التقيت بها منذ ما يقارب العام تقريباً، جمعني بها معرض الكتاب .. وجدتها توقع كتابها الجديد، والجمهور يلتف حولها، سابقت نفسي لأحصل على نسخة من كتابها، وانتظرت حتى وصل دوري.
وقعت لي على الصفحة الأولى، والتقطت معها صورة تذكارية، وأفلت فرحاً بهذا الكتاب الممهور بخاتم الكاتبة نفسها.
منذ ذلك الوقت، وأحلام مستغانمي ما زالت تقول لي: «الأسود يليق بك»، وأنا مقتنع كل الاقتناع بأن الأسود يليق بي، ولكن لم أستطع أن أعرف لماذا؟
الكاتبة مشهورة، والكتاب مشهور، والأسلوب متميز، وفوق ذلك كله الكلمات التي في أول صفحة من الكتاب بخط الكاتبة، والتي قصدتني بها أنا شخصياً دون غيري من القراء.
أمسكت بالكتاب ذات يوم، وحاولت البدء به، لولا أن رسالة إخبارية جاءتني على الهاتف مفادها مقتل مجموعة من الأطفال بغارة جوية، فتنحيت عن القراءة.
ثم حاولت مرة أخرى أن أمسك بالكتاب لأدخل في جو القراءة، فتحت موقع التواصل الاجتماعي خاصتي لأصاب بالذهول من صور الدمار الذي لحق بتلك المدينة التاريخية الخالدة، فتنحيت عن القراءة.
ووجدت أن خير مكان للقراءة هو في العمل خلال أوقات الفراغ المستقطعة منه، ومع فنجان القهوة المر استلمت الكتاب، وقرأت كلمات الإهداء، ليدخل عليّ زميلي في العمل بوجهه المكفهر ويخبرني أن برميلاً متفجراً سقط على منزل أقربائه، ما أسفر عن موت تلك العائلة بأسرها والمكونة من ثمانية أفراد، فتنحيت عن القراءة.
ومنذ ما يقارب العام حتى الآن، لم أستمتع من الكتاب غير قراءة عنوانه، والاطمئنان أن الأسود ما زال يليق بي.
أتمنى أن أستطيع قراءة كتاب رومانسي ناعم يداعب دواخلي، ويؤجج كوامني، وينبش في أعماق عواطفي، ويشعل ما ترمد من مشاعري، ولكني لا أجرؤ.
فالكتاب إن لم تعش معه، وتحلق في جوه، لن تستمع به أبداً، وكيف أستمتع بما كتبت (أحلام)، وأنا لا أستطيع أن أعيشه في هذه الأيام.
إن الجو العام السائد يلفه السواد، وتقض مضجعه الحروب، وصوت الأنين من ذلكم الطفل يشبه صوت سيارة الإسعاف الذي لا يسكت، ودمعة تلك الطفلة المنسابة على خدها جففت في داخلي أنهار الشوق، وصورة الأم التي فقدت خمسة من شبابها أنستني صورة الوردة التي أهدتني إياها حبيبتي.
أحاول القراءة فلا أستطيع إليها سبيلاً، بل أعجب منها كيف كتبت مثل ذلك؟ وهل تعيش ما تكتب؟ أن تكتب ما تعيش؟ أم أنها تكتب ما تود أن تعيشه؟ ولعل الأخير هو الصواب.
إن قراءة كتاب رومانسي على ضوء الانفجارات، وعلى موسيقى الصواريخ والقنابل، وعلى إحساس اهتزاز الأرض من حولك على وقع سير الدبابات والمدرعات، لهو أشبه «بالحب في زمن الكوليرا».
ومع ذلك لن أتخلى عن الكتاب، فكلي يقين أن الأسود يليق بي ولا أزال أعيش أحلام العودة إلى الزمن الجميل، زمن السلام والمحبة والأمان، لأكون أفضل «عابر سرير» في «فوضى الحواس» إلى «ذاكرة الجسد» ولكن دون «نسيانكم».
التعليقات (0)