سأتحدث اليوم عن إرهاصات الافتراقات الرئيسية في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه ، والتي تمثلت في أمرين رئيسين : أولها حصل بين العامة وهو الأخطر ، والثاني حصل بين الخاصة -أي الصحابة- ، وفي هذه المقالة سنتحدث عن الأمر الأول
ذكرنا سابقا الاختلاف الذي حصل في سنة 33هـ بين أهل الكوفة وأميرهم سعيد بن العاص ، وفي النهاية كتب سعيد إلى الخليفة يشكوهم ، فأمره الخليفة أن يجليهم إلى الشام وأرسل إلى معاوية أن يستقبلهم ويحسن ضيافتهم
استقبل معاوية أهل الفتنة -وكان عددهم تسعة- فأكرمهم ووعظهم ، ولكنه استمر في مدح قريش وافتخر بوالده وشرف قومه ، فأجابوه ببشاعة فاحتملهم معاوية ولكنه خاف أن يحرضوا أهل الشام وكان شديد الحرص عليهم ، فكتب للخليفة فيهم فردهم إلى الكوفة ولكنهم لم ينتهوا ، فأجلاهم الخليفة إلى الجزيرة
وكان أمير الجزيرة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فهددهم وتوعدهم فارتدعوا ، وسير رأسهم وهو الأشتر التخعي إلى الخليفة ليعتذر عما بدر منهم فقبل الخليفة منهم وردهم إلى عبد الرحمن فأنزلهم في الساحل من حمص وسير لهم الرزق
تزامنت هذه الأحداث في مصر مع ظهور اللعين عبد الله بن سبأ وهو يهودي باطني أظهر الإسلام ، وفي هذا الوقت خطب بالناس فقال لهم : (ألم يوصي النبي إلى علي بن أبي طالب ، فمحمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء ، فهو أحق بالخلافة من عثمان فقوموا فأنكروا عثمان وأظهروا الأمر بالمعروف) فافتتن فيه الكثير
وتكاتب أهل الفتنة في مصر وإخوانهم الشياطين المنفيين في حمص مع أهل الكوفة ، فثاروا وتمادوا وتطاولوا فنالوا من أمير المؤمنين وأميرهم سعيد بن العاص وطلبوا مناظرة الخليفة في أفعاله وعطائه وعماله
اجتمع الأمراء مع الخليفة وتشاوروا في أمر هؤلاء واجتمعوا على أن يتألفوهم بالمال ويشغلوهم بالجهاد ، ولما عاد إليهم سعيد بن العاص امتنع أهل الكوفة ومنعوه من دخولها وطلبوا أن يتولى عليهم أبو موسى الأشعري ، فأحجم سعيد عن قتالهم ورجع إلى المدينة وأجابهم الخليفة إلى مطلبهم ، ولم يدري هؤلاء أن ذلك هو درء للفتنة وإنما ظنوا فيه خور العزيمة
كما أنه لما عزل الخليفة عمرو بن العاص عن مصر وولى عليها أخوه عبد الله بن سعد بن أبي سراح سعى الناس بينهم بالنميمة ، فوقع بينهما وحدث بينهما كلام قبيح ، فكتب الخليفة لعمرو يستقدمه للمدينة قوقع أثر ذلك في نفسه وتقاول مع الخليفة وجعل يؤلب عليه الناس
كما تورطت في الفتنة طائفة من أبناء الصحابة وعلى رأسهم محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن أبي حذيفة ، ونقم هؤلاء على عثمان حبه لأرحامه وتقديمهم على الصحابة ، فاجتمعوا على أن يمكث ابن أبي حذيفة في مصر يؤلب الناس على الخليفة ، بينما يسير ابن أبي بكر مع 600 رجل إلى المدينة لمناظرة الخليفة وإشعال الفتنة
ولما وصل خبرهم لأمير المؤمنين أمر علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم ليردهم لبلادهم ، فخرج علي إليهم وناظرهم في عثمان وما ينقمون عليه فأقام عليهم الحجة والبرهان ورجعوا خائبين خاسئين
ولما عاد علي إلى المدينة بعد انصرافهم جاء إلى عثمان فحدثه ونصح له ، وأشار عليه أن يخطب بالناس ويعتذر لهم ، ويشهدهم على توبته مما كان قد وقع فيه من الأثرة لأقاربه ، وأنه لن يحيد عن سيرة الشيخان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فاستمع عثمان لنصحه وخطب بالناس وجعل يستشهد بهم ، فرق ورقوا وبكى رضي الله عنه فبكى الناس جميعا ، وطلب عثمان أن يراجعه كبار الناس
ولما عاد إلى منزله كان أكابر الناس على بابه فاستحي منهم عثمان رضي الله عنه فطلب من مروان بن الحكم أن يكلمهم ، فخرج إليهم مروان هذا وأساء لهم وزجرهم وهددهم ، فلما وصل ذلك لعلي بن أبي طالب أتى عثمان وعاتبه وقال له : (والله ما مروان بذي رأي في دينه ونفسه ، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك وغلبت على أمرك) فلما انصرف أحس سيدنا عثمان بالخطر فبعث في طلب علي ولكنه رفض
وبلغ الناس خبر ما حصل بين مروان وسيدنا علي فأشعل أهل الفتنة نارهم ، وتكاتبوا في مصر والكوفة والبصرة ، وكذبوا على ألسنة الصحابة علي وطلحة والزبير بأنهم يدعون الناس لقتال عثمان
وبذلك نجد كيف حولت هذه الأحداث الإرهاصات إلى فتنة كبيرة لم يسلم منها أحد كما سنرى في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)