مواضيع اليوم

الأستاذ الجامعي لحسن حداد:إضافة الثابت الديمقراطي إلى ثوابت الأمة

سعيد مشـــاقي

2011-07-01 14:35:25

0

 

مشروع الدستور تضمن أفكاراً ثورية جداً


الوثيقة الدستورية تؤسس لتوافق بين جميع الفرقاء


أحترم كثيراً من يقول لا للدستور، لكني لن أحترم من يقاطعه لأنه يريد الركوب على عدم تصويت شريحة عريضة


في حديثه لجريدة العلم أفاد الأستاذ الجامعي لحسن حداد أن المغرب خلال هذه المرحلة يضع لبنات الدولة العصرية الحرة الديمقراطية عندما أسس لبديل عن ما جرى في الدول العربية، وأضاف القيادي بحزب الحركة الشعبية أن مشروع الدستور سيحدد أدوار جميع الفرقاء مما سيزيد من حجم مسؤوليتها في تدبير الشأن العام، وقال إننا اليوم في حاجة إلى تفعيل حقيقي للوثيقة الدستورية.
ودعا لحسن حداد المعارضين لمشروع الدستور إلى التخلص من فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة والتحلي بالسلوك الديمقراطي القويم.

أجرى الحوار : عادل تشيكيطو


باعتباركم باحث أكاديمي ما رأيكم في مشروع الدستور؟
٭ أعتقد أن هذا المشروع يؤسس لمرحلة تاريخية مهمة جدا، كما أن هذه اللحظة يمكن أن نضعها في خانة المحطات التاريخية التي مر منها المغرب كمرحلة الاستقلال وكذا أيام المسيرة الخضراء، والآن نحن أمام مرحلة وضع لبنات دولة عصرية حرة ديمقراطية بدأت تظهر في الأفق بشكل لافت عليه.
فماهو أساسي في هذه الفترة هو الطريقة التي تم من خلالها وضع ولادة هذا المشروع الدستوري، فكما لاحظتم فالمغرب أسس لبديل عن ما جرى في الدول العربية الأخرى حيث يطالب هناك الشعب بمطالبه ويتم قمعه، فإما تنتهي الثورة إلى ما انتهت إليه في مصر وتونس حيث يتم قلب النظام، وإما تكون هناك مواجهة دامية كما جرى في ليبيا وسوريا وإلى حد ما في اليمن، فالمغرب اختار المقاربة الثالثة وتعامل مع المطالب بشكل إيجابي، وهذا يؤكد أن هناك رغبة من النظام للتعامل مع المطالب بشكل متقدم، على اعتبار أن مطالب الشعب هي جد أساسية بالنسبة للنظام وقد جس من خلالها نبض الشارع.
المسألة الثانية أنه تم التعامل مع الاصلاح الدستوري كمطلب، ظهر بشكل جلي بعدما طالبت الأحزاب بالتعجيل بإصلاحه بعد 20 فبراير كالحركة الشعبية في 21 فبراير ،فالمقاربة كانت نوعا ما إبداعية. حيث تم تشكيل لجنة من الدستوريين وفقهاء حقوق الإنسان والمناضلين ومجموعة من الأساتذة الأكفاء الذين نكن لهم الكثير من الاحترام، وكان دور هذه اللجنة هو إعداد التصور التقني للدستور، وتم مرافقة هذه اللجنة بلجنة أخرى للتتبع السياسي والتي تبلور مجموعة من الاقتراحات لتحولها إلى اللجنة الأولى من أجل ترجمتها إلى صيغ دستورية، وبالتالي فإن هذه المقاربة لقيت استحسانا من قبل الفاعلين.
عموما المنهجية المتبعة إلى آخر المحطة كان تفرد بها المغرب، رغم ما نشب من شنآن عند تقديم المشروع ، حيث راج الحديث عن اختلاف النسخة التي قدمها المنوني عن النسخة التي وضعت من أجل الاستفتاء، فالحديث جار في هذا الإطار عن كون النسخة التي قدمت من قبل المنوني متقدمة عن النسخة الحالية وهذا في اعتقادي صحيح لأنها تنخرط في توجهات ليبرالية وفصل الدين عن السلطة التي أكيد أن شريحة من المغاربة يدعمونها، لكن لا يجب أن ننسى أن الوثيقة المطروحة الآن تؤسس لتوافقات بين جميع الفرقاء، فبإمكاننا أن نتبنى دستور علماني المائة في المائة، وأنا أحبذ ذلك، إلا أن هذا الطرح لن يرضي الكثير من الفرقاء الذين لن يجدوا أنفسهم فيه، وبالتالي نحن لا نريد تغليب اتجاه معين على مرجعيات أخرى داخل هذا المشروع، نريد أن يجد الحداثيون والعلمانيون والمحافظون واليساريون والأمازيغ والنساء.... أنفسهم في هذا الدستور. فالوثيقة الموجودة بين أيدينا تتضمن أفكارا ثورية جدا، وفي بعض الأمور التي تتطلب الكثير من التفكير والعمل لما خلقته من نقاش قبل وبعد صياغة مشروع الدستور كمسألة الأمازيغية التي وضعها الدستور لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، حيث اعتبر بعض الإخوة الأمر فيه تنقيص للأمازيغية غير أني لا أجد في الأمر تنقيص، كذلك مسألة إسلامية الدولة والتزام المغرب بالمواثيق الدولية، التي تظهر في شكل تناقضات، ولكنني لا أجد في المسألة أي تناقض، فالدستور هو نوع من التوافق لخلق اتفاق بين شريحة عريضة جدا أو من أجل خلق جو ديمقراطي.
نحن الآن أمام مشروع سيؤسس لمرحلة جديدة من الديمقراطية وهي تعاقد بين الفرقاء الأساسيين وهم الملك والشعب المغربي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وهذا التعاقد ينبني على كيفية تدبير المرحلة المقبلة من تاريخ المغرب والتي ربما ستمتد إلى عقدين أو ثلاثة من الزمن.
السؤال الذي سأطرحه، هل هذه الوثيقة صالحة لتدبير المستقبل؟ أظن أنها صالحة، لماذا؟
أولا لأنها تؤسس لحكامة سياسية جديدة بمعنى أننا الآن في المغرب يمكن أن نقول أن الأدوار محددة بشكل واضح بين جميع الفرقاء، وإذا كانت هناك أية تداخلات بين هذه الأدوار فالدستور ينظمها وينص عليها، فأدوار كل من الملك والبرلمان والقضاء والحكومة وهيئة المراقبة محددة بشكل واضح.
المسألة الثانية التي أعتبرها أساسية في مسألة الحكامة هي أنه يمكن محاسبة الفرقاء، فشخص الملك لا يمكن أن ينتقد، لكنه لم يعد مقدسا، فالذين ينتقدون هم الذين لهم السلطة الحقيقية لتفعيل البرنامج الحكومي، لأنهم هم من يتوفرون على سلطة حقيقية، فالآن صارت لرئيس الحكومة وللحكومة سلطات إضافية تنفيذية، فلم يعد الآن المجال يسمح بالقول إن هناك حكومة وسط حكومة لم يعد مقبولا التذرع بأن مستشاري الملك هم من قاموا بهذا الفعل أو بذاك، فرئيس الحكومة الآن أصبح يقرر ويتحمل مسؤولية قراره.
سنعتبر هذه النقطة مدخلا للحديث عن أبرز الفصول التي تضمنها مشروع الدستور في نظرك والتي تعد جديدة على المشهد السياسي حيث ستنتقل به إلى وضع أكثر تقدما؟
٭ أظن أن النصوص الخاصة بفصل السلط مهمة جدا لأنها تراقب بعضها البعض وتؤسس لنوع جديد من التوازن، ففي السابق كنا نعتمد على مركزية القرار في يد المؤسسة الملكية بينما تبقى الحكومة ضعيفة والبرلمان له سلطة هامشية فيما القضاء يتبع القرار السياسي، هذه هي الصورة التي كانت سائدة الآن في إطار مشروع الدستور وكذا سهر الفرقاء على تطبيقه سيجعل من الواقع السياسي واقعا متحرراً حداثيا.
كذلك يمكن أن نقول أن مسألة جعل لرئيس الحكومة وكذا الحكومة صلاحيات قوية ومن بين الإيجابيات المستجدة في هذا المشروع وكذلك أمر بالنسبة ومسألة استقلال القضاء الذي يرأس الملك مجلسه الأعلى بشكل تحكيمي، ففي الولايات المتحدة مثلا يعين رئيس الدولة القضاة ويوافق عليهم مجلس الشيوخ ويصبحون قضاة، فالرئيس الفعلي إذن هو النائب الأول لمحكمة النقض هو الذي سيكون رئيسا فعليا وهذه المحكمة ستقوم بمهامها بكل تجرد ولها استقلالية مادية ومعنوية.
لابد أن أشير أيضا في جانب آخر إلى أن الفصل 19 في الدستور الحالي سال حوله مداد كثير، وأظن الآن أنه تم توضيح الأمور، فرئيس الدولة هو المسؤول على مجموعة من القضايا إسوة بكل الديمقراطيات العريقة حيث رئيس الدولة يتحمل مسؤولية الجيش ويؤمن عليه ، كذلك قضية الوزير الأول الذي يعينه الملك ففي ابريطانيا الملكة هي من تعين الوزير الأول لكن من الحزب الأول الذي فاز في الانتخابات وماعدا هذا فإن كل القرارات يتم اتخاذها في المجلس الحكومي الذي أضحت له صبغة تداولية.
هناك فصل يجب كذلك أن نعترف أنه ثوري بالنسبة للمغرب هناك المجلس الأعلى للأمن، والذي ستناقش داخله القضايا الحساسة بالبلاد بشكل جماعي وهو ما سيضمن للبلاد حكامة على مستوى المصالح الاستراتيجية للمغرب وأعتقد أن هذا الأمر يدخل في صلب الديمقراطية.
هيئة الرقابة صارت اليوم هي الأخرى مدسترة،. لتمكينها من القوة المراقباتية للمال العام والنزاهة والشفافية، كذلك تمت دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي باشر عمله حتى قبل الدسترة هذا بالإضافة إلى المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للشباب ومؤسسة الوسيط ومجلس الجالية إلى غير ذلك...
بالنسبة لمسألة دسترة الأمازيغية فهي تكرس الاعتراف بالتعدد على مستوى المجتمع المغربي، فالمغرب ليس دولة أحادية وهو دولة متعددة الموروث الثقافي وهناك انصهار داخل النسق المغربي الذي يحدث عبر روافد متعددة أساسية كونت هذه «الطنجرة» التي تذوب فيها الروافد المغربية، وأعتقد أن مسألة دسترة الأمازيغية فيها اعتراف خطير لأننا سنتحول من المجال المادي في التعامل مع هذه اللغة إلى المجال القانوني التنظيمي الذي يفترض أن يكون جاهزاً قبل نهاية المرحلة التشريعية المقبلة وهذا ماسيخلق ثورة رمزية بالمغرب، يعني أننا سنجيد قراءة التاريخ المغربي، وهو أمر لايخيف ولن يساهم في تفرقة المغاربة كما يدعي البعض، لأن الأمازيغية اليوم هي لغة المغاربة جميعا كما هي العربية والحسانية، والأستاذ العنصر يتساءل ويجيب في هذا الباب «إذا أردنا أن نفرق بين المغاربة الأمازيغ والعرب كيف سنقوم بذلك وهل سننجح في هذه المهمة أكيد لا لأننا أصبحنا منذ قرون دما واحداً مغربيا..»
مسألة أخرى لم ينتبه إليها الكثيرون في هذا الإطار تتجلى في أننا سنكون أول دولة كتبت دستورها بلغتين وطنيتين وهما العربية والأمازيغية.
هناك بعض المؤاخذات التي يتم الحديث عنها من قبل الناشطين الأمازيغيين كقضية دسترة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلا أني أرى أن الأمر لا يمكن أن يكون مدعاة للجدل لأن هناك معهدا سيتم خلقه وهو المعهد الوطني للغات والذي يتكلف بدراسة وحماية كل اللغات الوطنية.
كذلك ما يجب أن لا نقع فيه هو مطب ثنائية اللغتين العربية والأمازيغية، لأن الدستور تحدث عن الحسانية وعن الروافد الإفريقية والعبرية.
وبالنسبة لقضية الهوية والتي أثار النقاش حولها الرأي العام الوطني، أرى شخصيا أنه كان ممكنا أن نعترف بالمغرب كبلد مسلم ونسمح بحرية الاعتقاد، لكن في إطار التوافقات التي تم الإجماع حولها، فقد تبين أن هناك جزءاً كبيراً من المغاربة يصر إصرارا معقولا على الإشارة إلى الانتماء الديني للمغرب كبلد إسلامي، وحتى الذي كان يعتقد أن المغرب لم يتقدم في عملية حرية التدين سيجد نفسه اليوم أمام دستور تضمن الدولة فيه لكل شخص حرية التدين. فالنص الدستوري يقول «الإسلام دين الدولة والدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية» لم يتحدث النص هنا عن شؤونه الإسلامية وإنما عن الشؤون الدينية في مجملها وهذه مسألة أساسية جداً.
فيما يخص مصدر التشريعات فقد أشار مشروع الدستور إلى أن المواثيق الدولية تسمو على كل القوانين الوطنية مما سيجعل المغرب ينخرط بشكل إيجابي في تكريس حقوق الإنسان.
ـ تحدثم الأستاذ الكريم عن مزايا مشروع الدستور، غير أن فعاليات سياسية مغربية لا ترى في هذا المشروع أي تقدم، واختارت الخروج إلى الشارع من أجل التعبير عن رفضها للمشروع، فما هو رأيك في هذا الطرح الممانع الذي لم يلمس حسب ادعاء أصحابه أي تقدم على مستوى مشروع الدستور؟
الدستور مطروح الآن أمام الشعب المغربي ولكل واحد الحرية في إطار روح هذا الدستور أن يتخذ الموقف الذي يراه صحيحا منه، شخصيا أحترم من يعارضه وأحترم من يصوت عليه بنعم.
وأنا سأصوت بنعم لأنني أرى فيه دستوراً متقدما وشريحة عريضة من المجتمع المغربي تجد نفسها في هذا الدستور المشروع، فقراءته بصيغ شمولية تؤكد أنه يتوافق ويتعاقد مع شريحة عريضة من المغاربة.
مولاي امحمد الخليفة قال إن من يقاطعون الدستور يعانون من جبن سياسي، وأنا أتفق معه، غير أني أقول إن هذا الأمر ليس بجبن سياسي وإنما هو تحايل على الشعب في إطار القطيعة، شخصيا أحترم جدا من يقول لا ، ولكنني لن أحترم من يقاطع لأنه يريد الركوب على عدم تصويت شريحة معينة من المغاربة لأسباب مختلفة ، فهناك أحزاب كانت تقاطع دائما وتقوم بنسب كل من لم يتمكن من التصويت إليها، وعندما شاركت هذه الأحزاب في الانتخابات التشريعية والجماعية تبين أنها لا تساوي شيئا جماهيريا.
على الذي له الشجاعة والجرأة في معارضة مشروع الدستور أن يدعو المواطنين إلى التصويت ب لا، فذلك أقرب إلى الممارسة الديمقراطية من المقاطعة والركوب على انخفاض نسب المصوتين في حالة إذا تم ذلك.
هناك من يتحدث من هؤلاء عن المنهجية غير الديمقراطية والدستور الممنوح وعن هيأة منتخبة من طرف الشعب، وهنا لابد أن أوضح متى يتم انتخاب لجنة تأسيسية؟ يتم ذلك عندما عند الانقلاب على النظام بشكل كامل وهو الأمر الذي لن يقع بالمغرب، أنا واحد ممن انخرطوا في 20 فبراير ومازلت أتواصل مع الشباب على مستوى الفايسبوك وأتعرض للانتقاد وأنخرط في هذا النقاش، لكن ما أقوله إن جميع المظاهرات كانت تطالب بإصلاح النظام الحالي في كافة المجالات وتعديل الدستور وهذا الأمر له شروطه يُحددها أسمى قانون والذي هو الدستور حيث يحدد أن الملك أو البرلمان هما من يدعوان إلى تعديل الدستور. وكان الملك من دعا إلى تعديل الدستور ولم يكن ملزما بسلك هذه المنهجية الديمقراطية الجديدة حيث فاجأ الجميع وكان متقدما جداً في طريقته على ما ورد في الدستور الحالي.
المنهجية كانت في المستوى إلا من بعض الأخطاء البسيطة جدا والتي من بينها أن الوثيقة الكتابية لم يتم منحها في وقت محدد وتم عرضها بطريقة شفوية على الأحزاب، ولم يكن المنوني من قام بتقديم الوثيقة وإنما قام بذلك المعتصم، لكن عامة كانت هناك مشاركة كبيرة لعموم الشعب المغربي، في صياغة هذا المشروع حيث شاركت الأحزاب السياسية والجمعيات بشكل مفصل وهو ما يؤكد أن المنهجية تشاركية.
هناك كذلك من ينتقد قيادة الملك للقوات المسلحة الملكية، وأنا أستغرب لذلك ففي الكثير من الدول الديمقراطية المتقدمة نجد أن رؤساء الدول هم من يتحكمون في زمام أمور الجيش.
بعض المنظمات الأمازيغية تقول لماذا أتت الأمازيغية بعد العربية وهذه مسألة شكلية ، الأهم في العملية هو أن الأمازيغية تم ترسيمها ودسترتها.
عموما أرى أن الذين يعارضون لهم الحق في ذلك، لكن في آن الوقت نريد منهم أن يخرجوا للشعب ويشرحوا لهم سبب معارضتهم ويحاولوا الدفع بهم إلى التصويت بلا، فالذي يخرج للشارع من أجل حث المغاربة على التصويت بنعم له الشجاعة في ذلك، ولكن الذي أرى فيهم نوعا من التحايل الأخلاقي هم الذين يدعون إلى المقاطعة.
ـ اعتبر مجموعة من الفاعلين أن الدستور يمثل الجيل الثاني من الدساتير المغربية، لتضمنه العديد من المستجدات، هل تتفقون مع هذا التصنيف؟
مشروع الدستور يؤسس لدستور جديد، هذا صحيح لأن الدساتير السابقة كلها تصب في إطار وضع مركزية القرار في يد الملك مع بعض الرتوشات التي تطرأ عليه من حين لآخر، فدستور 1962 كان متقدما على دستور 1972 الذي أعطى مركزية كبيرة للملك وسلطات واسعة له ، ودستور 1996 تم فيه تغيير الفصل 24 الذي بمقتضاه يتم اقتراح الوزراء على الملك من طرف الوزير الأول الذي يعين من طرف الملك، هذه هي أبرز التغييرات التي شهدتها الدساتير السابقة.
الآن وقعت القطيعة مع هذه الدساتير ومع الممارسة الدستورية التي تضع الملكية كأساس وكقوة لها الكثير من الجاذبية السياسية في الحياة السياسية المغربية، ومررنا إلى دستور جديد فيه تقاسم للسلط والتشارك والتوازن إلى غير ذلك فهناك من تكلم في هذا الإطار عن الملكية الثانية، وأنا أرى أننا انتقلنا إلى الملكية الثالثة، فهناك ملكية أسست مع محمد الخامس رحمه الله انبنت على التوافق مع الحركة الوطنية وجيش التحرير بدون دستور، وهي الملكية ما قبل الدستورية، ومع الحسن الثاني رحمه الله والدساتير التي قام بالإشراف على صياغتها والتي تكرس منطق دولة يقعوبية تنبني على مركزة أساسية للسلطة مع نوع من التقنين للعلاقة التي تربط الملكية بالمؤسسات الأخرى.
وأعتقد أننا الآن نمر إلى الملكية الثالثة والمبنية على تقاسم السلطة الدستورية ما بين الملكية والأحزاب الوطنية وإضافة ثابت أساسي إلى ثوابت الأمة وهو الثابت الديمقراطي، الان مررنا من مرحلة الانتقال الديمقراطي لندخل إلى الديمقراطية من بابها العريض.
ما نحن اليوم في حاجة إليه هو التفعيل الحقيقي لهذه الوثيقة وإلى مواطنين وفاعلين يموقعون أنفسهم في هذه المرحلة التاريخية، نحن في حاجة إلى برلماني قوي وقادة أقوياء، إذ لا يمكننا بالبرلمانيين الذين يتوفر بعضهم الآن أن ننجح هذه الثورة الديمقراطية، نحن في حاجة كذلك إلى جهاز قضائي يسهر على تطبيق القانون ورجاله وعلى المهنة وعلى البلاد والعدل، نحن في حاجة إلى جيل جديد من النخبة المغربية.
ـ نحن في حاجة كذلك إلى جيل جديد من السلوك كمواطنين وكمجتمع مدني وكأحزاب سياسية، أليس كذلك؟
تماما، لكن يجب أن ننسى أننا كمثقفين وكنخب تمثل النموذج إذا ظهرنا بمظهر النموذج الفاسد المرتشي المشجع للزبونية والمحسوبية فإن المجتمع سينساق وراء هذا الفساد، فالتردي الذي وقع خلال العشر سنوات الأخيرة جاء بعد أن فقد المواطن الثقة في النخبة والتي اكتست في نظر زيّ الفساد،
- الإصلاح الدستوري هو بداية لمجموعة من الإجراءات السياسية التي يجب التعجيل بتنفيذها، ما هي في رأيكم هذه الإصلاحات؟
أظن أننا اليوم ملزمين بالمرور إلى دولة القانون، حيث يجب على الكل أن يستوعب أن هناك حقوقا كما أن هناك واجبات، فلا تسامح مع القانون وكلنا متساوون أمامه، وهذا ما يؤكده مشروع الدستور، فالوزراء أصبحوا اليوم يحاكمون كجميع المواطنين في حالة ارتكاب أي منهم لمخالفة، يجب أن نضع كذلك حداً، لكل أشكال الريع المنتشرة في البلاد لتنقية الأجواء، كما يجب وضع حد لمسألة الخلط ما بين السياسة والمال على جميع المستويات، يجب وضع حد لسلطة المال وتفعيل القانون الخاص بالتصريح بالممتلكات والذي يجب أن يهم جميع موظفي الدولة والفاعلين، يجب أن نتصدى لخرق حرية التعبير ومحاكمة الصحافة فتدبير هذه المسألة يجب أن يتم بشكل يتوافق مع روح مشروع الدستور، كما على الجسم الصحافي أن ينتقل إلى مرحلة أكثر تنظيما من أجل تحصين ذاته، وأعتقد أن العقوبات السالبة للحرية مجحفة في حق الصحافيين.
يجب أن يتم تنقية الأجواء في قضية كل المعتقلين الذين تحوم الشبهات حول طريقة اعتقالهم وحول القضايا التي حوكموا من أجلها في إطار دولة القانون، كما لا يجب التسرع في إجراء انتخابات مخافة أن تفرز لنا هذه الأخيرة نفس تركيبة البرلمان الحالي، فالسرعة قد تسبب لنا مشاكل، يجب أن نمر إلى مرحلة التصويت بالبطاقة الوطنية وأن نعممها على جميع المغاربة حيث ستضمن تسجيل كل المواطنين الفعلي وستسهل مأمورية نجاح الانتخابات ونزاهتها وسنضرب على أيدي المتلاعبين بها مع وضع تقطيع انتخابي معقول عوض الاعتماد على التقطيع السابق الذي يعتمد على الحسابات السياسية، وأعتقد أن على الأحزاب السياسية أن تصوغ ميثاقا أخلاقيا من خلاله ستطرد كل المفسدين الذين اخترقوها وتقدم الكفاءات، حتى نحصل على برلمان في المستوى.
كل هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت ليس بالقصير وإلى التروي والحكمة السياسية.
المغرب اليوم في مفترق الطرق، ينتظر منه أن يكون نبراسا للدول العربية، فالكل ينتظر النتائج التي سيفضي إليها الإصلاح بالمغرب، الذي اختار الطريق الثالث.
- هل هذه الطريق الثالثة هي ما يمكن أن نسميها بالاستثناء المغربي؟
أنا لا أفضل هذا المصطلح لأنه يفهم بشكل غير صحيح، أنا أسميها الآن ثورة سلمية متوافق عليها، أثارت نقاشا فكريا عميقا بين المؤيد والمعارض، وهنا لابد أن أوضح مسألة مهمة جداً، ليس كل من يعارض يملك الحقيقة، الشارع المغربي عليه أن يتخلص من فكرة أن من يعارض يمتلك الحقيقة ومن يؤيد النظام هو البلطجي والمخرني إلى غير ذلك، هذه ثنائية غير مفهومة.
على الذي يعارض أن يقبل بالفكر المناقض له، فالديمقراطية سلوك وفكر وطريقة حياة وعلى الديمقراطي أن يقبل بالرأي الآخر وأن لا يسعى إلى شيطنة مناقضيه.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !