مع امتداد الفوضى الخلاقة، وزحفها على دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، تتعاظم التعقيدات السياسية ، وتضمحل فرص التسويات السياسية ، ويصعب استشراف مستقبل المنطقة اقتصاديا، وتصبح الصورة اكثر ضبابية. بسبب كل هذا التهافت على تغيير الانظمة السياسية بالمنطقة ، تحت مسمى يكاد يكون رومانسيا يسمى الربيع العربي ، ودون أدنى حساب لمستقبل شعوب المنطقة اقتصاديا وامنيا واجتماعيا . وفي اطار اختبار فرضية فاشلة مسبقا تقول بأن التغيير بالعنف سبيل للاستقرار ، والرفاه الاقتصادي .
قبيل رومانسية الربيع العربي السياسية ، حافظت تركيا على سياسية خارجية، تتسم بالعقلانية، وتجنب المشاكل والتوتر مع جيرانها العرب،الى درجة أمكن معها بتوصيف حالة العلاقات التركية – العربية ، بالخالية من المشاكل، والتوترات. لكن للأسف أدى فخ الربيع العربي الاعلامي ، الذي نصب للعلاقات الدولية ، ولخرائط دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، اقتصاديا ، وسياسيا. الى التهافت التركي ، وراء سياسات كتلة دول الناتو الغربية العسكرية ، الى انتقالها ، من حالة التعاون مع دول المنطقة ، الى حالة التوتر ، والصراع.
التعامل التركي مع الأزمة السورية صالح لاختبار تحولات السياسة الخارجية التركية ، ومستقبلها ، في محيطها السياسي والاقتصادي. فمنذ اندلاع الأزمة السورية ، عمدت تركيا الى تغيير موقفها، وطبيعة علاقاتها بسوريا ، بشكل دراماتيكي . فمن التعاون المثمر والايجابي مع نظام الاسد ، الى دعم واضح وقوي للمعارضة السورية. ووصلت هذه العلاقة مؤخرا الى أقصى درجات التوتر ، بعد اسقاط الطائرة التركية التي يعتقدها نظام الأسد تجسسية، فوق المياه الدولية. وبلغ التوتر مداه الاقصى ، بالحشد العسكري المكشوف للقوات التركية ، على حدودها ، مع سوريا.
تركيا تعتقد أنها بهذا التعديل المنساق بشكل غير محسوب ، أنها تقدم نفسها كداعمة لحركات التغيير الديمقراطي المزعوم ، في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ويحفزها للتمادي في هذه السياسات ، فوز حركات الاسلام السياسي بالحكم في معظم الدول العربية التي عرفت تغييرا لنظامها السياسي، مع اعتقاد أن وصول الاسلاميين الى الحكم ، يتقاطع مع شعار الاسلام هو الحل، بعد نجاح التجربة التركية. لكن أتوقع أن الركض السياسي التركي خلف الربيع العربي ، سوف يخلف تداعيات سياسية واقتصادية ضخمة على مستقبل تركيا ، في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
أعتقد أن أهم التداعيات السلبية لتحولات السياسة الخارجية التركية، هو سحب المزيد من التعقيد على علاقاتها مع ايران، فعلاقة البلدين أصلا يصعب قياسها، فهي تتراوح بين التعاون والتوتر. بسبب كون ايران لا تستسيغ اصلا التعاطي التركي مع ملفات المنطقة ، وقد لا تحبذ المزيد من اشارات تركيا، الهادفة الى لعب أدوار أكثر طلائعية ووضوحا، في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.
من جهة ثانية ، تركيا تعتقد أنها في موقع أفضل يسمح لها بالتأثير في سوريا، لكن أي تدخّل تركي في سوريا سوف يؤدي الى اندلاع مختلف وعنيف جدا لمشكلة السكان الأكراد في تركيا، كما أن اي استعراض تركي للقوة في المنطقة ، سوف يواجه لا محالة ، بالاعتراض ، من طرف ايران ، التي لن تسمح بالنيل من صورتها كقوة وحيدة ، في المنطقة ، سوف تكون صاحبة الحل والعقد في الشرق الاوسط ، بعد تفتيت الانظمة الخليجية ، عرقيا ، وخرائطيا. كما يبدو ، على نفس القدر ، خطأ حسابات تركيا ، فيما يخص طموحاتها الاقتصادية ، لانه بدون استقرار سياسي ، على أسس متينة ، لايمكن أبدا الحفاظ على صورتها وسمعتها ، كنظام اقتصادي يستحق أن يحتذى به، كنموذج اقليمي ، وهو ما سينال بالتبعية ، من سمعتها لدى الاتحاد الأوروبي .
تركيا مدعوة اليوم الى مراجعة عاجلة لسياساتها ، ومواقفها ، من قضايا الشرق الأوسط ، ومن هذه المرحلة الانتقالية التي تعرفها المنطقة ، والموسومة اعلاميا ورومانسيا ، بالربيع العربي ، ربما تؤدي هذه المراجعات الى انقاذ مستقبلها الرائد في المنطقة ، قبل أن تتداعى ، وتؤول للسقوط، بسبب التدخل في ازمة داخلية ، مثل الازمة السورية، لأن الشراكات الاستراتيجية ، أفضل من الصراعات والتوترات السياسية.
أحمد سالم أعمر حداد
باحث مغربي متخصص في تحليل الصراع
newsdata1@gmail.com
Mobile:00212630983183
التعليقات (0)