سقطة أخرى ..
ولكنها هذه المرة تتجاوز معنى (زلة اللسان) إلى دعم وتأكيد الشعور والإحساس الكامن لدينا تجاه انحراف الخطاب الديني لدى جماعة الأخوان المسلمين وانجرافه نحو (التدجين) و (التوظيف) و (التطويع) وفقاً للهوى وتبعاً للظروف ..
هذه السقطة .. كانت بمثابة مؤشر آخر لانكسار البوصلة لدى أهم وأضخم فصيل (منظم) ومعارض في مصر .. فإذا كانت الحقبة الأخيرة التي مرت بها مصر قد شهدت ضمن ما شهدت تعاظم (اللكنة) الدينية في مواجهة تنامي وتوحش الرأسمالية بوجهها الجشع والقميء والمدججة بأقبح معاونيها من فساد وظلم واستبداد ..
فإن التعويل على حملة لواء الدين والاحتماء بسدنة العقيدة بات يشكل الأمل الأكبر وربما الأهم لدى الشعب في استنقاذه من درك الهاوية التي وقع فيها ومن الضياع الذي حل به ..
إلا أن الفضائيات على اتساعها وانتشارها والتي اكتظت بكل نوع وبكل لون تقلب الشعب فيها بين شيوخ أصحاب لحى وجلابيب بيضاء .. وبين دعاة حليقي الذقون والشعر يمتلكون قنوات "دينية" من بابها .. وأصحاب فضيلة من أصحاب البذلات ماركة بيير كاردان وساعات الرولكس والبارفانات المثيرة وأربطة العنق فاقعة الاحمرار ودبابيس القمصان المذهبة ..
جميع هؤلاء مرغوا الناس في أوحال القشور والشكليات والإغراق في القضايا الجدلية الفارغة و التنافس في "استخراع" الفتاوى التي تتناول كل ما هو شاذ وغريب ومثير للبلبلة لشد الانتباه والتلميع والترويج ومن ثم التربح من فيض الملايين التي تضخها تجارة الفضائيات والبيزنس باسم الدين والعقيدة حتى دخل بعض (شيوخ الدين) قائمة (فوربس) لأغنى أغنياء العالم من أوسع صفحاتها !!
بينما الشعب المطحون يغص في الفقر والإملاق .. ويغوص في بحر الفساد .. ويئن تحت وطأة الظلم والجهل والمرض والاستبداد... لذا ما كان من (غالبية) الشعب سوى الانطواء والتكور على نفسه كمحاولة بائسة ويائسة لاتقاء مزيد من الشرور أو الظلم أو الفساد أو الاستبداد .. مع استمرار اللهاث نحو البقاء على قيد الحياة دون النظر لمدى أكثر من ذلك ..
حتى جاءت الحالقة ..
حين استكثرت الجماعة على الشعب المطحون البقاء على قارعة الحياة يلعق جراحه فتوعدته بعذاب النار وسخط الجبار إن لم يهرع إلى الصناديق في يوم الزحف العظيم .. يوم الانتخابات ..
فقد انبرى أحد أعضاء مكتب الإرشاد بجماعة الأخوان المسلمين أكبر وأضخم فصيل (ديني) معارض في مصر ليصدر فتواه .. وفي رواية أخرى.. (رؤيته الشرعية للانتخابات ) التي انتهى فيها إلى توعد الغالبية المنهكة.. والشاردة.. والشريدة من الشعب بأشد أنواع العذاب والعقاب والتنكيل الإلهي .. والسخط الرباني إذا سولت لها نفسها الأمارة بالسوء مقاطعة الانتخابات البرلمانية المصرية (الشعب والشورى).. واصفاً وناعتاً ومتهماً من يقترف مثل هذا الجرم بأنه بمقاطعته الانتخابات يكون كمثل من (يتولى يوم الزحف) أي كمثل المسلم الهارب من ميدان المعركة مع الكفار .. أو الهارب من ساحة الجهاد .. باعتبار أن الانتخابات تعد بمثابة هي والجهاد ألأكبر سواء بسواء...
وهو تشبيه مريع يؤكد الفصام الرهيب في فهم النص القرآني واستدعائه لإسباغه وإلباسه كرداء لممارسة هي أبعد ما تكون عن ظروف النص وعن جو النص القرآني وعن موجبات تطبيقه فضلاً عن الاستشهاد به على (ممارسة ) منبتة الصلة تماماً بمدلولات النص القرآني :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16))) .. فكيف يساوي أو كيف يشبه عضو مكتب الإرشاد بين تقاعس (مواطن) أو مقاطعته أو امتناعه عن المشاركة في الانتخابات أو الإدلاء بصوته فيها وبين (هروب) المسلم من مواجهة الكفار!!! ...
أي الهروب من ميدان الجهاد .. من قلب المعركة ؟!ّ!
ذاك يحتاج مقالاً آخر لتفنيد بحث (الرؤية الشرعية للإنتخابات) للدكتور عبدالرحمن البر عضو مكتب الإرشاد بجماعة الأخوان المسلمون ...
التعليقات (0)