الأسرى والرقيق . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
1_ فداؤهم قبل استرقاقهم :
قال الله تعالى : (( يا أيها النبي قُل لمن في أيديكم من الأسرى إن يَعلم اللهُ في قلوبكم خيراً يُؤتكم خيراً مِما أُخذ مِنكم ويَغفر لكم )) [ الأنفال : 70] .
فاللهُ تعالى إن يعلم في قلوب الأسرى _ يوم بَدْر _ إسلاماً وتصديقاً ، فإنه سيؤتيهم خيراً من الفداء الذي دفعوه لقاء نيل حريتهم لئلا يُصبحوا عبيداً . فالنبي صلى الله عليه وسلم فتح لهم بابَ الحرية ، وأن يفتدوا أنفسَهم ، وجنّبهم ذُلّ الرق .
أما سبب نزول الآية . فعن السيدة عائشة _ رضي الله عنه _ قالت : [ قال العباس : يا رسول الله إني كنت مسلماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول فالله يجزيك ، فافْدِ نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ابن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر )) ، فقال : ما ذاك عندي يا رسول الله ، قال : (( فأين المال الذي دفنتَ أنت وأم الفضل فقلتَ لها : إن أُصبت ، فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم ؟ )) ، فقال : والله يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ...ففدى العباس نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله _ عز وجل _ : (( يا أيها النبي قُل لمن في أيديكم من الأسرى إن يَعلم اللهُ في قلوبكم خيراً يُؤتكم خيراً مِما أُخذ مِنكم ويَغفر لكم واللهُ غفورٌ رحيم ))،_ قال العباس _ : فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يُضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله _ عز وجل _ ] .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 3/ 366) برقم ( 5409 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}.
وفي هذا الحديث تتجلى صدقُ الدعوة النبوية. فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يَطلع على أمر غَيبي لو لم يكن مؤيداً بالوحي . وتتجلى كذلك رحمة الشريعة بالعباد ، وأن الإسلام قد جاء لرفع الحرج عن الناس والتفريج عنهم ، فقد فتح بابَ الفداء للحيلولة دون وقوع الأسرى في الرق مع الانتباه إلى حسن التعامل مع الأسرى . ويظهر _ أيضاً _ الفضلُ الإلهي ، والتعويض الرباني . فقد عوّض اللهُ تعالى العباسَ _ رضي الله عنه _ خيراً مما أُخذ منه ، فالكلامُ الإلهي حق ساطع لا كلام في الهواء .
2_ خطوات سباقة للقضاء على الرقيق :
أ _ احترام المملوك ومساعدته على التخلص من الرق :
قال الله تعالى: (( والذين يبتغون الكتابَ مِما مَلكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتُم فيهم خيراً )) [ النور : 33] .
إن المنهج الإسلامي في تحرير الرقيق منهجٌ تدريجي يراعي الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع البشري ، وليس منهجاً فوضوياً مبنياً على الثورة الهدامة المباغتة التي تَكسر ثم تَعجز عن الجبر . فقد وضع الإسلامُ خطواتٍ عملية لاستئصال الرق ، وهذه الخطوات تمتاز بالتدرج مُراعاةً لحالة الرقيق ومدى استعدادهم للحرية والاعتماد على أنفسهم ، وتهيئةً للمجتمع حتى يَستقبل الوافدين الجدد الخارجين من العبودية إلى الحرية .
ومن خطوات اجتثاث ظاهرة الرقيق تشريعُ المكاتَبة ، وهي أن يُكاتب الرجلُ عبدَه على مال ، فإذا دفعه العبدُ فهو حُر ، أي إنه يُحرِّر نفسَه بماله . وقال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 382 ) : (( هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يُكاتبوهم بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سَيده المال الذي شارطه على أدائه )) اهـ .
وفي الدر المنثور للسيوطي ( 6/ 189 ):((وأخرج ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبد الله ابن صبيح عن أبيه قال : كنتُ مملوكاً لحويطب بن عبد العزى ، فسألتُه الكتابَ فأبى ، فنزلت : [ والذين يبتغون الكتابَ ] )) اهـ .
وقد اختلف الفقهاء في حُكم مكاتَبة الرجل عبده ، هل هي على الوجوب أم الندب ؟. فالذين قالوا بوجوبها استدلوا بقوله تعالى : [ فكاتبوهم ] ، وأن مُطْلق الأمر يفيد الوجوب . واستدلوا كذلك بما أخرجه البخاري في صحيحه ( 2/ 902 ) : (( أن سيرين _ والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور _ سأل أنساً المكاتبة ، وكان كثير المال ، فأبى ، فانطلق إلى عمر _ رضي الله عنه _ فقال : كَاتِبْه، فأبى ، فضربه بالدرة ، ويتلو عمر : [ فكاتبوهم إن علمتُم فيهم خيراً ] . فَكَاتَبَه )).
وقد قيل : وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله .
وفي رواية : (( أن سيرين أراد أن يُكاتبه _ أي أنس بن مالك _ ، فَتَلَكأ عليه، فقال له عمر : لتُكاتبه )).
{ رواه الطبري في تفسيره ( 9/ 311 ) ، وصحّحه ابن كثير في تفسيره ( 3/ 382 ) .}.
أما الجمهورُ القائلون بالندب فهم يَرَوْن أن مطلق الأمر يفيد الوجوب إذا لم تظهر قرينةٌ تقتضي صرفه عن الوجوب . والأمرُ في الآية ليس على إطلاقه ، بل هو مشروط بعلم الخير فيهم (( فكاتبوهم إن علمتُم فيهم خيراً )) .
وقال ابن عبد البَر في التمهيد ( 22/ 167 ) : (( وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي وأصحابهم : ليست الكتابة بواجبة ، ومن شاء كَاتَب ومن شاء لم يُكاتب ، وهو قول الشعبي والحسن البصري وجماعة . ومن حجتهم أنه لَما لم يكن عليه واجب أن يبيعه ولا يهبه بإجماع _ وفي الكتابة إخراج مُلكه عن يده بغير تراض ولا طيب نفس منه _ كانت الكتابة أحرى ألا تجب عليه ، وكان ذلك دليلاً على أن الآية على الندب لا على الإيجاب . ويُحتمل أن يكون فعل عمر لأنس على الاختيار والاستحسان لا على الوجوب )) اهـ .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاثة حَق على الله أن يُعينهم : الْمُكَاتِب الذي يُريد الأداءَ ... )).
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 236 ) برقم ( 2859) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
فقد تعهد اللهُ تعالى بإعانة المكاتِب الذي يسعى إلى تحرير نفسه من الرق عبر إعطاء مبلغ من المال لسَيده ، وهو صادقٌ في أداء هذا المبلغ ، لا يريد الهروب أو التحايل . مما يشير _ بوضوح _ إلى منهجية الشريعة في القضاء على ظاهرة الرقيق نهائياً عبر خطوات فعالة وتدريجية تُفضي إلى ولادة نظام اجتماعي متماسك لا فوضى اجتماعية .
ب _ الإعتاق :
قال الله تعالى : (( فكفارته إطعامُ عشرة مساكين مِن أوسط ما تُطعِمون أهليكم أو كِسْوتهم أو تحريرُ رَقَبة )) [ المائدة : 89] .
وهذه الآية تتحدث عن كفارة اليمين ، ونلاحظ فيها إيراد تحرير رقبة . وفي هذا دلالةٌ واضحة على منهجية الشريعة في الربط بين الكفارات وتحرير الرقاب. وهذا الربط منتشر في القرآن . مما يؤدي إلى جعل عتق الرقبة ثقافةً مجتمعية عامة ، واتجاهاً متداولاً بكثرة في المجتمع . فالشريعةُ تريد وضعَ هذه القضية في بؤرة الضوء لئلا يتم تجاهلها أو الاستهانة بها فيضيع العبيدُ في زحمة الحياة الضاغطة . وقد تعامل المسلمون مع إعتاق الرقبة بأهمية قصوى ، وأَوْلوها عنايةً خاصة ، لدرجة [ أن عبد الله بن عمر أَعتق ابنَ زنا وأُمه ] .
{رواه البيهقي في سُننه( 10/ 59 )برقم(19784).وصحّحه الحافظ في الفتح( 11/ 601 ).}.
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)