نظام الاقتراع في تونس:
من إقصاء المعارضة إلى تعزيز حضورها في مجلس النواب (1 من 2(
بقلم الأستاذ: زهير المظفر
ما فتئ نواب بعض أحزاب المعارضة يدعون إلى مراجعة أحكام
المجلة الانتخابية رغم عديد التعديلات التي أدخلت على هذه المجلة منذ تحول السابع
من نوفمبر 1987.
وقد استجاب رئيس الجمهورية فعلا إلى عدة مقترحات لهذه
الأحزاب من أجل مزيد تعزيز شفافية العملية الانتخابية حتى تبقى صناديق الاقتراع هي
مصدر الشرعية. وما يشدّ الانتباه هو دعوة بعض نواب المعارضة إلى اعتماد نظام التمثيل
النسبي أو الاقتراع الفردي بحجة تعزيز المسار الديمقراطي التعددي والتخلي بذلك عن
نظام الاقتراع الحالي الذي يجمع بين الأغلبية والتمثيل النسبي والحال أن هذا
النظام الذي أقرته المجلة الانتخابية ما انفكّ يعزّز حضور المعارضة في مجلس النواب
من انتخابات إلى أخرى. وهو ما يطرح التّساؤل عمّا إذا كانت هذه الدعوة كفيلة
بتحقيق هذا الغرض أم أنّها مجرّد شعار يرفعه البعض بدون إدراك عميق لواقع التعددية
الناشئة في البلاد والتي يسعى رئيس الجمهورية إلى ترسيخها بعيدا عن المصالح
الحزبية الضيقة.
ومما لا شكّ فيه أنّ اختيار نظام اقتراع معين يقوم على
اعتبارات سياسيّة. فقد بيّنت مختلف الدراسات المتعلقة بالانتخابات وخاصة التي قام
بها موريس دي فرجي في كتابه «الأحزاب السياسية» أن لطريقة الاقتراع تأثيرا مباشرا
على تمثيل الأحزاب في البرلمان، فالاقتراع بالأغلبية يساعد الأحزاب الكبيرة على
الفوز بالمقاعد نظرا لانتشارها في كافة الدّوائر وقدرتها على استقطاب أكثر ما يمكن
من أصوات الناخبين، في حين أنّ طريقة التمثيل النسبي تساعد الأحزاب الصغيرة على
الحصول على عدد من المقاعد في البرلمان بحسب ما أحرزته من أصوات. علما وأنّ جميع نظم الاقتراع تتيح للأحزاب الكبيرة الفوز بأكثر
عدد من المقاعد على حساب الأحزاب الصغيرة.
وقد أخذت تونس منذ انتخاب المجلس القومي التأسيسي في 25
مارس 1956 بنظام الاقتراع بالقائمة بالأغلبية في دورة واحدة. فقد نص الفصل 16 من
الأمر العلي المؤرخ في 6 جانفي 1956 المتعلق بانتخاب المجلس التأسيسي: «تجري
الانتخابات على قاعدة الاقتراع على القائمة التي تحرز على الأغلبية في دورة واحدة.
يجب أن تشمل قائمة المترشحين على عدد من المترشحين يساوي عدد المقاعد الواجب
تسديدها. لا يمكن للناخب أن يقترع إلا على المترشحين المرسمين بالقائمة وبحجر الخلط
بين القوائم والتشطيب على أسماء المرسمين بالقائمة. وتلغى الأوراق التي لا تتوفر فيها الشروط السابقة. تعتبر منتخبة قائمة المترشحين
التي تحرز على الأغلبية النسبية. وإذا ما أحرزت عدة قوائم عددا متساويا من الأصوات
يجب إعادة الاقتراع. وترتب دورة انتخابية ثانية، ثمانية أيام بعد الدورة الأولى».
ولم يعرف هذا النظام استثناء إلا بمناسبة تنظيم الانتخابات
التشريعية في 4 نوفمبر 1979 والمتمثل في اعتماد قاعدة: «القائمات المضاعفة»، وهذه
الطريقة تلزم كل حزب أو منظمة تشارك في الانتخابات بتقديم قائمات يساوي عدد
المترشحين فيها ضعف عدد المقاعد.
وتم التخلّي عن هذه الطريقة في الانتخابات التشريعية
السابقة لأوانها التي جرت في 1 نوفمبر 1981 والعودة إلى طريقة الانتخاب بالقائمة
المحرزة على الأغلبية.
وقد استندت فلسفة نظام الاقتراع بالأغلبية في دورة واحدة
إلى قاعدتين أساسيتين: نظام القائمة، أي تعدد الترشحات في الدائرة الواحدة تفاديا
لشخصنة الترشحات والرجوع بالبلاد إلى العروشية والقبلية، ونظام الأغلبية في دورة
واحدة لأنّه كفيل بدرء تشتت الأصوات وغياب أغلبية برلمانية تمكّن الحكومة من تنفيذ
برامجها».
ولكن مع أن نظام الأغلبية في دورة واحدة الذي اعتمدته تونس
مكّن من تحقيق استقرار العمل الحكومي إلا أنّه أثبت محدوديته، حيث أنّه لم يمكّن
أي حزب معارض أو قائمة مستقلة من الفوز بأي مقعد في المجلس القومي التأسيسي وفي
مجلس النواب لأنّ عدد الأصوات المتحصل عليها من قبل قائمات أحزاب المعارضة أو القائمات
المستقلة لم يكن كافيا للحصول على أيّ مقعد في أي دائرة انتخابية. وقد تواصل تطبيق
نظام الاقتراع بالأغلبية إلى غاية تعديل المجلة الانتخابية في 27 أكتوبر 1993 الذي
أقرّ نظام اقتراع يجمع بين الأغلبية والنسبية مكّن من تمثيل المعارضة.
إن هذا النظام الذي توفقت إليه تونس مكّن من فكّ عقدة تمثيل
المعارضة في مجلس النواب والقطع مع الحزب الواحد واللون الواحد. ومن المفارقات
أنّه في الوقت الذي سمح فيه تطبيق هذا النّظام بتعزيز حضور المعارضة في مجلس
النواب يطالب بعض نواب المعارضة باعتماد نظام التمثيل النسبي أو نظام الاقتراع
الفردي. وكل التحاليل الموضوعية تبيّن أنّ نظام الاقتراع المزدوج يضمن تمثيل
المعارضة في مجلس النواب (I) في حين أنّ نظام التمثيل النسبي يؤدّي إلى إقصاء المعارضة
في المجلس (II) كما أنّ
إقرار الاقتراع الفردي يضعف الأحزاب (III).
I - نظام الاقتراع المزدوج يضمن تمثيل المعارضة في مجلس النواب
لم تمكّن طريقة الاقتراع بالأغلبية في دورة واحدة المعارضة
من الفوز بأي مقعد في مجلس النواب في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي
جرت في 2 أفريل 1989 رغم حصولها على حوالي 19.5% من الأصوات.
وقد استخلص الرئيس زين العابدين بن علي العبرة من هذه
النتائج وأعلن في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس النواب يوم 27 ديسمبر 1992 بمناسبة
اختتام مناقشة الميزانية، عزمه على المبادرة بتعديل المجلة الانتخابية وتكريس نظام
اقتراع جديد، ومما جاء في هذا الخطاب قوله: «... وسعيا إلى توفير حظوظ أكيدة لتجسيم التعددية السياسية في
مجلس النواب بتمثيل الأطراف السياسية التي لها وزن وإشعاع في المجتمع، قررنا تعديل
نظام الاقتراع في هذا الاتجاه لنضمن به مرحلة انتقالية ونقلة نوعية نحو التعددية
في هذه المؤسسة الدستورية. ويعتمد النظام الذي اهتدينا إليه على ضبط عدد جملي في
مرحلة أولى من المقاعد بمجلس النواب باعتبار مقعد لكل قاعدة سكانية معينة. ثم
ينقسم هذا العدد الجملي إلى قسمين: قسم يخصص للدوائر وقسم يوزع على المستوى
الوطني. ويحدد عدد المقاعد بالدوائر على أساس قاعدة سكانية أكبر من القاعدة الأولى
التي اعتمدناها.
أما الفارق الحاصل بين العدد الجملي وعدد المقاعد بالدوائر
فيوزّع على المستوى الوطني. وبالنسبة للمقاعد المخصصة للدوائر، يكون الاقتراع على
القائمات، مع اعتماد الأغلبية للفوز بكل المقاعد. أما فيما يخص المقاعد على
المستوى الوطني، فيتم جمع الأصوات المصرح بها التي لم تمكن القائمات المترشحة من
الفوز بمقاعد على مستوى دائرة أو دوائر ويضبط على أساس هذا المجمع القاسم
الانتخابي، وتوزع المقاعد حسب طريقة النسبية.
وإنّنا نعتقد أنّ هذه الطريقة ستجسم التعددية السياسية في
مجلس النواب على غرار ما هو موجود في المجتمع التونسي». وقد جاء القانون الأساسي
عدد 118 المؤرخ في 27 ديسمبر 1993 ليجسم هذه الإرادة ويكرس نظام اقتراع مزدوج يمزج
بين نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي وذلك بتوزيع المقاعد على مستوى الدوائر
وعلى المستوى الوطني. وتضمن طريقة الاقتراع المزدوج في تونس، تمثيل المعارضة مهما
كان عدد الأصوات التي تحصل عليها وذلك باعتماد طريقة جديدة في تحديد عدد المقاعد
وتوزيعها دون أن تستبعد إمكانية التنافس بينها لإحراز أكثر عدد ممكن من المقاعد
المخصصة للتوزيع على المستوى الوطني.
ويتم تحديد عدد المقاعد بمجلس النواب باتباع المراحل الثلاث
التالية:
1 - تحديد
العدد الجملي للمقاعد
يضبط العدد الجملي للمقاعد بمجلس النواب بأمر يصدره رئيس
الجمهورية على قاعدة مقعد واحد بالنسبة إلى كل إثنين وخمسين ألفا وخمسمائة ساكن
(52.500) ويسند مقعد إضافي إذا أفضت العملية إلى بقية تفوق نصف القاعدة السكانية
(الفصل 72 من المجلة الانتخابية.(
2 - تحديد عدد
المقاعد بالنسبة إلى كل دائرة انتخابية
يضبط عدد المقاعد بالنسبة إلى كل دائرة بأمر على قاعدة مقعد
واحد بالنسبة إلى كل خمسة وستين ألف ساكن (65.000) ولا يكون عدد المقاعد المخصصة
لدائرة واحدة في كل الحالات أقلّ من إثنين، ويسند مقعد إضافي إلى الدائرة إذا أفضت
العملية إلى نسبة تفوق نصف القاعدة السكانية المعتمدة لتحديد المقاعد المخصصة
للدوائر (الفصل 72 من المجلة الانتخابية.(
3 - تحديد عدد
المقاعد على المستوى الوطني
يتم تحديد عدد المقاعد على المستوى الوطني بطرح مجموع
المقاعد المخصصة للدوائر من العدد الجملي للمقاعد. وقد تم استنادا إلى هذه الطريقة
المعتمدة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20 مارس 1994 تحديد عدد المقاعد على
النحو التالي:
- العدد الجملي للمقاعد: 163
- عدد المقاعد المخصصة للدوائر: 144
- عدد المقاعد على المستوى الوطني: 19
كما تم هذا التحديد في الانتخابات التشريعية التي جرت في 24
أكتوبر 1999 على النحو التالي:
- العدد الجملي للمقاعد: 182
- عدد المقاعد المخصصة للدوائر: 148
- عدد المقاعد على المستوى الوطني: 34
وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في 24 أكتوبر 2004 حدد
الأمر عدد 1565 لسنة 2004 المؤرخ في 14 جويلية 2004 والمتعلق بضبط عدد المقاعد
بمجلس النواب والدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد على الدوائر على النحو التالي:
- العدد الجملي للمقاعد: 189
- عدد المقاعد المخصصة للدوائر: 152
- عدد المقاعد على المستوى الوطني: 37
وبعد تحديد العدد الجملي للمقاعد وعدد المقاعد المخصصة
للدوائر يتم التوزيع على النحو التالي:
المرحلة الأولى: توزيع المقاعد على مستوى الدوائر باعتماد
نظام الأغلبية.
المرحلة الثانية: توزيع المقاعد على المستوى الوطني باعتماد
نظام التمثيل النسبي.
1 - اعتماد
نظام الأغلبية في توزيع المقاعد على مستوى الدوائر
يتم توزيع المقاعد على مستوى الدوائر باعتماد طريقة
الاقتراع على القائمة المحرزة أغلبية الأصوات، ويكفي أن تحرز إحدى القائمات أكثر
عدد من الأصوات حتى تفوز بجميع المقاعد بصرف النظر عن نسبة الأصوات المتحصل عليها
(الفصل 105 من المجلة الانتخابية.(
2 - اعتماد
نظام التمثيل النسبي في توزيع المقاعد على المستوى الوطني.
يتم توزيع المقاعد على المستوى الوطني وفق نظام التمثيل
النسبي وطريقة أكبر المتوسطات على النحو التالي:
- في مرحلة أولى، تجمع الأصوات التي تحصلت عليها القائمات
التي لم تفز بأي مقعد في الدوائر الانتخابية.
- في مرحلة ثانية، يحدّد الحاصل الانتخابي الذي يتم الحصول
عليه بقسمة مجموع الأصوات المصرح بها بالنسبة إلى مختلف القائمات التي لم تفز بأي
مقعد على عدد المقاعد المخصصة للتوزيع على المستوى الوطني.
- في مرحلة ثالثة، يتم توزيع المقاعد على القائمات بقسمة
الأصوات التي تحصل عليها على الحاصل الانتخابي. وعند وجود بقايا، تسند بقية
المقاعد باعتبار أكبر المتوسطات. ويختلف التوزيع بين قائمات الأحزاب السياسية
والقائمات المستقلة، فأما بالنسبة إلى قائمات الأحزاب السياسية، فتجمع الأصوات
التي تحصلت عليها في مختلف الدوائر وتقسم على الحاصل الانتخابي. وأما بالنسبة إلى
القائمات المستقلة، فإنه لا يمكن لها أن تجمع الأصوات التي تحصلت عليها، ذلك أن
لكل قائمة لونها وبرنامجها وبالتالي فلا علاقة لها بالقائمات المترشحة الأخرى.
وعلى هذا الأساس، تكون حظوظ القائمات المرشحة من قبل الأحزاب أوفر للفوز بالمقاعد
على المستوى الوطني نظرا إلى إمكانية تجميع الأصوات المتاحة لها.
وتسند المقاعد التي يحصل عليها كل حزب في التوزيع الوطني
لقائمته، باعتماد الترتيب الوارد بكل منها عند تقديم الترشحات، على أن يسند المقعد
الأول إلى القائمة التي تحصل على أكبر نسبة من الأصوات من جملة الأصوات المصرح بها
بالدائرة التي تقدمت بها، والمقاعد الثاني للقائمة التي تليها من حيث النسبة إلى أن تستنفد جميع
المقاعد التي تحصل عليها الحزب. وفي صورة تجاوز عدد المقاعد المسندة عدد القائمات
تعاد العملية بنفس الطريقة (الفصل 105 مكرر من المجلة الانتخابية).
وفي صورة تساوي النسبة في دائرتين أو أكثر، يسند المقعد إلى
القائمة التي تحصلت على أكثر الأصوات.
وتسند المقاعد التي تحصلت عليها كل قائمة عن غير الأحزاب
السياسية باعتماد الترتيب الوارد بها عند تقديم الترشحات. وهكذا مكّن هذا النظام
أحزاب المعارضة من الحصول على 19 مقعدا في انتخابات 1994 وتعزز حضور المعارضة
بحصولها على 34 مقعدا في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 1999 و37 مقعدا في
الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2004.
وهذه المقاعد ما كانت لتحصل عليها الأحزاب المشاركة في
الانتخابات إذا تم تطبيق نظام التمثيل النسبي.
)المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة
يوم 8 جانفي 2009(
التعليقات (0)