أذكر سؤالا وجهه لي طالب أيطالي كان زميلا لي عندما كنت أدرس في أيطاليا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بحضور زميلين آخرين أحدهما أيطالي والآخر عراقي يسبقني بسنتين في الدراسة .
ففي خضم حديث دار عن العراق وعن دراسة الأيطاليين لتاريخ ما بين النهرين ودراستنا نحن لتاريخ روما وعن الحرب العراقية الأيرانية اللتي كانت مستعرة في تلك الأيام ,سألني احد زميلي الأيطاليين السؤال التالي .
من أين انت من العراق ؟ . فأجبته بأني من مدينة البصرة ان كنت سمعت بها .
فقال نعم سمعت بها وقرأت عنها في كتاب الف ليلة وليلة .
فأجبته : آه نعم لقد ورد اسمها في هذا الكتاب .
فسألني : وكيف اتيت انت وزملائك الى أيطاليا ؟ .
فلم أستوعب مغزى السؤال , وأجبته : انا شخصيا ذهبت الى بغداد ومن هناك الى روما .
فسألني : أقصد بالكيفية , الوسائل اللتي اتيتم بها الى روما ؟ .
فتعجبت ونظرت الى زميلي العراقي لأطلب المساعدة في فهم السؤال , خاصة وأن لغتي الأيطالية لم تكن بالأتقان المطلوب في حينها . ولكن زميلي الأقدم مني في أيطاليا فهم ما يقصده الأيطالي لأن السؤال قد مر عليه سابقا حسبما فهمت منه لاحقا. وتكفل هو بالأجابة نيابة عني .
وكم كانت دهشتي كبيرة من أجابة زميلي العراقي حين اجاب :
لقد ذهب الكعبي الى مكان تجتمع فيه أبل للأيجار في البصرة , فأجر بعيرا أخذه الى بغداد . ومن هناك ركب قطارا بخاريا يسير على الفحم أخذه الى تركيا ومن هناك ركب الطائرة الى روما .
فهز الأيطالي رأسه أشارة الى أنه قد فهم الأجابة . الا اني نظرت الى صاحبي العراقي فاتحا عيني كناية الى أني أنا اللذي لم يفهم الأجابة . فضحك صاحبي العراقي وقال .
ان صاحبنا هذا وكثيرين غيره من الأيطاليين يعتقدون بأن أهل العراق وباقي الدول العربية لايزالون يعيشون في الخيام . وينتقلون عن طريق الخيول والجمال , وهم لايتخيلون صورة العربي ألا على أنه شخص جالس عند خيمة وبقربها بعير وبأر للنفط .
ولقد تبين لي ان كلام صاحبي العراقي كان صحيحا حين سألت الزميل الأيطالي أن كان صدق هذا الرد . فقال لي بأنه لايرى سببا لتكذيب صاحبي العراقي خاصة وأن صاحبي العراقي كان على خلق ومعروف عنه الأستقامة والصدق بين الجميع . فقلت له ان صاحبي لايكذب ولكنه يمزح , ووقفت أشرح له ان العراق والدول العربية ليست كما يتصور وشرحت له الموضوع , وقد تعجب من شرحي خاصة بعد ما عرضت عليه في اليوم التالي بعض صوري في شوارع بغداد والبصرة .
فالصورة النمطية اللتي كانت تعرضها محطات التلفزة الأيطالية هي هذه الصورة اللتي وصفها صاحبي العراقي . وبما أن الأيطاليين والأوربيين عموما يعتبرون الكذب كفرا بواح . وهم يحتقرون الأنسان الكاذب بشدة ( وأنا لا أعني أن كلهم صادقين طبعا ) فأنهم يصدقون أي كلام يقال لهم ويعتبرونه صدقا الى أن يثبت عكس ذلك .
قد تكون صورة العرب الآن قد أختلفت في أعين الأوربيين الآن بسبب ثورة المعلومات . ولكن وكما رأينا في عدة مناسبات أن هناك من يحاول خلق صورة نمطية جديدة للعرب في أوربا . ملامحها أن العربي هو عبارة عن شخص أرهابي . أسمر بشارب ولحية , وأنهم يحاولون السيطرة على أوربا والعالم .
ما جعلني اتذكر هذا النقاش هو خبر ورد من ايطاليا قرأته من على أحد المواقع لأخبارية يقول.
مع قرب قدوم شهر رمضان الكريم صدر في إيطاليا قرار يلزم العمال المسلمين بشرب الماء في نهار رمضان، وإلا تعرضوا للإيقاف والتسريح من العمل. فقد أعلنت لجنة السلامة في الأنشطة الزراعية الإيطالية اليوم الخميس 13-8-2009، أنها أصدرت تعميماً يلزم العمال الموسميين في الحقول بشرب الماء أثناء أداء عملهم تحت الشمس، حتى ولو كانوا من المسلمين. وأوضحت الوثيقة التي صدرت في مدينة مانتوفا، شمال إيطاليا، أن المسلمين العاملين في الحقول الذين ينوون الالتزام بالصوم خلال شهر رمضان لن يطالهم "أي استثناء وسيكون مصير كل من يرفض التوقيف عن العمل مؤقتاً، واذا كرر فعلته فسيسرح"، بحسب ما أوردت عدة مواقع إلكترونية عربية. وعلّل القائمون على التعميم، وهم ممثلون عن النقابات العمالية الرئيسية في البلاد، قرارهم بأنه "مؤسس استناداً إلى مرسوم تشريعي يلزم كل من يعمل في أيام ومواقيت بالغة الحرارة على الإكثار من شرب الماء؛ نظراً لأن الامتناع عن تناول الماء صيفاً ينطوي على مخاطر التعرض لضربة شمس أو الإصابة بالجفاف مع ما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة على الحياة .
بالطبع لايمكن الركون الى هذه الأعذار اللتي ساقتها لجنة السلامة الأيطالية , وألا لمات جميع الصائمين من العمال والفلاحين والموظفين والتجار وأصحاب المهن الأخرى في العراق اللذي تصل درجة الحرارة فيه هذه الأيام الى ما فوق الخمسين درجة مئوية في الظل . خاصة وأنهم حتى عندما يعودون الى بيوتهم ليرتاحوا من حر الدوائر والشوارع والسيارات . لا يجدون فيها الكهرباء. وليس لهم الا ان يقفوا تحت أي (دوش) أو خرطوم ماء ليبردوا أجسامهم الملتهبة . بل أني أذكر جيدا اننا كنا نلعب كرة القدم ونحن صائمين أيام الصبا والشباب وكان رمضان يأتي في الصيف حينها دون أن يحصل لنا لاجفاف ولا هم يحزنون .
يبدو أن الدول الأوربية وتحت ضغط الأسلام فوبيا بدأت تتصرف بعصبية زائدة عن الحد مع المسلمين اللذين يعيشون في اوربا . وخاصة مع الهجمة الأعلامية المنسقة تنسيقا جيدا لتحريض الأوربيين حكومات وشعوب ضد الأوربيين من المسلمين او المقيمين منهم هناك . فبعد مسألة الحجاب والنقاب في فرنسا وهولندا . وبعد مسألة رفض لبس حتى المايوه الشرعي , تأتي الآن هذه المسألة العجيبة واللتي تؤكد وجود تغير ملحوظ في نمط تصرف الدول الأوربية حيال المسلمين هناك .
أعتقد أن هذه المسائل كلها وغيرها من اللذي نتوقع حدوثه , ستكون محكا لأختبار مبدأية المجتمعات الأوربية العلمانية .
www.alarabiya.net/articles/2009/08/13/81733.html
www.aljazeera.net/NR/EXERES/474F296E-4529-4C40-B9F6-0F56726387CC.htm
التعليقات (0)