بدأت أطماع فرنسا في المغرب الأقصى تظهر منذ احتلالها الجزائر وإبان مقاومة الأمير عبد القادر، وقد أسفرت هزيمة جيش السلطان عبد الرحمن بمعية الأمير والقبائل في معركة إسلي سنة1260هـ، 1844م عن استسلام السلطان لمطالب فرنسا سواء فيما يخص الأمير عبد القادر أو الحدود أو الامتيازات التجارية. وكانت مشكلة الحدود أهم عنصر استخدمه الفرنسيون في الضغط على المغرب حتى انتهوا باحتلاله، زد على ذلك حق منح حمايتهم للمغاربة الذي حصل بموجب معاهدة سنة 1863م. ورغم أن بريطانيا كانت قد سبقت إلى الحصول على هذا الحق سنة 1856م، وتلتها أسبانيا سنة 1861م، لكن فرنسا توسعت في استخدام ذلك الحق دون غيرها فكان تهديدها لسيادة المغرب أشد خطورة. ذلك أنها لم تحترم قرارات مؤتمر مدريد لسنة 1298هـ، 1880م، وصارت تعطي حمايتها لشخصيات ذات نفوذ فتحرضهم على العصيان.
عندما تولى الحكم السلطان الحسن بن محمد(1291 - 1312هـ) حاول أن ينقذ البلاد، فأنشأ جيشًا نظاميًا استطاع أن يبسط به نفوذ الحكومة المركزية في كل المناطق التي تعترف له بالسيادة الاسمية (بلاد السيبة)وشملت إصلاحاته القضاء والإدارة، وكان هدفه في جميعها تدعيم سلطاته في الداخل وَوَضْع حدٍّ للأطماع الخارجية. واعتقد هذا السلطان أن خير وسيلة هي إيجاد توازن بين مصالح الدول، فرأى في مؤتمر مدريد نجاحًا كبيرًا لسياسته، لما تصور من أنه يحقق الموازنة بين المصالح، فيحمي البلاد من أطماع فرنسا وأسبانيا. لكنه أدرك بعد التجربة أن فتح باب الحمايات لجميع الدول ليس أقل خطورة. وقد ازدادت أطماع فرنسا في عهد أبناء الحسن؛ عبد العزيز (1312 - 1325هـ) وعبد الحفيظ - 1331هـ) ويوسف (1331 - 1346هـ) خاصة أن سياسة عبد العزيز قد اضطرت المغرب إلى الاستدانة من تلك الدولة بالذات منذ سنة (1321هـ، 1903م) وأثارت الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة بوحمارة، التي اندلعت في المناطق الشرقية سنة(1320هـ، 1902م) واستمرت حتى دخول الفرنسيين البلاد، وانتفاضة الشريف أحمد بن محمد الرسولي في الشمال، والتي بلغت ذروتها سنة 1322هـ، 1904م، وقد تعاون الرسولي مع الأسبان لما بدأوا غزوهم سنة 1329هـ، 1911م. وفي سنة1318هـ، 1900م، اتفقت فرنسا مع أسبانيا على اقتسام الأجزاء الجنوبية من المغرب الأقصى، فنالت أسبانيا الصحراء الغربية ونالت فرنسا موريتانيا، واضطر السلطان للقبول بالأمر الواقع. وفي نفس السنة 1318هـ عقدت فرنسا اتفاقية سرية مع إيطاليا نصت على إبعاد إيطاليا من المسألة المغربية مقابل إطلاق يدها للتصرف في طرابلس وبرقة. كما عقدت مع بريطانيا الاتفاق الودي سنة 1322هـ، 1904م الذي سلمت فيه بريطانيا بأطماع فرنسا في المغرب الأقصى مقابل اعترافها بوضع بريطانيا في مصر. وعقدت فرنسا اتفاقًا آخر في نفس السنة مع أسبانيا على مقتضى ما جاء في اتفاقها الودي مع بريطانيا، الأمر الذي جعل السلطان عبد العزيز يرسل وفدًا إلى برلين يستحث حكومتها على مساعدته إزاء الدول الطامعة، فحضر الإمبراطور الألماني ولهلم إلى طنجة في 1323هـ، 1905، ليؤكد صداقته للسلطان.وعقد مؤتمر الجزيرة سنة 1324هـ، 1906م بحضور وفود نفس الدول التي حضرت مؤتمر مدريد سنة 1298هـ بما فيها المغرب الأقصى. وقد أصدر قراراته في وثيقة عُرفت بميثاق الجزيرة نصت على الاعتراف بسيادة السلطان واستقلاله ووحدة أراضيه، مع المساواة التجارية لجميع الدول في المغرب الأقصى ومساعدة السلطان على تنفيذ برامج الإصلاح. كما نصت على تأسيس بنك مركزي برأسمال دولي، وتشكيل شرطة أسبانية فرنسية بقيادة سويسيري للموانئ المغربية. وكانت النتيجة ازدياد الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة ماء العينين في الجنوب، التي كان هدفها تخليص المغرب الأقصى من الضغط الأجنبي وإيقاف التوغل الفرنسي في موريتانيا. وقد استغلت فرنسا مقتل طبيب فرنسي بمدينة مراكش في صفر1325هـ (مارس 1907) لتفرض على السلطان عبد العزيز شروطًا وتحتل مدينة وجدة وما حولها من الجهة الشرقية، كما استغلت مقتل ثمانية عمال أوروبيين في ميناء الدار البيضاء في جمادى الآخرة من نفس السنة واحتلت المدينة، فعقد الوطنيون في الشهر التالي مؤتمرًا بمراكش أعلن الجهاد وخلع السلطان. وامتدت الحركة إلى فاس باستسلام السلطان إلى فرنسا، فأعلن علماؤها خلعه وتعيين أخيه عبد الحفيظ في جمادى الأولى 1326هـ (يونيو 1908م) فقضى على انتفاضة بوحمارة وأضعف الرسولي وطلب من فرنسا سحب قواتها، لكنها فرضت شروطًا قبلها فوقَّع معها اتفاقية سنة 1328هـ، مما أطمع أسبانيا بدورها. وأثار استسلام السلطان القبائل فانتفضت وأصبح المنتفضون في ربيع 1329هـ، 1911م يهددون العاصمة فاس وأعلنوا زينًا سلطانًا في مكناس، فقبل عبدالحفيظ بتدخل القوات الفرنسية لنجدته.فاحتلت فرنسا فاس في 21 ربيع الثاني 1329هـ، 21 أبريل 1911م)، وكذلك مكناس والرباط، كما أنزلت أسبانيا قواتها في العرائش والقصر واحتلتهما. فدخلت ألمانيا مساومة مع فرنسا بأن أرسلت سفينة حربية للتظاهر أمام أغادير، مما أحدث أزمة تدخلت فيها بريطانيا ووقع حلها بإرضاء ألمانيا بقطعة من الكاميرون، وأعلنت فرنسا حمايتها للمغرب الأقصى في 11 ربيع الثاني 1330هـ، 30 مارس 1912م، ووقَّع السلطان عبد الحفيظ معاهدة الحماية.
التعليقات (0)