تصفحت الصحف كعادتي بحثاً عن مقال او تقرير يستحق الوقت والجهد في المتابعة والفهم والدراسة وربما اجد فيه الاستفادة وقد وقع بين يدي هذا المقال المنشور في جريدة الفجر المصرية( عدد يوم 3/6/2010م) عن التنصير في مصر والجديد ليس في عمليات التنصير فهي اشبه بالحرب المعلنة بين المسلمين والمسيحيين كل يحاول ان يثبت ان ما يعتقده هو الصحيح وعلى رأي مأخوذ من الأستاذ خالد الجندي كل واحد عنده بضاعته يعرضها , ولا اطيل عليكم وكما تعودنا سوف انشر لكم المقال ولكم التعليق بما ترونه ......
والأخطاء المهنية في تقرير الـBBC عن شبكات التنصير في مصر
قبل أيام من إذاعة الفيلم التسجيلي "متنصرون" ضمن برنامج "ما لا يقال " علي قناة الـ«بي بي سي» الناطقة بالعربية، سرت ضجة هائلة، بعد أن اكتشف القائمون علي إعداد الفيلم بالمصادفة أن قناة الحياة التبشيرية أنهت تعاقدها مع القمص زكريا بطرس، الذي كان درة التاج لدي القناة وسبب شهرتها ومجدها، بتطاوله المبتذل علي الإسلام وكتابه ورسوله.
كان الخبر في حد ذاته انفرادا، حاول القائمون علي البرنامج أن يسجلوا مع أحد من قناة الحياة، ومع زكريا بطرس شخصيا، لكن الجميع رفض لأسباب أمنية كما ادعوا، ورغم أن معد ومقدم البرنامج الزميل عمر عبد الرزاق حاول تقديم تطمينات عديدة لمسئولي الحياة، إلا أنهم رفضوا رفضا قاطعا ونهائيا، لم يكن أمامه إلا أن يلجأ إلي مؤسسة جويس ماير التي ترتبط ارتباطا غامضا ومريبا بقناة الحياة.
رفض مسئولو مؤسسة جويس ماير التسجيل مع الـ«بي بي سي»، لكنهم أفرجوا عن معلومة سرعان ما تأكدت، وهو أن القمص زكريا بطرس لن يظهر علي شاشة قناة الحياة بداية من يونيه القادم، لم تذكر ماير السبب، لكن بدا أن كثرة المشاكل التي تسبب فيها بطرس والهجوم الذي كشف ضعفه وفساد منهجه، أثر علي شعبية القناة، بما جعلها تفضل الاستغناء عنه بعد أن استنفدت كل أغراضها منه.
هذه الضجة التي سبقت البرنامج والفيلم، جعلتني أنتظره، صفقت له كثيرا قبل أن أشاهده، فهو يخترق قضية ساخنة، الاقتراب منها ليس سهلا، وكنت أتوقع أن أصفق لمن قاموا علي إعداده بعد مشاهدته، لكني لم أفعل ذلك، فقد وقع القائمون علي الفيلم في أخطاء مهنية، ما كان لهم أن يقعوا فيها، خاصة أنهم حرصوا علي أن يؤكدوا قيمهم المهنية قبل عرض الفيلم.
من بين هذه القيم ما نوه الفيلم عنه من أنه نظرا لحساسية القضايا التي يطرحها فإن الـ«بي بي سي» تؤكد التزامها باحترام كافة المعتقدات مع عدم الإخلال بواجبها المهني، ونوه الفيلم أيضا إلي أنه تم تغيير أسماء وأصوات بعض الشخصيات في هذا الفيلم حفاظا علي سلامتهم، كما تمت تغطية بعض العبارات التي تتعارض مع قيم الـ«بي بي سي».
لكن قبل أن نخوض في الأخطاء، يلزم أن نشير إلي ما قدمه الفيلم، فهو يعرض لقضية التنصير في كل من مصر والمغرب، مصر لأنها تضم أكبر أقلية مسيحية في العالم العربي، أما المغرب فلأنها لم تعرف وجودا لمسيحية محلية، فبها مسلمون ويهود فقط، أما المسيحيون فيها فقد جاءوا مع المستعمر، لكنهم لم يرحلوا معه عندما رحل، وقد قادت مصر والمغرب عمر عبد الرازق إلي الولايات المتحدة، لأنها تأوي المؤسسات الراعية للتبشير.
من مصر قابل عمر خالد الجندي الذي وصفه بأنه مهتم بملف التنصير، وقابل القمص متياس نصر منقرويس راعي كنيسة وادي النخل في القاهرة، باعتباره من أصدر أول شهادة تعميد في مصر للمتنصر ماهر الجوهري، كما قال مريم التي تنصرت وتزوجت من مايكل، ويختفيان في أحد المنازل بالقاهرة دون أن يعرف أحد عنهما شيئا، ثم قابل نجلاء الإمام أشهر من تنصرت العام الماضي، كما قابل شخص يدعي موسي، وهو من المنصرين الكبار علي شبكة الإنترنت، من خلال غرفة علي البال توك منحها اسم "نهاية الإسلام".
بدأ عمر المشوار من مصر مع المتنصر ماهر الجوهري وابنته دينا، أخذهما من البيت الذي يقيمان فيه في سيارته، سجل معهما شعورهما بالخوف، فالفتاة الصغيرة لا تستطيع أن تذهب إلي المدرسة، ولا تخرج إلي الشارع لأنها تخاف، بل إن أباها لا يخرج من شقته إلا بعد أن يتمم عليها بالشمع الأحمر حتي لا يدخلها أحد.
في المغرب كانت الأمور مختلفة، وإذا كان الفيلم أخفي ملامح مريم ومايكل فقط، فإنه في المغرب أخفي وجوه كل من لهم علاقة بملف التنصير، فالأمور هناك مختلفة، فمن يثبت تورطه في التنصير يسجن ستة شهور، ولم يتح لنا أن نري من وجوه المغاربة إلا وجه الشيخ الزمزمي، وهو فقيه مغربي كبير، قال إن المشكلة ليست في التنصير، ولكن المشكلة أن الغرب وخاصة أمريكا، تسعي إلي خلق أقلية مسيحية تستخدمها بعد ذلك حجة في التدخل في الشئون الداخلية للمغرب.
انتقل عمر عبد الرزاق إلي أمريكا، وتحديدا إلي كاليفورنيا، لم يستطع مقابلة أحد من العاملين في قناة الحياة، ولا أحد من العاملين في مؤسسة جويس ماير، لكنه خرج بمعلومة مهمة للغاية، وهي أن القنوات العربية التي تمارس نشاطا تبشيريا تطحنها الحرب علي التمويل، وأن القائمين عليها يكيدون لبعضهم البعض، وهو ما ينفي كل ما يقال عن محبة المسيح، والعمل من أجل كلمة الرب التي يريدونها أن تصل إلي العالم كله، فهم يريدون فقط أن يحصلوا علي الدولارات التي يبذلون من أجلها كل غال ونفيس.
الكشف الأكبر لعمر عبد الرازق كان مقابلته مع أحمد أباظة، وهو المتنصر المصري الذي يقول إنه من العائلة الأباظية في مصر، أباظة أنشأ قناة اطلق عليها اسم الحقيقة، يشن من خلال برامجها هجوما ربما يتجاوز هجوم زكريا بطرس علي الإسلام.
قال أحمد إن والده خسر الملايين وإن عائلته الأباظية عذبته بسبب دخوله في المسيحية، غير أن الكنيسة ساعدته في اللجوء إلي أمريكا، بدأ يمارس نشاطه التبشيري علي البالتوك ثم أسس قناة الحقيقة التي يريد أن يصل من خلالها إلي المسلمين في العالم كله.
عبر اتصال بين عمر عبد الرازق من كاليفورينا ومحمود أباظة رئيس حزب الوفد وعميد الأباظية الآن في القاهرة، نفي محمود أن يكون لأحمد أباظة أي صلة بالعائلة الأباظية، قال إنه لا يعرفه، ولا أحد في العائلة يعرفه، عاد عمر إلي أحمد مرة أخري، ليقول له ما قاله محمود أباظة، فأكد أحمد أنه ابن العائلة الأباظية، لكن العائلة استطاعت بمساعدة الحكومة أن تخفي كل الأوراق الرسمية التي تثبت أنه ابن العائلة الكبيرة.
لا ينكر أحد المجهود الخرافي الذي بذله عمر عبدالرزاق في إعداد الفيلم، لقد اخترق مساحات هائلة من الأسلاك الشائكة، وقد يكون مضمون الفيلم مفزعا لمن تابعوه، ممن لا يعرفون شيئا عن ملف التنصير تحديدا في مصر، لكن عمر نفسه لا يستطيع أن ينكر أن هذا الملف تحديدا كان قد تم حرثه والكشف عنه هنا في مصر عبر كتابات صحفية عديدة، خاضت في القضية دون أن تخشي الترسانة الهائلة التي تقف خلف تمويل شبكات التنصير في مصر.
ولأنني اختبرت هذه القضية كثيرا، فإنني أستطيع أن أرصد بعضا من الأخطاء المهنية التي وقعت فيها الـ«بي بي سي» وهي تعالج ملف التنصير تحديدا في مصر، وما كان لها أن تقع فيها، خاصة أنها لا تكف عن الإعلاء من قيم المهنية في عملها، وهي أخطاء يمكن الإشارة إليها في نقاط محددة:
أولا: كان لابد من التدقيق في المصادر التي يعتمد عليها العمل الوثائقي، لقد استضاف عمر في فيلمه مصادر ليست لها علاقة وثيقة بملف التنصير، قال إن خالد الجندي يهتم بالملف، ونسي أن هناك أبو إسلام أحمد عبد الله، الذي يدير مؤسسة كبيرة تجاهد التنصير، ولديها بيانات كاملة، قابل القمص متياس نصر منقريوس وأغفل القمص سمعان راعي دير سمعان الخراز بالقاهرة، وهو الدير الذي تمت الإشارة إلي أن العديد من عمليات التعميد تتم فيه، بما يعني أن له علاقة مباشرة بقضية التنصير، بل إنه لم يسع مسئول قريب من الكنيسة ليعرف منه وجهة
نظرها في القضية، وأعتقد أن القمص عبد المسيح بسيط كان يمكن أن يفيده كثيرا، ومبلغ علمي أن بسيط متاح ولا توجد أدني صعوبة في مقابلته.
ثانيا: الخطأ في اختيار المصادر قاد عمر عبد الرازق إلي خطأ آخر، لقد نزل إلي القاهرة يبحث عن معلومات، فإذا به يعود منها بآراء وتعليقات، خالد الجندي قال له: أنت لديك بضاعتك وأنا لدي بضاعتي، لماذا لا يعرض كل منا بضاعته، ومتياس نصر تحدث من طرف خفي عن إصداره شهادة تعميد لماهر الجوهري، وقال إن الدولة تعطيني هذا الحق فلماذا لا أستغله.
ابتعد فيلم الـ«بي بي سي» عن المعلومات، حتي الأرقام المتداولة عن أعداد المتنصرين والتمويل، لم يقترب منها ولو من باب التفنيد، وكان هذا طبيعيا، فهو لم يقابل مصدرا واحدا له علاقة حقيقية بالملف، ولذلك كان الكلام عبارة عن آراء وخواطر ومشاعر متضاربة، أكثر منه معلومات، وهو ما لم يحدث في المغرب مثلا، كانت المصادر قريبة جدا من الملف، ولذلك كانت المعلومات في ملف التنصير في المغرب أكثر وفرة، بل إن من تحدثوا هناك كانوا متورطين بشكل مباشر في ملف التنصير، أما هنا في مصر، فمن تحدثوا فكانوا مجرد مشاهدين فقط.
ثالثا: حاول الفيلم أن يجسم حالة من الرعب لم نشعر بها ولا نعرفها في مصر، لقد بالغ ماهر الجوهري في إظهار حالة من الرعب تكتنفه هو وابنته الصغيرة، ماهر يجزم بأن المسلمين لو رأوه وتعرفوا عليه فسوف يقتلونه، ولم يعترض عمر عبد الرازق طريقه، ليشير إليه بأن حالة الرعب التي يعيشها ليست من المسلمين، ولكن من أهل زوجته، الذين خدعهم عندما طلب منهم أن يري ابنته، ثم أخذها وهرب بها وأقنعها بأن تتنصر مثله، وهي القصة التي نشرنا تفاصيلها في حينها، وهو ما يعني أنه ليس المسلمين من يبحثون عن ماهر، ولكن أهل زوجته، الذين يشعرون بأن ابنتهم اختطفت منهم وأجبرت علي أن تدخل في دين آخر رغما عنهم.
لقد أكد عمر أنه لمس بنفسه حالة الرعب التي يعيشها المتنصرون، إنهم يريدون أن يقنعوا العالم بأن المتنصر في مصر لا يستطيع أن يظهر في الشارع، لأن ذلك يمكن أن يعرضه للموت، لكن ما حدث مع نجلاء الإمام مثلا ينفي ذلك تماما، لقد تنصرت نجلاء، وظهرت في بعض الندوات العامة، كان آخرها ندوة عقدت بالمنتدي المصري الليبرالي في المقطم، وهناك وقفت نجلاء واعلنت غضبها من وسائل الإعلام التي تتجاهلها، ولو كان المسلمون ينصبون مصيدة لمن يتنصر، كان من السهل جدا اصطياد نجلاء وهي صاعدة إلي المقطم أو وهي هابطة منه.
رابعا: أغمض عمر عبد الرزاق عن تحقيق مما ورد في ثنايا تحقيقه الوثائقي، لقد أشارت نجلاء الإمام إلي أن هناك من يستفيد من علميات التنصير، ذكرت له أسماء، حذفها عمر في المونتاج، لم يقدر علي أن يذكرها، رغم أن القضية نفسها أثيرت هنا في الصحف منذ شهور، وذكرت الصحف أسماء من اتهمتهم بأنهم يحصلون علي الملايين علي اسم المتنصرين، لكنهم لا يعطونهم شيئا.
وأجرينا مواجهات مع أصحاب هذه الأسماء، بل سألت الدكتور عادل فوزي، وهو أحد المتهمين بأنه يرعي المتنصرين في مصر، وأنا في بيته بالزمالك، قلت له:هناك من يري أن بيتك هنا هو وكر التنصير في مصر، وتلقي عادل السؤال ببساطة وشرح موقفه وقال إنه لا يدعو أحدا إلي أن يدخل في المسيحية، لكن إذا جاءه أحد وطلب مساعدته للدخول فيها فهو لا يتردد في أن يساعده.
بل إن البيت الذي سجلت فيه نجلاء الإمام مع البرنامج واستقبلت فيه عمر، يبدو منه أنها حصلت علي مقابل مادي كبير بعد أن تنصرت، لقد كانت تعيش في شقة متواضعة إيجار جديد في شارع أحمد عصمت بعين شمس، لكن بدا أن الشقة التي تعيش فيها نجلاء الآن شقة فخمة جدا، ولم يسألها عمر من أين لها بهذه الشقة، وهي التي تدعي أن هناك من خدعها وحصل علي الأموال التي كانت قادمة لها من الخارج.
خامسا: اكتفي عمر بأن ركز علي مشكلة واحدة من مشاكل المتنصرين، وهي مشاكل الزواج، فلا أحد يعترف بزواجهم، ولا أحد يعترف بوجودهم، مريم التي أسلمت وتزوجت من مايكل حامل وتنتظر مولودا، لكنها تجهل مصيره، فلن تكون له أوراق، وأغفل عمر مشكلات كثيرة، إنه لم يحاول أن يستعين بقانوني يحدثه عن موقف القانون المصري من التنصير.
بل إنه لم يشر ولو إشارة بسيطة إلي أن هناك قضية مهمة سجن فيها القس متاؤوس وهبة خمس سنوات، لأنه ساهم في تزويج فتاة متنصرة، بعد أن ساعد في استخراج بطاقة لها باسم فتاة مسيحية كانت قد ماتت وهي طفلة، ولم تستخرج لها عائلتها شهادة وفاة.
أخذ عمر القضية إذن من علي السطح، لم يحاول أن يدخل إلي أعماقها، ولو علي سبيل المعرفة، لقد دخل الملف بصورة ذهنية حاول أن يؤكدها، اختار من يؤكدون له ما في رأسه، دون أن يرصد الأزمة علي أرض الواقع، لم يقترب من علاقة الكنيسة الأرثوذكسية بالملف، ولا الورطة التي تعاني منها الكنيسة نفسها من الهجمات الإنجيلية عليها، وهي هجمات تريد أن تخرج الأرثوذكس إليها.
سادسا: استسلم عمر إلي ما قاله أحمد أباظة، الذي ادعي أنه ابن المليونير مصطفي أباظة، واكتفي بأن يتحدث مع محمود أباظة الذي نفي معرفته بأحمد، لم يبحث عن أسرة مصطفي أباظة، لم يسأل أحدا في الداخلية عن ملف أحمد الذي يقول إنه تم إخفاؤه بضغوط من العائلة، ألقي القصة في وجوهنا ثم مضي يتحدث عن المخاطر التي تواجه المتنصرين.
احتفي الفيلم بما ينتجه أحمد أباظة من أعمال فنية وأغنيات يبشر بها، أظهره صاحب رسالة، رغم تفاهة ما يقوله، أشار إلي محمد رحومة، الذي يساند أحمد أباظة، ومر عليه محمد رحومة مرور الكرام، لم يستوقفه، ولم يعرف شيئا عن قصته وهروبه من مصر متهما ومحكوما عليه بالسجن في قضايا نصب وشيكات بدون رصيد، جعل منهما مناضلين يستحقان الاحتفاء بهما، دون أن يواجههما بحقيقتهما.
كل هذه الأخطاء لا تنفي المجهود الخرافي الذي بذله عمر عبد الرازق في إعداد الفيلم، لكن المشكلة الأساسية التي لا يمكن أن أغفلها، أن إعداد الفيلم تم من وجهة نظر غربية بحته، إنه يخاطب الغرب الذي أنتج ودفع ومول، أظهر حالة الرعب ثم مضي، لم يحاول أن يفهم أسباب الظاهرة، ولا مبرر لزيادتها الآن علي وجه التحديد، وهذه هي الأزمة الأساسية في عمل وثائقي رائع، كنت أتمني أن أصفق له كثيرا، لكن ما شابه من أخطاء منعني أن أفعل ذلك.
التعليقات (0)