإسلامية بغير كلل أو إعياء . يقول المستشرق الألماني " بروكلمان " : " بفضل القرآن بلغت العربية من الإتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا. و المسلمون جميعا مؤمنون، بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، و بهذا اكتسبت العربية من زمان طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى".
لقد نص الله تعالى في كتابه الكريم على أنه أنزل " قرآنا عربيا " و " بلسان عربي مبين " ملقيا بذلك المسؤولية في حمل الرسالة المحمدية إلى البشر على كواهل هذه اللغة الشريفة ، لأن الله قد شرفها بأن اختارها ، لأول مرة و لآخر مرة ، ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز حوى نصوصا حرفية من كلامه المعجز عز و جل ، توجه بها إلى الناس كافة معلنا لهم دينه الذي ارتضاه لهم ، و واضعا لدنياهم و لآخرتهم القواعد و الأسس الفطرية التي تصلح أن يستقيموا عليها و إلى الأبد . فهذه ميزة تنفرد بها اللغة العربية ، و تتربع على عرش اللغات جميعا لأنها لغة القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين على سيد الخلق ، خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم : " و إنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين " ( سورة الشعراء الآيات 192 – 195 ) .
و هذا التكريم الذي خص الله به اللغة العربية جعل منها لغة عالمية لأن محمدا صلى الله عليه و سلم أرسل إلى الناس كافة ، كما جعل منها لغة باقية بما جاء به من تشريع أزلي يتماشى و فطرة الإنسان و خلقته صالح لكل زمان و مكان ،و ارتقى بها بما اشتمل عليه من عقيدة سليمة ، و مثل سامية ، و قيم رفيعة سامقة تتمثل في تحرير العقول من السفه و من كل المعوقات الفكرية التي قد تحجب عنها حقائق الوجود ، و تحرير القلوب من العمى و الدروشة ، و في الدعوة إلى الإيثار ، و التضحية ، و الحب و التسامح ، و الرحمة ،و الحق و العدل ، و التنفير من الرذيلة في أي مكان و أي زمان . و كل هذا يجعل من اللغة العربية ضرورة حتمية لفهم القرآن و مدلولاته الدقيقة و في ذلك يقول الشافعي : ( فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به بأن لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسول الله و يتلو به كتاب الله و ينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير و التسبيح و التشهد و غير ذلك . و مهما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته و أنزل به آخر كتابه كان خيرا له ).
و يضيف ابن تيمية رحمه الله : ( فإن نفس اللغة العربية من الدين و معرفتها فرض وواجب فإن كتاب الله و السنة فرض و لا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
و يتابعه في ذلك أبو منصور الثعالبي في مقدمة كتابه : ( فقه اللغة و أسرار العربية ): " من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و من أحب النبي العربي أحب العرب ، و من أحب العرب أحب اللغة العربية التي تنزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم و العرب ". و قبل هؤلاء جميعا أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاقة الوثيقة و المتينة بين الدين الإسلامي الذي جعله الله سبب صلاح بني آدم دنيا و آخرة و بين اللغة العربية لغة أهل الجنة فقال: ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) . فأي مسلم هذا الذي يتنكر للغة العربية لغة القرآن و لغة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم !؟
إن اللغة العربية خصبة باشتقاقها و سهولته ، ثرية بكثرة ألفاظها و تصريفها ، مما يكسبها مرونة خاصة ، و يمنحها عطاء متجددا ، و يجعلها أقدر اللغات على التعبير في كافة العلوم و الفنون و مختلف المجالات الحياتية ، يقول المستشرق " جوبيوم " في مقدمة كتابه (تراث الإسلام ): "إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها و اشتقاقها و خاصة ما يتصل بالفعل و الإسم . فمثلا مادة الفعل "دار" يشتق منها : أدار، و دوّر، و تدوّر،و تداور، و داور ، واستدار ، و دوْر ، و دوران و دوار، و داره و دوّار، و مدار و مدارة ،و مدير،وهكذا .."
كما أن للعربية قدرة على التجريد و النزوع إلى الكلية و الشمول حيث تتلاقى كلماتها في الغالب على أصول تجمع بينها و تتجلى فيها ، فعلى سبيل المثال نجد الكلمات ذات الأصول من السين و اللام و الميم تلتقي عند أصل يجمع بينها وهو التعري عن الآفات الظاهرة و الباطنة ، فيتمثل معنى التعري عن الآفات الظاهرة في قوله تعالى في سورة البقرة آية 71 : (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض و لا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ). فكلمة مسلمة تشير إلى أن الله قد سلم البقرة المطلوبة من العيوب أو سلمها أهلها من العمل. و يتمثل معنى التعري عن الآفات الباطنة في قوله تعالى في سورة الشعراء الآية 88 و 89 : ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). فالقلب السليم هو الخالي من الدغل واستبطان الحقد و العداوة أو السالم من الدنس و الشرك بالله أو السالم من البدعة المطمئن إلى سنن الله . و لقد صور لنا القرآن الكريم ما يعتري نفوس البشر و حالاتهم في المواقف المختلفة ، أدق تصوير ، بكلمات دقيقة تحمل كل منها معناها حتى و لو كان الإختلاف بين الكلمات في حرف واحد كما في كلمتي اهطاع و اهراع و قد ورد في لسان العرب قولهم : " لا يقال للإسراع في السير إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، و لا إهراع إلا إذا كان معه رعدة . و يلاحظ أن هذا الإختلاف في المعنى في قوله تعالى : ( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى ألداع يقول الكافرون هذا يوم عسير) سورة القمر آية 7- 8. مقارنة بقوله تعالى : (ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون، و لقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) سورة الصافات الآيات 68 -71. هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز ، و ذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها ،و إلى التأكيد على إظهار هذه الحروف ، و لا سيما ما يحتاج منها في نطقه إلى ضغط أو نبرة معينة كحروف القلقلة ، و الحروف التي تخرج من بين الثنايا ، و غيرها بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي لا تحفل بذلك ، فلا يكاد الحرف فيها يبين ، أو تكثر بكلماتها الحروف الساكتة ، أو التي يتلاشى بعضها في بعض أثناء النطق . هذه الخصوصيات التي تتميز بها اللغة العربية يجعلها تقبل عن جدارة الإعجاز البياني و ضروبه مما لا يتوافر في الكثير من اللغات الأخرى لكون ذلك طبيعيا فيها بفضل جزالتها و دقة أوضاعها و إحكام نظمها واجتماعها على تأليف صوتي يكون موسيقيا محضا في التركيب و التناسب بين أجراس الحروف و الملائمة بين طبيعة المعنى مما يجعلها قريبة من نفس كل إنسان لاتفاقها مع فطرته . و قد أدى كل ذلك إلى وجود كلمات ليس لها مقابل في اللغات الأخرى من ناحية الدلالة مثل : الحق – الرحمة – الرحمان – العالمين ... يقول الدكتور محمد جمال الدين الأفندي في الفصل الرابع من كتابه : ( الإسلام و قوانين الوجود ) : " و لا أظن أن هناك لغة تستطيع أن تعبر عن كثير من ألفاظ القرآن ، أو تستوعب معانيه غير العربية .. فقد كنت ضمن لجنة لترجمة معاني القرآن، - و لا أقول ألفاظ القرآن أو القرآن نفسه فهذا أمر مستحيل – و وقفنا طويلا أمام بعض الكلمات لا نجد لها مقابلا مثل كلمة " الرحمان" و كلمة " الله " و حتى كلمة "رب " ليس معناها DOG المستعملة عادة في الترجمات و كلمة " العالمين " ليس معناها الكون و "عباد" ليست بمعنى عبيد و لا حتى خدم ".
إن هذا الإعجاز البياني يجعل من طواعية العربية الفصحى و مرونتها و قدرتها على مطالب النفس الإنسانية بمشاعرها و انفعالاتها لا تدانى ، و اللغة العربية مع هذا تمتلك من مقومات الجمال ما تستحق به عن جدارة أن يطلق عليها لغة الجمال ، يتجلى ذلك فيما حوته من روائع الكتاب و السنة ، و فيما زخرت به من حكم و أمثال و في خطها العربي بأنواعه المختلفة ( النسخ ، و الرقعة ، و الثلث و الفارسي ، والديواني .. ) و غيرها مما لا تضارعها فيه لغة أخرى ، و في موسيقاها النابضة المعبرة الشجية الملونة التي تجد مجالها فسيحا في التنوين ، و الإدغام و المد ، و الإمالة ، و السجع ، و غيره ، و في ألوان البديع ، و في بعض بحور الشعر كالمتقارب و المتدارك ، و الهزج ، و الرجز ، و مجزوء بعض البحور كالوافر و الكامل و غيرهما .
إن هذه الخصوصيات الكثيرة التي تميزت بها اللغة العربية و جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعا بما احتوت عليه من ضروب البيان و البلاغة و الإعجاز و سهولة الإشتقاق منها ، و قدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها ، و أتراحها ، في هزلها و جدها ، في علومها و أدبها ، مما رشحها للتعبير عن كلمات الله التي تحدت الإنس و الجن أن يأتوا بمثلها فعجزوا : ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين) سورة البقرة الآيات 23- 24 .
كل هذا التميز لم يشفع لها من التراجع و الإنحدار إلى مستوى لم تعد تحسد عليه ، و أصبحت هذه اللغة الجميلة الرائعة تعيش محنة تذيب قلوب العاشقين لها حسرة و كمدا، أمام ما يتهددها من أخطار و مكائد تحاك لها من قبل الناطقين بها و غير الناطقين سواء وعوا بذلك أو لم يعوا.

 

 

 

 

الباب الثالث
المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث ؟

صلة وثيقة و متينة ربطت اللغة العربية الفصحى بالدين الإسلامي الحنيف،منذ نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، مما حدا بالمسلمين إلى اعتبار اللغة العربية من الدين و أس من أسسه " و إنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين " (سورة الشعراء الآيات 192 - 195) . وقد كان النبي محمد صلى الله عليه و سلم يفخر و يفرح كل الفرح بالإفصاح و يأبى اللحن و يقول : "و إن من البيان لسحرا "، مما نتج عنه اهتمام علماء المسلمين بها و كانوا يفخرون بها و يعتزون، كما راحوا يذبون عنها كل شائبة، و يفردون لها المصنفات العديدة التي تبين خصائصها و تميزها، و جمالها... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار و نشروها حيثما حلوا وارتحلوا...،
و منذ بدايات العصر الحديث ،أخذت الرابطة الإسلامية تتراجع كشكل من أشكال ضمانات البناء السياسي القائم و تحصينه ، أمام ضربات الإستعمار الغربي الموجعة وتقطيعه لأجزاء عديدة من الخلافة العثمانية و سقوط البلاد العربية الواحدة تلو الأخرى في براثن الإستعمار الغربي المقيت بدءا بالجزائر عام 1830م و تونس عام 1881م و مصر عام 1882م ... بالإضافة إلى اشتداد السياسة الإستبدادية التي سلكها السلاطين العثمانيون المتأخرون ، كل هذه العوامل أدت إلى درجة قصوى من التخلف و الإنحطاط و الجهل ، فلم يعد هناك علماء و مفكرون إلا قليلون ، و قلت الرغبة في البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف الميادين العلمية و اللغوية و الحضارية ، لأن الدولة لا تشجعها ، فليس إلا ترديد بعض الكتب الفقهية و النحوية و الصرفية و نحوها ، حتى قال السائح الفرنسي "ميسيو فولني" الذي زار مصر و بلاد المشرق العربي و خاصة الشام : (إن الجهل في هذه البلاد عام شامل ، مثلها في ذلك مثل سائر البلاد التركية ، يشمل الجهل كل طبقاتها ، و يتجلى في كل جوانبها الثقافية ، من أدب و فن ...) . هذا التراجع الحضاري نجم عنه ركود في كل الميادين العلمية و اللغوية، فبقدر ما كان المد الحضاري الإسلامي يتراجع كان اللسان العربي يتقلص، لأن الإسلام هو الذي حافظ عليها، و صانها، و رسم لها الحدود النهائية التي استمرت عليها حتى الآن.
إن هذا التهلهل الحضاري الذي أصاب الناطقين بالضاد استغله الجاهليون و الوثنيون الجدد ليطعنوا في لغة القرآن و يرمونها بالقصور حينا ، و بالجمود أحيانا أخرى ، و بذلوا و يبذلون جهودا جبارة لمحاربة الفصحى ، و تحريك الأقلام المأجورة ضدها . لقد أدرك أعداء أمتنا الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية و الدين الإسلامي و بين الدين الإسلامي و مجد و وحدة المسلمين ، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم و البداوة و ألقوا عليها مسؤولية تخلفنا رافعين شعار " من أراد التقدم و الرقي فلا يتكلم العربية "زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة و أنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
إن محاربة اللغة العربية الفصحى قد تشكلت في أشكال مختلفة وارتدت الأقنعة المتنوعة ، و تلونت بحسب الظرف الزماني و المكاني لأعداء أمتنا و لغتنا ، و إن اتفقت جميعها على استبدال اللغة العربية الفصحى بلغات المستعمرين أو باللهجات الدارجة للدول الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف اللاتينية لمسخها و القضاء على صحة النطق بها ، أو تغيير الأساليب البيانية و البلاغية للغة الفصحى ...
فقد شنت فرنسا منذ احتلالها للجزائر يوم 5 جويلية 1830م حربا لا هوادة فيها ضد اللغة العربية ، فأغلقت المدارس التي كانت مزدهرة قبل الإحتلال ، ثم اعتبرت اللغة العربية أجنبية حرم استعمالها في مصالح الحكومة ، و كانت فرنسا تعاقب كل من ينشئ مدرسة لتعليم اللغة العربية . أما المدارس التي أنشأها الفرنسيون فكانت كلها مدارس فرنسية ، و كانت الجامعة الجزائرية التي أنشئت عام 1887جامعة فرنسية أيضا ، و لا يدخلها من الجزائريين إلا من تكون له حظوة لدى المحتلين . كما بذل الفرنسيون جهودا كبيرة و قاموا بأعمال مستمرة لتنصير بعض أبناء القرى الجزائرية ، و هدم المساجد و تحويلها إلى كنائس . و في يوم 8 مارس 1938م أصدر ميسيو " شوطان " الفرنسي قرارا يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ،و كان القرار – في حقيقته – امتدادا للقانون السابق صدوره في 24 ديسمبر 1904م ، و الذي يمنع تعليم العربية في جميع مدارس الجزائر ...
و في مصر دعا اللورد " دفرين " البريطاني سنة 1883م إلى محاربة العربية و الإهتمام باللهجات العامية ، و سار على نفس النهج " ولييم ديلكوكس " سنة 1892م ، و كان " ديلكوكس " هذا يعمل مهندسا للري في مصر ، فقام بترجمة الإنجيل إلى ما أسماه باللغة المصرية . و تبعه القاضي الإنكليزي "ولمور" الذي عاش في مصر و ألف سنة 1902م كتابا باسم ( لغة القاهرة ) واقترح فيه قواعد نصح باتخاذها للعلم و الأدب ، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية . و كان الهدف من بذل كل هذه المجهودات هو القضاء على لغة القرآن ، لغة الإسلام الوحيدة و تحقيق حلم " ولييم جيفور دبلجراف " الذي قال : ( متى توارى القرآن و مدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في قبول الحضارة المسيحية التي لم يبعده عنها إلا محمد و كتابه ) !؟
و على نفس هذا النسق سارت بقية الدول الإستعمارية الأخرى في مختلف البلاد العربية و الإسلامية ، ساعية جهدها إلى قبر اللغة العربية و من ثم قبر الهوية الإسلامية لشعوبنا . و واصل هذه المجهودات الإستعمارية الجبارة في وأد اللغة العربية مجموعة هامة من حلفاء الإستعمار و الذين باعوا أنفسهم للشيطان ضد مصالح أمتهم العربية و الإسلامية و على رأس هؤلاء و أخطرهم يأتي سلامة موسى في كتابه ( البلاغة العصرية و اللغة العربية ) فقد تناول هذا الأخير في كتابه مخطط الهجوم على اللغة العربية و انتقاصها و الدعوة إلى العامية لتكون مصدر البلاغة العصرية زاعما أن الفصحى لا تستطيع التعبير عما تستطيع العامية أن تعبر عنه . ؟! فدعا إلى الأسلوب التلغرافي و مهاجمة الأسلوب البياني ، و إلغاء الحرم و العرض من اللغة بدعوى أنه تراث لغوي قديم يحمل عقدة اجتماعية يجب أن نكافحها ، كما دعا إلى الكتابة بالحروف اللاتينية و إدخال الكلمات الأعجمية دون قيد ، و هو بهذه الدعوة أراد في الحقيقة أن يكون الأسلوب خاليا من الروعة و البراعة و الجمال و الموسيقى التي تميز اللغة العربية ، فلا يمتاز عن أسلوب الخطاب المعتاد المتداول في الشؤون اليومية ، متعمدا تجاهل أن الأديب شاعرا كان أو كاتبا ، إنما يفتن القلوب و يسحر العقول بألفاظه . و ليس اللفظ رمزا يشير إلى فكرة و معنى فحسب، بل هو مجموعة من صور و مشاعر أنتجتها التجربة الإنسانية و بثها اللفظ ، فزادت خصبا و حيوية ، فالألفاظ تصدر عن الأديب مشحونة بعواطفه و تجاربه و تحمل مكنونه الذي اختزنه على مر العصور في خصائصها و سماتها ، و الأسلوب التلغرافي الذي دعا إليه سلامة موسى لا يحقق شيئا من ذلك لأنه قائم على النفع وحده لا على الجمال . و لو أن الأسلوب لا قيمة له إلا أن يكون تلغرافيا يسفر بين الناس بالمنفعة وحدها ما حرص الأدباء على تجويد أساليبهم في اللغات كلها و لاستوت العبقرية و التفاهة ، و القدرة و العجز ، بل هي مؤامرة على اللغة العربية لاجتثاثها من النفوس و إرباك عشاقها بتفاهات ما كان ينبغي أن تصدر عن الدكتور سلامة موسى الذي يدعي في العلم معرفة ؟! و يبقى أكبر دليل على كذب هذا الرجل، و وهمه و خبث طويته، أنه كان يدعو إلى العامية مستخدما في ذلك الفصحى، يدعو إلى العامية وهو يتكلم الفصحى ... إنه لم يستطع أن يتخلص من لغة أمته الفصحى فكيف تعجز الفصحى عن التعبير عما زعم !!؟ و قد واصل مجهوده سعيد عقل اللبناني داعيا إلى استخدام اللهجة العامية و كتابتها بالحروف اللاتينية قائلا : "من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن " . و رصد جوائز عديدة لمن يكتب ديوانا للشعر باللغة العامية ، و كتب ديوان ( يارا) بلغة عربية في أحرف لاتينية وهو (رجل حراس الأرز) الذين جعلوا شعارهم قتل الغرباء ( أي قتل المسلمين). و تقدم عبد العزيز فهمي عضو المجمع العلمي المصري سنة 1942م باقتراح يقضي باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية و شغل المجمع العلمي ببحث اقتراحه ثلاث سنوات. و لعل التاريخ لن ينسى مجرما لم يكتف بالدعوة إلى ذلك بل دخل بنفسه المدارس معلما الحروف الجديدة للمدرسين و الطلاب...؟! إنه ذلك اللقيط الذي حارب المسلمين و أسقط الخلافة الإسلامية ( كمال أتاتورك ).
و في سنة 1973م انعقد في لبنان مؤتمر ضم عددا من أساتذة الجامعات في أمريكا و أوروبا و البلاد العربية و بحث فيه اقتراح فرنسي قدمه "جاك بيول " و "أندريه رومان "و " رولان مانييه " باستعمال اللهجات العامية الدارجة و ذلك بحجة أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه !
و تنوعت دعاوي هؤلاء الإمعة و تبريراتهم ، فمنهم من حاول إقناع الجماهير بأن اصطناع اللغة العامية في الأدب و الصحافة إنما اعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير فيه ، و منهم من زعم أن للعامية قدرة على الوفاء بحاجات البشرية و قدرة على التعبير عن مطالب الحياة العصرية ، و أنها وسيلة ميسرة لتثقيف الجماهير الشعبية و تقريب الثقافة منهم ...إلخ .
إن أية دعوة تحاول النيل من اللغة العربية في قليل أو كثير ، مهما لبست من أقنعة ، و زخرفت من قول إنما هي دعوة مسمومة مفضوحة يريد بها أصحابها أن يطفئوا نور الله ، و يخربوا هوية الأمة الإسلامية حتى يسهل لهم بعد ذلك تذويبها و تركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح امتنا . إن هذه الدعوات المشبوهة تريد أن تطمس شخصيتنا و تميزنا الحضاري ، و تسعى إلى دمجنا و صهرنا إلى حد الذوبان في " الآخر العدو" لتحيلنا في النهاية إلى أذناب ليس لهم حول و لا قوة . و لكن هيهات ... هيهات !! فاللغة العربية خالدة، لأنها لغة القرآن، و القرآن خالد ما دامت السماوات و الأرض ... يقول عز و جل: (( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظن ) ) سورة الحجر الآية 9.
إن اللهجة العامية التي يريدها أعداء امتنا بديلا عن اللغة العربية الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد إلى آخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها ، مضطربة في قواعدها و أساليبها حتى أن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ، كما أنها لا تقوى على الشؤون الدقيقة و روح الإنسانية ، لان الفكر إذا لم تسعفه وسيلة قوية و أداة مواتية في التعبير عنه خمدت جذوته و ضعف شأنه و حينئذ يضيق نطاقه . و هذا من شأنه أن يخمد الثقافة العربية الإسلامية و ينكص بها إلى الوراء . إن الدعوة إلى استعمال الدارجة و القائلة بتقريب الثقافة من الجمهور لهي دعوة كاذبة و ساذجة ، إذ الأحسن من ذلك هو الإرتقاء بذوق القارئ ، و لا ننسى أنه بنفس هذا المنطق يمكن أن يروج للفن الهابط و الذوق السمج و الأخلاق الهابطة بدعوى أنها من "إبداع "الجماهير ، يقول العقاد : (( اللغة العامية لغة الجهل و الجهلاء و ليست بلغة الشعبيين ، و لا من يحبون الخير للشعوب ، لأن الغني الجاهل يتكلم العامية و لا يقرأ اللغة الفصحى و لا يمتاز بفهمها على الفقراء )).
أما الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية ، فيعتبر مسخا لها و قضاء على صحة النطق بها. فعلى سبيل المثال يعبر بالحرف : D عن كل من حرفي الدال و الضاد مما يؤدي إلى الخلط بين حرفي الدال و الضاد و وضع كل منهما مكان الآخر . و كذلك الحال بالنسبة للتعبير عن حرفي العين و الهمزة بالحرف اللاتيني A. كما يعبر عن حرفي الهاء و الحاء بالحرف اللاتيني H ، و قس على ذلك العديد من الحروف الأخرى .
لقد قامت فرنسا الإستعمارية برسم مشروع منفرد أطلق عليه مشروع الفرانكفونية يهدف إلى { فرنسة } كل دول إفريقيا و دول جنوبي شرق آسيا الفقيرة منها على الخصوص "فيتنام "مثلا ، و أوروبا الشرقية و بعض الدول الأمريكية انطلاقا من "كيبك "الكندية ، و هذا المشروع الفرانكفوني له عشرات الأنشطة و المؤسسات التي تخدمه . و يبقى الهدف الرئيسي لفرنسا الإستعمارية هو توطيد الفرنسية في المغرب العربي و شمال إفريقيا .. فماذا فعلنا نحن لمواجهة هذا الغزو الحضاري و حماية لغتنا من الإنحدار الرهيب الذي تعيشه لغتنا الوطنية حتى صارت غريبة بيننا ؟! إنه لشيء مخجل حقا أن نعلم أن كثيرا من الدول العربية تشارك في مؤتمرات القمم الفرانكفونية أو في إحدى المؤسسات الفرانكفونية (كتونس ، المغرب ، لبنان ...) مع العلم أن هذه الدول العربية ليست بدول فرانكفونية ،و إنما توجد بها أقلية فرانكفونية ، غالبا ما تكون من الطبقة الموسرة التي تسيطر على أغلب الوظائف العليا في الدولة . و نعود لنتساءل : ماذا يدفع هذه الدول إلى التهافت من أجل المشاركة في المؤسسات الفرانكفونية و الإصرار على الحديث بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و أهلك حرثنا و نسلنا و يسعى جاهدا لقبر هويتنا العربية الإسلامية؟!
إن الجواب يكمن في أن الفرانكفوني العربي – رمز التخلف و الإنبتات الحضاري – عنده عقدة المتخلفين ألا وهي عقدة الشعور بالنقص. فعندما يتكلم اللغة الفرنسية يحس بأنه ترقى إلى أعلى مستويات التقدم الفكري بينما ينظر إلى اللغة العربية كأنها لغة المتخلفين و رعاع الناس ، و الحقيقة الساطعة تفند هذه المزاعم ، فلقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة التقدم و الحضارة باستطاعتها أن تستوعب كل ما تنتجه الحضارة البشرية في مختلف الفنون و العلوم ، و قد برهنت على ذلك عندما نقل المسلمون فلسفة و علوم اليونان و الرومان و الفرس و الهنود ، و حولت كل ذلك إلى ثقافة واحدة ، وهي الثقافة الإسلامية . لقد دخلت في الإسلام شعوب و شعوب ، و لو قدر لهذه الشعوب جميعا أن تمتلك اللغة العربية ألسنتها كما امتلك الإسلام قلوبها ، لما كانت هناك اليوم مشكلة تواجه لغتنا رمز هويتنا و فكرنا و وحدتنا ، أما و قد انقسم المسلمون و أصبح كل حزب بما لديهم فرحين .. و سيطرت على كثير من الشعوب الإسلامية حالة "اللامسؤولية " تجاه اللغة العربية التي أصبحت بفضل القرآن لغة إسلامية عالمية ، واستغنوا عن القرآن بشروحه المترجمة ، القاصرة لطبيعتها البشرية .. و أنى لهذه الترجمات أن تنقل لأولئك إعجاز البيان القرآني ، بل إعجاز الفكر القرآني الذي لا يمكن أن تنقله كاملا ترجمة للنصوص و لا ترجمة لمعاني النصوص : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا ) سورة الكهف الآية 109.
إن السبيل الوحيد لبناء المسلم الحقيقي على الأرض في أي زمان و أي مكان هو إتقانه للغة الإسلام الوحيدة ، اللغة العربية ، لأن المسلم الذي لم يتمكن المسلمون المتأخرون من تبشيره بالعربية بعد أن بشروه بالإسلام لم يعد قادرا على أن يكون مسلما حقيقيا : مسلما يقرأ القرآن فيتدبره و يؤدي الصلاة فيخشع لمعانيها ، و يردد الأذكار و الأدعية فيطمئن قلبه لما فيها ... هذا المسلم لن يكون صورة حقيقية عن الإسلام لأن الإنفصال بين المسلم و العربية ينتج حتما الإنفصال بين المسلم و الإسلام القرآني الصحيح ، ذلك لان اللغة العربية وحدها استطاعت أن تعبر عن كلمات الله بدقة و إلا لما كان هناك داعيا لأن يختارها الله من بين جميع لغات العالم مؤكدا على قدرة اللغة العربية على الإبانة و التوضيح ( بلسان عربي مبين). لذلك تبقى اللغة العربية الوحيدة التي يمكن للمسلمين في جميع مشارق الأرض و مغاربها أن يجتمعوا عليها ، فيتناقلوا فيما بينهم مؤثراتها الفكرية و الجمالية .
لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة حضارة خالدة أولت الجانبين المادي و الروحي معا اهتمامها ، و حققت الإعتدال و الوسطية ، وهي ليست تلك اللغة اللاهوتية التي تحاط بهالة من التقديس تحجبها عن تلبية حياة المجتمع ، و تتركها قصية عن القيام بدورها في الحياة ، وهي ليست أيضا تطرح الدين جانبا لتنساق مع تيار يعجل بها إلى التذويب و فقد الهوية ، و أنى لها المقدرة على إبعاد الدين ، و إقصاء القرآن الكريم ، و التنكر لفكر المسلمين وهي التي استمدت من كل هذه الأسباب القوة و المنعة و طول العهد و العالمية . وهي ليست كذلك تلك اللغة المرتبطة بفترة زمنية قصيرة هدفها إشباع حاجات مادية أو علمية مؤقتة ، بل لقد عبرت اللغة العربية قديما و حديثا بحق و بصدق عن المفاهيم و المشاعر و المعاني التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة و دروبها ، تقوى و تينع بقوة المسلمين و عزتهم و تضعف بضعف المسلمين و تخلفهم. فلا مجال لأن تتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم نحن بالتخلي عن دورنا الحضاري في قيادة الشعوب و بلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا. ولنكن متأكدين أن اللغة العربية لن تضن علينا حينئذ بمفرداتها و تراكيبها و بلاغتها التي تؤدي بدقة عجيبة ما بلغناه من رقي حضاري و نماء ذوقي و اتساع معرفي و تمدن . فهي قد حوت واتسعت معاني القرآن المعجزة ، و نقلت لنا حضارة المسلمين في الطب و الهندسة و الجغرافيا و الحساب و التاريخ و التفسير و الشعر و الأدب و غيرها من العلوم و المعارف ، فكيف نقبل اتهامها اليوم بالعجز عن حمل المعارف العصرية و التعبير عنها و لا نتهم أنفسنا بالعجز و الكسل و التفريط فيمن جعلها الله لغة أهل الجنة في الجنة ؟! اللهم إلا أن تكون هذه اللغة الجميلة الجليلة قد استحيت من حمل تخلفنا و عجزنا و ركوننا إلى الذلة و المسكنة ، و قبولنا لأعداء الأمس و اليوم أن يكونوا علينا سادة و نجعل لهم علينا سلطانا مبينا بعدما كنا لهم قدوة و أسيادا ، و خير أمة أخرجت للناس .

 

الخاتمة
اقتراحات للنهوض باللغة العربية

إن استقراءنا التاريخ اللغوي يدعونا لأن نزعم بأن اللغة – أية لغة – لا يمكن أن تتطور و تزداد مفرداتها و تينع تراكيبها و يترسخ جمالها و تنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة و المعاني الجليلة ، و كثرت الإكتشافات و الإختراعات ، و أبدع الناس في كل المجالات الحياتية و المعرفية و التكنولوجية ، حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور و الرقي و الإزدهار عن طواعية ، و تسلم قيادها للمبدعين ، فالإنسان إذا ما أبدع أو ابتكر معنى جديدا أو اكتشف شيئا لم يسبقه إليه أحد فإن لغته التي يستعملها لا يمكن أن تضن عليه باللفظ و التركيب الجميل الذي يعبر له و بصدق عما أراد تبليغه للناس ، و عندئذ يجد الآخرون أنفسهم مجبرين على تبني اللفظ الذي عبر به ذلك الإنسان المبدع عن إحدى بنات أفكاره ، إما حرفيا و إما مترجما بصورة لا يمكن أن تكون مطابقة تطابقا كليا مع اللفظ الذي وقعت ترجمته ، ولنأخذ مثلا الشاعر الفيلسوف "محمد إقبال " ، فهو علم فذ من شعراء الإسلام ، خسر الناطقون بغير الأوردية أو الفارسية شعره لأنه لم يكتب بلغة الإسلام ، اللغة العربية ، اللغة التي يمكن للمسلمين جميعا أن يجتمعوا عليها . و إذا ما علمنا أن الشعر في أحدث تعريف له هو : ( الجزء الذي نفقده عند الترجمة ) عرفنا أن إقبال لم يكتب للمسلمين جميعا ، بل لجزء من المسلمين فحسب ، و لو كتب محمد إقبال باللغة الإسلامية ، لغة المسلمين جميعا ، لغة القرآن الكريم ، لكان هو الشعر الإسلامي . و هكذا ، فكلما ازداد المبدعون الذين ينتمون إلى أمة كلما تطورت لغة تلك الأمة واتسع قاموسها اللغوي و كثرت المعاني الجميلة بها ،و أقبل عليها الناس واستعملوها في حلهم و ترحالهم .. في أحاديثهم و خطبهم و كتاباتهم و مختلف إبداعاتهم. لذلك يبقى الشرط الأساسي لتطور لغتنا العربية ، و تحقيق الإنتشار اللازم الذي نطمح إليه : أن تستعمل من قبل المبدعين العرب و المسلمين في شتى صنوف المعرفة بحسب تخصصاتهم المختلفة ، فلا يكتب الشاعر المسلم إلا بلغة القرآن مهما كانت الأرض التي يقيم بها . و كذلك يقتضي واجب الأديب المسلم و الفيزيائي المسلم و الطبيب المسلم و رائد الفضاء المسلم و كل صاحب اختصاص أن يكتب بلغة الإسلام الوحيدة كي تكون إبداعاته و اكتشافاته واختراعاته... تنتمي كلها إلى الحضارة الإسلامية التي يجب أن تسود العالم مرة أخرى بعدما أفلست الحضارة الغربية و بان عوارها في كل مكان .إن الإستعمال الصحيح للغة الفصحى من قبل أهل الإختصاص هو الذي يحييها ، و يوقظ ما أهمل من ألفاظها ، و يقوم من تراكيبها ، وهي وسيلتنا جميعا للإفادة بما في القرآن و التراث الإسلامي من كنوز ، كما أنها أداة تفكيرنا للتقدم في ظل عقيدتنا التي تحثنا على التسامح و النضال من أجل التقدم و الرقي و البحث العلمي و التطور الإجتماعي .. وهي لساننا و لغة قرآننا و أمانة لأبنائنا وجب علينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر. يقول أحد الشعراء :
لا تلمني في هواها أنا لا أهوى سواها
و في انتظار أن يتحقق هذا الحلم لا بد أن نعجل بخطوات عملية – شعوب و حكومات – تقرب لنا ساعة الإنفراج و التحرر الفكري لإزالة آثار الغزو الحضاري للغرب الإستعماري الذي يسعى دائما لمسخ شخصيتنا و أصالتنا الإسلامية :
1 – ضرورة أن تكون الأحاديث في الإذاعة و التلفزة و مختلف وسائل إعلامنا الحديثة باللغة العربية السليمة ، و كذلك الأغنيات الشعبية، و التمثيليات ، و المسرح ... فكل هذه الوسائل ذات تأثير لا يجهل أحد قيمته و أن تترجم الأشرطة أو المسلسلات الأجنبية إلى العربية السهلة مباشرة أو عبر الدبلجة و نفس الشيء بالنسبة للإشهار .
2 – يتعين فتح الأقسام الليلية لتعليم العربية للكبار و الصغار ، نساء و رجالا ، و الإستعانة بجهازي الإذاعة و التلفزة يبث المختصون من خلالهما البرامج التي تعلم أفراد الأسرة كلها كيف يكتبون و ينطقون لغتهم الأصلية .
3 – الإكثار من الكتاتيب العصرية (إستعمال الحواسيب و التقنيات السمعية البصرية) التي تحفظ القرآن الكريم للناشئة و ترك الفرصة للمتطوعين و الخواص من أصحاب الشهادات العليا ليقوموا بذلك .
4 – إصدار قرارات لتعريب كل اللافتات التي تدل على مكان أو محل أو مؤسسة أو مصلحة أو شركة عمومية أو خاصة أو شارع ... و لكي يتم تنفيذ ذلك بيسر و نجاعة لا بد من تجنيد نخبة ممتازة من الأساتذة و المعلمين و الخطاطين و المناضلين لخدمة هذه القضية ، و يتم التنفيذ بعملية محو الحرف اللاتيني أينما وجد ، واستبداله بلغة عربية سليمة .
5 – إصدار قرارات تقضي بجعل اللغة العربية وحيدة الإستعمال في ميدان الإدارات العمومية و الجمعيات ، و المقاولات و المؤسسات و الصحافة و التعليم ما عدا في أقسام تعلم اللغات الأجنبية .
كل هذه الإقتراحات سهلة التنفيذ إذا صدقنا العزم في الحفاظ على هوية الأمة و لسانها الناطق و قلبها النابض و عقلها الواعي . فهل من مجيب ؟

 

 

ملحق
لغتنا الفصحى... واقع و آفاق !

في وطننا العربي هناك من يتمعش بهويتنا الحضارية ، يغامر بلغتنا العربية ، يزعم بأن اللهجة الدارجة المحلية أفضل و أنجع من لغة القرآن ، اللغة التي كتب بها الجاحظ و المعري وابن سينا وابن خلدون ... و غيرهم من جهابذة الحضارة الإسلامية و لسان حاله يقول بفجاجة: " من أراد التقدم و الرقي و اللحاق بركب الحضارة الغربية، فلا يتكلم العربية الفصحى "!؟ ، وأما حجته في ذلك ، فهي أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه، واستعمال اللهجة الدارجة لكل بلد هو إعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير !!؟ و هنا يتبادر إلى الذهن، أي علم سنكتبه بلهجات تفتقر إلى المصطلحات العلمية و الأدبية و حتى الإنسانية البسيطة التي تشتمل عليها اللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى اختلافها من بلد إلى آخر ، كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه !! لقد استنبطت الشعوب هذه اللهجات المحلية لتيسير التعامل اليومي بينها و قضاء الحاجات اليومية البسيطة، فكيف نسمح باتخاذها للتعبير عن حضارتنا و تمددننا و إبداعاتنا و ابتكارات أبنائنا ؟
و إني أتحدى كل من تحدثه نفسه باتخاذ اللهجات الدارجة بديلا عن اللغة الفصحى أن يكتب مقالا بلهجة دارجة عن نظرية ابن خلدون مثلا في العمران البشري أو ابن سينا و الرازي في الطب أو غيرها من النظريات العلمية أو الأدبية قديمة كانت أو حديثة .
أيها السادة يا من تحملون على عاتقكم مسؤولية الإعلام ، ارفقوا بنا و بلغتنا / لغتكم ، و حاولوا أن ترتقوا بمواطنيكم باختيار لغة فصيحة بسيطة و سهلة دون تقعر، عوضا عن لهجة دارجة ركيكة ركاكة من يتبناها ، تزيد الذوق تدنيا بحكم اشتمالها على ألفاظ سوقية مستهجنة نزعم أنكم أربأ من الإنحطاط إلى مستواها .؟
أيها السادة اقرؤوا التاريخ و راقبوا الأمم المتقدمة كيف تحافظ على لغاتها المعيارية (الفصحى) لأن اللغة وحدها تعكس ما بلغته الشعوب من رقي و تقدم في كافة مجالات الحياة. إن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و تبعيتنا المهينة للغرب و ليس عجز اللغة العربية أو تخلفها و عجزها . فهي مرآتنا في الحضارة و التمدن !
أيها السادة ثقوا كل الثقة أنكم متى اعتززتم بأنفسكم و حضارتكم و لغتكم رمز هويتكم ، و سرتم على درب البحث و التنقيب و الكد في كافة ميادين الحياة لتقوية أمتكم و حماية هويتها من الأعداء فلن تضن عليكم هذه اللغة الجميلة بكل غال و نفيس لفظا و تركيبا و معنى ، مبنى و معنى ، فعلينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها بمهجنا حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر .

 

 

 

 


رفقا بلغتنا أيها المهاجرون !!
من الظواهر التي أصبحت تلفت الإنتباه إليها و تعبر عن بعد من أبعاد أزمتنا الحضارية في العصر الحديث ، هو تخلي الجيل الجديد من جاليتنا بالخارج عن لهجتنا الدارجة المستمدة أساسا من لغتنا العربية الفصحى!؟ فأصبحنا نرى و نسمع في شوارعنا أطفالا و شبابا تونسيين يتحاورون باللغة الفرنسية ، بل و فيهم من يحرص كل الحرص على أن يسمعك صوته عاليا وهو يتخاطب مع أبيه أو أمه أو أخيه ... بلغة فرنسية غير سليمة في الغالب الأعم، مستهترين بكل قيمنا و سماتنا الحضارية التي تعتبر اللغة العربية أسا من أسسها. بل إن ما يبعث على الدهشة حقا أن ترى أما تكلم طفلها- فلذة كبدها - بلغة فرنسية ساعية جهدها لتعليمه كيفية التخاطب بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و خرب حرثنا و نسلنا و لا يزال يسعى جاهدا لقبر هويتنا الحضارية. و إذا سألت أحدهم : لم هذا الحرص على إنكار جذورك؟ صمت و لم ينبس ببنت شفة ، فتفهم أنه يقلد تقليدا أعمى لا يعرف هو نفسه مآله و مصيره . بل لعل هذه الظاهرة المرضية تكشف عن شعور بالنقص دفين لدى هؤلاء " المتفرنسين "و اعتقادهم الساذج أن في استعمالهم للغة من عاشوا بينهم لأسباب مهنية بحتة سترفع من قيمتهم بين أهلهم و ذويهم و تجعلهم في نفس المقام الذي بلغه المجتمع الفرنسي مثلا .؟!
و هذا لعمري خطأ فادح لأن فرنسا لم تصل إلى ما وصلت من تمدن حضاري و تقدم إلا باحترامها لقيمها و أصالتها الحضارية و على رأس كل ذلك يأتي احترام المواطن الفرنسي للغته الأم ، و إني أتحدى أي تونسي – يعيش على الأرض الفرنسية – أن يرى فرنسيين يتخاطبان باللغة العربية مثلا أو باللغة الألمانية ... بل إن السلطات الفرنسية اتخذت قرارا يقضي بأن يغرم الفرنسي الذي يستعمل مصطلحا غير فرنسي له ما يقابله في اللغة الفرنسية، مما ينم عن وعي هؤلاء بقيمة اللغة في الحفاظ على هويتهم الحضارية ، و من فقد هويته أنى له أن يبني حضارة أو يصنع تمدنا ؟؟!
فرفقا بنا و بلغتنا أيها المهاجرون و احترمونا كما نحترمكم و نجلكم !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المحتــــــــــــــــــــــــوى
المقدمة : قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا 3
الباب الأول: الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية وانتشارها 7
الباب الثاني : خصائص اللغة العربية 14
الباب الثالث : المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث 21
الخاتمة : اقتراحات للنهوض باللغة العربية 32
ملحق
لغتنا الفصحى ... واقع و آفاق 36
رفقا بلغتنا أيها المهاجرون 38

 

 

 

 

 

 

 

نـــــــــداءات حارة


بقلم : محمد سالم بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين -
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)

 

 

 

 


نداء إلى خطباء المساجد
في العالم الإسلامي

قد بوأكم الله – أيها السادة- مكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد علمتم أن الله قد فرض على المسلمين صلاة الجمعة بعد هجرة الرسول عليه السلام ومن آمن معه إلى المدينة وإقامة دولة الإسلام هناك، دولة أسها مؤمنون صادقون باعوا أنفسهم وأموالهم لله رب العالمين ، ودستورها ما تنزّل على النبي الكريم من سور قرآنية مدنية فصّل الله فيها القول تفصيلا في كل مناحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية... فلماذا تسمحون لأنفسكم أيها الخطباء بالافتراء على الله ورسوله وتعتلون منابر في ظل أنظمة حكم علمانية لا تحكم بما أنزل الله، ظالمة لشعوبها، فاسقة عن كل القيم والمبادئ الإسلامية... أتبتغون عند هؤلاء المجرمين العزّة فإن العزّة لله جميعا، تدعون لهم بالنصر، ولن ينصر الله أقواما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فلستم منهم وليسوا منكم، بل هم قوم عادون. كتب الله عليهم الخزي دنيا وآخرة ولن ينجيكم الله من مصيرهم المظلم إلا بالتبرؤ منهم، فالله قد أهلك من قبلكم فرعون وجنده، وأنتم قد أصبحتم جنودا من جنود فراعنة العصر الحديث تخضعون لوزارات الداخلية في حكوماتهم وتقبضون مرتباتكم منهم، مرتبات زهيدة مقابل بيعكم لآيات الله التي تلعنكم وتلعن سادتكم ليلا نهارا... فأف لكم وأفّ للمبررات الكاذبة التي ستقفون بها أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.
اعلموا أيها "الخطباء" أن هؤلاء الفراعنة يسخرون منكم في سرهم عند حضورهم مناسباتكم الدينية لأنهم يعلمون يقينا أنكم لن تتفوّهوا إلا بما يرضيهم ويرضي استكبارهم في الأرض بغير الحق، وما أنتم إلا خاتما في إصبعهم، وأنكم لأهوائكم متبعون، وبمشائخ أموات مقتدون، وأنكم وإياهم عن الصراط لناكبون، وأنكم وإياهم أموات غير أحياء وما تشعرون، وأنكم قد حولتم أمتنا الإسلامية إلى جثث هامدة لذلك تداعت علينا الأمم من كل حدب وصوب لو تشعرون، لذا فإننا نتبرّأ منكم وسنبقى نكن لكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وتوحدوه بصدق وتعلنوا سرّا وجهرا كفركم بهؤلاء الفراعنة المجرمين، واعلموا أننا لن نصلي وراءكم حتى تثوبوا إلى رشدكم.
"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم به يوقنون" (المائدة/49-50).صدق الله العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نداء إلى المرأة المسلمة في العالم الإسلامي


لقد خلقك ربك وسواك في أحسن الصور وأبهاها وأجمل قوام وأروعه، وجعل سكينة الرجل وسعادته لاتتم إلا بالتوحد بك ومعك جنسيا وعاطفيا وفكريا لذلك فالرجل يطلبك ولا تطلبينه وينفق عليك كل غال ونفيس طلبا لرضاك لأن في رضاك سعادته وهناءه دنيا وآخرة.
أما الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية والحكومات في العالم الإسلامي .. فهم جميعا يستغلونك ويوظفونك لقضاء مآربهم ومصالحهم واتخاذك مصعدا للفوز بكراسي الحكم والنفوذ لا غير، إن أمرك الإخواني بواجب فلفرض سيطرته وتلبية لنزواته واستجابة لعادات أوحى بها إليه ذهنه المريض أو شيخه الميت أو زعيمه المتاجر بآيات الله والمحرف لها ابتغاء الفتنة والتحيز إلى فئة.. و إن أمرك السياسي المعارض بالإنتماء إلى معارضته وحزبه فليخوف بك رجال السلطان علّهم يمنّون عليه بفتات موائدهم من الحكم والنفوذ... أما قرارات السلط السياسية في العالم الإسلامي .. وإنجازاتها فقد حولتك أيتها الطاهرة العفيفة ، وحولت أخواتك إلى سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة: في وسائل الإعلام المختلفة صوتك و جمالك لإشهار سلع المستكرشين و المستكبرين في الأرض والظلمة لعمالهم في مصانعهم... أكرهوك على دور الخناء والنزل وأماكن الترفيه .. لتدنيس عفتك وطهرك مع أن خالقك قد فرض على أبيك أو زوجك أوالدولة – دولة التوحيد - التكفل بكل مصاريفك وكل احتياجاتك..شجعوك على العمل في الشركات والمؤسسات لاستغلالك فيما لم تخلقي من أجله وهو الإنفاق على نفسك وعيالك وزوجك حتى فقدت بهائك وجمالك ونضارتك... وانصرفت عن مهمتك الحقيقية في رعاية الأجيال .. و تربيتهم .. لقد أرهقوك يا سيدتي بدنيا ونفسيا حتى كرهوك في جمال الحياة وروعتها.
إن الأحرى بك أيتها الطاهرة العفيفة أن تكفري بربوبية هؤلاء المجرمين جميعا - الأموات غير الأحياء وما يشعرون - العاجزين عن النفع والضر ولو لأنفسهم وتستضيئي بنور ربك في القرآن لإحياء نفسك وأخيك الإنسان وتبحثي لك عن مسلم مثلك لا يخضع إلا لأوامر الله عز وجل خالقكما من نفس واحدة ، يكون لك لباسا وتكونين له لباسا تستران بعضكما بعضا وتوحدان الله ناصركما ومحقق سعادتكما.
اتحدي أيتها المسلمة الطاهرة مع حبيبك وزوجك وأبوك وأخوك المسلم لإقامة "دولة التوحيد " في العالم دولة الرب الحقيقي , لنصرة المستضعفين من النساء والرجال والولدان والقضاء على دول المستكبرين والطواغيت والظلمة والمجرمين في الأرض...
تحرري من أغلال هؤلاء الأرباب المزيفين فلن يضروك بشيء ولن ينفعوك مادمت مع الله.
فالله يمقت هؤلاء الحكام لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويذيعون قرآنا يلعنهم ويلعن سدنتهم من الكهان المتاجرين بالدين ليل نهار...
وتمتعي بالحياة كما شاءت لك روحك الطاهرة.

 

 

 


نداء إلى الشعوب الإسلامية
الشعوب الإسلامية تنحاز إلى تطبيق سنن و قوانين القرآن؟

يا شعبي العربي المسلم الحبيب ׃

لقد عشت بين أظهركم منذ أربعين سنة، انعم بخيرات هذه البلاد الإسلامية المعطاء.. لذا أحببت أن أذكركم و اذكر كافة القوى الحية في عالمنا الإسلامي بالله ربنا جميعا و رب العالمين.. مالك الملك و رازق الخلق بغير حساب ... و أن نعبده وحده دون شريك .. و أن نفرده بالطاعة و الخضوع لما أنزل علينا في القرآن .. و نجعل من جميع آياته البينات دستورا لحياتنا و قوانين تنتظم به علاقات بعضنا ببعض ׃ أفرادا و جماعات .. نساء ورجالا .. حكاما و محكومين..

يا أحفاد طارق ׃

إن القوانين التي استنوها لكم منذ استقلال بلداننا في العالم الإسلامي و تخضعون لها اليوم في حياتكم.. قد استنها عباد أمثالكم عاجزين بطبعهم عن تقييم أي سلوك أو مدى نفعه أو ضره لكم.. و قد حولت هذه القوانين الوضعية حياتكم إلى جحيم لا يطاق .. و ضنك في العيش لا يدانى ..لأنها قوانين تتعارض و الفطرة التي خلفكم ربكم عليها( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله). فأفقدت رجالكم رجولتهم و نساءكم أنوثتهن.. فاستشرى العجز الجنسي و مرض السكري و ضغط الدم و شتى الأمراض المزمنة و البطالة المهلكة و الانحراف المهين لكرامتكم.. و ضاع أبناؤنا في متاهات الطريق..! (أربعون في المائة من التونسيين – مثلا - يعانون عجزا جنسيا متفاوتا.. و أن الأمراض المزمنة تتزايد في تونس من عام إلى آخر حسب ما جاء في جريدة القدس العربي ليوم 28 فيفري 2008) و( تحت عنوان : تونس الأولى عربيا .. و الرابعة عالميا : 9127حالة طلاق سنة2008 و العنف و الخيانة أبرز الأسباب
- المرجع: جريدة الصباح ؟8 أوت 2009 – تحتل تونس المركز الأول عربيا و الرابع عالميا في نسبة الطلاق بعد أن بلغت حالات الطلاق أرقاما قياسية / المشاكل الإجتماعية تسبب بنسبة 48.3%بحالات الطلاق و التي تشمل المعاملة السيئة و العنف و عدم الشعور بالمسؤولية و الإختلاف في المستوى الثقافي و التعليمي / حالات الطلاق لسنة 2008 بلغت 9127 حالة مقابل 16 ألف زواج لنفس السنة ، و تعتبر نسبة الطلاق الأعلى في المنطقة العربية حسبما جاء في الدراسة والملفت للإنتباه في الدراسة أن أكثر من 50% من رافعي قضايا الطلاق من النساء سنة 2008بينما كانت سنة 1960لا تتجاوز 6%)

تذكروا أيها الأحبة ׃

إن قوانين الله و سننه نافذة على جميع خلقه طوعا و كرها لأنها قوانين أزلية خلقت مع خلق الإنسان .. فلنختر السير على هديها طوعا لا كرها.. بإيمان و احتساب .. حتى نسعد دنيا و آخرة كما سعد كل أتباع الرسل عليهم السلام ׃" فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى" سورة طه الآية 123و 124.

و اعلموا أيها الأحبة ׃

إن جميع الخلق .. مهما أوتوا من علم و قوة لا يملكون لكم ضرا و لا نفعا إذا آمنتم بربكم حق الإيمان و نصرتم دينه واستجبتم لما أنزل علينا في القرآن .. و تذكروا أن الله قد أهلك من قبل فرعون و هامان و جنودهما.. فهل تقبلون العيش جنودا للطواغيت و قوانينهم التي ما سنت إلا لإخضاعكم للطواغيت و سدنتهم من الكهنة و رجال الدين البائعين لآيات الله بثمن بخس و استغلالهم.. و نهب الثروات التي أنعم الله بها عليكم و على بلادنا لتكونوا عبيدا له لا لغيره من الخلق.. .! و تذكروا أيها الأحبة أنكم قد أعطيتم عهدكم و ميثاقكم الغليظ لله ربكم عندما تقفون بين يديه كل يوم معاهدين مرددين׃" إياك نعبد و إياك نستعين"

يا أبناء شعبي المسلم:

تشكل بلادنا الإسلامية منارة للإسلام دين التوحيد و الخضوع لشرع الله العزيز... و قلاعا حصينة لأمة الإسلام في العالم .. أمة جميع الأنبياء عليهم السلام.. فلا تسمحوا لأنفسكم بالخضوع لحكم سماسرة/ طواغيت ما أنزل الله بها من سلطان أو نفوذ .. إني أعظكم أن تكونوا من " الجاهلين " أو" الظالمين " أو" الفاسقين عن شرع الله" ׃(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) سورة المائدة الآية 44 .

يا شعبي الحبيب:

إني أهيب بكم جميعا أن لا تتخذوا من الطواغيت مهما كانت مسمياتهم أربابا لكم تتبعون قوانينهم الوضعية الفاسقة عن شرع الله و تشريعاتهم الظالمة – التي ما حبروها إلا لخدمة مصالحهم ... إنها قوانين عمياء كعمى بصيرة الذين حبروها.. فاسقة عن قوانين الله و فطرته التي فطر الناس عليها و سننه في الأسرة و المجتمع و الحياة الحق الطيبة... و التي أهوت بكم في مكان سحيق من الظلم و الضياع و ضنك العيش ﴿ شاهدوا إن شئتم برامجهم الإجتماعية مثل "برنامج الحق معاك" على قناة تونس 7 الفضائية مع العلم أن تونس العلمانية ، تزعم أنها تمثل رمز التقدم و التطور في العالم الإسلامي كله..؟!﴾.... فالله وحده مولاكم و رازقكم و العالم بحقيقة ما يناسب خلقتكم .. نعم المولى و نعم النصير.. و تذكروا أن الأرض أرضه وعد بتوريثها عباده الصالحين المتبعين لما أنزل في القرآن العظيم.. إني أدعوك يا شعبي المسلم لنتكاتف جميعا و نوحد جهودنا و إرادتنا .. نساء و رجالا حكاما و محكومين لإقامة دولة التوحيد في عالمنا الإسلامي .. دولة أسها الإيمان و قانونها آيات القرآن العظيم .. و نجمع شتات أمتنا الإسلامية في مشارق الأرض و مغاربها حتى نقوى بهم و يقووا بنا و نرفع الظلم عن أنفسنا و عن كل المستضعفين في الأرض و نوصل رحمة الله إلى جميع الخلق :" و إن هذه أمتكم امة واحدة و أنا ربكم فاتقون"سورة المؤمنون الآية 52.

 

 


ارفعوا الظلم عن أمتي


السادة زعماء و قادة المسلمين.. سلام الله عليكم وبعد :

لقد ملكتم رقاب المسلمين عنوة و حكمتم بغير ما أنزل الله في كتابه الحكيم... فأذل الله شعوبكم على أيديكم لأنهم قبلوا الخضوع لربوبيتكم- أصبحتم مصدر التشريع الظالم !!؟- و الإحتكام لغير ما أنزل الله ... و أذلكم على أيدي أعدائكم من عبدة العجل و الطاغوت.. الذين حولتهم أفعالهم الآثمة إلى قردة و خنازير ... و على أيدي الصليبيين من أمريكان و أنكليز و فرنسيين و ايطاليين ...

السادة زعماء و قادة المسلمين:

عاهدتم الله أن تصونوا حرمة ديارنا لكنكم تجاوزتم كل الحدود في نكث العهد: فقد أبحتم حرمة ديارنا و أبنائنا و نسائنا لغير المسلمين ممن يتفننون في مص دمائنا متخفين وراء مؤسسات متعددة الجنسيات... استوليتم على الحكم استيلاء ! و تعهدتم بنشر الأمن و تحقيق العزة و المناعة... فتلك خيرات بلادنا منهوبة.. و أعراض رجالنا و نسائنا منتهكة.. و المواطن يعاني شتى صنوف القهر و الإذلال.. يلهث وراء لقمة العيش لهاث الكلاب .. و عجزتم عن توفير الأمن حتى لأنفسكم و أهاليكم ... أشعلتم نيران الفتنة و التصادم و التنافر بقوانينكم الوضعية/ الظالمة ، فصارت المرأة تعادي زوجها عوض التكامل معه و التعاون كما أراد رب العزة :(هن لباس لكم و أنتم لباس لهن ). و جعلتم شعوبنا فرقا و مللا متناحرة .. متنافرة بما يبثه سحرتكم و كهنتكم من سموم...!

اعلموا أيها السادة أن القوانين الوضعية /الأديان التي ابتدعتموها بمعية سحرتكم و كهنتكم و التي صيرتموها موازية لدين الله / دين الحق و التي تخضعون لها شعوبكم لن تضمن لكم و لهم أمنا أو استقرارا و لا ازدهارا و لا طيب عيش لأنها تتصادم و قوانين الفطرة و الحياة و نواميسها التي خلقها الله عليها ..؟! لذا فبطن الأرض خير لكم من العيش على غير ما شرع الله لنا جميعا لو كنتم تعقلون..!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

أليس فيكم رجل رشيد .. فيحكم شعبه المسلم بقوانين القرآن و سننه الأزلية في الأسرة و المجتمع المفصلة تفصيلا بينا ..!!؟؟ و يتخذ من الله و رسوله و المؤمنين الصادقين أولياء له يستعين بهم على تطبيق آيات الذكر الحكيم و قوانينه الأبدية على واقع المسلمين المعيشي حتى يؤتيه الله أجره مرتين .. في الدنيا و الآخرة .. !! فيسعد هو و يسعد شعبه؟؟ لقد سبق و اتخذتم من الغرب و الروس .. أولياء لكم من دون الله .. فسمم عبد الناصر و دمرت بلاده.. و أعدم صدام و أهلك حرثه و نسله .. و يراد لعمر البشير أن يحاكم كمجرم حرب هو و شعبه ثم يباد..!!

السادة زعماء و قادة المسلمين:

لا نجاة لكم .. و لا نجاة لنا إلا بالإحتكام لشرع الله جميعا حكاما و محكومين و إقامة عدالة الإسلام في ارض الإسلام إخلاصا لله و نصرة لدينه الذي فضلنا به على العالمين ..

- حولوا المجالس التشريعية في بلدانكم إلى لجان مختصة كل في ميدانه لاستنباط أحكام القرآن و شريعته في الأسرة و المجتمع و الإقتصاد و السياسة و كل العلاقات الداخلية و الخارجية ...

- شكلوا من أحيائكم السكنية لجانا .. كل أسرة يمثلها فرد تعطى لها صلاحيات تشريعية (فيما يخص حيهم فقط ) و تنفيذية لخدمة مصالح حيهم و سكانه تحت إشراف وزارة تابعة للدولة المركزية.. فيعم البناء و التشييد و النشاط كافة سكان بلداننا و نصبح جميعا شركاء في خيرات بلادنا..
- أعطوا الشباب العاطل الأراضي الخصبة لفلاحتها و تخضيرها و تشجيرها بما ينفع البلاد و العباد و سهلوا لهم إنشاء صناديق تمويل تؤخذ من أغنياءنا و ترد على المحتاجين من شبابنا حتى يصبحوا أفرادا منتجين .. فالأرض و الخيرات كلها لله و ما دمنا جميعا عبيدا لله متساوون، فلا بد أن نتساوى جميعا في عطايا الله.ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أيها الناس في الشرق و في الغرب

اعبدوا ربكم الذي خلكم و الذين من قبلكم...خالق كل شيء في الوجود.. و لا تتخذوا بعضكم بعضا أربابا من دون الله تتبعونهم من دوت الله و تقدسون القوانين و الدساتير التي تمليها عليهم مصالحهم و أهواءهم ليقتسموا بها الثروات و الخيرات التي انعم الله بها عليكم.. حتى صار لكل بلد دستوره و قوانينه التي يتبعها معرضا عن شريعة الله و سننه في القرآن الذي جاء مصدقا لكل الكتب الإلاهية التي سبقته ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه) - سورة الشورى الاية13-

أيها الناس في الشرق و في الغرب

لا تتركوا هؤلاء المتاجرين بآيات الله يضحكون على ذقونكم.. ويشرعون لكم القوانين باسم الإجتهاد و مواكبة العصر.. فالذي شرعه لكم ربكم منذ خلق آدم عليه و على نبينا السلام هو الشرع الحق الذي يناسب فطرتكم التي خلقكم ربكم عليها... و سيحاسبكم طبقا لتلك المعايير/الآيات يوم تقفون بين يديه للحساب .. إن قوانين الله و سننه نافذة علينا جميعا في الدنيا و الآخرة .. و انظروا إلى عذابات الخلق في الحياة لأنهم لا يلتزمون بقوانين الله التي شرعها لهم منذ الأزل .. عذابات الفلسطينيين.. عذابات اليهود.. عذابات المسلمين في العالم ... : عذابات نفسية و بدنية تتناسب و الإنحراف عن شرع الله و التنكب عن قوانينه في الكون و الإنسان و الحياة...

أيها المستضعفون في الشرق و الغرب

اصطفوا جميعا وراء القرآن/كتاب ربكم الحق و اكفروا بطواغيت/ فراعنة الأرض جميعا.. فهؤلاء الجهلة لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا و لا لأنفسهم.. إنهم يستغلون جهلكم بشرع ربكم ليسخروكم لمصلحتهم و مصلحة المتاجرين بآيات الله ... و تكاتفوا لإقامة دولة التوحيد في العالم .. دولة الرب الحقيقي .. حتى نسعد جميعا برحمة الله.. دنيا و آخرة ...!

 

 

 

 

 

 

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد اخترتم أن تكونوا من أتباع من أرسله ربه " رحمة للعالمين " و لقد أحياكم ربكم و جعل لكم نورا تمشون به بين الناس بعدما كنتم "أمواتا" فما الذي أزرى بحالكم و حولكم إلى جثث هامدة تابعة إلى أنظمة و حكومات علمانية لقيطة و تابعة لأنظمة الغرب الإستعماري ألإستكباري تتبع أهواءها في سن القوانين و التشريعات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و لا تقيم أي وزن لشريعة الله المفصلة تفصيلا بينا في كتابه العزيز !؟
ما سبب قبولكم أن تكونوا عبيدا و خدما و جنودا في جيوش فراعنة العصر الحديث الذين تنكروا لربوبية الله خالق الكون و الإنسان و الحياة و ادعت لنفسها الربوبية بتحكمها في خلق الله طبقا لقوانين و تشريعات وضعية يستنونها حسب أهوائهم و قد أعلنوا عداءهم لكل ما هو رباني مسلم ؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد استبيحت أرضكم و أعراضكم من قبل مشركين نجس و انتهبت ثرواتكم ممن يعلن العداء لله و لرسوله و للمؤمنين و أنتم صامتون أو متواطئون أو منغمسون في جمع فتات موائد هؤلاء الأنجاس الذين قد حولوا أرضكم إلى فيء منتهب من قبل قوى الإستعمار و الإستكبار العالمي... !!؟؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

بماذا ستجيبون ربكم القوي العزيز يوم تقفون بين يديه للحساب.. و قد وعدكم بالنصر الأكيد إن أنتم نصرتم دينه و أقمتم حدوده واتبعتم منهجه؟؟؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

إن ربكم واحد و قرآنكم واحد و رسولكم واحد فلماذا انقسمتم إلى أمم متفرقة و نحل متنافرة و أحزاب متقاتلة مما حولكم إلى اضعف الأمم و أذلها.. بأسها بينها شديد و قد قال ربكم " و لا تتفرقوا فتذهب ريحكم "!!!؟


أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد بنى نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم – قدوة كل المؤمنين في العالم - الإنسان المؤمن الموحد لله رب العالمين و الخاضع لأوامر الله و نواهيه خلال ما اصطلح على تسميته بالفترة المكية ثم بحث عن النصرة لدين الله فوجدها بالمدينة المنورة أين أقام دولة الإسلام على ضوء القرآن المدني الذي رسم له و للمؤمنين كل تفاصيل و معالم المجتمع الإسلامي إجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. و أنتم لا تزالون راضين بأن تكونوا تابعين لأنظمة بشرية مشركة بالله.. تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.. و ليسوا بخارجين منها إلا بالقطيعة التامة معها مهما كانت مسمياتها.. : ( ملكية.. إستبدادية.. ديمقراطية... حداثية أو غيرها ).

 

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

لقد أهلك الله من قبل من هو أشد قوة من أمريكا و إنكلترا و روسيا و فرنسا.. و أغرق فرعون و هامان و جنودها و خسف بقارون و بداره الأرض... لما وجدت الفئة المؤمنة الموحدة لله رب العالمين... فهل تنتظرون أن يهلك الله هؤلاء المستكبرين في الأرض و أنتم قد أصبحتم جزءا لا يتجزأ من شعوبهم تؤمنون بأنظمتهم الوضعية و تطبقون قوانينهم المكرسة للجريمة بمختلف أشكالها – لاحظوا نسبة العود إلى السجون في مختلف أنحاء العالم- و تخضعون لها بملء إرادتكم و تستمسكون بأخلاقهم .. و تتبعون أهواءكم .. و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله !؟

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

تخافون أمريكا و إسرائيل و أنظمة لقيطة.. و لا تخافون الواحد الأحد القوي العزيز الجبار.. تعملون ألف حساب لأنظمة لقيطة تابعة و لا تخافون من الملك الديان.. مالك الملك.. ثم تزعمون أنكم مسلمون ؟!! تتعهدون و انتم واقفون بين يدي الله - للصلاة- بطاعته و الخضوع لشريعته ثم تنكصون على أعقابكم في جميع تفاصيل حياتكم و تنتهكون حدود الله و حرماته ظاهرا و باطنا .. فكيف ينصركم الله ؟؟!

أيها الأحبة أيها المسلمون أيتها المسلمات

ثوبوا إلى رشدكم و انصروا دين الله لينصركم الله و يمكن لكم في الأرض كما مكن لأسلافكم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. و السلام على من اتبع الهدى .

 

 

نداء إلى قادة حركة حماس

لقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين.. و لقد استطاع هذا النبي الأمي خلال 23 سنة من بعثته أن يحول الأميين في جزيرة العرب إلى خير امة أخرجت للناس في التاريخ البشري كله.. فلماذا تحولت حركتكم إلى نقمة على الشعب الفلسطيني – شعب الجبارين- و أنتم تحملون نفس ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم!؟

و الجواب بكل بساطة ووضوح:" لأن محمدا قد بنى شعبا بدءا من بناء الإنسان المؤمن، و أنتم قد بنيتم سلطة انطلاقا من شعب ورث الإسلام..!!"
لقد اتبع محمد صلى الله عليه و سلم ما أوحي إليه من ربه خطوة بخطوة لأنه يعلم علم اليقين أن ما أنزله الله عليه من آيات بينات هو النور الذي يضيء له دروب الحياة المدلهمة و يحميه من السقوط في متاهاتها الكثيرة.. لأنه من عند الله العزيز الحكيم الذي يعلم غيب السماوات و الأرض و يعرف حقيقة هذه الحياة.
لقد قام محمد صلى الله عليه و سلم ببناء الإنسان المؤمنالذي يؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله.. و غير مفاهيمه عن الكون و الإنسان و الحياة بمفاهيم القرآن المكي الذي يكشف للمؤمن حقائق الوجود.. و أفرغ ذهنه من المعتقدات الباطلة التي لا صلة لها بحقائق الوجود.. و ملأ عقله بمفاهيم الإيمان الصحيح و ما يترتب عن هذا الإيمان من سلوك قويم في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية.. حتى إذا ما اكتمل له بناء الإنسان المؤمن الذي يستنير في حياته كلها بآيات الذكر الحكيم كلفه ربه بالهجرة إلى المدينة التي احتضنت المؤمنين بدعوته صلى الله عليه و سلم و تكوين السلطة /الدولة التي تحتكم إلى شرع الله داخليا و خارجيا.. و في كل ميادين الحياة..
و في المدينة / الدولة سعى الرسول / القدوة صلى الله عليه و سلم إلى تأسيس جيش قوامه "مؤمنون" باعوا أنفسهم و أموالهم و كل ما يملكون لله رب العالمين مقابل الفوز برضوانه يوم لقاه :" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم و ذلك هو الفوز العظيم" (سورة التوبة الآية 111 ).
أما أنتم في حركة حماس فقد سعيتم منذ بداية تأسيس حركتكم إلى تكوين " مجاهدين" يجتهدون في معصية الله و مخالفة أوامره.. بقتل أنفسهم في سبيل القدس و ليس في سبيل الله مع أن الرسول /القدوة صلى الله عليه و سلم لم يسع يوما إلى تكوين مجاهدين يقاتلون في سبيل البيت الحرام- و قد كانت بأيدي المشركين- رغم أنها اشرف عند الله من بيت المقدس.. و الله يقول:"و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" ( سورة النساء الآية 29). كما نهى الله عز و جل عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أنتم تقتلون - في الغالب الأعم – أناس أبرياء لا صلة لهم بالحرب الوهمية التي تخوضونها ضد إسرائيل !
كما ترشح قادة حركتكم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني وهو مؤسسة تشريعية لا تحكم بما أنزل الله:"و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة الآية 44 ). : "و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة و لكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم فيما كنتم فيه تختلفون. و أن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم و إن كثيرا من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ( سورة المائدة الآيات 48 و49 و50 ).
فالمؤمنون أبدا لم و لن يكونوا في حاجة لمجلس تشريعي لأن الله هو المشرع الوحيد في الإسلام – لذلك سمي بدين التوحيد (وحدانية المشرع)- و المؤمنون ملزمون جميعا بما فيهم الأنبياء عليهم السلام بالإحتكام إلى شريعة الله المفصلة تفصيلا في القرآن المدني و الخضوع التام لها.
و هكذا تكون حركة حماس و إن رفعت الإسلام شعارا لها فهي لا تخضع لأوامر الله و نواهيه في حركتها و نضالاتها و اختياراتها.. بقتل ناشطيها لأنفسهم في عمليات انتحارية قصد قتل أناس أبرياء في الغالب الأعم نهى الله عن قتلهم ، و قد حرم الله الجنة عن قاتل نفسه أو قاتل نفس بريئة عمدا !

إن منهج الإسلام واضح في تأسيس السلطة الإسلامية /الدولة.. تبتدئ بإيجاد المؤمنين بالله ...المستمسكين بالوحي.. الخاضعين لشريعة الله و تنتهي بإنشاء الهياكل التي تسهر على رعاية شؤون المسلمين طبقا لشريعة الله و ثوابته و إنزال آيات الله /الثوابت في الواقع المعيش للناس حتى تعمهم الرحمة التي بعث من أجلها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم... و كل الأنبياء من قبله .. ثم إيجاد الجيش الذي يحمي الدولة الإسلامية من المعتدين... و الظالمين .
لذلك أهيب بالعقلاء من أبناء حركة حماس أن يعتزلوا العمل في الحكومة الفلسطينية التي تسببت في محرقة غزة و يعملوا على تكوين المؤمنين الصادقين قبل التفكير في إيجاد سلطة لا تحكم بشريعة الله... عندها ستعود فلسطين /كل فلسطين إلى أهلها /

 

 


محمد سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
محمد سالم بن عمر، كاتب و ناقد تونسي ، عضو باتحاد الكتاب التونسيين .
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة، متزوج و له شيماء و نصير الله.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي منذ 1992، وقد عمل مديرا لدور الثقافة بتونس .
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري الحضاري...
صدر له كتاب :" اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995"
كما صدر له كتاب :" نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه عام 2009"

و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة وقصائد .. كما نشرت له بعض المجلات و الصحف العربية .. مقالات فكرية وحضارية..
له مخطوطات عديدة أهمها :
ذكريات زمن مضى (رواية) نحو إعادة تشكيل الفكر العربي الإسلامي في العصر الحديث ﴿مقالات فكرية / حضارية﴾ ...

اللغة العربية و الإبداع الحضاري

محمد سالم بن عمر

المقدمة
قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا!
تعتبر اللغة من أهمّ مقوّمات الشعوب. فهي ترجمان فكرها وعواطفها ومختلف مظاهر الحضارة والتمدّن فيها ،ولقد أدركت مختلف الأمم و الشعوب هذه الأهمية للغة، قديما وحديثا، فلم تتوان أيّ منها عن دراسة لغتها، والإهتمام بها، والحرص على نشرها وتعليمها للآخرين وتحبيبها إليهم.
ولقد بحث الإغريق في طبيعة اللغة ونشأتها، وتضافرت جهودهم في سبيل وضع قواعد للغتهم ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد. وشارك الفلاسفة اللغويين فكانت أبحاث أفلاطون في أصل الكلمة، ومشكلة المعنى كما درس العلاقة بين الأشياء والكلمات. وتابعهم في ذلك الرومان، فدرسوا اللاتينية ولما كان الإغريق قد اقتصروا على دراسة لغتهم فقط ، فقد فعل الرّومان مثلهم فلم يدرسوا قواعد أيّة لغة غير لاتينية، كأنّهم أرادوا أن تصبح هذه القواعد قوانين عامة تصلح لجميع اللغات، وهي نظرة سادت في أوروبا ، وظلت آثارها إلى سنوات قليلة مضت قائمة ، إذ حاول اللغويّون هناك تطبيق قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على اللغات التي انحدرت منها غاضين النظر عن مسافة الخلف بين هذه اللغات الحديثة وتينك اللغتين الميتتين.
ولقد انصبّ اهتمام الإغريق والرومان على وضع قواعد لما يمكن أن يقابل اللغة الفصحى أو النموذجية، وهي لغة لم تكن متحدثة آنذاك وانشغلوا بوضع قواعد وضوابط ومعايير محدّدة لهذه اللغة سميت بالقواعد "المعيارية" وهي لا تتغير بمرور الزمن.
أما في الهند فقد كان للكتاب الذي ألفه "بانيني" في القرن الرّابع الميلادي، الأثر البارز في توضيح قواعد اللغة السنسكريتية مبيّنا فيه وواصفا النظام الصوتي والصرفي والنحوي لتلك اللغة وصفا دقيقا.
و لا تزال الأمم و الشعوب في العصر الحديث تولي أهمية بالغة للحفاظ على لغاتها و تطويرها و نشرها، من ذلك إقدام الدولة الفرنسية على التدخل في الواقع اللغوي عبر قوانين أصدرتها في سنوات 1490 و1510 و 1539 م ، و هذا الأخير هو الأشهر و المعروف بقانون فيلي كوتري، و قد سعت هذه القوانين إلى إبعاد اللاتينية و الإسبانية و الإيطالية من الساحة الفرنسية .
كما أبعدت لغات فرنسا و لهجاتها الأصلية التي تعد بالعشرات ، و من بينها اللغة الباسكية ، و اللغة الكاتالانية و اللغة البروطانية ، إلى جانب ما يعتبره ﴿ كلود هاجيج ) في كتابه : ﴿﴿ الفرنسية و القرون )) بلهجات فرنسا ، كاللهجة الفلامانيكية المنتمية إلى اللغة الهولندية ، و اللهجة الألزاسية المنتمية إلى اللغة الألمانية و اللهجة الكورسيكية المنتمية إلى اللغة الإيطالية
و قد قامت فرنسا بواسطة قانون ﴿ توبون ) ، سنة 1994 م بمنع استعمال اللغات الأجنبية خصوصا الأنجليزية في كل شيء بما في ذلك الإشهار. و وصل هذا القانون قمته عندما أراد ﴿ توبون ) ، وزير الفرانكفونية ، إزالة كلمات أنجليزية مترسخة في القاموس اللغوي منذ قرون .
و في العصر الحديث أدركت المجتمعات الراقية أهمية اللغة في حياتها وحياة الشعوب التي تريد غزوها ، وبسط الهيمنة عليها فأخذت تنفق "الأموال الطائلة" من أجل تصنيع الثقافة بلغاتها وتصديرها إلى جميع أصقاع العالم ، تصرف بها وجوه الناس إليها وتغزوهم في عقر دارهم عن طريق القنوات المرئية والإذاعات المسموعة والمجلات والكتب والصحف و الشبكات العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ... تفرض عليهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - نمط حياتهم وطريقة عيشهم، وأسلوب تفكيرهم، وتقدم لهم الحلول لمختلف المشكلات التي تهم حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي خضم هذا الواقع الذي تتصارع فيه مختلف الأمم والشعوب من أجل الحفاظ على لغاتها ونشرها وتطويرها ننظر بعين الحسرة و الألم إلى المستوى المنحدر الذي آلت إليه اللغة العربية، لغة القرآن ، وقد ساهم كل منّا بقسطه في هذا الإنحدار الرهيب ، وجنينا جناية بالغة في حق أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة بل في حق اللغة العربية. يقول الأستاذ فاروق جويدة تحت عنوان ﴿﴿قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا)) :
﴿ اللغة العربية في محنة هذه حقيقة نكاد ندركها ونلمسها جميعا، ولكننا للأسف الشديد نقف أمامها مكتوفي الأيدي كمن يشاهد ابنه يصارع أمواج البحر ولا يحاول إنقاذه، ومحنة اللغة العربية ظاهرة يتصاعد دخانها أمام أعيننا منذ سنوات طويلة حتى وصلت الأحوال بها إلى درجة توشك فيها أن تصبح غريبة بيننا).
و سعيا منا إلى إنقاذ اللغة العربية و المساهمة و بلبنة بسيطة في مزيد إشعاع هذه اللغة الجميلة و إيلاؤها الأهمية التي تستحقها بوصفها تمثل هويتنا الوطنية و رصيدنا الحضاري حاضرا و مستقبلا ، سنسعى – قدر المستطاع – إلى إبراز :
1 – الظروف التاريخية لتقدم اللغة و الخط العربي و تطورهما وانتشارهما ؟
2 – خصائص اللغة و الخط العربي و مدى تميزهما عن بقية لغات العالم ؟
3 – المخاطر المحدقة باللغة العربية سواء أكان ذلك من قبل ﴿ العرب ) أنفسهم أو من قبل أعداء اللغة العربية و المتربصين بها ؟.
و نختم هذا الباب بالحديث عن البدائل التي يطرحها أعداء اللغة العربية و مدى تفاهة ما يطرحون ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تسهل علينا كشف النقاب عن :
4 – كيفية النهوض باللغة العربية و مزيد نشرها و تطويرها ... ؟ و قد ختمنا بحثنا بتوجيه التماسا إلى المشرفين على وسائل إعلامنا و إلى المهاجرين من أبنائنا باحترام لغتنا الأم لأن في احترام لغتنا هو احترام لهويتنا و كينونتنا الحضارية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الباب الأول
الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية و انتشارها


لقد أحب العرب القدامى ، قبل مجيء الإسلام ، لغتهم و تباروا في إتقانها و تجويدها واستعملوها في حلهم و ترحالهم، و في خطبهم و أشعارهم ... و شهدت منطقة الجزيرة العربية أسواقا أدبية عديدة من أشهرها : عكاظ و مجنة و ذو المجاز و غيرها .. و كان عكاظ أشهرها جميعا، فكانت تنتقى فيه القصائد العصماء التي اشتهرت باسم ﴿﴿ المعلقات )﴾ لتعليقها عند الكعبة بعد تمحيصها و خضوعها لإشراف و نقد دقيق وضعت نظمه قريش .

و بعد مجيء الإسلام ترقت بلاغة العرب بسبب نزول القرآن ﴿بلسان عربي مبين ﴾. فأصبح كلام المسلمين من العرب أعلى طبقة في البلاغة و أذواقها من كلام أهل الجاهلية في نثرهم و نظمهم ، فنجد شعر حسان بن ثابت و عمر بن أبي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق ... ثم كلام الشعراء في الدولة الأموية و صدر الدولة العباسية ارفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة و عنترة وابن كلثوم، و زهير و علقمة و طرفة و من كلام أهل الجاهلية، لأن هؤلاء قد سمعوا و حفظوا القرآن "وهو من خلق الله الواحد و إبداعه المتفرد" و الذي عجز الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فنشأت على أساليبه نفوسهم ،فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية.
و لقد انطلق آباؤنا المسلمون من الجزيرة العربية زاحفين إلى أقاصي الأرض ، متجاوزين الآفاق البعيدة التي لم يحلموا بالوصول إليها من قبل ، ليؤدوا الأمانة الكبرى التي اختارهم الله لها دون غيرهم من سائر الأمم، و حمل رسالة الإسلام ونواميسه الفطرية الأزلية الخالدة إلى كل شعوب الدنيا . و قد كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة الإسلام . فبها وحدها يستطيعون نقل تعاليم الإسلام الحقيقية و آياته البينات إلى الآخرين،و بها وحدها يستطيع المسلم الجديد أن يكون مسلما حقيقيا ، مستوعبا ومستجيبا لكل أوامر الله و نواهيه في القرآن، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ﴿ تعلموا اللغة العربية فإنها من دينكم ﴾. و يقول أبو إسحاق ألشاطبي ﴿﴿ في الموافقات﴾) : ﴿إن هذه الشريعة المباركة عربية فمن أراد تفهمها فمن وجهة لسان العرب و لا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة﴾.
فالدين الإسلامي لم يكن مجرد عقيدة و تشريع و مبادئ يعتنقها المسلم فحسب، بل هو معجزة فنية ، لغوية و فكرية، معنى و مبنى، بعث الله بها إلى الأرض لتصغي إليها قلوب تحجرت فتلين ، و تتعلق بها عيون جفت فيها المشاعر فتتفجر بالدموع ، و عقول تراكم فوقها غبار القرون ، فانجلت و تجددت و اهتدت بنور الله وهي تستيقظ على هذا الصوت الرباني الذي جاء يتحداها فيما تحدت به من قبل كل البشر : البيان و البلاغة ، - معنى و مبنى - و بذلك ارتكز المسلمون الأوائل الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإسلام و مراميه ، على ازدواجية الدعوة لدى الشعوب المفتوحة : دعوة القلوب إلى الإيمان و الألسنة إلى التعريب . فدخل الناس في دين الله، و الألسنة في لغة القرآن أفواجا ، فصنعوا حضارة لا تزال معالمها إلى اليوم شاهدة عليهم .
و لقد مر الحرف العربي وصولا إلى ما هو عليه بمراحل تحسينية عديدة ،عبر سنواته الطوال ، بدءا بالحرف غير المنقط ، و قد كان يقرأ غير منقط و غير مشكول دون خطإ حتى من الصبية لأنهم رضعوا الكلام الصافي من المنهل الذي نهل منه آباؤهم فجاء كلامهم فصيحا.
فلما جاء الإسلام و أنار الدنيا بتعاليمه ، دخل الأعاجم فيه و اختلطوا بالعرب و تعلموا لغتهم ليفهموا تعاليم الإسلام و يحملوا مع إخوانهم أمانته ، فظهرت حينها أخطاء القراءة و الكلام ، فاجتهد أبو الأسود الدؤلي لمعالجة الموقف، فقام بوضع أول علامات لشكل اللغة العربية حيث طبقت لأول مرة على القرآن الكريم .
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف بحور الشعر العروضية و واضعها ، فزاد اللغة تحسينا و تجميلا آخر ، حيث طور حركات أبي الأسود الدؤلي بحركات أكمل وضوحا ، وهي نفس الحركات التي نستعملها اليوم .
و في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عهد إلى نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر إيجاد حل للتفريق بين الحروف المتشابهة كالباء والتاء و الجيم و الحاء و الخاء ... حيث قاما بوضع النقاط على الحروف المتشابهة ، و كانت هذه المرحلة أتم المراحل في تزيين الحروف العربية مما جعلها أكثر بهاء و بريقا و حماية للألسن من الخطإ .
و لقد تواصل اهتمام المسلمين بلغة القرآن الكريم ، و كانوا يعتزون بها و يفخرون ، حتى راحوا يذبون عنها كل شائبة ، و يبينون خصائصها ، و جمالها ... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار ، و برزت في سماء العلم أسماء رجال أجلاء عرفهم العالم و شهد لهم العلماء من جميع أصقاعه نذكر منهم بالإضافة إلى أبي الأسود الدؤلي و الخليل بن أحمد : سيبويه ، و أبي علي الفارسي ، وابن جني و ابن فارس ، و الثعالبي و السيوطي و الأصمعي و الجرجاني و قوافل أخرى ممن خلفوا لنا تراثا تفوق فخامته ما أتى به غيرهم و استوفت اللغة جميع جوانبها النحوية و الصرفية و الصوتية و المعجمية و البلاغية . و لقد تملك كل هؤلاء حب اللغة الفصحى، و أخلصوا للغة القرآن ، و ظلوا على ذلك حتى استوت علوم اللغة العربية و اكتملت فروعها . و عندئذ أضافوا استطردات مبسوطة وافتراضات كثيرة ، و طرقوا مسائل وهمية ، تخيلوها و كدوا أذهانهم في حلها .
كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية ، و أبدعوا خطوطا جديدة زينتها بحلة قشيبة لا تزال تحتفظ بها و تنبض جمالا يأخذ بالألباب ، ذلك لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا كما يؤكد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
إن جمالية الحرف العربي ، و مرونته الساحرة و رشاقته الخاصة بما له من أشكال متعددة ، متصلة و منفصلة و لا سيما إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال عديدة ، و بصياغات جمالية متنوعة ، فتح الباب أمام فناني الحرف للتنافس في تجميله و تزويقه و تطويره جماليا باستمرار ، و لقد أولاه الدين الإسلامي الحنيف كل اهتمام ، من ذلك أن العديد من فواتح السور القرآنية تبتدئ ببعض الحروف : ألم ، ألمر، كهيعص، ق ، طه ، يس، ن ... ، و هل من تكريم للحرف أعظم من القسم به ، كما في سورة ﴿﴿ القلم )) : ﴿ ن ، و القلم و ما يسطرون) فالحرف يدل على ما في اللفظ ، و ما في اللفظ يدل على ما في الفكر ، و ما في الفكر يدل على الروح و الروح تدل على عظمة الله خالقها و العالم بأسرارها ، من هنا جاء الإهتمام بتجميل الحرف تفصيلا و جملة ، فظهر في العمارة ، و كأنه اللآلئ، مزينا المساجد و المآذن و القصور من الخارج و الداخل بآيات الذكر الحكيم ، و العبارات المأثورة من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم و الحكم و غيرها .
لقد زين الرسامون المسلمون المساجد و المنازل و القصور في مختلف البلاد الإسلامية و جملوا الأثاث و السجاد و الملابس و المباني على اختلاف أنواعها و الآلات كلها حتى المدافع و الكتب بتلك الحروف النورانية التي تكون مع بعضها البعض كتاب الله الخالد و الأزلي و المعجز ، و هناك من اللوحات البديعة التي لا تزال محفوظة في المتاحف و البيوت .
لقد انطلق المبدعون و جالوا و تفننوا في صياغة الحرف العربي و تركيبه ، في أنحاء العالم الإسلامي ، فدرس الفنان تراكيب مختلفة ، مراعيا العلاقات التكوينية في دراسة الفراغات ، فكان همه استمرارية ابتكار التكوينات التي تتآلف من انسجام الحروف و كأنها أصوات موسيقية مرئية ، تسمع بعينك و بروحك صوت اللآلئ المرصوفة ، حاملة الألفاظ القرآنية المباركة ، و كانت غاية الفنان أن يبدع في تراكيب و تآليف يغور فيها الناظر ، و يرتع مكحلا عينيه بجمالها .
و هذا الإهتمام بالحرف العربي نتجت عنه أنواع كثيرة من الخطوط ، اللينة و المزواة ، و أصبح الخط فنا جماليا ، و ارتبط كليا بالحضارة الإسلامية ، و ساد على باقي الفنون، و قد اشتهر من الخطوط : النسخ و الرقعة و الكوفي و الثلث و الفارسي و الديواني و تفرعت من هذه الخطوط خطوط كثيرة ، لقيت من الجميع الرعاية ، فأقدموا على دراستها و خاصة المسئولون من حكام و سلاطين و أمراء ، قال أحد الشعراء :
يخطط مولانا خطوط ابن مقلة فينظمها نظم اللآلئ في السلك
فهذا عليه بهجة الخط وحدها و ذاك عليه بهجة الخط و الملك
و الوزير ابن مقلة السالف ذكره في بيت الشعر هو من وضع الأسس و الأنظمة الهندسية للحرف ، ثم ابن البواب، ثم ياقوت المستعصي الذي أصبح قبلة الكتاب في عصره ، ثم ابن الصايغ ثم شفيق ، و حقي و ماجد الزهدي و حسين حسني ، و عبد العزيز الرفاعي ، و حامد الآمدي و سيد إبراهيم و هاشم البغدادي و غيرهم . و لقد انفرد بأسلوب التعليق الفارسي ، مير علي التبريزي ، و مير علي الهروي ، و مالك الديلمي و مير عماد الحسني و أسعد يساري و غيرهم .
لقد بذل هؤلاء الرسامون جهودا مضنية للارتقاء بالحرف العربي و ساهموا بقسط لا يستهان به في تحقيق مجد اللغة العربية و الخط العربي حتى أن ﴿ بيكاسو ) عبر عن إعجابه بالخط العربي قائلا : " إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير وجدت الخط لعربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد ".
كما نسب للإمام علي كرم الله وجهه قوله: " الخط مخفي في تعليم الأستاذ، و قوامه على كثرة ألمشق، و دوامه على دين الإسلام ".فهو بحر واسع إلا أن معرفة أسراره وحدها دون التمرن المستمر على ألمشق لا تكفي ! و ماذا نحن فاعلون – حكومات و شعوب و مفكرون و مبدعون – للحفاظ على رمز هويتنا الحضارية و تنميتها ؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني
خصائص اللغة العربية و مميزاتها

تمثل اللغة العربية إحدى اللغات العريقة ذات الماضي الأصيل ، و التاريخ الحافل ، وهي لغة ثرية بأبجديتها الوافية التي تضم من الحروف ما لا يوجد كلا أو بعضا في لغات أخرى كالثاء و الحاء و الذال و الضاء و العين و الغين و غيرها ، فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر لغات العالم .
و القارئ للعربية يجد العجائب و الغرائب في أصواتها و حروفها و إملائها و بلاغتها ، في شعرها و نثرها ، فشعرها عقد منظوم تتلألأ منه أنغام الماضي و الحاضر و المستقبل ، بألحان مختلفة يلبي جميع الأهواء ، و نثرها جوهر منثور يزخر بألوان زاهية من البيان الساحر الأخاذ الذي لا يشبع نهم المشتاق و يشفي غليل الطراق ، وهي تفي بالقليل عن الكثير ، و تمج الغث و تعج بالسمين ، تترقرق من أفواهنا كماء الغدير تريح النفس بعذوبتها و تهدر كالبحر الهائج فتثير النفس و تشمخ بها نحو القمم ، و قديما قيل :" كلم اللسان أنكى من كلم السنان " فكم من شخص لقي حتفه بكلمة و آخر نجا من الموت بكلمة ، و كم كلمة رفعت صاحبها و أخرى أذلته .
و لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال هوية الأمة الإسلامية ، و لسانها الناطق ، و قلبها النابض و عقلها الواعي الذي يحوي تراثها و ثقافتها و مجدها و رمز وحدتها ، و منذ مجيء الإسلام استطاعت اللغة العربية أن تؤدي رسالتها كاملة ، فتنشر الدين الإسلامي في جميع الآفاق ، و أن تستوعب بوفاء و أمانة علوم الأمم الأخرى و ثقافتهم ،و هاهي اليوم تواصل رسالتها في الحفاظ على وحدة مجتمعاتنا الإسلامية بغير كلل أو إعياء . يقول المستشرق الألماني " بروكلمان " : " بفضل القرآن بلغت العربية من الإتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا. و المسلمون جميعا مؤمنون، بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، و بهذا اكتسبت العربية من زمان طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى".
لقد نص الله تعالى في كتابه الكريم على أنه أنزل " قرآنا عربيا " و " بلسان عربي مبين " ملقيا بذلك المسؤولية في حمل الرسالة المحمدية إلى البشر على كواهل هذه اللغة الشريفة ، لأن الله قد شرفها بأن اختارها ، لأول مرة و لآخر مرة ، ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز حوى نصوصا حرفية من كلامه المعجز عز و جل ، توجه بها إلى الناس كافة معلنا لهم دينه الذي ارتضاه لهم ، و واضعا لدنياهم و لآخرتهم القواعد و الأسس الفطرية التي تصلح أن يستقيموا عليها و إلى الأبد . فهذه ميزة تنفرد بها اللغة العربية ، و تتربع على عرش اللغات جميعا لأنها لغة القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين على سيد الخلق ، خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم : " و إنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين " ( سورة الشعراء الآيات 192 – 195 ) .
و هذا التكريم الذي خص الله به اللغة العربية جعل منها لغة عالمية لأن محمدا صلى الله عليه و سلم أرسل إلى الناس كافة ، كما جعل منها لغة باقية بما جاء به من تشريع أزلي يتماشى و فطرة الإنسان و خلقته صالح لكل زمان و مكان ،و ارتقى بها بما اشتمل عليه من عقيدة سليمة ، و مثل سامية ، و قيم رفيعة سامقة تتمثل في تحرير العقول من السفه و من كل المعوقات الفكرية التي قد تحجب عنها حقائق الوجود ، و تحرير القلوب من العمى و الدروشة ، و في الدعوة إلى الإيثار ، و التضحية ، و الحب و التسامح ، و الرحمة ،و الحق و العدل ، و التنفير من الرذيلة في أي مكان و أي زمان . و كل هذا يجعل من اللغة العربية ضرورة حتمية لفهم القرآن و مدلولاته الدقيقة و في ذلك يقول الشافعي : ( فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به بأن لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسول الله و يتلو به كتاب الله و ينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير و التسبيح و التشهد و غير ذلك . و مهما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته و أنزل به آخر كتابه كان خيرا له ).
و يضيف ابن تيمية رحمه الله : ( فإن نفس اللغة العربية من الدين و معرفتها فرض وواجب فإن كتاب الله و السنة فرض و لا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
و يتابعه في ذلك أبو منصور الثعالبي في مقدمة كتابه : ( فقه اللغة و أسرار العربية ): " من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و من أحب النبي العربي أحب العرب ، و من أحب العرب أحب اللغة العربية التي تنزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم و العرب ". و قبل هؤلاء جميعا أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاقة الوثيقة و المتينة بين الدين الإسلامي الذي جعله الله سبب صلاح بني آدم دنيا و آخرة و بين اللغة العربية لغة أهل الجنة فقال: ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) . فأي مسلم هذا الذي يتنكر للغة العربية لغة القرآن و لغة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم !؟
إن اللغة العربية خصبة باشتقاقها و سهولته ، ثرية بكثرة ألفاظها و تصريفها ، مما يكسبها مرونة خاصة ، و يمنحها عطاء متجددا ، و يجعلها أقدر اللغات على التعبير في كافة العلوم و الفنون و مختلف المجالات الحياتية ، يقول المستشرق " جوبيوم " في مقدمة كتابه (تراث الإسلام ): "إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها و اشتقاقها و خاصة ما يتصل بالفعل و الإسم . فمثلا مادة الفعل "دار" يشتق منها : أدار، و دوّر، و تدوّر،و تداور، و داور ، واستدار ، و دوْر ، و دوران و دوار، و داره و دوّار، و مدار و مدارة ،و مدير،وهكذا .."
كما أن للعربية قدرة على التجريد و النزوع إلى الكلية و الشمول حيث تتلاقى كلماتها في الغالب على أصول تجمع بينها و تتجلى فيها ، فعلى سبيل المثال نجد الكلمات ذات الأصول من السين و اللام و الميم تلتقي عند أصل يجمع بينها وهو التعري عن الآفات الظاهرة و الباطنة ، فيتمثل معنى التعري عن الآفات الظاهرة في قوله تعالى في سورة البقرة آية 71 : (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض و لا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ). فكلمة مسلمة تشير إلى أن الله قد سلم البقرة المطلوبة من العيوب أو سلمها أهلها من العمل. و يتمثل معنى التعري عن الآفات الباطنة في قوله تعالى في سورة الشعراء الآية 88 و 89 : ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). فالقلب السليم هو الخالي من الدغل واستبطان الحقد و العداوة أو السالم من الدنس و الشرك بالله أو السالم من البدعة المطمئن إلى سنن الله . و لقد صور لنا القرآن الكريم ما يعتري نفوس البشر و حالاتهم في المواقف المختلفة ، أدق تصوير ، بكلمات دقيقة تحمل كل منها معناها حتى و لو كان الإختلاف بين الكلمات في حرف واحد كما في كلمتي اهطاع و اهراع و قد ورد في لسان العرب قولهم : " لا يقال للإسراع في السير إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، و لا إهراع إلا إذا كان معه رعدة . و يلاحظ أن هذا الإختلاف في المعنى في قوله تعالى : ( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى ألداع يقول الكافرون هذا يوم عسير) سورة القمر آية 7- 8. مقارنة بقوله تعالى : (ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون، و لقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) سورة الصافات الآيات 68 -71. هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز ، و ذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها ،و إلى التأكيد على إظهار هذه الحروف ، و لا سيما ما يحتاج منها في نطقه إلى ضغط أو نبرة معينة كحروف القلقلة ، و الحروف التي تخرج من بين الثنايا ، و غيرها بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي لا تحفل بذلك ، فلا يكاد الحرف فيها يبين ، أو تكثر بكلماتها الحروف الساكتة ، أو التي يتلاشى بعضها في بعض أثناء النطق . هذه الخصوصيات التي تتميز بها اللغة العربية يجعلها تقبل عن جدارة الإعجاز البياني و ضروبه مما لا يتوافر في الكثير من اللغات الأخرى لكون ذلك طبيعيا فيها بفضل جزالتها و دقة أوضاعها و إحكام نظمها واجتماعها على تأليف صوتي يكون موسيقيا محضا في التركيب و التناسب بين أجراس الحروف و الملائمة بين طبيعة المعنى مما يجعلها قريبة من نفس كل إنسان لاتفاقها مع فطرته . و قد أدى كل ذلك إلى وجود كلمات ليس لها مقابل في اللغات الأخرى من ناحية الدلالة مثل : الحق – الرحمة – الرحمان – العالمين ... يقول الدكتور محمد جمال الدين الأفندي في الفصل الرابع من كتابه : ( الإسلام و قوانين الوجود ) : " و لا أظن أن هناك لغة تستطيع أن تعبر عن كثير من ألفاظ القرآن ، أو تستوعب معانيه غير العربية .. فقد كنت ضمن لجنة لترجمة معاني القرآن، - و لا أقول ألفاظ القرآن أو القرآن نفسه فهذا أمر مستحيل – و وقفنا طويلا أمام بعض الكلمات لا نجد لها مقابلا مثل كلمة " الرحمان" و كلمة " الله " و حتى كلمة "رب " ليس معناها DOG المستعملة عادة في الترجمات و كلمة " العالمين " ليس معناها الكون و "عباد" ليست بمعنى عبيد و لا حتى خدم ".
إن هذا الإعجاز البياني يجعل من طواعية العربية الفصحى و مرونتها و قدرتها على مطالب النفس الإنسانية بمشاعرها و انفعالاتها لا تدانى ، و اللغة العربية مع هذا تمتلك من مقومات الجمال ما تستحق به عن جدارة أن يطلق عليها لغة الجمال ، يتجلى ذلك فيما حوته من روائع الكتاب و السنة ، و فيما زخرت به من حكم و أمثال و في خطها العربي بأنواعه المختلفة ( النسخ ، و الرقعة ، و الثلث و الفارسي ، والديواني .. ) و غيرها مما لا تضارعها فيه لغة أخرى ، و في موسيقاها النابضة المعبرة الشجية الملونة التي تجد مجالها فسيحا في التنوين ، و الإدغام و المد ، و الإمالة ، و السجع ، و غيره ، و في ألوان البديع ، و في بعض بحور الشعر كالمتقارب و المتدارك ، و الهزج ، و الرجز ، و مجزوء بعض البحور كالوافر و الكامل و غيرهما .
إن هذه الخصوصيات الكثيرة التي تميزت بها اللغة العربية و جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعا بما احتوت عليه من ضروب البيان و البلاغة و الإعجاز و سهولة الإشتقاق منها ، و قدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها ، و أتراحها ، في هزلها و جدها ، في علومها و أدبها ، مما رشحها للتعبير عن كلمات الله التي تحدت الإنس و الجن أن يأتوا بمثلها فعجزوا : ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين) سورة البقرة الآيات 23- 24 .
كل هذا التميز لم يشفع لها من التراجع و الإنحدار إلى مستوى لم تعد تحسد عليه ، و أصبحت هذه اللغة الجميلة الرائعة تعيش محنة تذيب قلوب العاشقين لها حسرة و كمدا، أمام ما يتهددها من أخطار و مكائد تحاك لها من قبل الناطقين بها و غير الناطقين سواء وعوا بذلك أو لم يعوا.

 

 

 

 

الباب الثالث
المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث ؟

صلة وثيقة و متينة ربطت اللغة العربية الفصحى بالدين الإسلامي الحنيف،منذ نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، مما حدا بالمسلمين إلى اعتبار اللغة العربية من الدين و أس من أسسه " و إنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين " (سورة الشعراء الآيات 192 - 195) . وقد كان النبي محمد صلى الله عليه و سلم يفخر و يفرح كل الفرح بالإفصاح و يأبى اللحن و يقول : "و إن من البيان لسحرا "، مما نتج عنه اهتمام علماء المسلمين بها و كانوا يفخرون بها و يعتزون، كما راحوا يذبون عنها كل شائبة، و يفردون لها المصنفات العديدة التي تبين خصائصها و تميزها، و جمالها... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار و نشروها حيثما حلوا وارتحلوا...،
و منذ بدايات العصر الحديث ،أخذت الرابطة الإسلامية تتراجع كشكل من أشكال ضمانات البناء السياسي القائم و تحصينه ، أمام ضربات الإستعمار الغربي الموجعة وتقطيعه لأجزاء عديدة من الخلافة العثمانية و سقوط البلاد العربية الواحدة تلو الأخرى في براثن الإستعمار الغربي المقيت بدءا بالجزائر عام 1830م و تونس عام 1881م و مصر عام 1882م ... بالإضافة إلى اشتداد السياسة الإستبدادية التي سلكها السلاطين العثمانيون المتأخرون ، كل هذه العوامل أدت إلى درجة قصوى من التخلف و الإنحطاط و الجهل ، فلم يعد هناك علماء و مفكرون إلا قليلون ، و قلت الرغبة في البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف الميادين العلمية و اللغوية و الحضارية ، لأن الدولة لا تشجعها ، فليس إلا ترديد بعض الكتب الفقهية و النحوية و الصرفية و نحوها ، حتى قال السائح الفرنسي "ميسيو فولني" الذي زار مصر و بلاد المشرق العربي و خاصة الشام : (إن الجهل في هذه البلاد عام شامل ، مثلها في ذلك مثل سائر البلاد التركية ، يشمل الجهل كل طبقاتها ، و يتجلى في كل جوانبها الثقافية ، من أدب و فن ...) . هذا التراجع الحضاري نجم عنه ركود في كل الميادين العلمية و اللغوية، فبقدر ما كان المد الحضاري الإسلامي يتراجع كان اللسان العربي يتقلص، لأن الإسلام هو الذي حافظ عليها، و صانها، و رسم لها الحدود النهائية التي استمرت عليها حتى الآن.
إن هذا التهلهل الحضاري الذي أصاب الناطقين بالضاد استغله الجاهليون و الوثنيون الجدد ليطعنوا في لغة القرآن و يرمونها بالقصور حينا ، و بالجمود أحيانا أخرى ، و بذلوا و يبذلون جهودا جبارة لمحاربة الفصحى ، و تحريك الأقلام المأجورة ضدها . لقد أدرك أعداء أمتنا الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية و الدين الإسلامي و بين الدين الإسلامي و مجد و وحدة المسلمين ، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم و البداوة و ألقوا عليها مسؤولية تخلفنا رافعين شعار " من أراد التقدم و الرقي فلا يتكلم العربية "زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة و أنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
إن محاربة اللغة العربية الفصحى قد تشكلت في أشكال مختلفة وارتدت الأقنعة المتنوعة ، و تلونت بحسب الظرف الزماني و المكاني لأعداء أمتنا و لغتنا ، و إن اتفقت جميعها على استبدال اللغة العربية الفصحى بلغات المستعمرين أو باللهجات الدارجة للدول الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف اللاتينية لمسخها و القضاء على صحة النطق بها ، أو تغيير الأساليب البيانية و البلاغية للغة الفصحى ...
فقد شنت فرنسا منذ احتلالها للجزائر يوم 5 جويلية 1830م حربا لا هوادة فيها ضد اللغة العربية ، فأغلقت المدارس التي كانت مزدهرة قبل الإحتلال ، ثم اعتبرت اللغة العربية أجنبية حرم استعمالها في مصالح الحكومة ، و كانت فرنسا تعاقب كل من ينشئ مدرسة لتعليم اللغة العربية . أما المدارس التي أنشأها الفرنسيون فكانت كلها مدارس فرنسية ، و كانت الجامعة الجزائرية التي أنشئت عام 1887جامعة فرنسية أيضا ، و لا يدخلها من الجزائريين إلا من تكون له حظوة لدى المحتلين . كما بذل الفرنسيون جهودا كبيرة و قاموا بأعمال مستمرة لتنصير بعض أبناء القرى الجزائرية ، و هدم المساجد و تحويلها إلى كنائس . و في يوم 8 مارس 1938م أصدر ميسيو " شوطان " الفرنسي قرارا يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ،و كان القرار – في حقيقته – امتدادا للقانون السابق صدوره في 24 ديسمبر 1904م ، و الذي يمنع تعليم العربية في جميع مدارس الجزائر ...
و في مصر دعا اللورد " دفرين " البريطاني سنة 1883م إلى محاربة العربية و الإهتمام باللهجات العامية ، و سار على نفس النهج " ولييم ديلكوكس " سنة 1892م ، و كان " ديلكوكس " هذا يعمل مهندسا للري في مصر ، فقام بترجمة الإنجيل إلى ما أسماه باللغة المصرية . و تبعه القاضي الإنكليزي "ولمور" الذي عاش في مصر و ألف سنة 1902م كتابا باسم ( لغة القاهرة ) واقترح فيه قواعد نصح باتخاذها للعلم و الأدب ، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية . و كان الهدف من بذل كل هذه المجهودات هو القضاء على لغة القرآن ، لغة الإسلام الوحيدة و تحقيق حلم " ولييم جيفور دبلجراف " الذي قال : ( متى توارى القرآن و مدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في قبول الحضارة المسيحية التي لم يبعده عنها إلا محمد و كتابه ) !؟
و على نفس هذا النسق سارت بقية الدول الإستعمارية الأخرى في مختلف البلاد العربية و الإسلامية ، ساعية جهدها إلى قبر اللغة العربية و من ثم قبر الهوية الإسلامية لشعوبنا . و واصل هذه المجهودات الإستعمارية الجبارة في وأد اللغة العربية مجموعة هامة من حلفاء الإستعمار و الذين باعوا أنفسهم للشيطان ضد مصالح أمتهم العربية و الإسلامية و على رأس هؤلاء و أخطرهم يأتي سلامة موسى في كتابه ( البلاغة العصرية و اللغة العربية ) فقد تناول هذا الأخير في كتابه مخطط الهجوم على اللغة العربية و انتقاصها و الدعوة إلى العامية لتكون مصدر البلاغة العصرية زاعما أن الفصحى لا تستطيع التعبير عما تستطيع العامية أن تعبر عنه . ؟! فدعا إلى الأسلوب التلغرافي و مهاجمة الأسلوب البياني ، و إلغاء الحرم و العرض من اللغة بدعوى أنه تراث لغوي قديم يحمل عقدة اجتماعية يجب أن نكافحها ، كما دعا إلى الكتابة بالحروف اللاتينية و إدخال الكلمات الأعجمية دون قيد ، و هو بهذه الدعوة أراد في الحقيقة أن يكون الأسلوب خاليا من الروعة و البراعة و الجمال و الموسيقى التي تميز اللغة العربية ، فلا يمتاز عن أسلوب الخطاب المعتاد المتداول في الشؤون اليومية ، متعمدا تجاهل أن الأديب شاعرا كان أو كاتبا ، إنما يفتن القلوب و يسحر العقول بألفاظه . و ليس اللفظ رمزا يشير إلى فكرة و معنى فحسب، بل هو مجموعة من صور و مشاعر أنتجتها التجربة الإنسانية و بثها اللفظ ، فزادت خصبا و حيوية ، فالألفاظ تصدر عن الأديب مشحونة بعواطفه و تجاربه و تحمل مكنونه الذي اختزنه على مر العصور في خصائصها و سماتها ، و الأسلوب التلغرافي الذي دعا إليه سلامة موسى لا يحقق شيئا من ذلك لأنه قائم على النفع وحده لا على الجمال . و لو أن الأسلوب لا قيمة له إلا أن يكون تلغرافيا يسفر بين الناس بالمنفعة وحدها ما حرص الأدباء على تجويد أساليبهم في اللغات كلها و لاستوت العبقرية و التفاهة ، و القدرة و العجز ، بل هي مؤامرة على اللغة العربية لاجتثاثها من النفوس و إرباك عشاقها بتفاهات ما كان ينبغي أن تصدر عن الدكتور سلامة موسى الذي يدعي في العلم معرفة ؟! و يبقى أكبر دليل على كذب هذا الرجل، و وهمه و خبث طويته، أنه كان يدعو إلى العامية مستخدما في ذلك الفصحى، يدعو إلى العامية وهو يتكلم الفصحى ... إنه لم يستطع أن يتخلص من لغة أمته الفصحى فكيف تعجز الفصحى عن التعبير عما زعم !!؟ و قد واصل مجهوده سعيد عقل اللبناني داعيا إلى استخدام اللهجة العامية و كتابتها بالحروف اللاتينية قائلا : "من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن " . و رصد جوائز عديدة لمن يكتب ديوانا للشعر باللغة العامية ، و كتب ديوان ( يارا) بلغة عربية في أحرف لاتينية وهو (رجل حراس الأرز) الذين جعلوا شعارهم قتل الغرباء ( أي قتل المسلمين). و تقدم عبد العزيز فهمي عضو المجمع العلمي المصري سنة 1942م باقتراح يقضي باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية و شغل المجمع العلمي ببحث اقتراحه ثلاث سنوات. و لعل التاريخ لن ينسى مجرما لم يكتف بالدعوة إلى ذلك بل دخل بنفسه المدارس معلما الحروف الجديدة للمدرسين و الطلاب...؟! إنه ذلك اللقيط الذي حارب المسلمين و أسقط الخلافة الإسلامية ( كمال أتاتورك ).
و في سنة 1973م انعقد في لبنان مؤتمر ضم عددا من أساتذة الجامعات في أمريكا و أوروبا و البلاد العربية و بحث فيه اقتراح فرنسي قدمه "جاك بيول " و "أندريه رومان "و " رولان مانييه " باستعمال اللهجات العامية الدارجة و ذلك بحجة أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه !
و تنوعت دعاوي هؤلاء الإمعة و تبريراتهم ، فمنهم من حاول إقناع الجماهير بأن اصطناع اللغة العامية في الأدب و الصحافة إنما اعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير فيه ، و منهم من زعم أن للعامية قدرة على الوفاء بحاجات البشرية و قدرة على التعبير عن مطالب الحياة العصرية ، و أنها وسيلة ميسرة لتثقيف الجماهير الشعبية و تقريب الثقافة منهم ...إلخ .
إن أية دعوة تحاول النيل من اللغة العربية في قليل أو كثير ، مهما لبست من أقنعة ، و زخرفت من قول إنما هي دعوة مسمومة مفضوحة يريد بها أصحابها أن يطفئوا نور الله ، و يخربوا هوية الأمة الإسلامية حتى يسهل لهم بعد ذلك تذويبها و تركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح امتنا . إن هذه الدعوات المشبوهة تريد أن تطمس شخصيتنا و تميزنا الحضاري ، و تسعى إلى دمجنا و صهرنا إلى حد الذوبان في " الآخر العدو" لتحيلنا في النهاية إلى أذناب ليس لهم حول و لا قوة . و لكن هيهات ... هيهات !! فاللغة العربية خالدة، لأنها لغة القرآن، و القرآن خالد ما دامت السماوات و الأرض ... يقول عز و جل: (( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظن ) ) سورة الحجر الآية 9.
إن اللهجة العامية التي يريدها أعداء امتنا بديلا عن اللغة العربية الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد إلى آخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها ، مضطربة في قواعدها و أساليبها حتى أن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ، كما أنها لا تقوى على الشؤون الدقيقة و روح الإنسانية ، لان الفكر إذا لم تسعفه وسيلة قوية و أداة مواتية في التعبير عنه خمدت جذوته و ضعف شأنه و حينئذ يضيق نطاقه . و هذا من شأنه أن يخمد الثقافة العربية الإسلامية و ينكص بها إلى الوراء . إن الدعوة إلى استعمال الدارجة و القائلة بتقريب الثقافة من الجمهور لهي دعوة كاذبة و ساذجة ، إذ الأحسن من ذلك هو الإرتقاء بذوق القارئ ، و لا ننسى أنه بنفس هذا المنطق يمكن أن يروج للفن الهابط و الذوق السمج و الأخلاق الهابطة بدعوى أنها من "إبداع "الجماهير ، يقول العقاد : (( اللغة العامية لغة الجهل و الجهلاء و ليست بلغة الشعبيين ، و لا من يحبون الخير للشعوب ، لأن الغني الجاهل يتكلم العامية و لا يقرأ اللغة الفصحى و لا يمتاز بفهمها على الفقراء )).
أما الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية ، فيعتبر مسخا لها و قضاء على صحة النطق بها. فعلى سبيل المثال يعبر بالحرف : D عن كل من حرفي الدال و الضاد مما يؤدي إلى الخلط بين حرفي الدال و الضاد و وضع كل منهما مكان الآخر . و كذلك الحال بالنسبة للتعبير عن حرفي العين و الهمزة بالحرف اللاتيني A. كما يعبر عن حرفي الهاء و الحاء بالحرف اللاتيني H ، و قس على ذلك العديد من الحروف الأخرى .
لقد قامت فرنسا الإستعمارية برسم مشروع منفرد أطلق عليه مشروع الفرانكفونية يهدف إلى { فرنسة } كل دول إفريقيا و دول جنوبي شرق آسيا الفقيرة منها على الخصوص "فيتنام "مثلا ، و أوروبا الشرقية و بعض الدول الأمريكية انطلاقا من "كيبك "الكندية ، و هذا المشروع الفرانكفوني له عشرات الأنشطة و المؤسسات التي تخدمه . و يبقى الهدف الرئيسي لفرنسا الإستعمارية هو توطيد الفرنسية في المغرب العربي و شمال إفريقيا .. فماذا فعلنا نحن لمواجهة هذا الغزو الحضاري و حماية لغتنا من الإنحدار الرهيب الذي تعيشه لغتنا الوطنية حتى صارت غريبة بيننا ؟! إنه لشيء مخجل حقا أن نعلم أن كثيرا من الدول العربية تشارك في مؤتمرات القمم الفرانكفونية أو في إحدى المؤسسات الفرانكفونية (كتونس ، المغرب ، لبنان ...) مع العلم أن هذه الدول العربية ليست بدول فرانكفونية ،و إنما توجد بها أقلية فرانكفونية ، غالبا ما تكون من الطبقة الموسرة التي تسيطر على أغلب الوظائف العليا في الدولة . و نعود لنتساءل : ماذا يدفع هذه الدول إلى التهافت من أجل المشاركة في المؤسسات الفرانكفونية و الإصرار على الحديث بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و أهلك حرثنا و نسلنا و يسعى جاهدا لقبر هويتنا العربية الإسلامية؟!
إن الجواب يكمن في أن الفرانكفوني العربي – رمز التخلف و الإنبتات الحضاري – عنده عقدة المتخلفين ألا وهي عقدة الشعور بالنقص. فعندما يتكلم اللغة الفرنسية يحس بأنه ترقى إلى أعلى مستويات التقدم الفكري بينما ينظر إلى اللغة العربية كأنها لغة المتخلفين و رعاع الناس ، و الحقيقة الساطعة تفند هذه المزاعم ، فلقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة التقدم و الحضارة باستطاعتها أن تستوعب كل ما تنتجه الحضارة البشرية في مختلف الفنون و العلوم ، و قد برهنت على ذلك عندما نقل المسلمون فلسفة و علوم اليونان و الرومان و الفرس و الهنود ، و حولت كل ذلك إلى ثقافة واحدة ، وهي الثقافة الإسلامية . لقد دخلت في الإسلام شعوب و شعوب ، و لو قدر لهذه الشعوب جميعا أن تمتلك اللغة العربية ألسنتها كما امتلك الإسلام قلوبها ، لما كانت هناك اليوم مشكلة تواجه لغتنا رمز هويتنا و فكرنا و وحدتنا ، أما و قد انقسم المسلمون و أصبح كل حزب بما لديهم فرحين .. و سيطرت على كثير من الشعوب الإسلامية حالة "اللامسؤولية " تجاه اللغة العربية التي أصبحت بفضل القرآن لغة إسلامية عالمية ، واستغنوا عن القرآن بشروحه المترجمة ، القاصرة لطبيعتها البشرية .. و أنى لهذه الترجمات أن تنقل لأولئك إعجاز البيان القرآني ، بل إعجاز الفكر القرآني الذي لا يمكن أن تنقله كاملا ترجمة للنصوص و لا ترجمة لمعاني النصوص : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا ) سورة الكهف الآية 109.
إن السبيل الوحيد لبناء المسلم الحقيقي على الأرض في أي زمان و أي مكان هو إتقانه للغة الإسلام الوحيدة ، اللغة العربية ، لأن المسلم الذي لم يتمكن المسلمون المتأخرون من تبشيره بالعربية بعد أن بشروه بالإسلام لم يعد قادرا على أن يكون مسلما حقيقيا : مسلما يقرأ القرآن فيتدبره و يؤدي الصلاة فيخشع لمعانيها ، و يردد الأذكار و الأدعية فيطمئن قلبه لما فيها ... هذا المسلم لن يكون صورة حقيقية عن الإسلام لأن الإنفصال بين المسلم و العربية ينتج حتما الإنفصال بين المسلم و الإسلام القرآني الصحيح ، ذلك لان اللغة العربية وحدها استطاعت أن تعبر عن كلمات الله بدقة و إلا لما كان هناك داعيا لأن يختارها الله من بين جميع لغات العالم مؤكدا على قدرة اللغة العربية على الإبانة و التوضيح ( بلسان عربي مبين). لذلك تبقى اللغة العربية الوحيدة التي يمكن للمسلمين في جميع مشارق الأرض و مغاربها أن يجتمعوا عليها ، فيتناقلوا فيما بينهم مؤثراتها الفكرية و الجمالية .
لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة حضارة خالدة أولت الجانبين المادي و الروحي معا اهتمامها ، و حققت الإعتدال و الوسطية ، وهي ليست تلك اللغة اللاهوتية التي تحاط بهالة من التقديس تحجبها عن تلبية حياة المجتمع ، و تتركها قصية عن القيام بدورها في الحياة ، وهي ليست أيضا تطرح الدين جانبا لتنساق مع تيار يعجل بها إلى التذويب و فقد الهوية ، و أنى لها المقدرة على إبعاد الدين ، و إقصاء القرآن الكريم ، و التنكر لفكر المسلمين وهي التي استمدت من كل هذه الأسباب القوة و المنعة و طول العهد و العالمية . وهي ليست كذلك تلك اللغة المرتبطة بفترة زمنية قصيرة هدفها إشباع حاجات مادية أو علمية مؤقتة ، بل لقد عبرت اللغة العربية قديما و حديثا بحق و بصدق عن المفاهيم و المشاعر و المعاني التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة و دروبها ، تقوى و تينع بقوة المسلمين و عزتهم و تضعف بضعف المسلمين و تخلفهم. فلا مجال لأن تتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم نحن بالتخلي عن دورنا الحضاري في قيادة الشعوب و بلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا. ولنكن متأكدين أن اللغة العربية لن تضن علينا حينئذ بمفرداتها و تراكيبها و بلاغتها التي تؤدي بدقة عجيبة ما بلغناه من رقي حضاري و نماء ذوقي و اتساع معرفي و تمدن . فهي قد حوت واتسعت معاني القرآن المعجزة ، و نقلت لنا حضارة المسلمين في الطب و الهندسة و الجغرافيا و الحساب و التاريخ و التفسير و الشعر و الأدب و غيرها من العلوم و المعارف ، فكيف نقبل اتهامها اليوم بالعجز عن حمل المعارف العصرية و التعبير عنها و لا نتهم أنفسنا بالعجز و الكسل و التفريط فيمن جعلها الله لغة أهل الجنة في الجنة ؟! اللهم إلا أن تكون هذه اللغة الجميلة الجليلة قد استحيت من حمل تخلفنا و عجزنا و ركوننا إلى الذلة و المسكنة ، و قبولنا لأعداء الأمس و اليوم أن يكونوا علينا سادة و نجعل لهم علينا سلطانا مبينا بعدما كنا لهم قدوة و أسيادا ، و خير أمة أخرجت للناس .

 

الخاتمة
اقتراحات للنهوض باللغة العربية

إن استقراءنا التاريخ اللغوي يدعونا لأن نزعم بأن اللغة – أية لغة – لا يمكن أن تتطور و تزداد مفرداتها و تينع تراكيبها و يترسخ جمالها و تنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة و المعاني الجليلة ، و كثرت الإكتشافات و الإختراعات ، و أبدع الناس في كل المجالات الحياتية و المعرفية و التكنولوجية ، حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور و الرقي و الإزدهار عن طواعية ، و تسلم قيادها للمبدعين ، فالإنسان إذا ما أبدع أو ابتكر معنى جديدا أو اكتشف شيئا لم يسبقه إليه أحد فإن لغته التي يستعملها لا يمكن أن تضن عليه باللفظ و التركيب الجميل الذي يعبر له و بصدق عما أراد تبليغه للناس ، و عندئذ يجد الآخرون أنفسهم مجبرين على تبني اللفظ الذي عبر به ذلك الإنسان المبدع عن إحدى بنات أفكاره ، إما حرفيا و إما مترجما بصورة لا يمكن أن تكون مطابقة تطابقا كليا مع اللفظ الذي وقعت ترجمته ، ولنأخذ مثلا الشاعر الفيلسوف "محمد إقبال " ، فهو علم فذ من شعراء الإسلام ، خسر الناطقون بغير الأوردية أو الفارسية شعره لأنه لم يكتب بلغة الإسلام ، اللغة العربية ، اللغة التي يمكن للمسلمين جميعا أن يجتمعوا عليها . و إذا ما علمنا أن الشعر في أحدث تعريف له هو : ( الجزء الذي نفقده عند الترجمة ) عرفنا أن إقبال لم يكتب للمسلمين جميعا ، بل لجزء من المسلمين فحسب ، و لو كتب محمد إقبال باللغة الإسلامية ، لغة المسلمين جميعا ، لغة القرآن الكريم ، لكان هو الشعر الإسلامي . و هكذا ، فكلما ازداد المبدعون الذين ينتمون إلى أمة كلما تطورت لغة تلك الأمة واتسع قاموسها اللغوي و كثرت المعاني الجميلة بها ،و أقبل عليها الناس واستعملوها في حلهم و ترحالهم .. في أحاديثهم و خطبهم و كتاباتهم و مختلف إبداعاتهم. لذلك يبقى الشرط الأساسي لتطور لغتنا العربية ، و تحقيق الإنتشار اللازم الذي نطمح إليه : أن تستعمل من قبل المبدعين العرب و المسلمين في شتى صنوف المعرفة بحسب تخصصاتهم المختلفة ، فلا يكتب الشاعر المسلم إلا بلغة القرآن مهما كانت الأرض التي يقيم بها . و كذلك يقتضي واجب الأديب المسلم و الفيزيائي المسلم و الطبيب المسلم و رائد الفضاء المسلم و كل صاحب اختصاص أن يكتب بلغة الإسلام الوحيدة كي تكون إبداعاته و اكتشافاته واختراعاته... تنتمي كلها إلى الحضارة الإسلامية التي يجب أن تسود العالم مرة أخرى بعدما أفلست الحضارة الغربية و بان عوارها في كل مكان .إن الإستعمال الصحيح للغة الفصحى من قبل أهل الإختصاص هو الذي يحييها ، و يوقظ ما أهمل من ألفاظها ، و يقوم من تراكيبها ، وهي وسيلتنا جميعا للإفادة بما في القرآن و التراث الإسلامي من كنوز ، كما أنها أداة تفكيرنا للتقدم في ظل عقيدتنا التي تحثنا على التسامح و النضال من أجل التقدم و الرقي و البحث العلمي و التطور الإجتماعي .. وهي لساننا و لغة قرآننا و أمانة لأبنائنا وجب علينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر. يقول أحد الشعراء :
لا تلمني في هواها أنا لا أهوى سواها
و في انتظار أن يتحقق هذا الحلم لا بد أن نعجل بخطوات عملية – شعوب و حكومات – تقرب لنا ساعة الإنفراج و التحرر الفكري لإزالة آثار الغزو الحضاري للغرب الإستعماري الذي يسعى دائما لمسخ شخصيتنا و أصالتنا الإسلامية :
1 – ضرورة أن تكون الأحاديث في الإذاعة و التلفزة و مختلف وسائل إعلامنا الحديثة باللغة العربية السليمة ، و كذلك الأغنيات الشعبية، و التمثيليات ، و المسرح ... فكل هذه الوسائل ذات تأثير لا يجهل أحد قيمته و أن تترجم الأشرطة أو المسلسلات الأجنبية إلى العربية السهلة مباشرة أو عبر الدبلجة و نفس الشيء بالنسبة للإشهار .
2 – يتعين فتح الأقسام الليلية لتعليم العربية للكبار و الصغار ، نساء و رجالا ، و الإستعانة بجهازي الإذاعة و التلفزة يبث المختصون من خلالهما البرامج التي تعلم أفراد الأسرة كلها كيف يكتبون و ينطقون لغتهم الأصلية .
3 – الإكثار من الكتاتيب العصرية (إستعمال الحواسيب و التقنيات السمعية البصرية) التي تحفظ القرآن الكريم للناشئة و ترك الفرصة للمتطوعين و الخواص من أصحاب الشهادات العليا ليقوموا بذلك .
4 – إصدار قرارات لتعريب كل اللافتات التي تدل على مكان أو محل أو مؤسسة أو مصلحة أو شركة عمومية أو خاصة أو شارع ... و لكي يتم تنفيذ ذلك بيسر و نجاعة لا بد من تجنيد نخبة ممتازة من الأساتذة و المعلمين و الخطاطين و المناضلين لخدمة هذه القضية ، و يتم التنفيذ بعملية محو الحرف اللاتيني أينما وجد ، واستبداله بلغة عربية سليمة .
5 – إصدار قرارات تقضي بجعل اللغة العربية وحيدة الإستعمال في ميدان الإدارات العمومية و الجمعيات ، و المقاولات و المؤسسات و الصحافة و التعليم ما عدا في أقسام تعلم اللغات الأجنبية .
كل هذه الإقتراحات سهلة التنفيذ إذا صدقنا العزم في الحفاظ على هوية الأمة و لسانها الناطق و قلبها النابض و عقلها الواعي . فهل من مجيب ؟

 

 

ملحق
لغتنا الفصحى... واقع و آفاق !

في وطننا العربي هناك من يتمعش بهويتنا الحضارية ، يغامر بلغتنا العربية ، يزعم بأن اللهجة الدارجة المحلية أفضل و أنجع من لغة القرآن ، اللغة التي كتب بها الجاحظ و المعري وابن سينا وابن خلدون ... و غيرهم من جهابذة الحضارة الإسلامية و لسان حاله يقول بفجاجة: " من أراد التقدم و الرقي و اللحاق بركب الحضارة الغربية، فلا يتكلم العربية الفصحى "!؟ ، وأما حجته في ذلك ، فهي أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه، واستعمال اللهجة الدارجة لكل بلد هو إعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير !!؟ و هنا يتبادر إلى الذهن، أي علم سنكتبه بلهجات تفتقر إلى المصطلحات العلمية و الأدبية و حتى الإنسانية البسيطة التي تشتمل عليها اللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى اختلافها من بلد إلى آخر ، كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه !! لقد استنبطت الشعوب هذه اللهجات المحلية لتيسير التعامل اليومي بينها و قضاء الحاجات اليومية البسيطة، فكيف نسمح باتخاذها للتعبير عن حضارتنا و تمددننا و إبداعاتنا و ابتكارات أبنائنا ؟
و إني أتحدى كل من تحدثه نفسه باتخاذ اللهجات الدارجة بديلا عن اللغة الفصحى أن يكتب مقالا بلهجة دارجة عن نظرية ابن خلدون مثلا في العمران البشري أو ابن سينا و الرازي في الطب أو غيرها من النظريات العلمية أو الأدبية قديمة كانت أو حديثة .
أيها السادة يا من تحملون على عاتقكم مسؤولية الإعلام ، ارفقوا بنا و بلغتنا / لغتكم ، و حاولوا أن ترتقوا بمواطنيكم باختيار لغة فصيحة بسيطة و سهلة دون تقعر، عوضا عن لهجة دارجة ركيكة ركاكة من يتبناها ، تزيد الذوق تدنيا بحكم اشتمالها على ألفاظ سوقية مستهجنة نزعم أنكم أربأ من الإنحطاط إلى مستواها .؟
أيها السادة اقرؤوا التاريخ و راقبوا الأمم المتقدمة كيف تحافظ على لغاتها المعيارية (الفصحى) لأن اللغة وحدها تعكس ما بلغته الشعوب من رقي و تقدم في كافة مجالات الحياة. إن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و تبعيتنا المهينة للغرب و ليس عجز اللغة العربية أو تخلفها و عجزها . فهي مرآتنا في الحضارة و التمدن !
أيها السادة ثقوا كل الثقة أنكم متى اعتززتم بأنفسكم و حضارتكم و لغتكم رمز هويتكم ، و سرتم على درب البحث و التنقيب و الكد في كافة ميادين الحياة لتقوية أمتكم و حماية هويتها من الأعداء فلن تضن عليكم هذه اللغة الجميلة بكل غال و نفيس لفظا و تركيبا و معنى ، مبنى و معنى ، فعلينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها بمهجنا حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر .

 

 

 

 


رفقا بلغتنا أيها المهاجرون !!
من الظواهر التي أصبحت تلفت الإنتباه إليها و تعبر عن بعد من أبعاد أزمتنا الحضارية في العصر الحديث ، هو تخلي الجيل الجديد من جاليتنا بالخارج عن لهجتنا الدارجة المستمدة أساسا من لغتنا العربية الفصحى!؟ فأصبحنا نرى و نسمع في شوارعنا أطفالا و شبابا تونسيين يتحاورون باللغة الفرنسية ، بل و فيهم من يحرص كل الحرص على أن يسمعك صوته عاليا وهو يتخاطب مع أبيه أو أمه أو أخيه ... بلغة فرنسية غير سليمة في الغالب الأعم، مستهترين بكل قيمنا و سماتنا الحضارية التي تعتبر اللغة العربية أسا من أسسها. بل إن ما يبعث على الدهشة حقا أن ترى أما تكلم طفلها- فلذة كبدها - بلغة فرنسية ساعية جهدها لتعليمه كيفية التخاطب بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و خرب حرثنا و نسلنا و لا يزال يسعى جاهدا لقبر هويتنا الحضارية. و إذا سألت أحدهم : لم هذا الحرص على إنكار جذورك؟ صمت و لم ينبس ببنت شفة ، فتفهم أنه يقلد تقليدا أعمى لا يعرف هو نفسه مآله و مصيره . بل لعل هذه الظاهرة المرضية تكشف عن شعور بالنقص دفين لدى هؤلاء " المتفرنسين "و اعتقادهم الساذج أن في استعمالهم للغة من عاشوا بينهم لأسباب مهنية بحتة سترفع من قيمتهم بين أهلهم و ذويهم و تجعلهم في نفس المقام الذي بلغه المجتمع الفرنسي مثلا .؟!
و هذا لعمري خطأ فادح لأن فرنسا لم تصل إلى ما وصلت من تمدن حضاري و تقدم إلا باحترامها لقيمها و أصالتها الحضارية و على رأس كل ذلك يأتي احترام المواطن الفرنسي للغته الأم ، و إني أتحدى أي تونسي – يعيش على الأرض الفرنسية – أن يرى فرنسيين يتخاطبان باللغة العربية مثلا أو باللغة الألمانية ... بل إن السلطات الفرنسية اتخذت قرارا يقضي بأن يغرم الفرنسي الذي يستعمل مصطلحا غير فرنسي له ما يقابله في اللغة الفرنسية، مما ينم عن وعي هؤلاء بقيمة اللغة في الحفاظ على هويتهم الحضارية ، و من فقد هويته أنى له أن يبني حضارة أو يصنع تمدنا ؟؟!
فرفقا بنا و بلغتنا أيها المهاجرون و احترمونا كما نحترمكم و نجلكم !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المحتــــــــــــــــــــــــوى
المقدمة : قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا 3
الباب الأول: الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية وانتشارها 7
الباب الثاني : خصائص اللغة العربية 14
الباب الثالث : المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث 21
الخاتمة : اقتراحات للنهوض باللغة العربية 32
ملحق
لغتنا الفصحى ... واقع و آفاق 36
رفقا بلغتنا أيها المهاجرون 38

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !