الكاتب
محمد سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
محمد سالم بن عمر، كاتب و ناقد تونسي ، عضو اتحاد الكتاب التونسيين .
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة، متزوج و له شيماء و نصير الله.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي منذ 1992، وقد عمل مديرا لدور الثقافة بتونس.
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري الحضاري...
صدر له كتاب:" اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995"
كما صدر له كتاب : " نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه عام 2009 "
و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة وقصائد .. كما نشرت له بعض المجلات و الصحف العربية .. مقالات فكرية وحضارية..
له مخطوطات عديدة أهمها :
ذكريات زمن مضى (رواية) نحو إعادة تشكيل الفكر العربي الإسلامي في العصر الحديث ﴿مقالات فكرية / حضارية﴾ .
المحتوى
-1الأحزاب الدينية والمشهد السياسي في تونس ؟
-2الإعلام العربي و تكريس واقع التخلف
مفارقات عجيبة-3
-4حياة أنعام!؟
-5أمة الإسلام... أمة الشهادة على الناس ؟
-6بقايا الإستعمار في ديار الإسلام
-7أنظمة حكم فاسدة ؟
-8مصطلحات مضللة
-9ردا على الدكتور محمد عمارة :
إِنَهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارَ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوب !
حصوننا تتهاوى من الداخل !؟-10
وعــي زائــف !؟-11
دعوة الحق العالمية -12
-13خطاب إلى الهاربين من ديارهم ؟!
-14الأدب إبداع و ليس إتباع
-15النقد الأدبي ضرورة حضارية
16- كلنا خائنون
17 – مفارقات عجيبة
الأحزاب الدينية والمشهد السياسي في تونس ؟
يؤكد لنا التاريخ أن تونس الخضراء قد صارت منارة إسلامية علمية وجهادية في كيان الأمة الإسلامية منذ الفتح الإسلامي لأفريقية سنة 27 هـ/467 م وما جامع عقبة بالقيروان و جامع الزيتونة بالعاصمة وفتح إسبانيا على يد طارق بن زياد إلا براهين على عراقة و تجذر الإسلام في ربوع بلادنا التونسية ... أما ما يسمّى "بالاتجاه الإسلامي" و النهضة لاحقا فهو" نبت دخيل" على بلادنا ولا تربطه بمبادئ الإسلام كبير صلة إلا صلة الزي بصاحبه ، لذلك كان هذا "الاتجاه" يغير من اتجاهاته وتوجهاته في كل آن وحين منذ أكثر من عقدين !؟.. بينما مبادئ الإسلام وشريعته الغراء ثابتة مكينة ثبات مسميات الأشياء وحقائقها في الكون والإنسان والحياة... لأنها تمثل فطرة الله التي فطر الناس عليها . كما أنه قد أمضى على ما يسمى بالميثاق الوطني ، معتبرا مجلة الأحوال الشخصية المبنية على أسس لائكية و علمانية "إجتهادا إسلاميا" !!؟
تنقسم "النخبة التونسية" حول "منح حزب ديني رخصة العمل السياسي" !؟ في الحقيقة هذا حق لمن لا يملكه ولا يمكن له أن يملكه، لأن صاحب الأمر والنهي الحقيقي في هذا الوجود ، الله عز وجل ، قد أمر وأمره نافذ لا محالة طوعا أو كرها بتكوين : " أمة " تبلغ شريعته للناس كافة و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر المفصل في القرآن الكريم ، ليحيى من حيي عن بينة و يهلك من هلك عن بينة ، وإنك يا قارئي لن تجد وسيلة إعلام واحدة في تونس أو في العالم – حتى تلك التي تكن عداوة كبيرة للإسلام و أهله - لا تذكر بمبادئ الإسلام وشريعته و ثوابته الأزلية المركونة في نفوس البشر جميعا التي فطرهم الله عليها منذ بداية الخلق حتى و إن خالفت "أفعال" المذكرين بهذه الثوابت الأزلية من أئمة السوء ، أقوالهم ... وما إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم عنا ببعيد (رغم تبني المشرفين عليها لنشر فكر الدراويش و تخدير الشعب بمقولات دينية لا تمت للإسلام الصحيح بأية صلة) .. ! فحجة الله قائمة علينا جميعا و ليس للناس على الله حجة بعد الرسل، و تنزيل القرآن الكريم = الكتاب الذي تحدى و لا يزال يتحدى الجن و الإنس و الملائكة أن يأتوا بحديث مثله فعجزوا .
أما القول بأن "الواقع التونسي أو العالمي لا يحتمل تطبيق الشريعة الإسلامية التي سنت قوانينها منذ 14 قرنا فهو قول مرفوض ومردود على أصحابه شكلا ومضمونا، و دليل جهل كبير بالشريعة الإسلامية و الثوابت الربانية : أما الشكل فالشريعة قد سنت و اكتملت كل معالمها منذ خلق آدم عليه السلام وتعليمه "الأسماء كلها" وما بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والمرسلين من قبله عليهم السلام جميعا إلا تذكيرا بها لا غير : لذلك كثيرا ما ذكَر القرآن بني آدم بأن الله قد : " شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..." (سورة الشورى الآية 13). فالشريعة بهذا المعنى لم تسن منذ 14قرنا فقط بل سنت منذ آلاف السنين، ولا أعتقد أن أي مبصر يجهل هذه الحقائق المكتوبة بين دفتي كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه منذ 15 قرنا. لقد حد "بديع السماوات و الأرض" منذ خلقه الخلق حدودا معلومة و ضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته .. تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات و تضمن بها لنفسها صيرورة سالكة و حياة طبيعية هانئة . إن خروج أين من هذه الكائنات عن حدود الله و نظامه البديع وسننه الدقيقة في الكون والحياة، الذي أبدعه الله بقدرته الفائقة و حكمته الأزلية .. : يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها لتوازنها الحيوي واندثارها أو موتها و هلاكها.. فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له يعني حتمية احتراق الكون برمته.. كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته.. أو تحطم السيارة أو الشاحنة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها ..!؟ كذا تضطرب حياة بني آدم و تنتابهم شتى الأمراض والمهالك و العلل والوساوس و الأمراض المستعصية على قدراتهم المحدودة ( السيدا، جنون البقر ، أنفلونزا الطيور و الخنازير و غيرها ...) إن هم حادوا قليلا أو كثيرا عن ﴿الصراط المستقيم ﴾المعبد لهم للسير فيه منذ الأزل، و قد فصلت لهم معالمه تفصيلا بينا في كل الكتب الإلاهية التي لم تطلها يد التحريف أو التأويل أو التشويه.. و قد عمل كل الأنبياء عليهم السلام على تذكير أقوامهم – و ليس تعليم - بمختلف معالم هذا ﴿الصراط المستقيم﴾ منذ نوح عليه السلام و انتهاء بمحمد صلى الله عليه و سلم .
إن الزيغ عن قوانين الله الأزلية و سننه الفطرية التي فطر الناس عليها يعني حتمية نيلهم الخزي و الشقاء في الدنيا و خلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين .
فالله عز وجل قد أبان للإنسان المنهج الحق والشريعة الحق التي لا يصلح غيرها لتنظيم حياة الإنسان في أدق تفاصيلها و جزئياتها (النكاح ، الممارسة السليمة للجنس ، الرضاعة ، تقسيم الإرث بنسب مدققة ...) منذ خلق آدم عليه السلام ، لذلك نجده عز وجل يخاطب عبده آدم عليه السلام قائلا: ﴿إهبطوا منها جميعا – الجنة بسبب المعصية التي ارتكبها آدم و إبليس- فمن تبع هداي(الطريق المستقيم الذي عبده الله لبني آدم) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و الذين كفروا وكذبوا بآياتنا (حادوا قليلا أو كثيرا عن شرع الله) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾(سورة البقرة الآيتين 38 و39 ). كما نجد الله عز وجل يذكر المسلمين دائما بأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكل الكتب الإلاهية السابقة له:﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾(سورة الأعلى الآيتين 18و19) وعندما يخاطب الله بني إسرائيل يقول لهم :﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون﴾ (سورة البقرة الآيتين 40 و41). كما أن عقيدة المؤمن مبنية أساسا على الإيمان بالله وجميع كتبه ورسله... يقول الله عز وجل : ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (سورة البقرة الآية 285 ). وعندما يأمر الله عز وجل المؤمنين بصيام شهر رمضان يذكرهم بأن فريضة الصيام قد فرضت على المؤمنين من أتباع الرسل السابقين أيضا : يقول الله تبارك وتعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾(سورة البقرة الآية 183). وكثيرا ما ذكر القرآن المؤمنين أنه يريد أن يهديهم ﴿سنن الذين من قبلهم = القوانين التي خضع لها الأنبياء و أتباعهم من قبل ﴾ من عباد الله الصالحين .. والحاصل أن شريعة الله مكتملة منذ خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وقرر أن يجعله خليفة في الأرض و ليس كما يزعم المبطلون من قومنا = "وثنيو العصر الحديث "، فأوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان، وكانت المهمة الأساسية لرسل الله عليهم السلام تذكير أقوامهم بها ليسير على هديها من شاء، ويكفر بها من شاء، والمتبعون لها يسميهم الله : « المؤمنون والمهتدون وأولو الألباب وأولو العلم...» وغير المتبعين لتعاليم الله يسميهم الله بـ :« المشركين والكفار والمنافقين والعصاة والظالمين والذين لا يعقلون والجاهلين لافتقادهم إلى بديهيات العقل السليم .. كما يشبههم الله عز وجل بالأنعام﴿ بل هم أضل﴾... وبالتالي لم يترك الله إمكانية للإجتهاد البشري في الدين و التشريع على عكس ما يعتقد الإسلاميون ، ولو كان هذا المجتهد نبيا أو رسولا. فالتشريع و تحديد المعايير للسلوك البشري .. قد اختص الله به دون سائر البشر، وكل ما يحتاجه المؤمن في حياته الدنيا قد فصل الله فيه القول تفصيلا..! وقد أعلمنا الله عز وجل أنه :﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ و﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾. وهذا الإخبار القرآني باكتمال شريعة الله وتفصيل كل دقائقها ينزع عن المجتهدين في الدين و الفقهاء الإسلاميين أي مشروعية، بل إن الله يعتبر أن أتباع هؤلاء المجتهدين في الدين قد : ﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم﴾ كما فعل اليهود والنصارى من قبل، وبالتالي فان المجتهدين في الدين و المشرعين باسم الإجتهاد وأتباعهم هم كفار ومشركون في المفهوم القرآني / الرباني !؟ فالمؤمن بالله حق الإيمان المقتنع بربوبية الله عز وجل لا يحتاج لانتهاج السلوك القويم إلاّ لكتاب الله الذي أنزل( الكتاب و الميزان﴾ آيات بينات/ بصائر إلاهية استطاع محمد صلى الله عليه وسلم - قدوة جميع المؤمنين- وأنصاره من الأميين المؤمنين فهمها واستيعابها بحسب معطيات عصرهم الحضارية لأنها آيات بينات، وإقامة دولة إسلامية قوية على أساسها .. أوصلت تعاليم الله و شريعته و معاييره و قرآنه إلى أقاصي الأرض.! و منها بلادنا بلاد عقبة بن نافع و طارق بن زياد وليست بلاد المتاجرين بالدين و السياسة المقيمين في نزل خمسة نجوم في بلاد العدو .
كما أن حدود الله وشريعته مطبقة تطبيقا غاية في الدقة لا يدركها الجاهلون بنواميس الكون ،عميان البصيرة ، مطلقا ، في تونس وفي العالم كله منذ خلق الإنسان: "عصيان آدم لله في الجنة أنزله إلى دنيا التعب والكدح والشقاء، عصيان الله في الدنيا ينتج عنه حتما : المعيشة الضنك والتعب النفسي والبدني كلّ حسب جريمته وظلمه وجهله بقوانين الله الأزلية في الكون و الحياة و هذا ما تعيشه كل السلطات المعرضة عن قوانين الله في العالم اليوم معارضة و أحزابا حاكمة لأنها دول و شعوب لا تحتكم إلى ما أنزل الله في كتابه العزيز من قوانين لا يحيد عنها إلا جاهل أو مريد للإنتحار المادي و المعنوي ... = قاتل نفس بغير حق "يُقْتل" ولو بعد حين : "فرعون وجنده لما همّوا بقتل موسى ومن معه ظلما و عدوانا ، أغرقوا جميعا ... الشيخ ياسين لما شجع على قتل الأبرياء قُُّتِل... ألزرقاوي و غيره ممن يقتلون الأبرياء من خلق الله، يقتلون أو يعيشون معذبين إلى أن تأخذهم المنية و يردون إلى أشد العذاب الأخروي و هذا قانون إلهي أزلي مطبق في الدنيا و سيطبق يوم يقوم الناس لرب العالمين على جميع الخلق.../ يوسف عليه السلام لما "همَّ" بامرأة العزيز سجن بضع سنين .. "اللصوص قطعت أيديهم في جميع "دول التوحيد" و في الدولة الإسلامية، أو شلت أبدانهم في كل زمان ومكان أو ماتوا بأمراض مزمنة في قلوبهم وأدمغتهم... وانتابتهم شتى الأمراض المزمنة و المهلكة : "شارون"... "ياسر عرفات"... إلخ . لأن القانون الإلاهي يفرض على جميع الخلق : " و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " و" كل نفس بما كسبت رهينة" صدق الله العظيم أي " كل شاة معلقة من كراعيها كما جاء في لغتنا العامية .
لقد عبرت المعارضة دائما عن تخوفها "من فكرة وجود حزب ديني سياسي" في تونس ودعت إلى "ضرورة التمييز بين حزب ديني سياسي وحزب سياسي ديني ورفض الخلط بين الوظيفة الدينية والوظيفة السياسية"!!؟ و هذا القول يحمل بين طياته منتهى البلاهة و الجهل و التخبط في الظلامية و العمى الفكري و الحضاري ، لأن الإسلام ما جاء و القرآن ما تنزل على محمد صلى الله عليه و سلم إلا ليحيا به الناس في أدق تفاصيل حياتهم ... و ما الدولة التي بناها محمد صلى الله عليه و سلم بالمدينة المنورة بعد ثلاثة عشرة سنة من الدعوة للتوحيد ،إلا برهانا ساطعا على أن الإسلام ما جاء إلا ليحيى به الناس ، دون الإرتهان لتجارب الآباء أو الأقدمون بدعوى" المحافظة على التراث " و التخلف %
الإعلام العربي
وتكريس واقع التخلف ؟!
لشدّ ما تقلقني تلك التحاليل التي ترجع كل مآسينا الحضارية كالقهر والتسلط وهيمنة الخطاب الواحد على وسائل إعلامنا إلى عنصر واحد أو فرد واحد ألا وهو القائد أو الزعيم/ الصنم المعبود.؟
وسبب قلقي أن مثل هذه التحاليل من شأنها أن تغطي على مواطن الخلل في مجتمعنا ولا تعالجها بكيفية ناجعة، لآن شرط العلاج الصحيح هو التشخيص السليم والشامل لأسباب الخلل، إذ لا يعقل مثلا الزعم بأن التخلف الذي يهيمن على وسائل الإتصال عندنا مرده الولاء لقائد سياسي أو لنظام حُكم معين، فالقائد السياسي لا يزيد عن كونه يمثل رمزا لقوى اقتصادية واجتماعية وسياسية تختفي وراءه هذه القوى حتى لا يطالها النقد والتجريح و يفتضح أمرها. لذلك فهي في سعي دائب لتكريس واقع التخلف و النهب و الظلم باحتكارها لوسائل الإتصال الجماهيرية، حتى لا توظف هذه الوسائل في توعية أفراد الأمة بحقوقهم في الإنتفاع بثروات الوطن، ومشاركة هذه الشرذمة في الثروات والخيرات التي اغتصبوها ظلما وعدوانا من عرق جبين الأمة و حقوقها المسلوبة . وخير وسيلة تتبعها هذه الشرذمة المستبدة بكل حظوظ الوطن ، تتمثل في صناعة "صنم بشري"Ÿ تضعه في الواجهة لتحقيق مآربها و الحفاظ على مصالحها، وتحيك حوله الأساطير وتنشط في تزييف الحقائق لإقناع الناس بضرورة الصبر و الخضوع لصروف الدهر لأن القائد الأوحد/ الصنم المعبود، بصدد حل جميع مشكلاتهم، وهكذا يخلقون الأمل الزائف تلو الأمل ليبقى الناس يتضورون جوعا وفقرا وبطالة وقهرا ومرضا .. صابرين، واهمين ، وهم في شوق ليوم قادم لن يأتي أبدا.
إن هذه القوى المحتكرة لثروات الأمة و المشرفة على كل حظوظها الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية .. لا يمكنها أن تعيش و تستكرش و تتمدد جذورها ، إلا في ظل واقع مريض و مستنقع انتشرت فيه كل أنواع الجراثيم الفتاكة،و سترت عورته الميوعة و الإنحراف ولفه الإستحمار الفكري و الديني لفا ... مما يوفر لها أسباب الإستمرار و التمدد في احتكار الثروة والمسؤولية . والشرط الأساسي لاستمرار هذا المرض العضال و الإستبداد المقيت الجاثم على قلب الوطن، يتمثل في احتكار وسائل الإتصال الجماهيرية لأن انفلات هذه الوسائل من أيدي هؤلاء المحتكرين/ المجرمين يعني بروز رجال صادقين ينصحون الأمة ويكشفون لها الزيف والنفاق ويحاربون الظلم و الإحتكار وهذا من شأنه أن يفقد هؤلاء الأوغاد هيبتهم المصطنعة وثروتهم التي بنوها على جماجم الفقراء والمضطهدين و المستضعفين من الرجال و الولدان و النساء.%
مفارقات عجيبة!! ؟
واعجبي من أمة أنزل عليها القرآن لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهي لا تزال تعيش في ليل حالك الظلمة منذ قرون و لا تدري!
واعجبي من حركات و حكومات " إسلامية " تنادي بالديمقراطية الغربية و تتبنى نظم وضعية لائكية ظالمة و لا تنادي بتطبيق قوانين الله المفصلة في الذكر الحكيم !! ؟
إن المرء ليعجب و إن النفس لتحنق من تلك الدول و الحكومات و الحركات الإسلامية التي تزعم أنها تنتهج منهجا ربانيا في كل تحركاتها و تعاملها مع الأحداث المختلفة ، و واقعها يشي بمخالفات جسيمة و تجاوزات رهيبة لكل مبادئ الإسلام و ثوابته و بصائره التي لا تخطئها العين أبدا :
إنها تنادي بالديمقراطية علنا و تعتمدها منهجا لحل المعضلات و تفخر بذلك و تزايد و تقدم التضحيات الجسام و" الشهداء الأبرار" لتعلن في النهاية أنها لا تزال تتمسك بمبادئ الديمقراطية و جبروتها و لن تتخلى عنها مهما أصابها من عنت لاعتقادها الجازم بأنها المخرج الوحيد و الطريق الأمثل لتحقيق طموحات المسلمين و تطبيق شريعة الإسلام !! ؟
و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : كيف يجمع هؤلاء الخونة لله و لرسوله ، بين متناقضات ، بين منهج رباني فطري قد فطر الناس عليه منذ خلقهم الأول ، منهج رباني يدرك إدراكا تاما و مطلقا حقيقة الإنسان و الكون و الحياة ، فأنزل من الثوابت ما يلاءم حياة الإنسان و يفي له بكل أشواقه الروحية و المادية و يلبي جميع حاجياته الظاهرة و الباطنة ، و بين منهج إنساني نسبي لا يزال يتخبط خبطا عشوائيا في ظلمات بعضها فوق بعض و يتسبب في مآسي إنسانية لا تحصى و لا تعد ، و قد عجز عجزا تاما و مزمنا حتى عن تلبية أشواق الإنسان الغربي الذي قد انحرف عن فطرة الله منذ أمد بعيد ، فما بالك بأشواق الإنسان المسلم الذي تفتحت عيناه على نور الله و هدايته !! ؟ لقد عجزت الديمقراطيات المختلفة عن إيجاد سلم بين أبناء الوطن الواحد وهي لا تزال تتسبب يوميا في سفك الدماء بغير حق، و انتهاك الحقوق و سحق الإنسان أينما كان، و تشريد الأطفال و النساء و المتاجرة بأعراضهن في أسواق النخاسة... فكيف تصبح هذه الديمقراطية العمياء بديلا عن منهج رباني يرى أن قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعا !! ؟ منهج يرفض رفضا قاطعا أن يكون أي فرد فيه عاطلا و غير مسئول في بلده و حمل الأمانة التي كلفه ربه بحملها ، لأن العطالة في مفهوم الإسلام تعني الموت ، يقول الرسول الأكرم : (كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ) ، بينما أقصى ما تطمح إليه الديمقراطية الغربية أن تخلق صنفين من الناس : سادة و عبيد، سادة يتحكمون في مصائر الناس و يتولون مختلف المسئوليات و عبيد يصوتون لفائدة هذا أو ذاك ، ليحالوا بعد ذلك على التقاعد و العطالة التاريخية !! ؟ و هذه العطالة ليست بسبب نقص في مداركهم العقلية أو بسبب مرض في أبدانهم ، و لكنها بسبب نقص المال في جيوبهم !! ؟
إني لأعجب كل العجب من مسلمين يسمعون آيات الله تتلى عليم آناء الليل و أطراف النهار تأمرهم بالخضوع لشرع الله و الحكم فيما بينهم بما أنزل الله في القرآن ، و تكفر بألفاظ واضحة كل من لا يحتكم لشرع الله ، ثم لا يجدون غضاضة في الإنتماء لأحزاب و حكومات علمانية لائكية لا تعترف أصلا بالشريعة الإسلامية ، ثم يمنون النفس برضا الله عنهم يوم يقوم الناس لرب العالمين !! ؟
حياة أنعام!؟
يمكن بسهولة أن نلاحظ أن جل ما صار ينجز في وطننا العربي يصب في اتجاه واحد، ألا وهو تهيئة الناس في وطني وتشكيلهم ماديا وفكريا و ذوقيا لخدمة الإنسان الغربي وضمان رفاهيته ومتعته، فلا الأرض بقيت أرضنا ولا الثروات عادت إلينا منافعها ، ولا الإنسان تحرر ليكون سيد نفسه دون وصاية، "فهم السادة ونحن العبيد و الخدم فوق أرضنا"، ورضاهم عنّا غاية ما نطمح إليه ونطلبه : شواطئنا ننظفها ونتعهدها ليرضى عنا السائح الغربي، خيراتنا ننتقيها ونقطفها لترسل إلى بلاد الغرب، وأماكن إقامته، بناتنا، نساؤنا نعريهن، نبيعهن في سوق النخاسة ، حتى صرن كاسيات عاريات، مشاغبات لمواكبة تقليعات السيدة الغربية، مشاريعنا ، قناطرنا ننجزها حتى نكون أهلا لمشاركة السيد الغربي فتات موائده و نيسر له طرق استغلال ثروات بلادنا، أينما وليت وجهك لمحت سعيا لإرضاء الغرب أو مشاركته أو (الدعوة الفارغة من المضمون) للحاق بركبه الحضاري والعلمي، فقدنا كل شيء ولم نملك أي شيء! ؟
ومنذ خروج المستعمر الغربي من ديارنا عملت بعض القوى الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية و الدينية التي خلفته على إذلال المواطن العربي وإخضاعه وتهيئته لتقبل النهب والإستغلال برضا تام لأن كل ما يصيبه " هو قضاء من السماء و ليس له إلا الصبر و الرضا"!؟ وقد استطاعت هذه القوى الدينية و السياسية و الإقتصادية المجرمة... جمع ثروات طائلة بفضل ما نهبته وسرقته من عرق جبين العمال العرب ظلما واعتسافا، ونتيجة لما يلقونه من حماية من حماة الإستبداد : ظلموا الناس وأذلوهم واغتصبوا حقوقهم وأكلوا أرزاقهم حتى تنكسر شوكة هؤلاء العمال فيكثر أنينهم وتستفحل أسقامهم، فيعجزون عن مقاومة الإستغلال والظلم المسلط عليهم .
لقد توهمنا أن خروج المستعمر الغربي من ديارنا سيمكننا من التحرر وتحقيق سيادتنا على أرضنا، فإذا الواقع يلطمنا بشدة وعنف وينزع عنا هذا الوهم!؟ إي مهزلة صرنا نعيشها في بلادنا العربية؟! الناس صاروا يكرعون من المذلة والهوان أصنافا، لا أحد راض عن حاله، الكل يشكو والكل يتألم في صمت، والكل صار يعيش ليأكل ويلبس (يأكل في القوت و يستنى في الموت)، والسعيد السعيد من صار له مرتب شهري يفي له بحاجياته اليومية، وبدون أي حرج أقدم بعض ضعاف النفوس على بيع أعز ما يملكون من عزة وكرامة ليحصلوا على كفايتهم من المأكل والملبس و تبوء المناصب الخدماتية، ولم يعد يهمهم ما ينجزونه في حياتهم في سبيل تقدم وطنهم وازدهاره و نموه، لأنهم صاروا يحسون أن الوطن لم يعد وطنهم ولا الأرض أرضهم، ولا من يحكمونهم من بني جلدتهم بل هم ألدّ أعدائهم وسبب تعاستهم.
إن أول شروط الوعي المطلوب للتحرر من كل هذا :أن يضع الإنسان العربي في حسبانه أن هذه الأرض التي يرويها بعرق جبينه هي ملك له ولكافة أبناء وطنه ولا يحق لأي كان أن يحتكر ثروات هذا الوطن العزيز – تحت أية مسميات - ، و لا يحق لأي كان أن يحتكر حب هذا الوطن الغالي ، فكلنا نشترك في حب وطننا و نعشق كل ذرة فيه ، و لكل مواطن الحق في أن يحصل على نصيب وافر من ثروات بلاده الكثيرة و المتنوعة، ولا أقل من أن يحصل على موازنة بين مجهوده في العمل وبين ما يقبضه من مقابل مادي بشرط أن يوفر له ولأسرته حياة كريمة حتى ينعم بخيرات هذا الوطن المعطاء، ويذود عنه ويحمي استقلاله إذا ما تكالب عليه الأعداء، أما أن يعيش عبدا و خادما في ركب الفراعنة طوال حياته، يتعب ويشقى و يعمل في شركات متعددة الجنسيات ما قدمت من وراء البحار إلا لنهب ثرواتنا و استغلال سواعد عمالنا وفروج بناتنا ... ثم يعاني من ويلات الحرمان والخصاصة فهذا ما لا يرضاه أحد ولا حتى العبيد، فكيف بسيد على أرضه، وأرض أجداده ومستقبل أبنائه!؟
أمة الإسلام... أمة الشهادة على الناس ؟
خلق بديع السماوات و الأرض الكون .. و ملأه بمخلوقات شتى .. و عوالم مختلفة.. متنوعة في أجناسها و متكاملة في أدوارها لحفظ نظام الكون في صيرورته .. و استخلف بني آدم لعمارة هذا الكون و صناعة الحضارة و المدنية دون سائر المخلوقات.. و أنزل الأمطار و جعل الليل و النهار خلفة لمن أراد أن يتذكر من بني آدم أو أراد شكورا .. و لقد حد بديع السماوات و الأرض حدودا وضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته .. لا تحيد عنها .. – طوعا و كرها - تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات و تضمن بها لنفسها صيرورة سالكة و طبيعية و حياة هانئة .. طيبة..
إن خروج أين من هذه الكائنات عن حدود الله و نظامه و سننه الأزلية الدقيقة في الكون الذي أبدعه بقدرته الفائقة و حكمته الأزلية يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها .. لتوازنها الحيوي و اندثارها .. أو موتها و هلاكها : فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له و اقتراب الشمس و لو قليلا من الأرض يعني حتمية احتراق الكون برمته كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته، أو تحطم السيارة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها.. كذا تضطرب حياة الإنسان و تنتابه شتى الأمراض و المهالك و تتقاذفه الوساوس إن حاد قليلا أو كثيرا عن ( الصراط المستقيم) المعبدة له منذ الأزل ، و قد فصلت له معالمها تفصيلا بينا في كل الكتب السماوية التي أوحى الله بها إلى كل أنبيائه عليهم السلام ، حتى يبلغوها إلى أقوامهم بألسنتهم عبر مختلف الأزمنة و الأمكنة التي استعمروها .. و عمروها .
إن قوانين الله و سننه في الكون و الإنسان و الحياة – إذن- هي قوانين أزلية /أبدية ثابتة خلقت مع خلق كل هذه العوالم .. و كانت مهمة كل الأنبياء عليهم السلام ، منذ أقدم العصور تقضي بأن ‹‹ يذكروا أقوامهم بحتمية الإصطباغ و السير طبقا لهذه القوانين الأزلية إذا ما أرادوا الأمن و السلام و العيش الطيب الرغيد في الدنيا و الفوز برضوان الله و جنته في الآخرة ... أما الزيغ عن هذه القوانين و السنن الفطرية التي فطر الله الناس عليها منذ خلقهم : فيعني حتمية نيلهم الخزي و الشقاء في الدنيا و خلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين. ›› .
إن قراءة متبصرة لآيات القرآن الكريم لا تلفها الأهواء و التأويلات المغرضة ... تكشف لنا عن كل القوانين و السنن التي تحكم جميع العوالم التي خلقها الله و الخاضعة طوعا أو كرها لمشيئته عز و جل لا تحيد عنها منذ الأزل .. كما تحتوي هذه الآيات - وخاصة الآيات المدنية - على كل سنن أمة الإسلام الأبدية التي قد سار على هديها الصالحون من عباد الله و الأنبياء منذ أقدم العصور ، و ملخصها : ( أعبدوا الله مالكم من الاه غيره)، والتي تكررت على ألسنة كل الأنبياء عليهم السلام . فتوحيد الله و خضوع الإنسان لشرع الله و قيمه الثابتة التي فطر الناس عليها في الأسرة و المجتمع و كل علاقات الإنسان بنفسه و بربه و بأخيه الإنسان ... كانت و لا تزال جوهر كل الرسالات السماوية .... و لذلك وهبت الأمة المستمسكة بهذه القوانين الأزلية الثابتة المفصلة في كتاب الله:"الشهادة على الناس أجمعين ".
إن تشبث أمة الإسلام بقوانين الله و سننه الأزلية الثابتة يخضع في التطبيق للنسبية التي يخضع لها سائر عمل بني آدم القابع في إطار زماني و مكاني محدودين في حياته الدنيوية .. إن خضوع المؤمن في أي عمل يكتسبه هو عمل نسبي لا شك في ذلك لأنه يتم في مكان و زمان محدودين حتما .. فما ارتآه الرسول الكريم و صحابته في الخضوع لشرع الله و تشكيل مختلف الأجهزة التنفيذية في الميادين الأمنية و العسكرية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و غيرها .... لتسيير و تيسير حياة المسلمين في إطار دولتهم الفتية آنذاك .. قد تختلف اختلافا جذريا عن تلك التي يرتئيها المسلمون في العصر الحديث لبعث "دولة الإسلام" – دولة توحيد الله - القادرة على لمّ شعث المسلمين و تفرقهم .. و توحيدهم في كيان واحد و قوي ، قادر على نصرة المسلمين و حماية مصالحهم المادية و المعنوية و كل المستضعفين في الأرض و نصرة دين الله .
إن تغير العصر و تطور أساليب الحياة فيه و تقدم منتجات الحضارة.. لا يعني مطلقا تغيير المسلمين لصراط الله المستقيم و سننه الأزلية التي فصلها الله في كتابه العزيز.. بل يعني فقط الأخذ بأسباب الحداثة المادية في الخضوع لكل هذه السنن و كيفية تطبيقها التطبيق الأمثل و الإجتهاد في تنفيذ "الأحكام القرآنية" قدر المستطاع .. إذ لا بد من الأخذ بأحدث الأساليب الأمنية و العسكرية و الجهادية والإقتصادية و غيرها لحماية كيان الدولة والأمة الإسلامية من الأعداء المتربصين ... و لا بد لاستحداث الوسائل و الآليات و الأجهزة التنفيذية المناسبة الكفيلة بتوزيع ثروات المسلمين في أرض الإسلام بأقصى درجات العدالة و الأخوة الإسلامية و مراقبة الله التي تجمع المسلمين حكاما و محكومين .. و لا بد من استغلال منتجات الحضارة المعاصرة لاستنباط كل قوانين الله المفصلة في الذكر الحكيم .. حذرين من الوقوع في استنباط قوانين متضاربة متناقضة لأن الإختلاف في "استنباط الأحكام الشرعية" برهان قوي عن زيغنا عن الطريق المستقيم الذي سطره الله في كتابه العزيز، لأن الله قد أخبرنا "أنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، كما هو شأن المدارس الفقهية الإسلامية التي تتضارب الأحكام فيما بينها و تتناقض و تختلف باختلاف المجتهدين مما يبرهن بقوة عن انحراف كل هذه المذاهب الفقهية و المدارس الإجتهادية عن الإسلام الصحيح %.
بقايا الإستعمار في ديار الإسلام
منذ انجلاء الإستعمار العسكري الغربي عن أرض العروبة والإسلام نشطت قوى الردة من بقايا هذا الإستعمار بكثافة لضرب مقومات أمتنا الإسلامية و تقزيمها وطمس هويتها الحضارية وتكريس واقع التخلف و"حياة الأنعام" لدى المواطن العربي وكل ما من شأنه أن يؤبد تبعيتنا الحضارية واستكانتنا للعبودية و الإستغلال و التخلف ، ومن ثمة يسهل إلحاق هذه الأمة العظيمة ذليلة محطمة بمصاصي دماء الشعوب.! وقد تنوعت أنشطة هذه القوى السياسية و الدينية و الإقتصادية و الثقافية و تكاثفت في العشرية الأخيرة !؟ حتى شملت كافة الميادين المؤثرة تقريبا، وسأكتفي بذكر بعض النماذج من التخريب الذي أحدثته قوى الردة و التغريب في تونس الخضراء ، بلاد عقبة بن نافع و طارق بن زياد .
ففي ميدان الشاشة الصغيرة نجد عديد المسلسلات التي تكرس العقلية الخرافية لدى المواطن العربي التونسي وتقترح عليه حلولا وهمية للمشكلات الكثيرة التي يعاني منها كمشكلة الفقر والبطالة ، فتحلها له هذه المسلسلات بالعثور المفاجئ على كنز مدفون، أو أن يمن عليه الملك/ الإله ، بثروة تقلب حياته رأسا على عقب، أو يزوجه ابنته الوحيدة فيصبح ذلك الفقير المعدم وزيرا يتكلم فيطاع!!؟ وجماع هذه المسلسلات نجدها في حكايات "عبد العزيز العروي" الذي لا تزال حكاياته المسجلة إذاعيا و تلفزيا ، تبث ويعاد بثها المرات العديدة منذ حصول تونس على "استقلالها" وإلى اليوم .
ولمحاربة فكرة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" المتأصلة في ديننا الإسلامي ، نجد مسلسلات يعاد بثها باستمرار حتى ترسخ في وعي المواطن، من قبيل "مسلسل الحاج كلوف" تنفر الناس من التدخل في شؤون أفراد المجتمع وتصور الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر "بهلوانيا" لا يجلب سوى الإشمئزاز أو الضحكة، وقد صارت المقولة السائدة عندنا في تونس "الحاج كلوف يستأهل عشرة كفوف" (أي عشرة صفعات).
وفي السنوات الأخيرة لم يعد هم السينما التونسية التي تدعمها وزارة الثقافة و المحافظة على التراث بالمليارات من مليماتنا ، سوى محاربة القيم العربية الأصيلة، و رسم ملامح حضارية لا تمت لقيمنا الإسلامية بصلة فيصبح المجتمع في شريط "عصفور السطح" لفريد بوغدير لا يعرف أفراده سوى الجري وراء تلبية غرائزهم الجنسية الملتهبة بكل السبل ، وتتحول المرأة إلى جسد عار لا يعرف الإحتشام إليها سبيلا، بل وتصبح الفتاة التونسية في شريط "صيف حلق الوادي" تلهث وراء من يَفتض لها بكارتها ، متحدية جميع القيم المجتمعية السامقة ، ولا يهمها من يكون خدينها يهوديا أو نصرانيا أو "مسلما"!؟ ويتحرر المجتمع من كل ثوابته وقيمه فيغلب على الأفراد شرب الخمرة والتسكع في الشوارع ومراودة الفتيات واختلاط الحابل بالنابل في مناسبات الفرح ، واتخاذ العشاق وبيع الذمم وتفضيل معاشرة الأسر اليهودية والمسيحية و التماهي كلية مع تقاليد المجتمع الغربي والولاء لكل ماهو غربي وكل ذلك رمز على تقدم الوطن وتحرره! " لأن التحرر الجنسي هو بداية لتحرير المجتمع !؟
أما مهمة الثقافة في بلادنا فقد صارت " المحافظة على التراث " !!؟ و ياله من تراث ؟ التراث : هو لباس تقليدي يحول التونسي و التونسية إلى موضوع فرجة و "كركوز" في خدمة السياحة ... !!؟ أما المشاريع الهامة فتسمى بأسماء ذات مرجعية وثنية قديمة : من قبيل قرطاج و عليسة و حنبعل ...! لفك الإرتباط النفسي و الفكري بين أمتنا الإسلامية و مجتمعنا التونسي ذو المرجعية العربية الإسلامية ، وقد ارتفعت في مجال العمران – النزل السياحية والبنوك عاليا في سماء مدننا وقرانا لتأخذ بذلك مكان الصومعة والمسجد ( المغلق كامل اليوم إلا خلال توقيت أداء فريضة الصلاة !؟) و المؤسسات العلمية، وكل ذلك من شأنه أن يعطي انطباعا عاما بأن الرفعة والولاء قد تحول من الولاء لله ولدينه ولقرآنه و للأمة الإسلامية ، ليصبح الولاء "للدينار وللغرب"!؟ وقد صارت البيوت والمنازل مكشوفة، وتبنى بطريقة لا يراعى فيها الحياء ولا أسرار الناس وبيوتهم ولا كون المرأة عرضا يجب أن يحفظ ويصان كما أمر رب العزة .
أما اللغة الفصحى فهناك من أصبح يتمعش بمحاربتها ويزعم أن اللهجة الدارجة المحلية أفضل وأنجع من لغة القرآن، اللغة التي كتب بها الجاحظ والمعري وابن سينا وابن خلدون ... وغيرهم من جهابذة الحضارة الإسلامية، ولسان حاله يقول بفجاجة: "من أراد التقدم والرقي واللحاق بركب الحضارة الغربية فلا يتكلم العربية الفصحى!" وقد صدرت حتى الآن – على حد علمي- صحيفتان أسبوعيتان ناطقتان كليا أو جزئيا باللهجة الدارجة وهما "الصريح" و"الأخبار" وقد صرح رئيس تحرير "الأخبار" نجيب الخويلدي ( أصبح يعمل مع أسبوعية أخبار الجمهورية المروجة للعرافة و العرافين و الدراويش و محاربة كل نفس إسلامي ) منذ مدة على الفضائية (تونس7) بأن اللغة الفصحى قد صارت في العصر الحديث عاجزة عن التعبير عن كل مشاغل الإنسان! وهنا يتبادر إلى الذهن، أي علم سنكتبه بلهجات تفتقد إلى المصطلحات العلمية والأدبية التي تشتمل عليها اللغة الفصحى بالإضافة إلى اختلاف هذه اللهجات من بلد إلى آخر، كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه وأجيال أبنائه!! لقد استنبطت الشعوب هذه اللهجات الدارجة لتيسير التعامل اليومي فيما بين أفرادها وقضاء الحاجات اليومية البسيطة فكيف نسمح باتخاذها بديلا عن اللغة الفصحى للتعبير عن حضارتنا وإبداعاتنا وابتكاراتنا؟! وإني أتحدى كل من تحدثه نفسه باتخاذ اللهجات الدارجة بديلا عن لغتنا القومية ، أن يكتب مقالا بلهجة دارجة عن نظرية ابن خلدون مثلا في علم العمران البشري أو ابن سينا والرازي في الطب أو غيرهما من النظريات العلمية أو الأدبية!
أما مهرجاناتنا فقد صارت مناسبات لممارسة العهر السياسي و الثقافي و الفني و ضرب كل القيم النبيلة النابعة من قيم ديننا الإسلامي الحنيف و الترويج للذوق السمج و دعم العهر و الميوعة ماديا و إعلاميا باسم التفتح على الثقافات العالمية .
هذا بعض ما فعلته قوى الردة و التغريب في تونسنا العزيزة ولا تزال تخطط وتجتهد وتتحرك في كل المجالات الثقافية والتعليمية والسياسية و الدينية لتكريس واقع جديد يقضي على ما تبقى من هوية هذه الأمة العربية المسلمة، لتقضي بذلك على أي أمل يمكن أن يراود هذه الأمة العظيمة للنهوض مرة أخرى من كبوتها والتحرر من براثن الإستعمار و الإستبداد والتخلف و التبعية الحضارية المهينة % .
أنظمة حكم فاسدة ؟
لعل أبرز انجازات حرب غزة الأخيرة أنها كشفت – بما لا يدع مجالا للشك - سبب تخلف وانحطاط أمتنا العربية و الإسلامية : "خير أمة أخرجت للناس" في العصر الحديث، فهذه الأمة العظيمة قد ابتلاها الله بأنظمة حكم فاسدة جعلت همها الرئيس تكبيل أفراد الأمة ومنعهم من إنجاز أي عمل حضاري من شأنه أن يعيد للأمة القوة والإزدهار، حتى تتمكن من أداء المهمة المناطة بعهدتها... وهي : (الشهادة على الناس وقيادة مسيرة الشعوب نحو التآخي والتعارف والرحمة و الحياة الحقة ) ، تبعا لقوله تعالى: "و كذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس .." وقوله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه و سلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "...
لقد برهنت الأنظمة الحاكمة لبلاد العرب والمسلمين أنها وريثة للإستعمار الغربي .. وأن الغرب الإستعماري قد بوأها مكانته إبان استعماره المباشر لديارنا، حتى تنجز المهمة التي من أجلها استعمر ديارنا .. والمتمثلة أساسا في نهب ثرواتنا والخيرات التي رزقنا الله بها في أرض الإسلام .. وتكبيل القوى الحية للمجتمع لإدامة تخلفنا وتبعيتنا المهينة للمستعمر الغربي حتى يواصل هيمنته علينا سياسيا و حضاريا و عسكريا... وبذلك تتحقق مقولة "السيادة والعبودية" التي يؤمن بها فلاسفة الغرب منذ عهد اليونان .. ! فهم "السادة" ونحن "العبيد" و " الخدم " كأننا ما خلقنا إلا لتحقيق سيادة الرجل الغربي على شعوب العالم والسهر على رفاهيته.. وهكذا تصبح رفاهية الغرب الإستعماري لا تتحقق إلا بفقرنا نحن وفقرنا هو وليد رفاهية الغرب الناهب لثرواتنا و المهيمن على قادتنا أعانهم الله...؟!
لقد مثلت الحركة الإسلامية الفلسطينية طلائع هذه الأمة المجاهدة .. فكان لابد من "تأديبها" بل تصفيتها.. فأوكلت هذه المهمة القذرة لقاعدة الإستعمار الأولى المتمثلة في الكيان الصهيوني اللقيط ، بمساعدة أنظمة لقيطة ، منصبة تنصيبا من قبل أجهزة المخابرات الغربية ، لا دخل للشعوب بها و لا بعمالتها و إجرامها في حق القوى الحية ببلداننا . !!
إن المساندة القذرة للصهيونية المقيتة في محاصرة الشعب الفلسطيني قد جاءت من قبل نُظُمٌ قطرية متخلفة أغلقت الحدود أمام شرفاء الأمة والتنكيل بكل من سوّلت له نفسه دعم طلائع هذه الأمة المجاهدة و المتمثلة في الحركة الإسلامية الفلسطينية المجاهدة.
فالغرب الإستعماري تفتقت ذهنيته الإجرامية إبان استعماره لديارنا على زرع غدّة سرطانية في قلب الأمة وأمدها بالمال والسلاح وكافة أنواع الدّعم و الحياة ...! وساند و دعم لتولي الحكم و المسؤولية في ديار الإسلام مجموعة أشربت ثقافته وفلسفته للكون و الإنسان والحياة، تولت الحكم وتسيير بقية أعضاء هذه الأمة ... مما حكم على جسد الأمة بالمرض والهزال والتخلف..! ؟
لذلك لا يمكن الحديث عن زوال هذه الغدة السرطانية ، وهي الكيان الصهيوني اللقيط المنغرس في قلب أمتنا ،إلا بزوال أنظمة قطرية لقيطة ، فاسدة لا ترى مانعا من التوحد إلى حد التماهي مع هذه الغدة السرطانية ، وهي أولى الخطوات لتحرير أمتنا من براثن التخلف والإستعمار والنهب وعودة أمتنا الإسلامية الواحدة للفعل الحضاري وقيادة الشعوب لما فيه خيري الدنيا والآخرة ورحمة الله .
مصطلحات مضللة
درجت جل صحفنا ومجلاتنا الوطنية والقومية على استعمال مصطلحات غريبة، منبتة عن قيمنا الحضارية، تؤذي الذوق العام وتساهم في تكريس مفاهيم يبتهج لسماعها العدو و تثلج صدره وتعينه على تعميق الهوة التي صارت سحيقة بين مفاهيمنا وقيمنا الحضارية و معاييرنا الإسلامية ، وبين ما يظهر من استعمالات اصطلاحية في المراسلات والتحاليل السياسية خاصة. والخطورة تكمن في أن هذه المصطلحات وقع تبنيها من قبل صحف ومجلات جديرة بكل احترام، والتي أصبحت تعكس بحق ما يختلج في صدور أبناء هذه الأمة العظيمة، وسأضرب لذلك أمثلة وقع استعمالها مرات عدّة في صحيفة القدس العربي.
"عملية انتحارية" تعبير تستعمله كل صحفنا تقريبا إثر كل عملية استشهادية يقوم بها أبناء الحركة الإسلامية في فلسطين، واستعمال هذا المفهوم يكشف عن غياب مفهوم الإسلام الذي يحرم الإنتحار وقتل النفس ويعتبره من الكبائر التي تحرم على مرتكبه دخول الجنة، أما الشهادة أو الاستشهاد – فهو من أكبر القربات إلى الله عز وجل ،لأنه يأتي استجابة لأوامر الله بالقتال في سبيله ويضحى بالنفس و المال و الأهل لإعلاء كلمة الله ونصرة الحق وكل القضايا العادلة و إعلاء كلمة الله و التمكين لشريعته العادلة في الأرض ، ومن استشهد في سبيل الله لإخراج العدو من أرض مغتصبة ونصرة المستضعفين من الرجال و الولدان و النساء ... في الأرض من الظلم المسلط عليهم فهو حي لا يموت بفعل حضوره الدّائم في الذاكرة الجماعية وتحفيزه لقوى الأمة على مزيد التضحية والنضال و الجهاد من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة.
"التطرف، الإرهاب، متشددين.." هذه تسميات تطلق على جميع الإسلاميين في العالم مهما اختلفت مفاهيمهم و طرق عملهم وأساليبهم، ولا أعرف ماهو مرجعنا في هذه التسميات؟ هل هي مبادئ الإسلام وقيمه و معاييره أو مبادئ الغرب وضلالاته! فالله قد خص هذه الأمة الإسلامية لتكون هي الشاهدة على الناس بحكم ما تملكه من قرآن كريم يحتوي على كل المعايير الفطرية للسلوك البشري ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) مما يكسب هذه الأمة القدرة على معرفة الحق من الباطل والغث من السمين ، والفصل في القضايا الخلافية، فالأمة الإسلامية هي أمة وسط أي أمة العدل و القسطاس المستقيم ، إذا التزمت بتطبيق الإسلام و شريعته العادلة، عادلة لا تبخس حقوق الآخرين أبدا .
وها نحن ندرك اليوم الظلم والطغيان والقهر المسلط على جميع شعوب الأرض – بما فيها شعوب الغرب نفسه - في ظل هيمنة مقاييس الغرب وقيمه و معاييره الخاطئة و الظالمة و المنحرفة عن سواء السبيل!.. فهل يعقل بعد ذلك أن نعتمد مقاييس هذا الغرب في إطلاق تسميات غير محايدة بل متفجرة وتحمل طابع مفاهيم الغرب وتصنيفاته الظالمة!
بقي أن ألاحظ شيئا هاما جدا يخص تحليل الخبر وهو ما أسميه بـ " المكيافيلية " في التحليل السياسي، كأن نعتبر مثلا إعلان دولة عربية عن عدم حضورها "قمة ما" عملا قوميا جليلا متناسين حقائق هذه الدولة التاريخية وعمالتها للصهيونية والإمبريالية الأمريكية بشكل مؤكد و دائم، فكيف نسمح لأنفسنا بإقناع القراء – الذين هم مسؤولية في رقابنا - أن مجرد الإعلان عن عدم الحضور للقمة يمثل حدثا بارزا يحسب لهذه الدولة أو تلك مما يوقعنا في التناقض والتحاليل القاصرة لنفاجأ بعد حين أن هذا الإعلان ماهو إلا مجرد تكتيك سياسي وليس حقيقة قابلة للتطبيق! إن تاريخ الأفراد والدول له أهمية قصوى في تحديد صدق توجهاتهم المستقبلية . فقراءتنا لتاريخ الصهيونية والأسلوب الذي اتبعته لاغتصاب فلسطين من أهلها ، يجنبنا الوقوع في أحابيلها وإضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه : كأن نصدّق إمكانية إرجاعها الحقوق إلى أصحابها دون قتال كبير وجهاد متواصل!! و محاربتها الند للند أي مقارعتها بدولة تملك من الإمكانات أكثر مما تملك ماديا و معنويا ، فالمجرم يبقى مجرما حتى وإن لبس زي النساك والمتنسكين%
ردا على الدكتور محمد عمارة :
إِنَهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارَ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوب !
سئل الدكتور محمد عمارة من قبل إحدى المجلات الأدبية الأسئلة التالية و سنعتمد إجاباته على أسئلة هذه المجلة منطلقا لردنا على أطروحاته في تفكيك المجتمع العربي الإسلامي .
- يتحدث البعض عن موت الأمة الإسلامية، ترى ما مفهوم الأمة .. وما مقومات وجودها ؟
يحدد الدكتور محمد عمارة مفهوم "الأمة" فيقول:"المسلمون أمة بمعنى جماعة .. تربطها وتجمع بينها وتوحدها عقيدة واحدة، وشريعة واحدة، حضارة واحدة .. وهناك عنصر آخر هو دار الإسلام أو الوطن، هذه ثلاثة جوامع .. على أساسها تكونت أمة إسلامية، وهي لا تزال موجودة إلى الآن بكل مكوناتها ومظاهرها منذ أن كونها الإسلام...!!؟
يلاحظ بادئ ذي بدء أن هناك خلطا فضيعا في ذهن الدكتور محمد عمارة بين مفهوم الأمة ومقوماتها وبين حضارة الأمة وإبداعاتها، فالإسلام بما هو "دين الله وشريعته" قد دعا على لسان كل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام إلى عبادة الله وحده دون شريك وإفراده بالطاعة والخضوع :"اعُبُدُوا الله مَا لَكُم مِنْ إِلاَهً غَيْرَهُ" وقد لبث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (13) سنة كاملة يدعو قومه إلى وحدانية الله وإفراده بالربوبية والطاعة وكانت المحصلة (86) سورة مكية لغرس عقيدة التوحيد في نفوس المؤمنين بالله حتى إذا ما تم له ذلك كوّن عليه السلام "أمة إسلامية" بالمدينة يتبع أفرادها الشريعة الإسلامية في علاقات بعضهم ببعض في جميع ميادين الحياة حتى كانت المحصلة (28) سورة مدنية محدّدة وضابطة لشريعة "الأمة الإسلامية" وبذلك يكون مفهوم الأمة في الإسلام يعني:"مؤمنون بالله ربا وخالقا وهاديا ومشرعا واحدا لا شريك له، تصطبغ كل مفاهيمهم عن الكون والإنسان والحياة بصبغة مفاهيم القرآن المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم".
فالأمة الإسلامية كائن حيّ فاعل ومنتج يشبه إلى حدّ بعيد الشجرة المباركة الطيبة أصلها ثابت لا يتغير (وحدانية الله وربوبيته ) وفرعها في السماء (الشريعة المنبثقة عن الله وكلماته) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها (إنتاج الحضارة والمدنية) و بهذا المفهوم تكون حضارة الأمة الإسلامية هي نتاج مقوماتها الربانية الثابتة وليس جزءا من الشريعة أو العقيدة، فالعقيدة والشريعة الإسلامية قد اكتملت معالمها منذ اكتمال نزول الوحي"اليَومَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِينًا " (المائدة الآية 3) وتتلخص في "آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌَ أمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبَهُ وَرُسُلَهَ لاَ نُفَرِقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ" (البقرة الآية 285). وهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان لدى كل من أسلم وجهه للحي القيوم ، ومعلومة علما يقينيا كي "يخضع المؤمن لضوابطها ومعانيها بملء إرادته.."
أما الحضارة فهي متغيرة ومتطورة لأنّها نتاج الأمة الإسلامية و إبداعاتها عبر مختلف العصور و كل ما أبدعه بنوها في مختلف ميادين العمران البشري كالطب والجراحة والهندسة والفلاحة وعلم التاريخ والجغرافيا وتكنولوجيا الإتصال والتعليم والحرب .. كما أن الحضارة تأتي نتيجة تراكمات معرفية وتجريبية وإنسانية في مختلف ميادين الحياة والعيش وتفاعل الإنسان مع مختلف العوالم المخلوقة لله ربّ العالمين . كما أنها قاسم مشترك بين كل البشر مهما كانت أديانهم وشرائعهم.
إن من بديهيات معنى توحيد الله أن يحيا الإنسان المؤمن والأمة المسلمة في أرض الله وتنتظم حياتهم في الأسرة والمجتمع طبقا لما يرضى الله. وما يرضي الله مفصّل في كتاب الله تفصيلا بينا، والتعامي على هذه الحقيقة تحول الإنسان مهما علا شأنه ، إلى أعمى لا يبصر وأصم لا يسمع وجاهل لا يعلم من حقائق الحياة شيئا ، فيعيش الإنسان في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها وإن رآها يراها على غير حقيقتها، فتدلهم السبل أمامه وتقلب كل مفاهيم الحياة في ذهنه رأسا على عقب، ولا عجب بعد ذلك أن يرى مؤلف أكثر من 200 كتاب في فكر التجديد الإسلامي أن الأمة الإسلامية التي كونها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا تزال "إلى الآن موجودة بكل مكوناتها ومظاهرها"! ! ؟؟ واعجبي أين هي ؟ لعله يقصد مصر حليفة إسرائيل !!!؟
لقد أقام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم سلطته على أرض المدينة المنورة/ أرض أنصار الله التي آمن جل سكانها بوحدانية الله خالق الكون والإنسان والحياة.. كما آمنوا بربوبية الله للمجتمع المسلم فهو المشرع الوحيد ، وهو مدبر الأمر كله ، وهو الحاكم لا معقب لحكمه ، وقد خلع المسلمون عنهم آنذاك رداء الجاهلية عقيدة وأخلاقا وعادات ومعاملات.. وقالوا لخالقهم ومدبر أمرهم بإيمان ويقين "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرَ" وكانوا "يوفون بالنذر" و"يُؤْثِرُونَ عَلىَ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٍ" مما شكل منهم "خَيْرُ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" "تَأمُرُ بِالمَعْرُوفِ المُفَصَلِ فِي الذِكْرِ الحَكِيمِ وتنْهَى عَنْ المُنْكَرِ المذكور في القرآن ، وتؤمن بالله ربّ كل شيء الذي أمرها بالجهاد في سبيل إيصال كلماته وبصائره للناس كافة ومن ثم وراثة الأرض/كل الأرض التي وعدها الله عباده المتقين /الصالحين. فالوطن لم يشكل في أي يوم جامع من جوامع الإسلام كما يزعم الدكتور محمد عمارة وإلا لما وصلت تعاليم الإسلام مصر أو شمال إفريقيا .. أو غيرها ، فالأرض في المفهوم الإسلامي كلها لله عزّ وجلّ وهي وقف على عباده الصالحين الذين يحتكمون إلى شرع الله عزّ وجلّ في كل صغيرة وكبيرة.. والأمة الإسلامية مطالبة - إذا ما وجدت - بالجهاد والقتال في سبيل الله حتى يكون الدين كله لله وتعم شريعته ورحمته أرض الله كلها.
إن العمى الفكري وغياب البصيرة القرآنية جعل الدكتور محمد عمارة يرى "أن الاختلاف سنة من سنن الله سبحانه وتعالى" وأن الأمة الإسلامية فيها "تنوع ديني .. شرائع وملل.." وكما ألمحتُ من قبل فإن شريعة الله واحدة لا تتغير ولا تتبدل لأنها مبنية على حقائق الكون والإنسان والحياة و فطرته التي فطر الناس عليها ، والحقائق لا تتغير ولا تتبدل "أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَطِيفُ الخَبِيرُ"
لقد علّم الله آدم الأسماء كلها وحقائق الأشياء ومعانيها منذ خلقه ، وشرّع لأمة الإسلام ما وصى به كلّ الأنبياء عليهم السلام من قبل "شَرّعَ لَكُمْ مِنْ الدِينِ مَا وَصَى به نُوحًا وَالذِينَ أَوْحَينا إليكَ وَمَا وَصَيْنَا به إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أقٍيمُوا الدِيْنَ وَلاَ تتََفَرَقُوا فِيهِ"(سورة الشورى الآية 13). إن أوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير وبالتالي ليس هناك إمكانية للإجتهاد في الدين لأن الإجتهاد معناه استنباط أحكام جديدة تختلف باختلاف المجتهد و باختلاف الزمان و المكان ، كما أن الإجتهاد معناه الطعن في قول الله عزّ وجلّ "وَنَزَلْنَا عَليك الكِتًابَ تِبْيَانًا لِكُلِ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةٍ وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (سورة النحل الآية 89) وقوله عز وجل "وَمَا اخْتلَفُتُمْ فِيهِ مِنْ شَيءٍ فَحُكْمُهُ إلىَ الله" (سورة الشورى الآية10 ) . فالحلال بين والحرام بين ولا يعبد الله إلا بما شرّع ، واجتهاد الإنسان المؤمن يجب أن يقتصر على ما من شأنه أن يرتقي بنوعية حياته الإجتماعية والإقتصادية و السياسية والعلمية و غيرها... كاستنباط طرق ووسائل حديثة ومتطورة في ميدان الفلاحة والصناعة وتيسير تنقل الإنسان والمعرفة... وإحداث وسائل جديدة لطلب العلم والمعرفة... و أيجاد المؤسسات الكفيلة بتطوير الإقتصاد و الإرتقاء بالأداء السياسي و الحكم الرشيد و تجسيد عدالة الإسلام في كافة ميادين الحياة : ما سئل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) في أمر يهمّ عقيدة المسلمين وشريعتهم في الأسرة والمجتمع والحياة إلا وكانت الإجابة قاطعة من الله عزّ وجلّ : "يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ" (النساء الآية 176) "وَيَسْتَفْْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللهُُ يُفْتِيكُمْ فِيهُنَّ" (النساء 127) "قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنَ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ ولاَ أقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إَنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى والبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ" (الأنعام 50) "اتّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إلاَهَ إلاَّ هُوَ وأعْرَضْ عَنِ المُشْرِكِينَ" (الأنعام 106)، فإذا كان الأنبياء عليهم السّلام مأمورون بإتباع الوحي مع أتباعهم و الخضوع التام لشريعة الله المفصلة بالوحي وعدم أعمال العقل في أي مسالة تخصّ حياة المؤمنين لأنّ كتاب الله قد فصل القول في كلّ صغيرة وكبيرة.. فإنّ ألأوْلى بالمؤمنين عدم الاجتهاد في أي مسالة تخصّ حياة المؤمنين الإجتماعية والإقتصادية والسياسية مادام كتاب الله قد فصل فيها القول تفصيلا...
لقد كان لهذه الفكرة الخاطئة "الإجتهاد في الدين" و ظهور المدارس الفقهية ... دور أساسي في ظهور الفرق والطوائف الدينية عبر مختلف أحقاب التاريخ الإسلامي...! وقد ساهمت هذه الفكرة في تمزيق وحدة الأمة الإسلامية وتشرذمها إلى ملل ونحل متقاتلة.. متعادية مما حول "أمة الإسلام" إلى لقمة سائغة بيد "المغول والمستكبرين في الأرض و الفراعنة المتألهين" قديما وحديثا.
إن الأمة التي يدعو إليها الدكتور محمد عمارة بل يقر بأنها لا تزال موجودة منذ أن كونها الرسول الكريم (صلى الله عليه و سلم) أمة قد تبرأ منها الرسول الكريم نفسه وكل الأنبياء من قبله :"إِنَ الذِينَ فَرّقوُا دِينَهُم وَكَانُوا شِيعًا لَسْتُ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلَى اللهِ ثُّمَ ينبئهم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"(الأنبياء الآية 159) .
أخرجت معصية واحدة أبانا أدام من الجنة، فما بالك بمن يقدمون للناس مفاهيم مغايرة تماما لما قد فصّله الله في كتابه العزيز في آيات بيّنات لا يخطئ إدراكها وفهم معانيها من خلص عمله لله رب العالمين : إن مخالفة المعاني الواردة في كتاب الله قد أنتج "أُمَةٌ ميتة مزقوها إربا إربا باجتهادات ضالة عن هداية الله ، وأمة مزقوا وحدتها حتى صارت تحارب بعضها بعضا.. أمة حُرُماتها قد انتهكت من قبل أبنائها .. أمة انتهكت حرماتها من قبل مفكرين صمّ بكم عمي شرّعوا للعصبيات والقوميات.. خلعوا لباس الإسلام على حُكّام لا يحكمون بما أنزل الله .. شرّعوا للعنف والقتل بدعوى "الجهاد" شرعوا للإصطفاف وراء ظلمة لشعوبهم .. خاضعين تابعين للهيمنة الغربية.. فهل يطمع أي مسلم صادق بأن يكون مفكرا مسلما دون تقصّي مفاهيم القرآن و اتباع مفاهيمه في كل صغيرة وكبيرة خاصة وأن الله قد أخبر المؤمن أنه "مَا فَرَطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ" و"كُلَ شَيءٍ فََصَلْنَاهُ تَفْصِيلاً""وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَلْنَاهُ عَلَى عِلْمِ هُدًى وَرَحْمَةٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُوُنَ" (الأعراف الآية 52). ثوبوا إلى رشدكم أيها المتاجرون بالدين يرحمكم الله !!؟
حصوننا تتهاوى من الداخل !؟
إن المرء لتعتصره الآلام ألوانا كلما تأمل أحوال أمتنا و رأى حصوننا تتهاوى من الداخل منذ أن استبدل الغزاة و المستعمرون غزوهم العسكري لديارنا بغزو العقول ، و قد نشطوا لغزو الإنسان في عقيدته ، و في لغته ، و في نمط معيشته ، من خلال إحلال نماذج معينة من التفكير و النظر إلى الحياة و السلوك ، محل النمط السائد و النابع من روح شعبنا العربي المسلم ، ، من قيمه و تقاليده و عاداته و أخلاقه ... و لقد نجح الغزو الحضاري الغربي في زرع أبناء جلدتنا ممن يتكلمون لغتنا ، و يتبنون نظرته لحضارتنا و يحملون أفكاره و قيمه إلى حد التماهي التام معه !
من ذلك نجد مثلا أن السينما العربية ترتكز في كل الأفلام التي تنتجها على فلسفة قوامها اتخاذ الواقع المادي للحياة البشرية مصدرا وحيدا لاستنباط القيم ، و الأخلاق و الحلول التي يسير على هداها الإنسان ، لمواجهة مشكلات الحياة المختلفة ، و أبعدت تماما فكرة استلهام ثوابتنا الإسلامية و بصائرنا القرآنية و قيمنا الحضارية للإستعانة بها على حل مشكلات المجتمع الفردية و الأسرية و الجماعية، بل واستجمعت كل الحجج " الشرعية " و "الدنيوية" من قبل المفكرين و رجال الإعلام العرب لإقناعنا بمشروعية " الأسوة الغربية "، ليتخذ بذلك شرط الإزدهار الحضاري معنى التماهي مع الغرب الإستعماري الداعي إلى وجوب اعتماد التنظيمات و المؤسسات العصرية الأوربية .
من ذلك أن فيلم " المصير "للمرحوم يوسف شاهين و الذي شكل حدثا بارزا خلال بدايات عرضه ، يوحي بادئ ذي بدء بعجز اللغة العربية الفصحى عن التعبير عن رموز حضارتنا الإسلامية و أفكارها عندما أنطق المرحوم أبطال فيلمه و من بينهم ابن رشد ( نور الشريف ) باللهجة المصرية الدارجة ، مستجيبا بذلك لدعوات رموز الإستعمار مثل (ولمور) الذي ناشد الحكومة المصرية مرارا أن تمد يد المساعدة" للعامية" ، : ( لتخليص الطبقات المثقفة – حسب زعم "ولككس" – من السخرية العقلية التي دامت أربعة ألاف من السنين ): ( المرجع : تاريخ الدعوة إلى العامية ، نفوسة زكرياء ص 28 - 41- 42) . كما مضى هذا الفلم " المصير "
قدما في الإيحاء بأن هناك تعارضا تاما بين حرية البحث العلمي و بهجة الحياة، و بين ما تغرسه مفاهيم الإسلام و آيات القرآن في نفوس المسلمين من تزمت و إرهاب !! ؟ و يقترح علينا الفيلم في لقطة معبرة بين ابنة رشد و يوسف الشاب اليافع أن نتعلم أصول الحب و أحواله من هذا الأخير رمز الحضارة الغربية !؟
أما سياستنا الرعناء في مواجهة قضايا العصر فقد غيبت عنها تماما فكرة الأحوال الثابتة في ميدان السياسة الإسلامية الرشيدة التي أنزل الله في شأنها آيات بينات نبراسا للحاكم العادل و الناجح في خدمة أمته ، كوجوب الشورى ، و تشريك كل المواطنين في تحمل المسؤولية في إدارة شؤون المجتمع ، و تكوين " أمة " تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر " و تذكر بقوانين الله الفطرية في الأسرة و المجتمع ... و لو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، و الرجوع إلى كتاب الله لفض النزاعات التي تحدث بيننا حكاما و محكومين ، و نصرة المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان .. بل أصبح في عرفنا السياسي أن هؤلاء المستضعفين أولى ضحايا الصراع على السلطة ، و ضحية يسهل تقديمها كبش فداء للفوز بكراسي الحكم و المسؤولية ، مثلما حدث في فلسطين مؤخرا ، و ا لتي لا تزال تنزف و لا من مجيب ، كما أصبح الولاء للغرب و ديمقراطيته المتوحشة ، لافتة لكل السياسات العربية ، معارضة و حكومات رغم كل المساوئ التي بانت للعيان ، و قد نسي قادتنا و زعماؤنا : أن هؤلاء يرضوننا بأفواههم و تأبى قلوبهم إلا الحقد و الكراهية لكل ما يمت لهذه الأمة العظيمة بصلة . فمتى نعود إلى رشدنا ؟! %
وعــي زائــف !؟
من المخجل حقا أن يتصدّى لقيادة هذه الأمة الإسلامية العظيمة ، أشخاص لا يعرفون حقيقتها ولا يدركون عناصر القوة في هويتها الحضارية ، ولا أسباب الضعف و التخلف فيها ، فيساهمون من غير قصد في تأبيد تخلفنا وتبعيتنا المطلقة لعدو همه الوحيد إذلالنا والنكاية بنا واستغلال ثرواتنا والإستحواذ عليها و تسخيرنا لخدمته و رفاهية شعوبه .
إن من جملة ما ابتليت به هذه الأمة الإسلامية ، تذبذب أبنائها المخلصين بين مناهج مختلفة ومتضاربة في تحليلهم لمجمل قضايانا الحيوية ، أو غياب المفهوم الصحيح و المعيار السليم في أحايين كثيرة مما يوقعهم في غموض الفكرة وقصورها وهذا قد يوصلنا إلى التهلكة مكرهين : فهناك كتاب ومفكرون و محللون سياسيون كثر ، تغيب عن أذهانهم فكرة أن الشعب الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية ووحدة أهدافها وكل من يمس الشعب الفلسطيني من قريب أو بعيد يهز كيان الأمة الإسلامية جميعا ويضربها في العمق، بل ويفترض أن تهب كل أحزاب هذه الأمة – جيوشا وأفرادا و حكومات - لنجدته إذا ما تعرض لسوء عملا بقوله عز وجل " وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ". إن الوعي الزائف الذي غرسه الإستعمار ولا يزال يقوم بغرسه عملاؤه وبقايا قوى الردة في بلادنا الإسلامية ، القائل بأن لكل شعب من شعوبنا شأنه الخاص الذي يغنيه عن الإلتفات لكل آلام الأمة العربية و الإسلامية لهو السبب المباشر في كل هزائمنا تقريبا، فهذا الشعور الزائف و المفهوم الخاطئ ، هو الذي أضعفنا ومكن قوى الإستكبار العالمي من الإستفراد بنا كل على حدة : " فالولايات المتحدة تحارب العراق لأنها ضامنة استفرادهم وإسرائيل تفتك بالفلسطينيين لأنها ضامنة استفرادهم ... لم يحدث أن حارب أحد العرب كلهم "
أما من نصبوا أنفسهم الممثلين الشرعيين والوحيدين للشعب الفلسطيني فيتجاهلون أن كل الشعب الفلسطيني "بمتطرفيه ومعتدليه، بحمائمه وصقوره" تجب حمايتهم من العدو الصهيوني وحفظ أرواحهم وممتلكاتهم ولا يتذكرون هذه الحقيقة إلا تحت ظروف قاهرة ولأسباب تكتيكية بحتة !!؟ بل و يتحالفون مع الصهيونية المقيتة للقضاء على مواطنيهم في غزة و حتى في الضفة الغربية ،علهم يفوزون بمنصب قيادي لوطنهم المحتل تحت ظل الإحتلال !؟
ولقد أصبح هم بعض قادتنا – حفظهم الله - محاربة شعوبهم ورعاياهم تحت لافتات التطرف والإرهاب أو باسم الديمقراطية التي أشربوها فعرفوا أن بعض مواطنيهم لا ينتمون إلى عالم البشر!!؟ بل وصاروا يرددون مصطلحات اختلقها أعداؤنا لمحاصرة أي شعلة نور يمكن أن تبزغ في سماء هذه الأمة العظيمة التي ابتعثها الله لتكون رحمة للعالمين%
دعوة الحق العالمية
تؤكد دعوة الحق العالمية على :
أزلية كلمات الله و ثباتها و ديمومة صلاحها و فاعليتها لجميع البشر في أي زمان و أي مكان .. و كلمات الله التي أوحى الله بها إلى النبي محمد (صلى الله عليه و سلم) هي نفس الكلمات التي أوحى الله بها إلى كل أنبيائه عليهم السلام من قبل بعثة محمد (صلى الله عليه و سلم) ، كما نؤكد على نسبية أقوال الرسول محمد (صلى الله عليه و سلم) - بوصفه بشرا و ليس إلاها- و كل أحاديثه المنقولة إلينا عبر كتب الحديث و الفقه .. و محدوديتها زمانا و مكانا ، و كل أقوال الرسل من قبله هي أقوال نسبية و محدودة الفاعلية زمانا و مكانا .. و قد كانت هذه الأقوال و الخطابات صالحة لأتباع هؤلاء الرسل و حواريهم في أزمانهم و أمكنتهم لا غير.. و لم تعد صالحة لنا في عصرنا الحاضر و أمكنتنا المختلفة إلا ما ورد منها في كتاب الله المبين و المعجز، كقول القرآن الكريم على لسان الرسول (صلى الله عليه و سلم) : ( و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) سورة الفرقان الآية 30 ، لكن تبقى لنا سيرة هؤلاء الرسل عليهم السلام قدوة عملية في كيفية إتباعهم للوحي و استمساكهم بكل كلمات الله الأزلية / الثابتة و إنزالها إلى دنياهم و دنيا أتباعهم، و خاصة في ميدان العبادات، و ليس في ميدان المعاملات لأن المعاملات متغيرة و معيارها الوحيد (صحة و خطأ) يوجد في آيات الذكر الحكيم لا غير .
إن إتباع / إحياء المسلمين قديما و حديثا لأقوال الرسول محمد (صلى الله عليه و سلم) النسبية المحدودة الفاعلية زمانا و مكانا و هجرهم للقرآن / كلمات الله الأزلية الصالحة لكل زمان و مكان قد حولهم إلى دراويش يحيون خارج أزمنتهم و أمكنتهم بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه و سلم) بحوالي 30 سنة أي منذ استيلاء معاوية ابن أبي سفيان على الخلافة الإسلامية بالقوة و قيامه بتصفية أنصار علي بن أبي طالب، و منذ ذلك الحين بدأ المسلمون في التشتت و الإنقسام إلى ملل و نحل متفرقة متناحرة مما ولد ضعفهم و انهزامهم أمام التتار و المغول و الحملات الصليبية و الإستعمار قديما و حديثا.
شكل رجال الدين و الفقهاء في التاريخ الإسلامي – كما في التاريخ الأوربي - و لا يزالون أكبر عائق معرفي أمام التقدم المدني والإنساني ، كما شكلوا و لا يزالون يشكلون أكبر داعم للباطل و الظلم و حكم الطواغيت و المتألهين من بني آدم ، و إلباس الحق بالباطل، و تكريس الطبقية و الإستغلال و خدمة الإستبداد و المستبدين .. باسم الدين : فهم الذين قد شرعوا للطريقة العنيفة التي توخاها معاوية للإستيلاء على الحكم بالقوة و برروها شرعيا و فقهيا ( ومنذ ذلك الحين بدأت المدونات الفقهية في الظهور) .. و هم الذين شرعوا للمذاهب الفقهية المتناقضة في أحكامها و المتضاربة في اجتهاداتها في التاريخ الإسلامي قديما و حديثا و التي فرقت المسلمين و قسمتهم إلى ملل و نحل متنافرة متناحرة، و هم الذين شرعوا لمذاهب السنة و الشيعة و لمذاهب الإرهابيين / السلفيين الجهاديين، و هم الذين شرعوا للحركات الإسلامية المنادية بالديمقراطية الغربية والإعراض عن قوانين الله الأزلية المفصلة في القرآن العظيم و المحددة لكل أدوار المسلمين في الحياة نساء و رجالا / حكاما و محكومين، و هم الذين يشرعون للأنظمة العلمانية اللقيطة المستبدة التي تحكم العالم الإسلامي اليوم : لذلك وجب على دعاة دعوة الحق العالمية تذكير هؤلاء الغافلين بالعمل معا من أجل بعث دولة التوحيد = دولة قانون القرآنتشريعيا، و دولة الولايات الإسلامية المتحدة جغرافيا، في العالم الإسلامي حتى تعود للمسلمين هيبتهم عزتهم و رسالتهم في الحياة.
ينبذ دعاة الحق العنف و الإرهاب و التمييز العنصري و الجنسي بمختلف أشكاله و يجرمون مرتكبيه مهما كانت المبررات.. كما نعتقد أن القتال في سبيل الله لا يمكن أن يتم إلا تحت راية دولة التوحيد بعد قيامها ، دولة جميع المؤمنين الموحدين لمحاربة المعتدين و لنصرة المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان في الأرض مهما كانت ديانتهم ..!
أحكامنا و تقييماتنا لأعمال الأفراد و الجماعات و مختلف الحكومات و الهيئات و الأعراق و ومكتسباتهم هي تقييمات نسبية .. محدودة زمانا و مكانا.. لذلك فنحن لا نكفر أحدا من العالمين.. ! بل يعد فعل التكفير فعل إجرامي في حق الأفراد و الجماعات و تطاول على دين الله... ! نحن فقط ندين الأعمال الآثمة انطلاقا من معاييرنا القرآنية و ميزاننا الإسلامي ، و نمتدح ما وافق منها دعوتنا و مفاهيم القرآن و معاييره الإلاهية .
المرأة هي شريك لنا في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و السعي الجاد لإقامة دولة التوحيد على أرض الإسلام التي يحكمها فراعنة قطريون في العصر الحديث ، وهي ملتزمة التزاما إراديا بكل أوامر الله و نواهيه في حقها و لا تقوم إلا بالأعمال التي توافق فطرتها كأنثى في صلب مجتمع إسلامي متعاون .
يؤمن دعاة الحق إيمانا قطعيا أن قوانين الله و نواميسه العادلة هي التي تحكم هذا العالم منذ خلقه الله عز و جل ، و إلا لما أغرق فرعون و جنده لما هموا بقتل موسى و من معه ظلما و عدوانا ... و لما خسف بقارون و بداره الأرض ... و لما ضرب "تسونا مي" والزلازل عديد المدن الأمريكية في عهد بوش المجرم و حكومته ... و لمات" شارون" المجرم ميتة طبيعية ... و لمات عيسى عليه السلام مصلوبا ... و لاغتيل محمد صلى الله عليه و سلم من قبل مشركي قريش ... و لاندثر القرآن الكريم منذ زمن... !
كما نؤمن يقينا أن جميع البشر مهما علت مراتبهم العلمية و الإجتماعية و الإقتصادية و الدينية ... عاجزون لطبيعة خلقتهم عن استنباط المبادئ أو ابتكارها لأن المبادئ هي معايير تستوجب معرفة الغيب واطلاعا على المستقبل اطلاعا يقينيا وهو ما يفتقده كل البشر .. و بالتالي فقد تفرد الله وحده بخلق المبادئ و خلق القرآن /الفرقان للتفريق بين غث العمل البشري من سمينه.
المسلم الحق هو الذي يخضع خضوعا إراديا لكل أوامر الله و نواهيه المفصلة في القرآن ، في السر و العلن : فلا يزني الزاني وهو مؤمن ... و لا تتبرج المرأة تبرج الجاهلية الأولى لغير محارمها مهما كانت المبررات وهي مؤمنة، و لا يتحالف الحاكم المسلم مع أعداء الله و أعداء المؤمنين وهو مؤمن ... إن انسلاخ المسلم عن آية واحدة من آيات الله يعني انسلاخا عن الإيمان الحق .. و أن يبوء المرء و المجتمع المنسلخ عن شريعة الله المفصلة في القرآن بخزي الله دنيا و آخرة .
تسعى دعوة الحق العالمية إلى توحيد جميع المسلمين تحت راية القرآن: المصدر الوحيد للتشريع في الإسلام و من ثم إقامة: دولة التوحيد على أرض الإسلام و توحيد جميع المسلمين فيما يسمى بــــ:( الولايات الإسلامية المتحدة ).
إن خطابنا هذا موجه إلى كل الناس : يهودا و نصارى و مسلمين و كل من يؤمن بالله رب العالمين . كما نرجو من جميع العقلاء أن يعملوا على نشر الأسس الفكرية لبعث دولة التوحيد في العالم و يبشروا بها أنفسهم و أهاليهم و أقوامهم بكل السبل السلمية الممكنة حتى يخلصوا العالم من أزماته السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية ... بسبب حكم الطواغيت و فراعنة العصر الحديث و قوانينهم الوضعية الظالمة، و دساتيرهم التي ما حبرها سحرتهم و كهنتهم إلا لنهب ثروات الشعوب و تكريس الظلم و استغلال المستضعفين من الرجال و الولدان و النساء.. و التحيز إلى مصالح هؤلاء السماسرة و الفراعنة المتألهين / المستبدين .
كما ندعو جميع الحكام و المتنفذين في بلاد الإسلام و كافة القوى الحية في العالم العربي و الإسلامي ... إلى تبني فكرة بعث دولة التوحيد – في العالم الإسلامي - و الإعتماد على قدراتنا و إمكانياتنا الذاتية و ثرواتنا لتشكيل مختلف الأجهزة التشريعية و التنفيذية المكونة لدولة الوحدة و التوحيد و التحرر من سياسات الغرب الإستعماري و اقتصادياته و التي ثبت فشلها و بان عوارها في أكثر من مناسبة .. لأن القوانين الوضعية المشكلة خارج ثوابت الرحمان و قوانينه الأزلية تبقى عاجزة عن حل مشاكل خلق الله و السير بهم نحو طريق الأمن و السلم و الإستقرار و السعادة و رحمة الله التي دعا إليها نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد عليهم السلام .. منذ أقدم العصور.
كما نذكر شعوبنا الإسلامية بأن كل ثروات بلاد الإسلام هي حق لجميع المسلمين في العالم و لا يحق لأي كان أن يهدر هذه الثروات أو ينفقها في غير صالح المسلمين و وحدتهم و أمنهم و رفاهيتهم و الشهادة على الناس لأن مالك هذه الثروات الحقيقي هو الله الواحد الأحد و ما دمنا جميعا عباده فنحن جميعا مستخلفون في كل ثروات بلداننا الإسلامية وهي ليست ملكا للفهود أو الديوك أو الرؤساء و الطغاة..!!
كل من سيقف ضد تحرير المسلمين من أغلال القوانين الوضعية الظالمة و المجرمة بطبعها ؟! و توحيدهم تحت راية دولة التوحيد سيبوء بالخسران المبين :(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم . إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون . و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) سورة المائدة الآيات 54 و55 و 56.
دعوتنا دعوة مجانية و يحجر على دعاة الحق قبول أي أجر على دعوتهم .
سيدتي ، آنستي ، سيدي ، لقد عشنا زمنا عبيدا لأهوائنا و شهواتنا ، و جنودا لأبالسة الجن و الإنس و الفراعنة المتألهين من حكامنا و حكوماتنا اللائكية ، أفلا نحاول أن ننخرط في دعوة الحق العالمية اقتداء برسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم ، حتى نكون جنودا بحق لله رب العالمين خالقنا و رازقنا و نحرر أنفسنا و مجتمعاتنا من أغلال القوانين الوضعية الظالمة و التي أهوت بنا جميعا في مكان سحيق من التخلف و ضنك العيش و البطالة و خدمة رفاهية الغرب و مؤسساته ، و نخضع بملء إرادتنا لقوانين الفطرة التي فطرنا الله عليها رجالا و نساء ، فنفوز فوزا عظيما و نسعد و يسعد أهلنا دنيا و آخرة %
خطاب إلى الهاربين من ديارهم ؟!
هذا خطاب أردت أن أوجهه إلى إخواني " المغتربين" من النخبة المثقفة، والتي تملأ كتاباتها الصحف والمجلات التي تصدر هناك في ديار الغربة وعلى رأسها صحيفة "القدس العربي" و العرب العالمية " " و الحياة ".
ما يمكن ملاحظته بادئ ذي بدء أن هذه النخبة المحترمة تعالج في جلها قضايا نظرية لا تمت بكبير صلة إلى واقع المواطن العربي، ذاك المواطن المسحوق في بلده ، والذي يعاني من الذل ألوانا، ومن الإضطهاد أصنافا ، بل يقتل في اليوم الواحد ألف مرّة، فهل يعتقد هؤلاء "المغتربون" المساكين أنهم بتلك المقالات والكتابات المنددة بالسلطان في ديارهم التي هربوا منها، سيحلون مشكلات وطنهم ويخلصونه من الذل والمهانة والتخلف الحضاري والإستبداد الإجتماعي و السياسي؟! وهل يعتقدون حقا أنهم سيحررون أوطانهم بمقالات نارية متشنجة تتوهم الثورة والتغيير و الإنقلاب على أوضاع بلدانهم المزرية ؟! إن هؤلاء يعتبرون نكرة بالنسبة إلى أوطانهم و مواطنيهم ، فهل يحسبون الناس يتأثرون بنكرة تفتقد إلى رؤى واضحة في مجمل مشكلات أوطانهم !؟ وهل يعقل أن يقدر على التغيير من عجز عن تغيير نفسه ؟! إن البداهة تقول "فاقد الشيء لا يعطيه" ؟!
لقد فكر هؤلاء "المغتربون" في مصالحهم الخاصة لما هربوا من أوطانهم وتركوها لقمة سائغة في أياد غير أمينة تتعيش على بيع الأوطان وإذلال الإنسان وسحقه ، إذ لو صدق هؤلاء المغتربون الهاربون لبقوا في أوطانهم يجاهدون بأموالهم وأنفسهم وفكرهم في سبيل تحرير الإنسان العربي من الذل والعبودية ، وتقديم القدوة العملية في النضال والصمود ، ولتعاونوا مع أشراف هذه الأمة من مثقفين وحكام ومسئولين لرفعة وطنهم وتقدمه وازدهاره و تحرره . إن هروب هؤلاء يجعلهم عرضة للنقمة والكراهية من قبل أحرار هذه الأمة وكل الفئات المسحوقة والمحرومة في هذا الوطن العزيز، لأنهم فكروا في الخلاص الفردي ولم يفكروا حقيقة في خلاص أوطانهم وشعوبهم المضطهدة . ولعل المبكي المضحك في حالة هؤلاء الفارين التجاءهم إلى بلدان غربية كبريطانيا وأمريكا و فرنسا ساهمت ولا تزال تساهم – وهم يعلمون ذلك جيدا- في الإبقاء على الأنظمة اللقيطة التي يزعمون أنهم يحاربونها ويلقون عليها اللوم لتكريسها التخلف والإضطهاد و الإستبداد ! بل إن بريطانيا هي التي مكنت للصهيونية العالمية من احتلال فلسطين وتشريد أهلها... ؟! وأمريكا نفسها أصبحت متصهينة أكثر من الصهاينة أنفسهم بما تقدمه لهم من دعم مادي و عسكري و سياسي .. لإذلال العرب فاق كل التصورات .. !!؟ فهل يعقل بعد ذلك أن نصدق هؤلاء الفارين إلى بلاد الغرب أنهم يناضلون ضد الصهيونية وضد التخلف والإستبداد في أوطانهم و هم يقيمون في نزل خمسة نجوم ؟!
وختاما أنصح هؤلاء بالرجوع إلى أوطانهم فالموت في الوطن أكرم لهم من التسكع في شوارع الغرب وحاناته ، إن كانوا حقا يعتقدون في عدالة القضايا التي يحملون و عدالة قوانين الله التي يهيمن بها على تسيير عوالم الكون و الإنسان و الحياة . إذ لم نسمع بنبي انتصر للحق وهو يجاهد من وراء البحار لتغيير واقع الظلم و الباطل و الجبروت كما يفعل هؤلاء %
الأدب إبداع و ليس إتباع
إنه من الخطورة بمكان أن يقتنع بعض المبدعين في ديارنا الإسلامية بتفوق الثقافة الغربية على ثقافتنا الإسلامية فيلجئون تبعا لهذه القناعة إلى اتخاذ الغرب قدوة ومثالا، ويستبطنون مدارسه الإبداعية المختلفة، ومفاهيمه عن الحياة ، يقيسون بها إبداعاتنا ونتاجاتنا الفنية ، إن مثل هذا العمل يسقطهم أولا وأخرا في التقليد الذي يتنافى تماما مع العملية الإبداعية، لأن التقليد يمثل العدو الأول للإبداع، كما أن استحضار مفاهيم الغرب و معاييره في كل خطواتنا واعتباره سباقا في كل المجالات الحياتية يضعف من همتنا، ويميت تحفزنا للإبداع واختراق الآفاق، لأن المرء إذا ما أدرك أن هناك من سبقه إلى درب من دروب الحياة واعتقد بعدم إمكانية الإتيان بشيء جديد، يفتر عزمه، ويتلاشى حزمه في تقديم التضحيات الكافية لبلوغ ذلك الدرب المقصود، على عكس ما إذا كان سباقا لاكتشاف جواهر مطمورة، ولآلئ مكنوزة، وتحف لم تر العين مثلها من قبل، فان نفسه تكون في توق، وقلبه في شوق، لتقديم كل غال ونفيس ليفوز بقصب السبق في الإكتشاف الجديد وبلوغ الهدف المراد ونيل كل عجيب متسام، ولقد أدرك أجدادنا من المسلمين هذا السر في الإبداع فصنعوا المعجزات فكرا واكتشافات و إبداعات، وبهروا نفوسا كرعت من ينابيعهم الثرة وبحارهم العميقة المليئة بكل رائع وجميل ومؤثر عجيب، وانتقلت آدابهم إلى أوروبا عبر الدردنيل والأندلس وصقلية وغيرها ، وعلى ورثة هؤلاء الأفذاذ أن يواصلوا مسيرتهم في البناء والتشييد والإبداع : من ذلك أن (المعراج الإسلامي ) نجده يؤثر في القصص الأوربية ، كما تمثله " الكوميديا الإلاهية "لدانتي الأجيري " الإيطالي و التي كتبها في القرن الرابع عشر الميلادي .فقد صورت هذه القصيدة الحياة الأخرى بشقائها و نعيمها ، بحيث أسهم هذا التصور في ثقافة الناس في أوروبا لما بعد الموت حتى مطلع القرن الماضي ، و اعترف المستشرق الإسباني : "أسين بلاثيوس "سنة 1919 أن "دانني" متأثر بالمعراج الإسلامي تأثرا كبيرا ، يكشف عنه التماثل في دقة التفاصيل بين "الكوميديا الإلاهية " و (المعراج الإسلامي ) و ما يتصل به من قصص إسلامي كما ورد عند ابن مسرة و تلميذه ابن عربي الأندلسي في (الفتوحات المكية ) و في رسالة الغفران لأبي علاء المعري بالإضافة إلى تفسيرات علماء الإسلام للقصة و تعليقاتهم عليها . كما أثرت قصة "حي بن يقضان " للأديب الفيلسوف ابن طفيل الأندلسي في آداب الغرب ، إذ تعالج قصة ابن طفيل فكرة الإهتداء إلى الله و معرفته عن طريق العقل و التجربة معا خلال النظر في آيات الله و مخلوقاته ، و قد ترجمت هذه القصة إلى اللاتينية بعنوان : " الفيلسوف المعلم نفسه " في القرن السابع عشر الميلادي ، و من اللاتينية إلى الأنقليزية و تأثر بها الكاتب الإسباني "بلتاسار جراثيا " في قصة النقاد critiquons و قد قسمها صاحبها إلى ثلاثة أجزاء هي : في ربيع الطفولة ، ثم في خريف عهد الرجولة ثم في شتاء الشيخوخة : وهي نقد للعادات و التقاليد في عهد المؤلف .
و نجد " دانيال ديفو" في قصته " روبنسون كروز " يتأثر بقصة ابن طفيل لا سيما و قد انتهى بطلا القصتين إلى معرفة الله و الإهتداء إليه و إدراك هيمنته على الكون ، و قد ترجمت قصة حي بن يقضان إلى الفرنسية و الروسية في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي .
كما نلاحظ تماثلا كبيرا بين قصة " زرقاء اليمامة " المعروفة و مسرحية " ماكبث " لشكسبير ، ففي "رنات المثالث و المثاني " رأت زرقاء اليمامة شجرا يسير ، و ما كان هذا الشجر سوى أعداء قومها ، و قد حمل كل بطل شجرة قدر طاقته ، ليتخفى وراءها أثناء التوجه لغزو قوم زرقاء اليمامة ، الذين لم يصدقوا ما رأته زرقاء اليمامة و ما أخبرتهم به ، حتى فوجئوا بالأعداء كما وصفت زرقاؤهم و حلت بهم الهزيمة ، و قد وردت فكرة الغابة المتحركة في مسرحية " ماكبث " لشكسبير ، إذ بينما كان القائد "ماكبث" متحصنا بقلعته إذ بأحد الحراس يسرع إليه ليخبره بأن غابة " برنام " تتحرك ، و في الحقيقة لم تكن الغابة سوى جيش:"مالكولم" الذي جاء متقدما نحو القلعة و متسترا بأغصان الأشجار مما بدا للحارس كأنه غابة " برنام " تسير ، و من هنا أخذ " ماكبث " على حين غرة .
هذه عينات من بحر أجدادنا الزاخر بكل جميل و طريف مما جعل أوروبا تغرف من هذا البحر الغني باللآلئ ، نقدمه في زمن الجدب والقحط و التقليد الأعمى لمنتجات المدنية الغربية المتوحشة ، لعله يصيبنا منه بعض الطل فتنهمر المطر و تروى أراضينا القاحلة .
النقد الأدبي ضرورة حضارية
يشكل النقد الأدبي ركيزة مركزية في عملية تحديد الخطوط الأساسية للفن المنشود، فهو بمثابة الميزان الذي يحدد به غث العمل الفني من سمينه ، و مدى التصاقه بمشكلات الأمة و التزامه بقضاياها . فالناقد إذن له وظيفة مقدسة تتمثل في تربية الذوق الفني الصحيح و السليم لدى أفراد الأمة و الناشئة ، و إشراكهم في المتعة النظيفة و الغذاء الفكري و الروحي الذي من شأنه أن يرتقي بهم إلى مراتب عليا من السمو و الشفافية ، لذلك فهو يساهم بقسط كبير في تشكيل أذواق الناس و وجدانهم و أفكارهم ، و هذا ما يجعله يتحمل رسالة خطيرة في الحفاظ على قيم المجتمع و مبادئه لا أن يساعد على هدم ما تبقى في قلبه و عقله من أصالة و صدق و إيثار و تمسك بالمبادئ الفاضلة و القيم النبيلة ، تلك التي تورث القوة و العزة و التميز الحضاري و الإبداعي حتى نتمكن من الإقلاع الحضاري المنشود : إذ الحضارة إبداع و ليست تقليدا أو تماهيا مع الآخر – العدو.
و كلما كان الناقد واعيا بدوره في توجيه الجمهور و تعليمه ، كلما سهل عليه النزول من برجه العاجي و أمكنه القيام برسالته الحقيقية في المجتمع ، و عرف أكثر أن حصر النقد بين الخاصة أو أروقة الجامعات و المدارس و المحافل الأدبية هو إهدار كبير للنقد و للجمهور معا . و هذا يقتضي أن يكون أسلوب النقد مفهوما مبسطا بعيدا عن التكلف و التعقيد ، و بلغة عربية فصيحة ،حتى تستسيغه جمهرة المثقفين و يصل أثره إلى الناس كافة في كل موقع .
إن الإقتراب من نفسية الجمهور و جعله يتفاعل مع ما ينشر من إبداعات فنية مختلفة ، يقتضي أن يتحرر الناقد من سيطرة المدارس النقدية الغربية و قيودها ، يستفيد منها و لا يتقيد بها ، يأخذ ما يصلح منها ، و لا يتبناها ، و يترك لنفسه مطلق الحرية و المسؤولية في اكتشاف الأطر المناسبة لأدبنا و مجتمعنا، و كل هذا يتطلب أن يكون الناقد العربي المسلم قد كرع من ينابيع أمتنا الإسلامية و عطاءاتها التي لا تنضب ، واطلع على أصول ثقافتنا المجتمعية و مميزاتها ، غير مكتف بما يعرفه عامة الناس من المدارس ، و تشبع من ثقافة العصر و مكوناتها، مواكبا لكل ما يجد على الساحة الثقافية حتى لا يتيه في دياجير الظلمة و الضبابية و الإنغلاق %
باقة ورد للمرأة التونسية بمناسبة عيدها الوطني ؟
كـــلــنـا خــائـنــون !؟
الأستاذ محمد سالم بن عمر مؤسس دعوة الحق العالمية يقول في أول تصريح له:
دعوتنا تهدف بالأساس إلى عقلنة المؤسسات و الهياكل الدينية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية في المجتمع المدني في بلاد الإسلام و تحريرها من جاهلية الغرب و حيوانيته .../
علمانيون و إسلاميون حولوا تراث الإسلام و الغرب إلى صنم يتعبدونه من دون الله و لا سبيل إلى نجاة أمتنا الإسلامية إلا بالتحرر من كل هؤلاء الخونة لله و لرسوله .
الإعلام العربي يروج للصنمية / الوثنية البشرية ( عبادة الملوك و الرؤساء و المرأة ...) و الإعلام الغربي يروج للصنمية الفكرية ( الديمقراطية ، الحرية ، حقوق الإنسان ... ) و كل هذه الوثنيات على اختلاف مشاربها تحجب العقل البشري عن رؤية الحق أو اتباعه ! ؟ مما جعل العالم يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض ، و تنتابه مختلف أنواع الأمراض المزمنة و الكوارث و الأوبئة المستعصية ...!!؟
النخبة في الوطن العربي الإسلامي عاجزة تماما عن تغيير مجتمعاتها نحو الأفضل أو تثويرها ، لانبتاتها عن ثوابت الإسلام و قيم المجتمع و افتقادها لآليات التغيير الفكري و النفسي ، و تبنيها لظلامية الفكر الغربي المأزوم ...
القوانين الوضعية العمياء و الظالمة التي تنتظم بها حياتنا في بلاد الإسلام ما هي إلا أغلال لتكريس الصنمية البشرية – عبادة الأشخاص – و تكبيل المواطن العربي بأثقال تدفعه إلى مكان سحيق من التخلف الفكري و الإنحطاط الأخلاقي و توسيع قابليته للنهب و الإستغلال المحلي و الدولي برضى تام حتى غدا فيئا سهلا لمختلف الجراثيم الفتاكة و الأمراض المزمنة... إن القوانين الوضعية المجرمة و المتعارضة مع الفطرة الإلاهية، قد أفسدت حياة الناس شرقا و غربا و تسببت في نشر الأمراض المستعصية والمزمنة و العجز الجنسي ، و ارتفاع نسب الطلاق و الخصام بين ركني المجتمع – المرأة و الرجل – كما تتسبب الأرض غير المعبدة في إهلاك و تحطيم السيارات التي تنتهجها و إهلاك الحرث و النسل ! لقد حولت هذه القوانين الوضعية العمياء حياتنا إلى جحيم لا يطاق .. و ضنك في العيش لا يدانى .. لأنها قوانين تتعارض و فطرة الخلق التي خلقنا ربنا عليها( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)، فأفقدت رجالنا رجولتهم و نساءنا أنوثتهن .. فاستشرى العجز الجنسي و مرض السكري و ضغط الدم و شتى الأمراض المزمنة و البطالة المهلكة و الإنحراف المهين لكرامة الإنسان ، كما ارتفعت نسبة الطلاق بسبب التظالم الذي صار بين الرجل و المرأة العربية .. و ضاع أبناؤنا في متاهات الطريق..! (أربعون في المائة من التونسيين 40%– مثلا - يعانون عجزا جنسيا متفاوتا.. و أن الأمراض المزمنة تتزايد في تونس من عام إلى آخر حسب ما جاء في جريدة القدس العربي ليوم 28 فيفري 2008). كما جاء في جريدة الصباح 8 أوت 2009 : تحتل تونس المركز الأول عربيا و الرابع عالميا في نسبة الطلاق بعد أن بلغت حالات الطلاق أرقاما قياسية ... تتسبب المشاكل الإجتماعية بنسبة 48.3% بحالات الطلاق و التي تشمل المعاملة السيئة و العنف و عدم الشعور بالمسؤولية و الإختلاف في المستوى الثقافي و التعليمي... إن حالات الطلاق لسنة 2008 بلغت 9127 حالة مقابل 16 ألف زواج لنفس السنة ، و تعتبر نسبة الطلاق الأعلى في المنطقة العربية حسبما جاء في الدراسة، والملفت للإنتباه في الدراسة أن أكثر من 50% من رافعي قضايا الطلاق من النساء سنة 2008 بينما كانت سنة 1960 لا تتجاوز 6%) هذا ما فعلته القوانين الوضعية العمياء بقطر عربي لا يزال يقدم نفسه على أنه رمز الحداثة و التقدم و تحرر المرأة و لائكية القوانين التي تسير هياكله الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية ... !!!؟؟؟
فلسطين لن تتحرر إلا بما تحرر به بنو إسرائيل من ظلم فرعون و جنده على عهد موسى عليه السلام : الإيمان الصادق بالله و الصبر و الإيمان بالكتاب كله ، و التنكب عن " البعضية " : ( الإيمان ببعض الكتاب و الكفر بالبعض الآخر) ، لأن شرط وراثة الأرض / قانون وراثة الأرض و تحريرها من الفراعنة المجرمين و امتلاكها : هو الصلاح وتقوى الله و الإلتزام بمنهجه و قوانينه الأزلية و الفطرية و ليس الإستمساك بالديمقراطية الغربية التي أوصلت حماس إلى السلطة وهي التي ستفنيها عن بكرة أبيها إذا ما واصلت الإستمساك بها .
كلنا خائنون لله و لرسوله فلنتحمل السحق والقتل و التنكيل و الخزي دنيا و آخرة على يد قتلة الأنبياء و عبدة العجل و الملعونين على ألسنة أنبيائهم و على يد الفراعنة المحدثين، ورثة الإستعمار في ديار الإسلام .
لنتذكر جميعا شعار الغرب في تحرير نفسه : أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس % و أنا أقول : أشنقوا آخر لائكي لا يؤمن بقوانين الله المفصلة في القرآن بأمعاء آخر رجل دين يحرف كلمات الله و يشرع للظلم و الباطل و مساندة الفراعنة المتألهين %
مفارقات عجيبة!! ؟
واعجبي من أمة أنزل عليها القرآن لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهي لا تزال تعيش في ليل حالك الظلمة منذ قرون و لا تدري!
واعجبي من حركات و حكومات " إسلامية " تنادي بالديمقراطية الغربية و تتبنى نظم وضعية لائكية ظالمة و لا تنادي بتطبيق قوانين الله ، قوانين الفطرة التي فطر الناس عليها المفصلة في الذكر الحكيم !! ؟
إن المرء ليعجب و إن النفس لتحنق من تلك الدول و الحكومات و الحركات الإسلامية التي تزعم أنها تنتهج منهجا ربانيا في كل تحركاتها و تعاملها مع الأحداث المختلفة ، و واقعها يشي بمخالفات جسيمة و تجاوزات رهيبة لكل مبادئ الإسلام و ثوابته و بصائره التي لا تخطئها العين أبدا :
إنها تنادي بالديمقراطية علنا و تعتمدها منهجا لحل المعضلات و تفخر بذلك و تزايد و تقدم التضحيات الجسام و" الشهداء الأبرار" لتعلن في النهاية أنها لا تزال تتمسك بمبادئ الديمقراطية و جبروتها و لن تتخلى عنها مهما أصابها من عنت لاعتقادها الجازم بأنها المخرج الوحيد و الطريق الأمثل لتحقيق طموحات المسلمين و تطبيق شريعة الإسلام !! ؟
و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : كيف يجمع هؤلاء الخونة لله و لرسوله ، بين متناقضات ، بين منهج رباني فطري قد فطر الناس عليه منذ خلقهم الأول ، منهج رباني يدرك إدراكا تاما و مطلقا حقيقة الإنسان و الكون و الحياة ، فأنزل من الثوابت ما يلاءم حياة الإنسان و يفي له بكل أشواقه الروحية و المادية و يلبي جميع حاجياته الظاهرة و الباطنة ، و بين منهج إنساني نسبي لا يزال يتخبط خبطا عشوائيا في ظلمات بعضها فوق بعض و يتسبب في مآسي إنسانية لا تحصى و لا تعد ، و قد عجز عجزا تاما و مزمنا حتى عن تلبية أشواق الإنسان الغربي الذي قد انحرف عن فطرة الله منذ أمد بعيد ، فما بالك بأشواق الإنسان المسلم الذي تفتحت عيناه على نور الله و هدايته !! ؟ لقد عجزت الديمقراطيات المختلفة عن إيجاد سلم بين أبناء الوطن الواحد وهي لا تزال تتسبب يوميا في سفك الدماء بغير حق، و انتهاك الحقوق و سحق الإنسان أينما كان، و تشريد الأطفال و النساء و المتاجرة بأعراضهن في أسواق النخاسة... فكيف تصبح هذه الديمقراطية العمياء بديلا عن منهج رباني يرى أن قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعا !! ؟ منهج يرفض رفضا قاطعا أن يكون أي فرد فيه عاطلا و غير مسئول في بلده و حمل الأمانة التي كلفه ربه بحملها ، لأن العطالة في مفهوم الإسلام تعني الموت ، يقول الرسول الأكرم : (كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ) ، بينما أقصى ما تطمح إليه الديمقراطية الغربية أن تخلق صنفين من الناس : سادة و عبيد، سادة يتحكمون في مصائر الناس و يتولون مختلف المسئوليات و عبيد يصوتون لفائدة هذا أو ذاك ، ليحالوا بعد ذلك على التقاعد و العطالة التاريخية !! ؟ و هذه العطالة ليست بسبب نقص في مداركهم العقلية أو بسبب مرض في أبدانهم ، و لكنها بسبب نقص المال في جيوبهم !! ؟
إني لأعجب كل العجب من مسلمين يسمعون آيات الله تتلى عليم آناء الليل و أطراف النهار تأمرهم بالخضوع لشرع الله و الحكم فيما بينهم بما أنزل الله في القرآن ، و تكفر بألفاظ واضحة كل من لا يحتكم لشرع الله ، ثم لا يجدون غضاضة في الإنتماء لأحزاب و حكومات علمانية لائكية لا تعترف أصلا بالشريعة الإسلامية ، ثم يمنون النفس برضا الله عنهم يوم يقوم الناس لرب العالمين !! ؟
الماء أصل الحياة !
بقلم : محمد بن سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)
تمهيد
تتميز نظرة الإسلام إلى الماء بالواقعية والعمق والشمولية، أمّا النظرة الواقعية فتتمثل في احتلال الماء أهمية كبرى في نصوص القرآن الكريم باعتباره أصل الحياة ونعمة النعم التي منّ الله بها على بني آدم. وأمّا عمق هذه النظرة فتبرز خاصة في البرهنة بحجج دامغة وملموسة على أنّ الماء آية من آيات الله الدّالة على وحدانيته سبحانه وتعالى وعظيم قدرته على البعث والنشور وإحياء الموتى... وأما الشمولية فتتجسد أساسا في إحاطة الإسلام بكل منافع الماء وأدواره في هذه الدنيا وكذلك في الآخرة.
الماء وأصل الحياة :
أ- الماء أصل الحياة :
إنّ كون الماء يمثّل سرّ الحياة النضيرة الزاهية المخضرّة حقيقة كونية ووجوديّة لم يغفل عنها الإنسان في أيّ زمان وفي أي مكان، لذلك نجد القرآن الكريم يثبت هذه الحقيقة بكل وضوح ودقّة: يقول عزّ وجلّ في سورة الأنبياء " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرٍض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" (أنبياء/30).
والمعنى: أو لم يعلم الكفار بالله والمشركون الذين أشركوا مع الله إلها آخر أنّ السماوات والأرض كانتا ملتصقتين شيئا واحدا، ففصلناهما وميزناهما عن بعضهما بكتلة الهواء، وخلقنا من الماء كلّ شيء: من حيوان ونبات وغيرهما أفلا يصدقون بقدرتي وتوحيدي؟
ب- الماء أصل خلق الإنسان :
إذا تأمّل الإنسان ونظر نظرة مستنيرة من أي شيء خلقه ربّه، فسيجد أنّه خلق من ماء (مني) مصبوب في الرّحم، ويخرج هذا الماء من بين ظهر الرجل وعظام صدر المرأة يقول عزّ وجلّ: " فلينظر الإنسان ممّ خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصّلب والترائب". (الطارق الآيات 5-7)
ويقول عزّ وجلّ: " ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون". (المرسلات الآيات 20-23)
"وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا". (الفرقان الآية54)
أ- الماء أصل خلق الدّواب :
إن كون كل من هبّ ودبّ على وجه الأرض قد خلق من ماء قانون إلهي ينطبق على كل المخلوقات بدون استثناء. يقول عزّ وجلّ: "والله خلق كلّ دابّة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إنّ الله على كلّ شيء قدير" (النور الآية 45)
نتيجة أولى:" الماء دليل على وحدانية الخالق"
إنّ وحدة العنصر الذي يرجع إليه أصل الحياة (وهو الماء) يبرهن بقوّة وبحجج دامغة على وحدانية الخالق وتفرّده بالخلق دون سواه، لأن إتباع نسق واحد في خلق السماوات والأرض وهندستها ورجوع أصل الحياة على اختلافها إلى شيء واحد ونظام واحد برهان قويّ وحجة ما بعدها حجّة على وحدانية الخالق وهو ليس كمثله شيء. فالله واحد في ذاته، لا شريك له، لم يلد ولم يولد من أحد، لأنّه قديم أزلي غير محدث فالله تبارك وتعالى هو خالق الكون وما فيه، وأنّه تعالى وحده المتصرّف فيه، وأن الجميع يخضعون لإرادته ومشيئته، إن وحدة الموجد لهذا الكون، ووحدة الموجودات في السماوات والأرضين ووحدة البشرية جميعا ووحدة القوانين التي تسير بمقتضاها الكائنات تنفي عبثية الكون وتدلّ على قدرة الله وترشد العباد إلى عظيم حكمة الله وتجنبهم الشّرك والكفر والضلال. إذ لو كان في السماوات والأرض آلهة أخرى غير الله لخربتا واختل نظام الكون وتضاربت نواميسه لاستبداد كل إله بتصرّف معيّن، فيقع التنازع والإختلاف. وبهذا يكون الماء آية تدلّ على أن الله واحد أحد لكونه أصل فريد لكلّ الكائنات الحيّة يقول سبحانه وتعالى في سورة الواقعة: " أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون" (الواقعةالآيات68-70)، أي أخبروني أيّها الناس عن الماء الذي تشربون منه لإرواء العطش، أأنتم أنزلتموه من السحب أم نحن المنزلون له بإرادتنا وقدرتنا دون غيرنا؟
وبعد ما يثبت لنا القرآن العظيم وحدانية الخالق عزّ وجلّ وتنزهه عن الشريك في خلق السماوات والأرض والنّاس والدّواب والنبات، وتفرّده في تدبير الكون... يقدّم لنا الإسلام براهين ملموسة ومشاهدة على إمكانية البعث وإحياء الموتى يوم يقوم الناس لربّ العالمين.
الماء وقضية البعث:
أ- بداية خلق الإنسان من تراب
تجمع عديد الآيات القرآنية على أن الله تجلت قدرته خلق الناس في الأصل من تراب بخلق أبيهم آدم عليه السّلام، ثم خلقهم من نطفة... يقول عزّ وجلّ: "ومن آياته أن خلقكم من تراب ثمّ إذا انتم بشر تنتشرون" (الرّوم/20). ويقول أيضا: "الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون" (السجدة الآيات 7-9).
ونجد أيضا هذه الآية: "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفـّى من قبل ولتبلغوا أجلا غير مسمّى ولعلكم تعقلون" (غافرالآية67).
ب- إحياء الأرض الميتة بالماء:
تلفت عديد الآيات القرآنية انتباه الإنسان إلى التحوّل الذي يطرأ على الأرض الميّتة بعد نزول المطر عليها.. فهي تكون هامدة بين الحياة والموت فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت، وهي حركة عجيبة سجلها القرآن قبل أن تسجّلها الملاحظة العلمية بمئات السنين، فالتربة الجافة ينزل عليها الماء فتتحرّك حركة اهتزاز وهي تشرب وتنتفخ فتربو وتنبت من كلّ صنف نباتي نضير، يقول عزّ وجلّ: " ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون" (الرومالآية24). "أولم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجُرُز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" (السجدةالآية27) ويقول أيضا: " وهو الذي أرسل الريح بُشرا بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماء طهورا، لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا" (الفرقان الآيات 48-49).
نتيجة ثانية:" الماء برهان على يوم البعث لأن إحياء الأرض الميّتة في الدنيا يضاهي إحياء الموتى يوم القيامة ".
إذا كان الإنسان يشترك مع الأرض في الأصل الواحد وهو التراب فإنّ إحياء الأرض بعد موتها برهان على استطاعة الله إحياء الموتى يوم القيامة فإذا كان الله بقدرته يحيي الأرض الميتة بقطرات من الماء فهل يعقل أن يعجز عن إحياء الإنسان بعد موته وهو الذي بدأ الله خلقه من تراب..؟؟! فالذي أحيا الأرض قادر ولا شكّ على إحياء الموتى بعد فنائهم وهو قادر على كلّ شيء فالماء كما برهن يقينيا على وحدانية الله فهو يبرهن بالملموس ويقرّب إلى الأذهان كيفيّة البعث والنشور. فكون أصل الإنسان من تراب فإحياء الأرض بعد موتها يتفق مع إمكانية إحياء الإنسان بعد الموت، وفيما يلي بعض الآيات التي تشرح هذه المعاني وتربط بين كيفية إحياء الأرض بالماء وكيفية إحياء الله عز وجل الموتى يوم القيامة، يقول عزّ وجلّ: " يا أيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى ثم نخرجكم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفـّى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بانّ الله هو الحق وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كل شيء قدير" (الحج الآيات 5-6)
" والذي نزّل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون" (الزخرف الآية11) ." ومن آياته أنّك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنّه على كلّ شيء قدير" (فصلت الآية39)" والله الذي أرسل الرّياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشوز" (فاطرالآية9)
فهذه الآيات تجمع على أن الله الذي أرسل الرّياح مبشرات بهطول الأمطار، فتحرّك سحابا وتدفعه إلى جهة ما فيسوق الله هذا السحاب المحمّل بالغيث إلى بلد مجدب قاحل غير منبت فيحيي بالمطر الأرض بإنبات النبات بعد يبسها وجدبها. وبمثل ذلك الإحياء يحيي الله العباد بعد الموت ، فهو " يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون" (الرّوم/19).
ولعلّ ما يبعث به نزول الغيث من أمل وبشرى في نفوس الناس بعد اليأس والقنوط عمليّة تقرّب من الأذهان كيفية الحياة بعد الموت أيضا لأنّ اليأس نوع من الموت، يقول عزّ وجلّ: "وهو الذي ينزّل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" (الشورىالآية28). فالله هو الذي ينزل المطر لإغاثة الناس بعد يأسهم من نزوله وتعمّ رحمته كلّ شيء، وتنشر منافع الغيث في كل مكان، وهو الذي يتولى الصّالحين من عباده بالإحسان المحمود على كلّ حال، المستحق للحمد والشّكر على نعمه الكثيرة فالمطر دائما يحمل البشرى بالخير والخصب، يقول الحق تبارك وتعالى: "الله الذي يرسل الرّياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين. فانظر إلى أثر رحمة ربّك كيف يحيي الأرض بعد موتها إنّ ذلك لمحيي الموتى وهو على كلّ شيء قدير" (الروم الآيات 48-50)
الماء أصل كلّ الخيرات في الدّنيا والآخرة:
• في الدنيا
أ- طعام الإنسان أصله ماء
إذا ما نظر الإنسان نظرة تأمّل وتفكّر كيف أوجد الله له طعامه الذي هو سبب حياته فسيجد أنّ الله أنزل المطر إنزالا سخيا كثيرا، ثمّ شقّ الأرض حبّا كالحنطة والشعير، وأعناب وكلّ ما يقطع أخضر طريّا وأشجار زيتون ونخيل وبساتين كثيرة الأشجار.. وفاكهة مختلفة الألوان والأنواع وعشبا للدواب، خلقها الله منفعة للبشر ولجميع حيواناتهم يقول عزّ وجلّ: " فلينظر الإنسان إلى طعامه إنّا صببنا الماء صبّا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبّا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبًّا متاع لكم ولأنعامكم" (عبس الآيات 24-32). كما جاء قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبّا ونباتا وجنات ألفافا" (النبأ الآيات 14-16).
فكل ما يمثل قوتا للعباد من بساتين مشجرة كثيرة، وزروع مختلفة ذات حبوب كالبر والشعير والنّخيل المتميّز بأشجار طوال عالية لها ثم منضد: كل هذه الخيرات أصلها المطر رمز الخير والبركة والمنفعة يقول عزّ وجلّ: " ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحَبَّ الحصيد، والنخل باسقات لها طلح نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج" (ق الآيات 9-11).
إنّ الرّبيع يبعث مع جريان الجداول، فتعمر المنتزهات الزاهية وتزدهي الطبيعة بكساء مزركش أخاذ، ويعبق الفضاء بنسيم نقي عاطر وترفرف البلابل والفراشات فتلقاها تجيء وتروح وتحوم وترقص... ويهنأ الناس بأشهى الثمار وأجمل الورود والياسمين. وكل هذه الخيرات التي ينعم بها البشر تسقى بماء واحد كما الرّب واحد. لكن لا يجب أن يغترّ المرء بهذه الخضرة والتنوّع لأنّ كلّ ذلك سييبس ويجف فتراه مصفرّا بعد خضرته، ثمّ يتفتّت ويتكسّر يقول الله في ذلك: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب" (الزمرالآية21).
وهذه القوانين تنسحب على كل المخلوقات الكونية حتى يعلم الإنسان أن عبادة الله هي الغاية القصوى من خلقه فيسعى تبعا لذلك في هذه الحياة الدنيا مستفيدا مما سخره الله من الكائنات والخيرات كوسيلة لحفظ البدن الذاكر الشاكر المتفكّر...
ب- استخراج الزينة والحلي من البحر
يعتمد الإنسان في معاشه على ما يستخرجه من البحر أيضا كالسمك واللؤلؤ والمرجان، كما يستعمل السفن عابرات شاقات الماء يجريها فيه طلبا لرزق الله وفضله بالتجارة يقول عزّ وجلّ: " وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريّا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون".(فاطرالآية12)
ج- الماء فيه شفاء من بعض الأسقام:
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنّ النبي الصّابر أيّوب بن أموص بن أروم حين دعا ربّه متضرّعا بأنه أصيب بضرّ ومشقّة وألم أي مرض قال له الله: اضرب برجلك الأرض يخرج ينبوع من الماء البارد، كما أمر موسى بضرب الحجر، فضرب، فنبعت عين جارية، قيل له هذا ماء بارد مغتسل تغتسل به، وشراب تشرب منه، ففعل فبرئ مما أصابه، يقول الله تعالى في ذلك: " واذكر عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه إنّي مسّني الشيطان بنصب وعذاب، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" (ص الآيات 41 -42).
د- الماء إحدى المعجزات وحجة على الكفار:
فقد أوحى الله إلى موسى عليه السلام حين طلب قومه السقيا، لما أصابهم من العطش في صحراء التيه، أن اضرب بعصاك الحجر، فانفجرت منه أثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط، فقد علم كل سبط منهم مكان شربهم، قال تعالى: " وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه أثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم" (الأعرافالآية160). وكان الماء من أبلغ الحجج التي قدّمها النبي نوح عليه السلام لقومه لكي يؤمنوا بالله ويوحدوه، قال عزّ وجلّ على لسان نوح: " فقلت استغفروا ربّكم أنّه كان غفّارا يرسل السّماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا" (نوح الآيات 10-12). وكذلك ذكّر كل من هود وصالح عليهما السلام قومهم بنعمة الماء يقول عزّ وجلّ: " كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون... فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدّكم بأنعام وبنين وجنات وعيون" (الشعراء الآيات 123-134).
وقال صالح عليه السلام لقومه ثمود: "إنّي لكم رسول أمين فاتّقوا الله وأطيعون... أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون" (الشعراء الآيات 143-147). كما كان الماء سببا في إنقاذ المؤمنين بنوح عليه السلام من الطّوفان في السّفينة التي تجري فوق الماء، وهي سفينة نوح يقول عزّ وجلّ: "..إنّا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" (الحاقة الآية11). وجعل الله اليم منقذا لموسى من الموت المحتم على يد فرعون عليه لعنة الله. يقصّ القرآن ذلك فيقول: " وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين" (القصص الآية7).
ولمّا عرض زعماء قريش كأبي سفيان والنضر بن الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والجاه والشرف ليكفّ عن دعوته فأبى ذلك... فسانده الله على موقفه مبينا له أنّه لو شاء لجعل له خيرا ممّا اقترحوه، وهو بساتين تجري من تحت غرفها الأنهار ممّا يبرهن على أن الماء يحتل عند الله أعلى الدرجات من بين جميع الخيرات، يقول عزّ وجلا في ذلك: " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا" (الفرقان الآية 10 )
• في الآخرة
أ- الماء مكوّن من مكوّنات الجنّة :
هذه بعض العينات للأهمية البالغة التي يحتلها الماء في حياة البشر من وجهة نظر إسلامية حاولنا أن تكون مدعّمة بآيات من القرآن الكريم، وهذه الأهمية التي يحتلها الماء في هذه الدّنيا ستزداد أهميتها يوم القيامة بالنسبة للمؤمنين الذين فازوا برضوان الله عزّ وجلّ وفيما يلي بعض الآيات القرآنية التي تصوّر لنا النعيم الذي سيمتع به الأبرار في الجنّة والذي سيكون الماء ركيزة من ركائزه يقول عزّ وجلّ: " إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير" (البروج الآية11).
"إن الأبرار لفي نعيم، على الأرائك ينظرون، تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه من مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم، عينا يشرب بها المقرّبون" (المطففين الآيات 22-28). "إنّ المتقين في ظلال وعيون وفواكه ممّا يشتهون، كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون، إنّا كذلك نجزي المحسنين" (المرسلات الآيات 41-44). "إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا" (الإنسان الآيات 5-6).
" إنّ المتقين في مقام أمين في جنّات وعيون" (الدّخان الآيات51-52). " لكن الذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيّة تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد" (الزمر الآية 20 ).
"هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب، جنّات عدن مفتّحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب" (ص الآيات 49-51).
"إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرّمون، في جنّات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذّة للشاربين لا فيها غَوْل ولا هم عنها ينزفون" (الصافات الآيات 40-48).
فالمؤمن كما هو في الدّنيا خيّر نافع مثمر، فإنّ جزاءه يوم القيامة يكون الإقامة الدّائمة في بساتين مختلفة، وأنهار متنوّعة، وفي مكان لا لغو فيه ولا تأثيم، عند ملك قادر لا يعجزه شيء، يقول عزّ وجلّ: "إنّ المتّقين في جنّات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" (القمر الآيات 54-55).
الماء وسيلة يعاقب الله بها الكفار:
• في الآخرة
إنّ آية الماء التي تبرهن على وحدانية الله وعظمته وتقرّب إلى الأذهان كيفية البعث والنشور وكانت أصلا لخيري الدّنيا والآخرة بما تبعثه من خيرات في كافة مرافق الحياة، شاءت حكمة الله أن يكون الماء أيضا أداة فعّالة في عقاب الكفار في الدّنيا ومجازاتهم يوم البعث، فعلى عكس الجنّة التي وعد الله بها المتّقين، فيها أنهار جارية من ماء غير متغيّر الرّائحة والطّعم، وأنهار من حليب لم يتغيّر طعمه أيضا وأنهار من خمر لذة للشاربين، غير مؤذية ولا كريهة الطعم كخمر الدّنيا، وأنهار من عسل مصفـّى من الشّوائب على عكس مصير هؤلاء المتّقين سيكون مصير الكفار الخلود في النّار وسيسقون ماء حارّا شديد الغليان، فيقطع أمعاءهم، لشدّة حرارته، يقول عزّ وجلّ: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن و انهار من لبن لم يتغيّر طعمه وانهار من خمر لذّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربّهم كمن هو خالد في النّار وسقوا ماء حميما فقطّع أمعائهم" (محمد الآية 15).
• في الدنيا
إنّ هذه الحال التي سيكون عليها الكفّار يوم القيامة هناك صورة مصغّرة لها في هذه الدّنيا وفيما يلي بعض الأمثلة:
- غرق قوم نوح: كذبوا نبي الله نوحا عليه السلام وقالوا عنه مجنون وزجروه بشدّة فازدجر وكفّ عن دعوى الرّسالة فدعا ربّه بأنّه مغلوب على أمره ففتح الله أبواب السّماء بمطر غزير منصب بشدّة وتتابع وشقّ عيون الأرض بالمياه، فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قضى به في الأزل وقدره الله وهو الطوفان على "أمر" وهو إغراقهم... يقول عزّ وجلّ: " كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربّه إنّي مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السّماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر" (القمر الآيات 9-12)، "قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين، قال ربّي إنّ قومي كذبون، فافتح بيني وبينهم فتحا ونجّني ومن معي من المؤمنين، فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعدُ الباقين، إنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين" (الشعراء الآيات 116-121).
ويقول تعالى: " وقوم نوح لمّا كذبوا الرّسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما" (الفرقان/37).
فالله لما استنجد به نوح عليه السلام أوحى إليه أن اصنع السفينة بحفظه وعنايته وإرشاده وتعليمه إيّاه وأمره بأن يحمل في السّفينة من كلّ أنواع الحيوان صنفين: ذكر وأنثى، ليستمرّ توالد الحيوان وتبقى الحياة في الأرض ثمّ كتب على الذين ظلموا الغرق والموت.
- غرق فرعون وجنده وترك العيون والجنان: يقول عزّ وجلّ: " فدعا ربّه أنّ هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنّهم جند مغرقون، كم تركوا من جنّات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين" (الدخان الآيات 22-28). وقال الله تعالى في سورة الذاريات: " وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ وهو مُليم" (الذاريات الآيات 38-40). ويقول عز جلّ مبينا أن الإغراق كان بسبب الإفراط في العصيان والفساد وإغضاب الله : " فاستخفّ قومه فأطاعوه أنّهم كانوا قوما فاسقين فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" (الزخرف الآيات 54-55).
فعاقبة الظلم والكفر تكون دائما وخيمة بمقتضى النواميس الإلهية: "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين". (القصص الآية 40 ).
الإسلام و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي!؟
بقلم : محمد بن سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)
إن العمى الفكري و التضليل و الدروشة التي صارت تروج لها النخبة و جل الحركات و الأحزاب الإسلامية و العلمانية في الوطن العربي ... حتمت علينا كتابة هذا المقال :
علمانيون و إسلاميون يروجون لثقافة الدروشة و يبيعون صكوك الغفران و يتمعشون من نشر الشذوذ الفكري و النفسي في بلاد الإسلام ..
في أواخر القرن التّاسع عشر الميلادي كانت حركات الإستعمار الكبرى للعالم الإسلامي تركز قواعدها في الهند ومصر والجزائر وتونس والسودان ... كحلقة أخيرة من حلقات تطويق العالم الإسلامي والإنقضاض على ثرواته و أراضيه و كل خيراته.. ونهبها..! وكان قد مهّد لإستعمار بلاد الإسلام بغزو حضاري و ثقافي نشيط، ابتدأه وألهب شرارته الأولى في ديار الإسلام ما يسمون عندنا « بزعماء الإصلاح العرب»!؟ وهكذا تراجعت الرّابطة الإسلامية كشكل من أشكال البناء السّياسي القائم .. أمام ضربات الإستعمار الموجعة .. وقد توّج ذلك بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م على يد كمال أتاتورك..
لقد تمزقت الرابطة الإسلامية - التي وحدت المسلمين سياسيا و جغرافيا لقرون عديدة - خلال القرن العشرين وتنازعت الدّول الإستعمارية الكبرى ميراث الإسلام وثرواته و أراضيه ... وسيطرت على أضخم قواعده وقدراته .. واندفعت الحركة الصّهيونية العالميّة بدعم مباشر من الإستعمار الغربي ..!! تسيطر على فلسطين وتجعل من احتلال بريطانيا للقدس مقدمة لسيطرتها عليها بعد خمسين عاما...!!
ولقد قاوم "ورثة الإسلام" في معارك حاسمة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي في أفغانستان والقرم ومصر وسورية والجزائر والعراق وباكستان .. وحققوا بعض الإنتصارات.. وتحرّرت ديار الإسلام من نفوذ الإستعمار العسكري الغربي المباشر وانبعثت من قلبه « حركة تحرّرية و تنويرية » بعد طول سبات.
غير أن حركة التـّنوير والتـّحرر الفكري / الحضاري لم تلبث أن واجهت عقبات كأداء في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن الجديد، فقد تحالف الإستعمار الغربي و الإستكبار العالمي والصّهيونية و أزلامهم.. من أجل ضرب حركة التـّنوير والتـّحرّر الإسلامية ودفعها دفعا للإنحراف عن ثوابتها الإسلامية و بصائرها القرآنيّة الأزلية المنزلة على محمد صلى الله عليه و سلم.." لتحرير البشرية من عبادة العباد لعبادة رب العباد و فك أسرها من الظلم و الطواغيت و الأغلال المختلفة...!؟.." ومن ثم فانّ أخطر التحدّيات التي تواجه "ورثة الأنبياء " - عليهم السلام - في السّنوات الأخيرة تتمثل أساسا في الحفاظ و الإستمساك الواعي بالهوية الإسلاميّة والثوابت القرآنية وحماية الهوية الثقافية والحضارية للشعوب الإسلامية، وتطوير هياكلها وتحرير الفكر الإسلامي من الجمود و التقليد والعمى الفكري/الحضاري و فكر الدروشة..! ومن الأخطار الفكرية الشاذة والمفاهيم الثقافية المغلوطة و المنحرفة عن هداية الله و بصائره الأزلية و قوانينه الأبدية المنظمة للأسرة و المجتمع و الحياة عامة.. ورعاية شؤون المسلمين في العصر الحديث طبقا للثوابت الإسلامية.. داخل أرض الإسلام
و خارجها ..! و تحصين﴿ أمة الإسلام ﴾ ضد المخاطر الثقافية والحضارية التي تلقى إليها عن طريق وسائل الإعلام والإتصال المختلفة.. وعبر التبشير.. والإستشراق المنحاز لضلالات رجال الدين اليهودي و المسيحي .. و ضد الشعوبية المتطرفة.. والقوميات المتعصبة.. وهي آليات
و مفاهيم منحرفة تلتقي جميعا على هدف : إذابة الهوية الحضارية و التشكيك في الثوابت الإلاهية لأمتنا الإسلامية.. بدعوى "الحداثة" و"العولمة" و"العلمانية" و" اللائكية " و الإجتهاد و مواكبة العصر..! و غيرها من بدع جاهلية الإنسان الغربي الحديث و حيوانيته و تخلف الإنسان العربي / المسلم و تبعيته و انهزامه الحضاري و انبتاته عن ثوابته القيمية الإسلامية و هجره للقرآن منذ أمد بعيد!!؟... وهي دعاوي وإن اختلفت مسمياتها وتنوعت مصادرها و اختلفت.. إلا أنّها تتّـفق على أن يترك المسلمون ثوابت دينهم الإسلامي ومفاهيم قرآنهم وقوانينه الأزلية المطابقة لحقائق الكون والحياة والإنسان و فطرته التي فطره الله عليها منذ خلقه للكون .. واستبدالها بفلسفات مريضة وتيّارات جانحة منحرفة من الفكر والثقافة والإعتقاد ونظرة خاطئة لحقيقة الألوهية والقدر و تأويل خاطئ للنصوص المقدسة ﴿ التوراة والإنجيل والقرآن ﴾ حتى يسهل للغرب الإستعماري و الإستكبار العالمي وأزلامهما من الأقوام التبع و ورثته من بني جلدتنا بعد ذلك السّيطرة على شعوبنا الإسلامية و استغلالها و إذلالها فكريا و حضاريا و سياسيا .. ونهب ثرواتنا .. واستغلال شعوبنا وتركيعها لسيادة الغرب الموهومة و ربوبيته المزعومة للعالم وإخضاعها لأطروحاته المعادية لكل مصالحنا و كل مصالح الشعوب المستضعفة..!!؟ هذا هو التحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون/ "ورثة القرآن" في بداية هذا القرن 21 !؟ فالقضاء على أصالة هذه الأمة وكيانها الفكري والروحي و الحضاري .. هو مقدمة الغرب ألإستكباري/ الإستعماري لتحقيق مآربه ومآرب الصهيونية اللقيطة في الإستيلاء على ما تبقى من أرض الإسلام وخيرات أراضيه الممتدة شرقا وغربا !!؟
إنّ كلّ هؤلاء "الأعداء" لا يخفون عداءهم لحملة﴿ الرّاية الإسلامية﴾: الذين اختاروا طريق الأنبياء والصّالحين للسير على منهجهم
و الإنتصار للحق وإعلاء كلمة الله والتّمكين لشريعته الأزلية التي فطر الناس عليها في الأرض.. ومن ثََََم: تحقيق الأمن و الإستقرار لشعوبنا الإسلامية و لكافة شعوب الأرض.. و تحقيق وحدة المسلمين و عزتهم تحت راية القرآن و كلماته الأزلية المعجزة لأنها كلمات﴿ الله العزيز الخبير﴾.. وهذا العداء للإسلام و أهله تتفق عليه مختلف مؤسسات هؤلاء الأعداء: الثقافية والسّياسيّة والعسكريّة وغيرها، وورثتهم
و أتباعهم في ديارنا الإسلامية، وخلاصة ما يسعى إليه الغرب الإستعماري/ ألإستكباري بمعية الصّهيونية العالميّــة اللقيطة و أزلامهما من بني جلدتنا ..: هو التدجين ومن ثم الإحتواء و الهيمنة..! ولعل أبرز التّحديات التي واجهت الشعوب الإسلامية لتدجينهم و من ثم احتوائهم والهيمنة عليهم عن طريق العملاء و التبع تتمثل في تحريف مفاهيم الإسلام وتشويهها أو تأويلها وإخراجها عن طابعها المتكامل الجامع بين الدنيا والآخرة : متّهمين شريعته بأنها سبب تخلف المسلمين و تقهقرهم الحضاري..!؟؟ و قد نادى هؤلاء الأعداء جميعا باستبعاد مبادئه الأزلية و قوانينه الفطرية الحقة وعزلها عن الحياة..!!؟؟ ودعوا إلى "اللائكية" و"العلمانية" بديلا عنه!؟ كما استغلوا جهل العامة والخاصة في ديارنا و غفلتهم عن أهمية الشريعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية في الحفاظ على مكتسبات الأمة المسلمة وحماية النفس البشرية والكيان الإجتماعي من السقوط والإنهيار، ونادوا بالتحلل منها واستبدالها بقوانين الغرب وشريعته العمياء - والتي حولت العالم كما حولت مجتمعاته الغربية نفسها .. إلى غابة وحوش ضارية يأكل القوي فيه الضعيف كما هو مشاهد اليوم!؟- رغم عدم انسجام هذه القوانين
و التشريعات الوضعية العمياء مع بصائرنا القرآنية و خصوصيتنا الحضارية وقيمنا الثقافية ومفاهيمنا الإسلامية و قناعات شعوبنا الإسلامية ومعاييرها الإلاهية ..!؟
ثم امتدت دعوة التغريب و الإنبتات .. فزيفت المفاهيم وحرفت الكلم عن مواضعه وشوهت المبادئ التي أقامت الحضارة الإسلامية وأوصلتها إلى أقاصي الأرض واستمد منها المسلمون القوة على الصمود والقدرة على الفعل وبناء القوة والعزة والحضارة ووراثة الأرض وامتلاك ناصية الأمم و الشعوب لردح طويل من الزمن.. وأهلتهم لأن يكونوا :﴿ خير أمة أخرجت للناس﴾..!
ويمكن حوصلة الهجمة الغربية – الصهيونية و أتباعهما على الإسلام في النقاط التالية:
محاربة الإسلام عن طريق نخبه المتغربة/المنبتة عن هوية أمتنا الإسلامية ... بنظريات زائفة كالتي تزعم "أن الدين ليس سوى الإنعكاس الواهم في دماغ البشر للقوى الطبيعية التي تسيطر على وجودهم اليومي": ( نظرية كارل ماركس/ ماركس محق إذا كان يقصد الدين اليهودي و الدين المسيحي المحرف و ليس دين التوحيد لموسى و عيسى و محمد عليهم السلام المفصل في التوراة و الإنجيل
و القرآن) المنزل﴿ من لدن عزيز حكيم﴾..!
كما شكلت مصنفات ما يسمون "بفلاسفة الأنوار" في القرن الثامن عشر ميلادي أرضية خصبة لمحاربة الدين عامة والفكر الإسلامي خاصة، من بعد ما تبنته نخبة هامة من "زعماء الإصلاح" في البلاد الإسلامية !!!؟- كما سبق و بينا خلال دراستنا لفكر عبد الرحمان الكواكبي – راجع كتاب : نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه ، الصادر بتونس 2009 ، ولم يع هؤلاء –"الزعماء"- أنهم كانوا يحفرون مقابرهم و مقابر حضارتهم الإسلامية بأيديهم!؟.
محاربة القيم والمبادئ والثوابت الإسلامية و اليهودية و المسيحية المشتركة وكل القيم الإنسانية النبيلة التي تنسجم مع فطرة الإنسان السوي، بدعوى أنها قيم نسبية ومتغيرة، ومرتبطة بالبيئات والعصور وتختلف باختلاف الحضارات!!؟ (التطبيقات البشرية للقيم الإلهية هي عملية نسبية لكن القيم و المعايير والموازين الإلاهية مطلقة و أزلية و صالحة لكل زمان و مكان )، والعالم كله يخضع طوعا و كرها لهذه القوانين الإلاهية ../
الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها من مخلفات المجتمعات الإقطاعية وعصور الإنحطاط !!؟ والتشجيع على العلاقات المنحرفة و الشاذة كاللواط والسحاق-العلاقات المثلية - وهو ما تدعو إليه رمز الشذوذ الفكري و الجنسي في تونس ألفة يوسف !؟ - ... والإجهاض... كحل للمشكلات الأسرية و الإجتماعية و الشبابية ، وهي دعوة شيطانية لتغيير خلق الله و فطرته التي فطر الناس عليها.. و بسبب ذلك تحولت حياة الناس شرقا و غربا إلى جحيم لا يطاق – كما حارت سيدة الشذوذ الفكري في أمرها : ألفة يوسف، راجع كتابها حيرة مسلمة- و فقد الرجل و المرأة دورهما الطبيعي المحدد لهما في الحياة .. فاستشرت الأمراض المزمنة نتيجة لذلك وانتشرت السيدا و العجز الجنسي و الأمراض العصبية والذهانية و غيرها انتشارا مرعبا بين الناس كما نلاحظ اليوم بل طالت الأمراض المرعبة حتى الحيوانات بسبب فساد الإنسان و سوء تقديره لعواقب تغيير خلق الله :(جنون البقر و أنفلونزا الطيور و الخنازير )...!!؟
الدعوة إلى قيام العلاقات البشرية على أساس المصالح المادية والعرقية والإثنية وإثارة العصبيات الطائفية والعرقية كما يروج الأمريكان و أزلامهم في العراق منذ احتلاله عام 2003..!!؟ ﴿هذه الدعوة تتناقض حتى مع دعوتهم للديمقراطية و دولة القانون ! لأن القانون لا يفرق بين الناس عند تطبيقه : إنهم عميان البصيرة كالأنعام لا يعقلون بل هم أضل و يحسبون أنهم مهتدون !؟
إيجاد الأحزاب السياسية – علمانية و إسلامية - التي تتبنى مفاهيم الغرب و معاييره المزدوجة في ديارنا و رعايتها ماديا و لوجستيا..!!
محاربة اللغة العربية الفصحى، لغة الإسلام الأولى ولغة القرآن الكريم/ الكتاب الذي تحدى الجن و الإنس على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.. لإدراكهم الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي ومجد ووحدة المسلمين، وقد عملوا جاهدين على ترويج الدعاوى التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم والبداوة وألقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري للمسلمين ورفعوا شعار: « من أراد التقدم والرقي فلا يتكلم اللغة العربية »! زاعمين بعدم استجابة اللغة العربية الفصحى للحضارة الحديثة وأنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها ؟! متعامين بذلك عن أن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و ليس عجز اللغة أو تخلفها كما يزعمون ..!؟﴿راجع كتاب : اللسان العربي و تحديات الخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي لمحمد بن سالم بن عمر الصادر بتونس 1995)
اعتماد مناهج تربوية من قبل الحكومات "العربية و الإسلامية" بعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي في تربية الإنسان المسلم المثبت من الله ﴿ بالقول الثابت﴾ و القوانين الأزلية و التنويرية في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والمستضيء بنور الله و بصائره التي لا تخبو أبدا﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ﴾.
خلق مفهوم صراع الأجيال حتى يسهل بعد ذلك دفع الشباب إلى الإنهيار والتمزق في ظل فراغ نفسي وفكري وثقافي وعطش روحي
و دفعه للإنحراف و الشذوذ و تقديس الجنس و المخدرات و الإعتقاد الخاطئ في عبثية الحياة..!!؟
وقد تخفى هؤلاء المستكبرون عميان البصيرة .. وراء مذاهب ونظريات منحرفة مغرضة أثبت العلماء المحايدون جهالتها و تفاهتها
و تضاربها مع حقائق الوجود وعدم ارتكازها على حقائق علمية ثابتة وانبناؤها على الظن والتخمين .. وليس لها أية صلة بالواقع البشري
و حقائق العلم و المعرفة، بل وقدرة هذه النظريات الفائقة على تخريب عقول الناشئة وصنع "الرجال الجوف " حسب تعبير أحد شعرائهم!!؟
كل هذه الوقائع قد ساهمت بدورها في تبعية مجتمعاتنا الإسلامية و تأبيد تخلفها حتى بدا للعيان أن شفاءها قد صار متعذرا..؟!
إن مجابهة كل هذه التحديات الخطيرة وغيرها على مستقبل أمتنا الإسلامية: تبدأ بتجديد الثقافة الإسلامية التصحيحية المبنية على الثوابت الإلهية الحقة... مستمسكين بثوابتنا القيمية والحضارية ومفاهيمنا الإسلامية المبثوثة في ثنايا "الذكر الحكيم" ميزان المسلمين الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، و الذي اتخذه المسلمون﴿مهجورا﴾ منذ أمد بعيد..! إنطلاقا من إدراكنا ووعينا بنسبية الحضارة البشرية و نسبية فهم الأجداد و الآباء للثوابت القرآنية و المعايير الإلاهية و الموازين الربانية كل حسب أزمنتهم و أمكنتهم و أطرهم التاريخية و الحضارية، إذ لا يعقل بداهة أن نجابه مفاهيم الزيف الحداثي والعولمة و هذا الضياع لكل شعوب العالم بسبب القوانين الوضعية الظالمة بحكم قصور واضعوها عن إدراك متطلبات الحياة الكريمة لبني آدم و التي أهوت بنا جميعا في مكان سحيق من الفقر و البطالة و الأمراض المزمنة – راقبوا الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية المتكررة لكل الأنظمة العلمانية مهما اختلفت مسمياتها .. وكل منجزات الحضارة المعاصرة و ما بلغته من تقنيات غاية في التطور و التقدم .. لا يعقل أن ننظر إليها بأعين أموات منذ قرون خلت أو بمفاهيم عصور الإنحطاط في تاريخنا الإسلامي أو بمفاهيم حضارتنا الإسلامية القديمة .. أو بمفاهيم الغزالي وابن تيمية وابن رشد و غيرهم!؟ و الذين عاشوا في زمن غير زماننا و في واقع حضاري و اجتماعي معيش غير واقعنا في العصر الحديث (القرآن كثيرا ما عاب على المشركين نظرتهم التقديسية لميراث الآباء و الأجداد بقولهم : إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون !؟ وهو ما يكرره عرب القرن 21؟؟؟ ).. ودون أن نطور مفاهيمنا – مرتكزين على بصائرنا القرآنية ومعطياتنا الحضارية الراهنة – ونصحح ما تآكل منها بمفعول الزمن و تقدم الحضارة البشرية .. ونجعلها تأخذ بالألباب كما أخذت بألباب رجال الجاهلية الأولى .. لارتكازها على الحق والنور الإلهي و ثوابته الأزلية و قوانينه السرمدية التي كلّفنا – نحن أمة الإسلام وورثة الأنبياء - بالإستمساك بها و تبشير العالم برحمتها ... حتى نكون شهداء على الناس كافة و نقود مسيرتهم و مسيرة شعوبنا الإسلامية نحو التقدم و النما و الخير و الرحمة و الجمال.. في الحياة الدنيا و في الآخرة... فنغنم و يغنموا.. و نسعد و يسعدوا.. بعدما أرهقتهم و أرهقتنا القوانين الوضعية العمياء الظالمة و الحضارة الغربية المتداعية للسقوط!!!؟
إن دراستنا لكيفية قيام الحضارات البشرية المختلفة قد كشفت لنا - بما لا يدع مجالا للشك - أن الحضارات الإنسانية تخضع في صيرورة نشوئها و انقراضها – على اختلاف منظوماتها الفكرية و القيمية - إلى ثوابت و نواميس كونية أزلية عامة و مشتركة بين جميع البشر مهما اختلفت أديانهم و تنوعت ايديولجيتهم وتفرقت أراضيهم و اختلفت أزمانهم ..، و إن إيجاد حضارة متطورة و متقدمة يبدأ بإيجاد الإنسان
الذي يتبنى الأفكار و المفاهيم الراقية والمتقدمة..، فالله لن يغير ما بقوم حتى﴿ يغيروا ما بأنفسهم﴾.. وان قانون تغيير ما بالنفوس البشرية لتغيير الواقع المادي والحضاري للشعوب .. قانون أزلي لم يشذ عنه حتى أتباع المادية التاريخية الذين ينظرون إلى المادة كونها أساس كل أمر في الحياة، وأن البشرية مسيرة في مختلف أطوارها بتأثير المادة فقط..!!؟ فالقوانين التي تتحكم حقيقة في أحداث التاريخ البشري
و مجرياته وتوجه مختلف تطوراته هي القوانين الكونية /الأزلية التي سطرها الله في القرآن العظيم و يحكم بمقتضاها موجوداته و سائر مخلوقاته كما تخضع لها سائر المخلوقات طوعا و كرها.. و ما على الإنسانية إلا العودة إلى كتاب ربها مباشرة بدون وسائط رجال الدين إذا ما أرادت أن تهتدي و تنتظم أوضاعها و ينصلح حالها، و ليس إلى كتب رجال الدين من الفقهاء و الأحبار والرهبان الذين تكون تفسيراتهم وتأويلاتهم للنصوص المقدسة محكومة بمصالحهم و مصالح الطبقات التي يمثلونها أو الضاغطة عليهم سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا..! لقد شكل رجال الدين و مفاهيمهم - و ليس الدين نفسه- في التاريخ و الحضارة الغربية عقبات معرفية خطيرة وقفت في وجه تطور المجتمع الغربي و نهوضه و تحرره- لذلك تكاتفت جهود« فلاسفة الأنوار" وجهود الماركسيين على إزاحة هذه العقبة الكأداء، حتى كان شعار الثورة الفرنسية:( اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس).. وشعار الماركسيين:( الدين أفيون الشعوب) .. كما شكل رجال الدين و الفقهاء في التاريخ الإسلامي و لا يزالون اكبر داعم لحكم الطواغيت المتألهين و السماسرة المتاجرين بقضايا الشعوب ..، وإلباس الحق بالباطل و تفريق الأمة الإسلامية الواحدة إلى ملل و شيع متفرقة... متناحرة ، بأسها بينها شديد..!!؟ فمنذ استيلاء معاوية ابن أبي سفيان على الخلافة الإسلامية بالقوة و قيامه بتصفية أنصار علي بن أبي طالب بعد و فاة الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي 30 سنة.. شرﹼع الفقهاء المسلمون للطريقة العنيفة التي توخاها معاوية للإستيلاء على الحكم بالقوة و برروها شرعيا..!؟ كما شرﹼعوا باسم الإجتهاد– منذ ذلك الحين - للمذاهب الفقهية و المدارس الإجتهادية التي فرقت المسلمين
و قسمتهم إلى ملل و نحل متنافرة و متناحرة.. كل حزب بما لديهم فرحون!؟ و هم الذين شرعوا و يشرﹼعون لمذاهب السنة ومذاهب الشيعة و لمذاهب السلفيين الجهاديين قتلة الأبرياء من خلق الله..!؟ و هم الذين شرعوا و يشرعون للحركات الإسلامية المنادية بالديمقراطية الغربية و الإعراض عن قوانين الله و سننه الأزلية المفصلة في القرآن الكريم..!؟ و هم الذين يشرعون للأنظمة العلمانية اللقيطة التي تحكم العالم الإسلامي اليوم بتبريرات "دينية" و "فقهية" و"اجتهادية"..!!؟ لذلك أصبح "الفقهاء الإسلاميون" كما الحركات الإسلامية ( دراويش مجتمعاتنا الإسلامية في العصر الحديث) يشكلون – كما شكل رجال الدين المسيحي- عقبة كأداء وخطيرة جدا أمام تحرر مجتمعاتنا الإسلامية من ربقة الإستعمار الحضاري الغربي و من الأغلال الفقهية التي صارت تكبل المواطن العربي المسلم بأثقال تدفعه دفعا إلى مكان سحيق من التخلف الفكري و الحضاري والإنحطاط الأخلاقي وانتهاج الدروشة أسلوبا لحياته مما جعله يعيش خارج الزمان و المكان حتى صار أضحوكة العالم يمتهن كل ما من شأنه تسلية الإنسان الغربي ..!! بمبررات دينية و فقهية و اجتهادية ما أنزل الله بها من سلطان.!!؟ و توسيع قابلية المواطن العربي المسلم للنهب المحلي و الدولي والإستغلال المنظم برضى تام حتى غدا هذا المواطن فيئا يسيرا و أسيرا للجراثيم الفتاكة و كل الأمراض المزمنة ﴿كما تكشف الإحصاءات الطبية الرسمية)وافتقاد الرجولة و الكرامة و الخضوع للإستبداد و الإستحمار الفكري و الميوعة و الزندقة في العصر الحديث..!؟ ﴿ راجع نداءات حارة في مدونة محمد بن عمر:islam3mille.blogspot.com)
لقد ظلّ " المفكرون وزعماء الإصلاح و الزعامات السياسية " في البلاد الإسلامية يعتقدون ولا يزالون بأن الأنظمة والتشريعات السياسية والإجتماعية و الإقتصادية الغربية و غيرها .. هي التي ستنهض أمتهم الإسلامية من كبوتهم إذا ما اقتبسوها من المجتمعات الغربية المتقدمة، فاقتبسوا أنظمة الغرب وتشريعاته و لا يزالون، لكن دون جدوى...!؟ فالحال تزداد سوءا و انتكاسا على مر الأيام ..! وما دروا أنه على الرغم من تنوع الأنظمة والتشريعات لدى الشعوب المختلفة قامت الحضارات العديدة في التاريخ البشري.
إن القوانين والتشريعات ما هي إلا شكل من أشكال التنظم وتسهيل العلاقات الإنسانية في المجتمعات البشرية المختلفة، وتنبع عادة من حاجيات هذه المجتمعات وطموحاتها و تعبر عن إرادة أبنائها.. وتنبثق عن منظوماتها القيمية والفكرية و موازينها الدينية ومفاهيمها عن الكون والإنسان والحياة و معاييرها الدينية و الحضارية.. وليس هناك أي سند تاريخي أو واقعي يدل على أن الحضارة تبنى نتيجة لهذه القوانين والنظم والتشريعات البشرية و الوضعية..، وإنما هو إلتباس الأوضاع وضبابية الرؤيا.
لقد حد "بديع السماوات و الأرض" حدودا معلومة و قوانين راقية و ضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته منذ خلقه للكون و الإنسان
و الحياة.. تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات الحية و تضمن بها لنفسها صيرورة سالكة و حياة طبيعية هانئة.. وإن خروج أين من هذه الكائنات عن حدود الله و قوانينه و نظامه البديع وسننه الدقيقة في الكون و الحياة ، الذي أبدعه الله بقدرته الفائقة و حكمته الأزلية .. = يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها لتوازنها الحيوي واندثارها أو موتها و هلاكها.. فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له يعني حتمية احتراق الكون برمته .. كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته..أو تحطم السيارة أو الشاحنة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها ..!؟ كذا تضطرب حياة بني آدم و تنتابهم شتى الأمراض والمهالك و العلل – كما هو حالهم اليوم في مختلف أنحاء العالم - إن هم حادوا قليلا أو كثيرا عن ﴿الصراط المستقيم ﴾المعبد لهم للسير فيه منذ الأزل، و قد فصلت لهم معالمه و دقائقه تفصيلا بينا في كل الكتب الإلاهية التي لم تطلها يد التحريف أو التأويل أو التشويه - كما هو شأن القرآن الكريم - .. و قد عمل كل الأنبياء عليهم السلام على تذكير أقوامهم بمختلف معالم هذا ﴿الصراط المستقيم﴾ منذ نوح عليه السلام و انتهاء بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن الزيغ عن قوانين الله الأزلية و سننه الفطرية التي فطر الناس عليها يعني حتمية نيلهم الخزي و الشقاء في الدنيا (من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) بحكم موت أرواحهم التي فصلوها عن خالقها – الذي نفخها فيهم - بكامل إرادتهم ... و خلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين.فالله عز وجل قد أبان للإنسان المنهج الحق والشريعة الحق منذ خلق آدم عليه السلام، لذلك نجده عز وجل يخاطب عبده آدم عليه السلام منذ البداية قائلا: ﴿اهبطوا منها جميعا – الجنة- فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾(سورة البقرة الآيتين 38 و39 ). كما نجد الله عز وجل يذكر المسلمين دائما بأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكل الكتب الإلاهية السابقة له:﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾(سورة الأعلى الآيتين 18و19) وعندما يخاطب الله بني إسرائيل يقول لهم :﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون﴾ (سورة البقرة الآيتين 40 و41). كما أن عقيدة المؤمن مبنية أساسا على الإيمان بالله وجميع كتبه ورسله لأنها في النهاية كتاب واحد و إن تعددت لغاته واختلف حاملوه ... يقول الله عز وجل:﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (سورة البقرة الآية 285 ). وعندما يأمر الله عز وجل المؤمنين بصيام شهر رمضان يذكرهم بأن فريضة الصيام قد فرضت على المؤمنين من أتباع الرسل السابقين أيضا: يقول الله تبارك وتعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾(سورة البقرة الآية 183). وكثيرا ما ذكر القرآن المؤمنين أنه يريد أن يهديهم ﴿سنن الذين من قبلهم﴾ من عباد الله الصالحين .. والحاصل أن شريعة الله و منهجه في الحياة مكتملة منذ خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وقرر أن يجعله خليفة في الأرض، فأوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان، وكانت المهمة الأساسية لرسل الله عليهم السلام تذكير أقوامهم بها ليسير على هديها من شاء ويكفر بها من شاء، والمتبعون لها يسميهم الله:«المؤمنون والمهتدون وأولو الألباب وأولو العلم...» وغير المتبعين لتعاليم الله يسميهم الله :« المشركين والكفار والمنافقين والعصاة والظالمين والذين لا يعقلون والجاهلين و المفتقدين للعقل و العقلانية على عكس ما يتوهم إخواننا العلمانيون و اليساريون .. كما يشبههم الله عز وجل بالأنعام﴿ بل هم أضل﴾... وبالتالي لم يترك الله إمكانية للإجتهاد البشري في الدين ولو كان هذا المجتهد نبيا أو رسولا. فالتشريع و تحديد المعايير للسلوك البشري .. قد اختص الله به دون سائر البشر،وكل ما يحتاجه المؤمن في حياته الدنيا قد فصل الله فيه القول تفصيلا..! وقد أعلمنا الله عز وجل أنه:﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ و﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾. وهذا الإخبار القرآني باكتمال شريعة الله وتفصيل كل دقائقها ينزع عن المجتهدين في الدين و الفقهاء الإسلاميين ( أصحاب العمائم و الدراويش بحكم انتهاجهم لأسلوب حياة لا يتلاءم مع عصرهم بدعوى اقتدائهم بالسلف الصالح ؟؟!!) أي مشروعية، بل إن الله يعتبر أن أتباع هؤلاء المجتهدين في الدين /الدراويش :﴿ قد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم﴾ كما فعل اليهود والنصارى من قبل ،وبالتالي فان المجتهدين في الدين كالمذهب المالكي و المذهب الشافعي و مختلف المدارس الفقهية سنية كانت أو شيعية ... وأتباعهم هم كفار ومشركون في المفهوم القرآني بل يعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض بسبب نظرتهم للحياة بعيون أموات و ليس بعيونهم التي أنعم الله بها عليهم! فالمؤمن بالله حق الإيمان المقتنع بربوبية الله عز وجل لا يحتاج لانتهاج السلوك القويم إلاّ لكتاب الله الذي أنزل( الكتاب و الميزان﴾ الذي هو آيات بينات / بصائر إلاهية قادرة على إنارة دروب المؤمنين في كل زمان و في كل مكان على عكس المقولات البشرية التي كثيرا ما تقف حاجبا عن رؤية الواقع و الحقائق الوجودية .../ و هذه البصائر الإلاهية استطاع محمد صلى الله عليه وسلم - قدوة جميع المؤمنين- وأنصاره من الأميين المؤمنين فهمها واستيعابها بحسب معطيات عصرهم الحضارية (أي فهما نسبيا بحكم بشريتهم)، وإقامة دولة إسلامية قوية على أساسها..أوصلت تعاليم الله و شريعته و معاييره و قرآنه إلى أقاصي الأرض.!
لقد بدأ الصراع بين الحق و الباطل منذ أن بدأت الحياة على الأرض..! و قد ألهب شرارة هذا الصراع إبنا آدم عليه السلام.. و بدأ الصراع بين متبع لهداية الله المفصلة في الكتاب المنزل وخائف من عقابه.. و بين متبع لهواه و أنانيته..! لا يهمه أرضي الله أم سخط ..! و لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، اقتضت حكمة الله أن يبعث رسلا من البشر- مبشرين و منذرين - يذكرون أقوامهم بتعاليم الله و ثوابته و قوانينه الأزلية في شتى مجالات الحياة الدنيا.. و قد اجتبى الله هؤلاء الرسل من بين الناس لما تحلوا به من طهر و عفة و رجاحة عقل مقارنة بمعاصريهم من ذوي الألباب .. إن مهمة هؤلاء الرسل عليهم السلام تتمثل أساسا في تذكير أقوامهم بآيات الله البينات و طريقه المستقيم و المتضمنة لكل تعاليم الله مبتدئا بنوح عليه السلام و مختتما بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن تعاليم الله التي ذكر بها نوح – عليه السلام – قومه هي نفسها التي أوحى الله بها إلى محمد صلى الله عليه و سلم في ﴿القرآن﴾ وهي نفسها التي ذكر بها موسى و عيسى عليهما السلام : ﴿في التوراة و الإنجيل﴾ و هي نفسها التي ذكر بها داوود و إبراهيم عليهما السلام في ﴿ألزبور و الصحف﴾ : وهي ثوابت صار على هديها كل الصالحين من عباد الله المخلصين عبر مختلف العصور و ألازمان و في كل مكان .. إن السير طبق تلك الثوابت الإلاهية ( آيات بينات ) ماضيا و حاضرا و مستقبلا .. و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها هي الضامن الوحيد لرضوان الله و الفوز بجنته يوم يحشر الناس لرب العالمين... و هي الضامن الوحيد لوحدة الأمة الإسلامية في العصر الحاضر و العصور اللاحقة وهي الضامن الوحيد لقوة الأمة الإسلامية و وحدتها و عدم تشرذمها كما هو واقعها الآن بفعل هجرها للقرآن و لجميع ثوابته منذ زمن بعيد.
إن مبادئ الله و ثوابته في الكون و الإنسان و الحياة و المجتمع هي مبادئ عامة لكل البشر منذ خلق آدم عليه السلام وهي مفصلة تفصيلا دقيقا في كل الكتب السماوية قبل أن ينالها التحريف و التأويل و التشويه من قبل بعض أتباع الرسل السابقين على محمد صلى الله عليه و سلم .. لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ﴿ القرآن﴾ معجزا و غير قابل للتحريف أو التأويل أو التشويه ... متحديا الإنس و الجن أن يأتوا بسورة من مثله لأن محمدا صلى الله عليه و سلم هو آخر المرسلين لبني البشر ، و كتابه ﴿ القرآن ﴾هو آخر الكتب السماوية المنزلة على بني آدم .. من اتبعها فقد هدي إلى الصراط المستقيم و من زاغ عنها بدعوى الحداثة و الإجتهاد و التأويل فقد ضل ضلالا مبينا..!!
إن قراءة متبصرة لآيات القرآن العظيم .. لا تلفها الأهواء و التأويلات المغرضة.. تكشف لنا عن كل القوانين والسنن الفطرية التي تتحكم في جميع العوالم التي خلقها الله و الخاضعة طوعا أو كرها لمشيئته عز وجل لا تحيد عنها منذ الأزل .. كما تحتوي هذه الآيات و خاصة الآيات المدنية منها على كل سنن و قوانين أمة الإسلام الأبدية في الأسرة و المجتمع .. و التي قد سار على هديها الصالحون من عباد الله منذ أقدم العصور، و ملخصها:﴿ اعبدوا الله مالكم من الاه غيره﴾ فتوحيد الله وخضوع الإنسان السوي المؤمن لشرع الله في الأسرة والمجتمع و كل علاقات الإنسان بنفسه و بربه و بأخيه الإنسان و بالطبيعة واستشعار الله و خشيته سرا و جهرا – على عكس خضوع الإنسان لقوانين وضعية المفتقدة لكل وسائل الردع و الرقابة -.. كانت و لا تزال جوهر كل الرسالات السماوية .. و لذلك جعل الله الأمة المستمسكة بهذه القوانين الأزلية المستشعرة لخشية الله في الخضوع لتعاليمها .. أمة الشهادة على الناس أجمعين: ﴿ و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (سورة البقرة الآية 143).إن تشبث أمة الإسلام بقوانين الله و سننه الأزلية يخضع في التطبيق و التجسيد للنسبية التي يخضع لها سائر عمل بني آدم الذين يحيون في إطار زماني و مكاني محدودين .. فما ارتاه الرسول الكريم و صحابته استجابة لأوامر الله و نواهيه في المجال السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و في الحرب وفي السلم و تنزيل شرع الله في الحياة المدنية و تشكيل مختلف الأجهزة التنفيذية في المجال الأمني و العسكري و الإجتماعي و السياسي و غيره: أي في ميدان المعاملات و ليس في ميدان العبادات- قد يختلف اختلافا كليا عن ذلك الذي يرتئيه المسلمون في العصر الحديث لبعث دولة الإسلام دولـــــــــــة الــتـــــوحـــــيد القادرة لم شعث المسلمين و توحيدهم في كيان قوي .. نصرة لدين الله و للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها.. إن تغير العصر و تطور نوعية الحياة فيه و تقدم منتجات الحضارة الإنسانية.. لا يعني مطلقا تغيير المسلمين ﴿ لصراط الله المستقيم ﴾ و أحكامه و سننه الأزلية المفصلة في الذكر الحكيم.. بل يعني فقط الأخذ بأسباب الحداثة المادية و التقنية في الخضوع لكل قوانين الله و أحكامه في القرآن و الإجتهاد في تنفيذ الأحكام الشرعية المستمدة من القرآن بالأساليب و الوسائل الملائمة لحضارتنا في العصر الحديث قدر المستطاع ..
كما لا بد من استحداث الوسائل والآليات المناسبة و الأجهزة التنفيذية الملائمة و الكفيلة بتوزيع ثروات أرض الإسلام بأقصى درجات العدالة الإجتماعية و الأخوة الإسلامية و تقوى الله التي تجمع كل المسلمين برباط الإسلام حكاما محكومين ..!
التعليقات (0)