من دمشق، يبدو الأسد مزهوا بانتصاراته الأخيرة، حقيقة أنه سلم سلاحه الكيماوي لأجل بقاءه، غير أنه أحدث شرخا في صفوف أصدقاء سوريا، بشكل مباشر أو غير مباشر، الأسد و بمساوماته مع واشنطن و بدعم من روسيا و بخوف أمريكي و غربي عموما من تبعات أي ضربة عسكرية على دمشق، استطاع أن يكسب نقطة استمرارية، ولو على حساب مقدرات سوريا العسكرية، وفي أفق انتخابات رئاسيات 2014 يريد بشار صياغة خارطة طريق مع الحلفاء و الغرب تضمن له البقاء و المشاركة و لما لا الفوز و هذا ما يطمح له.
تراجع الولايات الأمريكية عن ضرب سوريا كان من أسباب الغضبة السعودية على واشنطن، و هذا ما أقصده بالشرخ و بالنصر السوري، نصر تشاركه فيه طهران بخطواتها التقاربية مع أمريكا. الرياض و عبر رئيس مخابراتها بندر بن سلطان تحدثت عن تقليص تعاونها مع أمريكا، رغم ذلك ذهب محللون على أن التعاون الاستراتيجي و العلاقات المشتركة بين البلدين أكبر من أن يعكر صفوها مثل هذا الحادث، و لربما هي مناورة سعودية للضغط على واشنطن من أجل ضرب سوريا و التوقف عن مغازلة طهران. و للأسف نجد الرياض في هذه الحالة تقوم بدور المحرض ضد سوريا، موقف مماثل سجله التاريخ بالنسبة لضرب العراق و إسقاط النظام العراقي السابق، فهاهو النظام الحالي العراقي من أشد أعداء الرياض و يحسب على إيران. كما أن السعودية و إن كتبت لها الأقدار أن تنأى عن واشنطن فما لها من بد غير روسيا حليفة إيران أو أنها ستخطو لصنع تكتل خاص بها، فهل باستطاعتها مجارات الأقطاب الكبار؟ لا ننسى أيضا أن المملكة و هي بمشاكلها المكتمة من أزمة حكم إلى أزمة تفاوت طبقي إلى أزمة ميز طائفي إلى أزمة غياب حريات و حقوق هي أوهن من أن تستقل بذاتها أو تشاكس أو تعاكس قوى عالمية مؤثرة كالولايات الأمريكية.
بالعودة إلى الأزمة السورية، عكس اللقاء الأخير لأصدقاء سوريا مدى الإختلاف في الرؤى بين الدول الإقليمية الحاضنة للمعارضة و التي ترغب في إسقاط النظام السوري الحالي و عدم إشراكه في أي عملية سياسية قادمة و بين الغرب المتذبذب و ربما الخائن، سماح الأسد للغرب بتدمير سلاحه الكيماوي لن يكون إلا بمقابل، و لعل المقابل بالنسبة لواشنطن هو تحييد فكرة خلع الأسد، و البديل إشراكه في عملية سياسية، هذا ما تريده روسيا أيضا، إنه ميزان القوى و المصالح، على هذا النحو باتت السعودية و الإمارات وقطر و تركيا أيضا في خندق واحد، بل في خندقين، المعارضة السورية السياسية و العسكرية تنقسم إلى تيارات كما هو معلوم، نقطة ضعف أشار إليها الأسد في خرجاته الإعلامية الأخيرة. هذه الدول ليس بمقدورها التقدم في خطوات متهورة لإسقاط النظام السوري، رغم تصريحات أوردغان بإمكانية تدخل عسكري تركي في المناطق الحدودية، و حتى الدعم القطري السعودي لبعض الميلشيات السورية المعارضة أمر محفوف بالمخاطر، فحركات مثل هذه ألبست رداء التشدد و الإرهاب، لعل من أسباب تغيير الغرب لمواقفه اتجاه النظام السوري هو الخوف من تحول سوريا إلى إمارات إسلامية متطرفة تسيطر عليها جماعات مثل جماعة النصرة أو القاعدة ...
في ظل الأزمة السورية و انعكاساتها على الجارتين لبنان و الأردن، تبدو الأخيرتين على حذر في اتخاذ أي موقف قد ينعكس سلبا على الدولتين، خاصة الأردن، لبنان و لحساسية الموقف تتخذ دورا محايدا أو أقرب إلى دمشق، أما عمان فيبدو أنها تراجعت عن مواقف سابقة ضد سوريا و باتت أكثر حيطة نظرا لتقلب الأوضاع و رجحان كفة الأسد، حماس كذلك فبعد الإنقلاب المصري باتت في حصار مصر ي خليجي،عادت تبحث عن سندها المقاوم الممانع، رفض الأسد و تحدث إيران عن عدم رغبتها في زيارة مشعل في الوقت الراهن لها ينبئ عن إشارات حمساوية للتقارب تم رفضها من طرف الحليفين، إنه العقاب.
إنه الأسد، و إنها روسيا و إيران، قوى تمسك حاليا بزمام المبادرة في أزمة الشام، مقابل تصدع في حلف أصدقاء المعارضة السورية، و في غمرة الإنقلاب الحاصل و بروز خريف عربي ساهمت دول الخليج في حلوله، هاهو النظام العربي القديم يعود و ينتشي بفشل الثورات و تحولها إلى بؤر للفتن و التخبط، يعود بتحالفاته، وقفة مع تجاوب العواصم العربية مع القرار السعودي الأخير برفض كرسي مجلس الأمن المؤقت، هذا القرار الذي زجت باسمه القضية الفلسسطينية عنوة لكسب التعاطف الشعبي، وقفة مع التناغم المحتشم في المواقف بين الجزائر و سوريا و كذلك النظام المصري، مع أن الأخير أقرب إلى أمريكا و صفها المعتدل رغم مشاكساته الإعلامية التي يريد فيها أن يظهر و كأنه خارج سرب الولايات المتحدة بعد تقليص المعونات عنه.
ماءالعينين بوية - المغرب
التعليقات (0)