منذ أطلقها مؤسسها حسن البنا كدعوة إصلاحية دينية ومجتمعية .. فقد حققت جماعة" الأخوان المسلمون" نجاحات كبرى نظراً لظروف نشأتها ونبالة مقصد دعاتها وإخلاص مؤيديها ..
ولقد تمكنت هذه الجماعة من تثبيت نفسها على مسرح الأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية باعتبارها حركة تجذرت في مصر وانتثرت عنها أفرع في البلاد العربية استمدت معينها وزادها من قاعدتها في مصر..
ولقد كان من الممكن لهذه الحركة أو الجماعة أن تقلب موازين القوى الإقليمية ..بل وتضع بصمتها على المسرح الدولي بقوة لو أنها التزمت نهج المصداقية والشفافية التي تفرضها المقاصد السامية التي تأسست هذه الدعوة من أجل تحقيقها .. باعتبار أن الشعوب خاصة العربية تسلم قيادها لمن يشعل جذوة عقيدتها ويحيي ميت آمالها في صحوة كبرى على طريق الحلم الإسلامي الكبير ..
ولكن ومن أسف فإن حركة "الأخوان المسلمون" حال تجاوزها مرحلة الانطلاق والانتشار فقد اعترتها عوارض السقم والمرض والتي أودت بها إلى الشيخوخة والوهن..
حيث تغايرت تطلعاتها انطلاقاً من إحساسها بتضخم الذات والقوة الضاغطة والقدرة على فرض كلمتها على الساحة الاجتماعية والسياسية انطلاقاً من الخطاب الديني الذي تضعف أمام سماعه أذن المواطن مدعومة بقاعدة شعبية عريضة متغلغلة وملتحمة بالطبقات الاجتماعية المختلفة ..وهو ما انتهى إلى شعور الحركة بحقها الكامل والكامن في مزاحمة السلطة على كعكة الوطن ..
وهذا ما أوقع جماعة "الأخوان المسلمون" في صراعات مصيرية مع الأنظمة الحاكمة بدء من عبد الناصر حتى مبارك .. وهي صراعات تطفو وتخبو حسب قاعدة المد والجذر التي تفرض نفسها طبقاً لنظرية شعرة معاوية الواصلة والفاصلة بين السلطة الحكمة وجماعة "الأخوان المسلمون" ...
فقد ظلت الأنظمة الحاكمة تنظر لجماعة "الأخوان المسلمون" كعدو رقم واحد باعتبارها الخطر المنظم الداهم والمهدد لاستقرار وأمن النظام بما تملكه الجماعة من انتشار وتغلغل بين أوساط المجتمع والمؤسس على الوازع الديني كوقود شديد الاشتعال وسلاح شديد الفاعلية في المواجهة بين الجماعة والسلطة ..
بينما ظلت الجماعة تنظر للنظام الحاكم باعتباره العقبة الكئود التي تقف في سبيل وصول الحركة إلى قصر عابدين باعتباره المقر الذي يصبو إليه مكتب الإرشاد لتحقيق الحلم "الإسلامي" الكبير..
وبين نظرة السلطة وحركة الأخوان لبعضهما البعض تجد أن "الشعب "هو آخر نقطة في بؤرة اهتمامات وتطلعات كل منهما ..
فالشعب في حساباتهما لا يزيد عن كونه ورقة انتخابية لاتجد نفسها أو قيمتها إلا عند الحاجة إليها في انتخابات برلمانية أو نقابية أو رئاسية أو غيرها وبعد ذلك تلقى في صندوق الإهمال والنسيان..
ويؤكد ذلك تلك النظرة التي باتت شبة يقينية عند غالبية الناس على المستوى الفردي والجماعي أن جماعة الأخوان المسلمين جماعة منغلقة على نفسها أو على أعضائها حيث الأولوية في المصالح والخدمات والأهداف والمكتسبات تكون لأفرادها مما خلق عازلاً مرئياً بوضوح بين الجماعة والشعب ..
كما هي النظرة اليقينية عند ذات الغالبية من الشعب أن السلطة وما يحيط بها من هالة المنتفعين والمرتزقة تقاتل حتى الموت في سبيل الانفراد بالحكم المطلق دون منازع أو شريك حتى ولو كان الثمن ضياع البلد الذي نخر سوس الفساد في عظامه حتى أنهك البلد وأخار قواه ..
من هنا تتأكد تلك الحقائق خاصة إذا اطلعنا على اعتراف المرشد العام للأخوان المسلمين بأن الجماعة قد عقدت صفقة مع النظام في عام 2005 بمقتضاها تسمح السلطة بتمرير نجاح 50عضوا أخوانيا على الأقل في انتخابات 2005 البرلمانية مقابل وقف الأخوان حملتهم ضد السلطة وهي الانتخابات التي نجح فيها 88 عضوا من الأخوان المسلمين في سابقة هي الأولى في تاريخ الجماعة ..
والملاحظ أن الجماعة نكصت على عقبيها في مواقف سياسية مصيرية كان الشعب ينتظر منها أن تدلي بدلوها فيها كانتخابات الرئاسة والتي أعلنت الجماعة أن لا ناقة ولا جمل فيها ولا وزر على من يتخلف عنها.. بينما في الانتخابات البرلمانية العاقبة لها اعتبرت الجماعة أن هذه الانتخابات فرض عين على كل مسلم وأن في تخلفه عنها وزر وذنب عظيمين..
هكذا طوعت الجماعة في غير لبس الخطاب الديني حسب اتجاهها السياسي مما جعل الشعب ينفض عنها .. ويشيح بوجهه عن ثمة تعاطف معها..
بينما السلطة تعتبر وبصورة رسمية لا لبس فيها أن جماعة الأخوان المسلمين هي جماعة منحلة بحكم القانون أو بقرار من الرئيس عبد الناصر وجماعة محظورة قانوناً بما يعني وجب القبض على جميع من ينتسب إليها .
هذه هي نظرة السلطة للجماعة ..لذلك تقوم السلطة بالقبض بين حين وآخر على عدد انتقائي من أعضاء الجماعة واعتقالهم ومحاكمة بعضهم أمام محاكم عسكرية بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة وغير ذلك من الاتهامات الأكلاشيهات..
ولو كانت للسلطة مصداقية في تطبيق القانون فإن مكتب الإرشاد الذي يمثل قيادة الجماعة يقبع على أرنبة أنف السلطة ويوجد فيه رأس الجماعة وهو المرشد فلا تجرؤ السلطة على المساس به !! كما أن كل من ينتسب ولو بالعاطفة لجماعة الأخوان المسلمين تعلم به السلطة وله ملف عندها ومع ذلك فالسلطة تتبع في علاقتها بالجماعة لعبة القط والفأر أو الكراسي الموسيقية ..
والشعب بين هذه اللعبة أو تلك يقف متفرجاً مبتسماً لكليهما أحياناً وساخراً أخرى وهازئاً أخيراً ..
فخطاب كل من الجماعة والسلطة صار مكشوفا ..كما صارت هناك حالة فصام بين ما يصرح به أحدهما ومايكنه ويقصده ..
أي أن كلا منهما صار يظهر غير ما يبطن .. ويصرح بغير مكنون قصده ..
لذا فقد اُجترحت مصداقيتهما معاً..
وبقي شعار كل منهما .. "الدين" بالنسبة للجماعة .. و"القانون والدستور" بالنسبة للسلطة .. شعاراً فارغاً من مضمونه ..
مثيراً للسخرية من جانب الشعب بذات ما أثاره تصريح الحكومة بأن " الجاموسة" هي التي تسببت في حادث اصطدام قطاري العياط...
التعليقات (0)