جهد محموم ولاهث ومعلن وعالي الصوت هو ما تبذله العديد من وسائل الاعلام الممولة من قبل الانظمة المعادية للتغيير الديمقراطي-وبقصدية واضحة- في حصر الحراك الثوري الشعبي في دول الربيع العربي ضمن اطار التحشيد الطائفي والفئوي وتقديمه كانتفاضة لقوى الاسلام السياسي اكثر من كونه نتيجة للاحتجاجات الشعبية المنادية بالحرية والعدالة والكرامة الانسانية.ولن نجانب الحقيقة اذا نظرنا الى المسؤولية الكاملة لهذا التشويش والارباك السياسي والاعلامي على كل التعثر السياسي والامني الذي يعصف ببلدان الربيع العربي ..
جهد تتجلى مفرداته في تقديم بعض الممارسات الاجرامية والتخريبية المدنسة لطهارة الحراك السلمي الشعبي على انها انعكاس لخيارات الشعب وطرح احزاب الاسلام السياسي كمعبر عن ضمير ووجدان الجماهير واستعادة تقنيات الانظمة المبادة بتغييب الآخر وشيطنته واحالته فورا الى خانة البغاة ومثيري الفتن والخارجين عن الاجماع الشعبي..ويتركز فيه نشاط فقهاء القطعة بالتسويق الذيلي لممارسات التيارات المتأسلمة بما يتيسر لهم من المتشابه وحمالات الاوجه كنوع من احراج الحكومات الناشئة واظهارها بمظهر العاجز او المتقاطع مع الدين والشريعة تمهيدا للاستيلاء على مراكز السلطة والقوة والتموضع في موقع المناهض لباقي القوى المجتمعية وحصرها في خانة الدفاع المستمر امام قوى وفعاليات مشبوهة ومشخصة الارتباطات ولكنها تتمتع بغطاء اعلامي وسياسي ومادي يؤمن لها وضعا افتراضيا متورما عن الواقع بكثير مما يطرح صورة بالغة القتامة لمستقبل الشعوب العربية الثائرة ..
ان ابراز مثل هذه التفلتات ووضعها في اطار الصفة الاصيلة والعامل الاولي الكامن في ضمير ووجدان وثقافة الشعوب العربية..يدل على جهد واضح ومكثف لتبرير وتجميل صورة تقافز التيارات المتأسلمة على المشهد السياسي لدول الربيع العربي من جهة وتقديم المبررات للانظمة القمعية المستبدة واظهارها بصورة المضطر لاستخدام سياسة القوة المفرطة كسبيل لضبط هذا الشعب المنقسم المتنافر وكخيار اوحد لتحقيق الامن والاستقرار..
ان استهداف الديمقراطيات الثورية العربية الواضح والمعلن من خلال تقديم صورة معتمة لامكانياتها في ادارة الملفات السياسية والاقتصادية والامنية..وتثبيت صورة الفوضى المصاحبة للتعددية السياسية..هي من الوسائل التي اصبحت من بديهيات واوليات الثورة المضادة والتي تقاد بجهد ومستوى وامكانيات دول وتجمعات اقليمية وبميزانيات مفتوحة تتماهى مع الذعر والرعب الذي تسببه مفردات الحرية والمساواة في اذهان واحلام قادتها المتعتقين في الحكم العائلي المستبد..
ولكن الواقع..والحس السليم..ومنطق التاريخ..يؤكد ان اشهار سيف السلفية في وجه الشعوب والتخابئ خلف الشريعة لتبرير تأبد وتلصق بكرسي تآكلت قوائمه بفعل الافتقار المتقادم للشرعية..لن يكون اكثر جدوى من الممارسات التي سبقته والتي لم تكن اقل دأبا ولا اقل الحاحا..وان هذه الممارسات لن يكون لها من الحظ اكثر من التصرفات اليائسة التي ترجرجت ما بين فتح بيوت المال او سفح الوعود او سفك الدماء او ممارسة الخداع والتحايل او استجلاب الجيوش واستعداء الآخر المناهض..وان جميع هذه الامور لن تقوى على ايقاف اعصار الثورة الشعبية الكاسح المدمر الذي سيقتلع عروش الطغاة من جذورها..ولن تزيد الأمور إلا دموية وحرجا وتعقيدا..فالارادة الشعبية الحرة لابد وأن تنتصر مهما تكاثرت ضدها المؤامرات..ومهما تعددت الخنادق والجبهات..ومهما تفننت الثورة المضادة في مراوغتها والنيل منها.
التعليقات (0)