على وقع مقدمات بعثت على التفاؤل، صنعتها الثورات الشعبية العربية بكل ما تضمنته من عـبر متنوعة، و من ثم تصريحات مباشرة صدرت عن أشخاص يمثلون النظام السوري، و أخرى من أكثر من جهة و مسؤول دولي، من بينهم رئيس الوزراء التركي أردوغان الذي تحدث عن نصائحه للرئيس، و وعود الأخير له بترجمة وعوده الإصلاحية إلى أفعـال، و من ثم ظهور خبر مفاده دعوة مجلس الشعب السوري للرئيس للحديث عن الإصلاحات التي ينوي إجراءها، بنى المراقبون على كل هذه المعطيات بعض الأمل في إنفراجات قد تحصل لمصلحة الشعب السوري، لكن الرئيس بشار الأسد خرج بعد طول إنتظار و كثير توقع، بخطابٍ هلامي، فاجئ الكثيرين و خيب آمال الجميع، و قلب التوقعات، حيث قدم على مدى أكثر من ساعة رسالة وحيدة مفادها أن النظام إختار المواجهة، و إنه ذاهب إليها مهما ترتب على ذلك من نتائج.
ظهر الرئيس مرهقاً، و كأنه لم ينم منذ مدة، فغاب صوته و غارت عينيه، و أخذ يقرأ من أوراقٍ يبدو أنه وضع خطوطها العريضة منذ أيام طويلة، و أخذ يغير في تفاصيلها على وقع التطورات الداخلية، التي شهدت مؤخراً ترقباً حذراً قام بتفسيره بما ينسجم في النهاية مع أمنيات النظام و أحلامه و طبيعة تفكيره و كذلك سياسته التي تترك كل شئ للزمن، الكفيل بتبريد أعقد القضايا و أسخن الرؤوس.
إذاً، حتى أكثر الناس تشاؤماً لم يكن يتوقع هذا المنحى التصعيدي الذي أخذه الخطاب، ففي الحدود الدنيا، كان إحترام الدم المسفوح يقتضي في أقله صمتاً، وليس قهقهات مدوية و رواية نكت سوداء، و الواجب (القانوني و الأخلاقي و الشرعي ) الذي جعله الرئيس منصةً لإطلاق صواريخه على ما أسماه فتنةً تحاك في الظلام، كان يستوجب قبل الدعوة لمحاربتها، تهيئة الأرضية لذلك، بمواساة أهالي الضحايا، و إعلان الحداد على الشهداء، و التعويض على الجميع، و العودة إلى جذور العلل المزمنة الملحة كحالة الطوارئ و قمع الحريات، و غياب قانون للأحزاب و الإعلام، و تهجير المهجرين، و غيرها من الأمور التي تنغص على السوريين حياتهم، مع الأخذ بعين الإعتبار أن حل هذه المعضلات يجب أن يتم ضمن مشروع واحد متكامل، و ليس تشكيل لجان مبعثرة، واحدة هنا و أخرى، تقوم بالعمل كنظام الدفع بالتقسيط، كمسكنات، كلما توترت الأوضاع، أو الأخذ باليسار ما يتم منحه باليمين، كطرح إلغاء حالة الطوارئ و لكن بتشريع قانون آخر، للإرهاب، مجرد ذكره يبعث على الرعب، و سيدفع تنفيذه الناس للترحم على أيام قانون الطوارئ.
أما أكثر السوريين تفاؤلاً فقد كان الكرد، فقد توقعوا بعد التساهل الحكومي مع يوم النوروز بعكس ما كان يحدث في الأعوام السابقة، إضافة إلى حضور ممثلي النظام لفعاليات عيدهم القومي، و ظهور جانب من الإحتفالات و لأول مرة على التلفزيون السوري و ذكر لفظة الأكراد على لسان أكثر من مسؤول سوري، كل ذلك جعل بعض الكرد يظنون أن منح الجنسية السورية للكرد المجردين منها ليس سوى تحصيل حاصل، رغم أن مشكلة تلك الشريحة و على أهميتها، ليست سوى جزء ثانوي من المسألة الكردية، فرفعوا سقف تفاؤلهم، و أخذوا يبنون على الخطاب المتحرك قصوراً من الإنجازات، و لكن تبين أن ذلك لم يكن سوى أضغاث أحلام، قد يوقظهم النظام منها ـ إن لم يصحوا بأنفسهم ـ في عيدهم القادم على أبعد تقدير، إذا ما أستقر له المقام، حيث هو.
النظام السوري حسم خياراته بالأمس، و قد شاهد المراقبون خروج الدخان الأسود من تحت قبة البرلمان، و الشعب السوري قد حسم هو الآخر خياراته، و هاهو الجواب الأولي قد أتى من اللاذقية عقب الخطاب مباشرة، فتشريع قتل المتظاهرين أمس، بإعتبارهم أداة في مشروع فتنة، له عواقب وخيمة على الطرفين، و سيظهر في الأيام المقبلة من منهما أكبر المتضررين.
التعليقات (0)