إنه من الخطورة بمكان أن يقتنع بعض المبدعين في ديارنا الإسلامية بتفوق الثقافة الغربية على ثقافتنا الإسلامية فيلجئون تبعا لهذه القناعة إلى اتخاذ الغرب قدوة ومثالا، ويستبطنون مدارسه الإبداعية المختلفة، ومفاهيمه عن الحياة ، يقيسون بها إبداعاتنا ونتاجاتنا الفنية ، إن مثل هذا العمل يسقطهم أولا وأخرا في التقليد الذي يتنافى تماما مع العملية الإبداعية، لأن التقليد يمثل العدو الأول للإبداع، كما أن استحضار مفاهيم الغرب و معاييره في كل خطواتنا واعتباره سباقا في كل المجالات الحياتية يضعف من همتنا، ويميت تحفزنا للإبداع واختراق الآفاق، لأن المرء إذا ما أدرك أن هناك من سبقه إلى درب من دروب الحياة واعتقد بعدم إمكانية الإتيان بشيء جديد، يفتر عزمه، ويتلاشى حزمه في تقديم التضحيات الكافية لبلوغ ذلك الدرب المقصود، على عكس ما إذا كان سباقا لاكتشاف جواهر مطمورة، ولآلئ مكنوزة، وتحف لم تر العين مثلها من قبل، فان نفسه تكون في توق، وقلبه في شوق، لتقديم كل غال ونفيس ليفوز بقصب السبق في الإكتشاف الجديد وبلوغ الهدف المراد ونيل كل عجيب متسام، ولقد أدرك أجدادنا من المسلمين هذا السر في الإبداع فصنعوا المعجزات فكرا واكتشافات و إبداعات، وبهروا نفوسا كرعت من ينابيعهم الثرة وبحارهم العميقة المليئة بكل رائع وجميل ومؤثر عجيب، وانتقلت آدابهم إلى أوروبا عبر الدردنيل والأندلس وصقلية وغيرها ، وعلى ورثة هؤلاء الأفذاذ أن يواصلوا مسيرتهم في البناء والتشييد والإبداع : من ذلك أن (المعراج الإسلامي ) نجده يؤثر في القصص الأوربية ، كما تمثله " الكوميديا الإلاهية "لدانتي الأجيري " الإيطالي و التي كتبها في القرن الرابع عشر الميلادي .فقد صورت هذه القصيدة الحياة الأخرى بشقائها و نعيمها ، بحيث أسهم هذا التصور في ثقافة الناس في أوروبا لما بعد الموت حتى مطلع القرن الماضي ، و اعترف المستشرق الإسباني : "أسين بلاثيوس "سنة 1919 أن "دانني" متأثر بالمعراج الإسلامي تأثرا كبيرا ، يكشف عنه التماثل في دقة التفاصيل بين "الكوميديا الإلاهية " و (المعراج الإسلامي ) و ما يتصل به من قصص إسلامي كما ورد عند ابن مسرة و تلميذه ابن عربي الأندلسي في (الفتوحات المكية ) و في رسالة الغفران لأبي علاء المعري بالإضافة إلى تفسيرات علماء الإسلام للقصة و تعليقاتهم عليها . كما أثرت قصة "حي بن يقضان " للأديب الفيلسوف ابن طفيل الأندلسي في آداب الغرب ، إذ تعالج قصة ابن طفيل فكرة الإهتداء إلى الله و معرفته عن طريق العقل و التجربة معا خلال النظر في آيات الله و مخلوقاته ، و قد ترجمت هذه القصة إلى اللاتينية بعنوان : " الفيلسوف المعلم نفسه " في القرن السابع عشر الميلادي ، و من اللاتينية إلى الأنقليزية و تأثر بها الكاتب الإسباني "بلتاسار جراثيا " في قصة النقاد critiquons و قد قسمها صاحبها إلى ثلاثة أجزاء هي : في ربيع الطفولة ، ثم في خريف عهد الرجولة ثم في شتاء الشيخوخة : وهي نقد للعادات و التقاليد في عهد المؤلف .
و نجد " دانيال ديفو" في قصته " روبنسون كروز " يتأثر بقصة ابن طفيل لا سيما و قد انتهى بطلا القصتين إلى معرفة الله و الإهتداء إليه و إدراك هيمنته على الكون ، و قد ترجمت قصة حي بن يقضان إلى الفرنسية و الروسية في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي .
كما نلاحظ تماثلا كبيرا بين قصة " زرقاء اليمامة " المعروفة و مسرحية " ماكبث " لشكسبير ، ففي "رنات المثالث و المثاني " رأت زرقاء اليمامة شجرا يسير ، و ما كان هذا الشجر سوى أعداء قومها ، و قد حمل كل بطل شجرة قدر طاقته ، ليتخفى وراءها أثناء التوجه لغزو قوم زرقاء اليمامة ، الذين لم يصدقوا ما رأته زرقاء اليمامة و ما أخبرتهم به ، حتى فوجئوا بالأعداء كما وصفت زرقاؤهم و حلت بهم الهزيمة ، و قد وردت فكرة الغابة المتحركة في مسرحية " ماكبث " لشكسبير ، إذ بينما كان القائد "ماكبث" متحصنا بقلعته إذ بأحد الحراس يسرع إليه ليخبره بأن غابة " برنام " تتحرك ، و في الحقيقة لم تكن الغابة سوى جيش:"مالكولم" الذي جاء متقدما نحو القلعة و متسترا بأغصان الأشجار مما بدا للحارس كأنه غابة " برنام " تسير ، و من هنا أخذ " ماكبث " على حين غرة .
هذه عينات من بحر أجدادنا الزاخر بكل جميل و طريف مما جعل أوروبا تغرف من هذا البحر الغني باللآلئ ، نقدمه في زمن الجدب والقحط و التقليد الأعمى لمنتجات المدنية الغربية المتوحشة ، لعله يصيبنا منه بعض الطل فتنهمر المطر و تروى أراضينا القاحلة .
راجع تفصيل ذلك في :
Islam3mille.blogspot.com
http://www.elaphblog.com/islam3000
http://www.elaphblog.com/daawatalhak
http://www.elaphblog.com/islamonegod
http://as7ab.maktoob.com/welcome.htm
للتواصل مع الكاتب
:
التعليقات (0)