تعد أجهزة المخابرات أحد أهم الأدوات التي استخدمتها الأنظمة العربية القمعية في مرحلة ما قبل ثورة الحرية العربية في ضبط حركة شعوبها وقمعها وإرهابها. وتشبه تلك الأجهزة الأخطبوط الذي تمتد أذرعه نحو جميع أجهزة الدولة الأخرى، وتعمل أجهزة المخابرات على مواجهة عدو واحد هو المواطن العربي المطالب بالحرية والكرامة بينما عدو الأمة الحقيقي (العدو الصهيوني) فهو عدو للشعوب فقط، بينما بالنسبة لأنظمة الحكم فهو شريك يشكل السلام والتعاون معه خيارا إستراتيجيا.
الأنظمة القمعية التي تمارس الوصاية على شعوبها وتهمش إرادتهم تتقمص شخصية الإله الذي يدعي القدرة على معرفة ما يصلح لهم وإن تناقضت سياسات تلك الأنظمة مع معتقدات وتطلعات وإرادة الشعوب الخاضعة لحكمها ووصايتها. وأنظمة الحكم القمعية المطلقة المتألهة تحتاج إلى المعرفة المطلقة (Omniscience) وهذه المعرفة التي تجعل نظام الحكم المتأله سميعا بصيرا تشكل أجهزة المخابرات أداتها.
كجزء من الإله المزعوم (نظام الحكم المطلق) تكون أجهزة المخابرات ذات ملامح غامضة ومنفصلة عن الشعوب التي تشكل مجال عملها. فأعضاء تلك الأجهزة لا يقابلون الناس بملامح بشرية فهم يعرفون بأنفسهم بأسماء مستعارة وهمية وتكون مكاتبهم ضمن مباني دوائر المخابرات خالية من أي دلالة على هويتهم أو منزلتهم ضمن الجهاز.
وتتعامل تلك الأجهزة مع المواطنين المطالبين بالحرية والكرامة والإصلاح ليس فقط كأعداء بل أيضا كأفراد منفصلين عن الشعوب التي غالبا ما يمثل هؤلاء الأفراد قلبها النابض وتوجهاتها نحو المستقبل بما يشكل مغالطة تعكس علاقة تلك الأجهزة بالشعوب. وتعكس القوانين التي تعمل أجهزة المخابرات ضمنها ذلك الغموض فتلك القوانين غالبا ما تخلو من تحديد آليات عملها، فعلى سبيل المثال ففي الأردن فإن قانون المخابرات العامة لسنة 1964 والأنظمة الصادرة بموجبه لا تحدد آليات عمل دائرة المخابرات وذلك القانون لم يتضمن سوى 13 مادة خلت من تحديد آليات عمل الدائرة إلا من حيث إلتزامها باتباع التعليمات المتضمنة بالأوامر الخطية لرئيس الحكومة.
الديمقراطية تتطلب الوضوح في عمل أجهزة الدولة وأن تكون آليات عمل ومهام تلك الأجهزة محددة بشكل واضح وصريح بحيث لا تخضع لإرادة الفرد ولتكون أقرب إلى الشعوب التي تشكل مصادر تمويلها ومواردها البشرية بحيث يستوجب تحقيق الديمقراطية إزالة المسافة التي تفصل أجهزة الدولة عن شعوبها بحيث يشكل ذلك مقدمة لإزالة المسافة بين أنظمة الحكم والشعوب من خلال استبدال العلاقات العمودية بعلاقات أفقية تتصف بالوضوح وتشكل روح الديمقراطية.
التعليقات (0)