تحديات كبيرة تنتظر العراق بعد أن أتخذت الحكومة القرار الصحيح بأخراج الأحتلال من أراضينا ، فبقاء الأحتلال كان قد أصبح أمراً مرفوضاً شعبياً منذ مدة طويلة ، لأن الوضع الطبيعي في أي دولة متحضرة هو أحتكام الجميع الى الدستور والقانون ، وأن أي أستقواء بالأجنبي ، سواء أكان هذا الأجنبي هو الأحتلال أو القاعدة أو دول الجوار أو غيرها ، للقفز فوق الدستور ، لابد وأن يخلق بالضرورة أوضاعاً خطرة على وحدة وسلامة العراق المستهدفة بقوة ، فما جرى في السودان ليس بمعزل عمَا يجري في العراق ، وليس بعيداً عمَا يجري في مصر واليمن ولبنان وما سيحصل في باقي المنطقة ، والوحدة الوطنية العراقية اللتي أصيبت في مقتل بعد الأحتلال ، بحاجة الى عمل دؤوب من جميع العراقيين من زاخو الى الفاو ، لأن ثمن التفكك سيكون غالياً ، وسيأتي على ما تبقى من العراق ، على عكس ما يقوله البعض اللذي يحاول أن يوهم العراقيين بالكلام عن الفدرالية اللتي لن تحقق شيئاً للعراق وشعبه ، واللتي ستجعل منا كقرص الرغيف ، يستقطع منه الجميع ، ليأكلوه حتى الشبع .
لم يكن تعبير سيلفا كير، رئيس جنوب السودان عن سعادته بزيارة الكيان الصهيوني «أرض الميعاد» كما أسماها بغريب ، وشكره لهذا الكيان الخبيث الذي لولا مساعداته " لما قامت لدولة جنوب السودان قائمة " كما قال سيلفا كير ، هو واجب على هذه الدولة الوليدة .
لدى لقائه بسيلفا كير ، قال شيمعون بيريز : «بالنسبة لي وبالنسبة لدولة إسرائيل هذه لحظة تاريخية ، الاتصال الأول بين إسرائيل والسودان تم إجراؤه عندما كان ليفي أشكول رئيسًا للحكومة الإسرائيلية ، وكنت أنا نائبًا لوزير الدفاع ، وقتها التقينا مع قيادات محلية من جنوب السودان في باريس في الستينيات ، وقدمنا لكم مساعدات واسعة في مجالات الزراعة والبنية التحتية» .
لم يذع بيريز سراً حين قال ما قال ، فمحاولات الكيان الصهيوني ، ومنذ قبل ذلك التأريخ بكثير ، لخلق كيانات صغيرة جديدة على حساب الدول العربية الحالية كانت ولاتزال معروفة ، والعلاقة الطيبة والقوية بين قيادات عديدة للأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية كالموارنة والأكراد والأمازيغ ، مع الكيان الصهيوني معروفة ولا تحتاج الى أثبات ، ( مع العلم أن ليس جميعها ولا قواعدها تمتلك هذه العلاقات الطيبة ) ، وجميع هذه العلاقات تصب في مجرى عملية التفتيت المستمرة على قدم وساق .
لم يستطع الكيان الصهيوني ليحقق ما حقق في السودان لولا ذراعه السياسية والأستخباراتية واللوجستية والمالية والعسكرية الطولى ، هذه الذراع المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية ، وكان وجود كولن باول ، والمندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة سوزانا رايس ، وقائد القيادة الإفريقية في الجيش الأمريكي الجنرال كارتر هام ، بمثابة أحتفال بتكلل جهود الأدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة السابقة ، والديموقراطية الحالية ، بالنجاح .
المشروعات الحديثة لتقسيم الدول العربية والشرق أوسطية ، مثل أيران ، وحتى تركيا ، كمشروع لويس برنار وغيره من المفكرين الصهاينة أصبحت معروفة وعلنية ، وهؤلاء أستلهموا هذه المشاريع التفكيكية للمنطقة من نجاح تنفيذ مشروعهم الأول في تفكيك الدولة العثمانية ، واللذي صمم خلال المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في ثمانينيات القرن التاسع عشر في سويسرا ، ولو نظرنا جيداً في كتب التأريخ فسنجد أن هذا المشروع نفذ بالتحالف مع القوى الأستعمارية الصاعدة في ذلك الوقت ، "فرنسا وبريطانيا في المقام الأول ، وباقي الدول الأوربية في المقام الثاني " ، وكانت ثمار هذا النجاح أتفاقية " سايكس بيكو " اللتي أوجدت الخريطة الحالية للوطن العربي والشرق الأوسط ، واللتي سمحت بأيجاد الكيان الصهيوني في غفلة من شعوب المنطقة .
التحالف الصهيوني مع القوى العالمية الأستعمارية الكبرى ، اللتي تعتمد عليها للبقاء تغير بأتجاه القوة الصاعدة الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية " الولايات المتحدة الأمريكية " ، ولأن سايكس بيكو اللتي نجحت في أيجاد الكيان الصهيوني ، لم تنجح في أيجاد بيئة صالحة لهذا لكيان اللقيط ليعيش في سلام وبحبوحة ، حيث منعه رفض شعوب المنطقة لجرائمه ضد الأنسانية اللتي أرتكبها بحق الشعب الفلسطيني ، لذا فلقد كان لزاماً عليه خلق أجواء جديدة لتفتيت المفتت ، وتقسيم المقسم ، للتخلص من بعض الكيانات العربية الكبيرة الحالية ، واللتي من الممكن أن تشكل خطراً ، وأن كان ضعيفاً عليه ، وللتخلص من صداع القضية الفلسطينية اللتي أرهقته وأستنزفت طاقاته الأقتصادية والبشرية طوال الأثنين وستين عاماً الماضية .
منذ الحرب العالمية الثانية ركز الكيان الصهيوني من خلال المنظمة الصهيونية الأمريكية (أيباك) على لعب اللعبة الصهيونية القديمة للسيطرة على الساسة الأميركان بأنواعه لضمان الولاء الأمريكي المطلق ، هذا الولاء اللذي كان واضحاً وجلياً خلال زيارة نتانياهو التي استمرت استمرت ستة أيام الى واشنطن واللتي قام بها بعيد كلام أوباما عن دولة فلسطينية ، حيث عد العالم كله خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس بمثابة "لطمة قوية" الى أوباما ولكل من يحاول أن يحذوا حذوه .
حينها صفق لنتنياهو طويلاً اعضاء مجلسي الكونغرس اللذي يسيطر عليه اليمين المسيحي الجمهوري المتطرف ، واللذي ينتمي أليه جورج بوش الأبن ومعظم أعضاء أدارته السابقة ، واللتي أتخذت قرار غزو العراق . وأعرب نتانياهو فور عودته الى تل أبيب عن ارتياحه " للدعم الاميركي القوي جداً " .
هذا الحدث كان له سابقة مشابهة عام 1977 ، عندما صرح الرئيس الديمقراطي الأسبق جيمي كارتر بأن "الفلسطينيين لهم حق في وطنهم" انبرى قادة ونشطاء جناح الصهيونية المسيحية ، بالإضافة إلى اللوبي الصهيوني للرد عليه بإعلانات تصدرت الصحف الأمريكية تقول إن "الوقت قد حان لأن يؤكد المسيحيون البروتستانت إيمانهم بالنبوءة التوراتية والحق الإلهي لإسرائيل في الأرض... نحن ننظر ببالغ الاهتمام لأي محاولة لتجزئة الوطن القومي لليهود من قبل أي دولة أو حزب سياسي". وبعد هذه الحملة أصبح كارتر أكثر تحفظا في آرائه العامة عن الفلسطينيين خلال فترة رئاسته .
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر قال بوش الأبن في تصريح للصحفيين " هذه الحرب الصليبية - ضد الحرب على الإرهاب - سوف تستغرق وقتًا "، وعندما تعرض بوش للانتقادات الغاضبة قال البيت الأبيض إن بوش "يأسف" لأنه استخدم تعبير "الحرب الصليبية معتبرًا آنذاك أنها زلة لسان .
ألا أنه في 18/4/2004 استخدم بوش تعبير"حرب صليبية" للمرة الثانية ، مرة أخرى .
وفي3 مارس من نفس العام ، ورد ذات المصطلح (حرب صليبية) في خطاب يحمل توقيع مدير إدارة حملة بوش- تشيني الانتخابية " مارك ريسكورت " يشيد فيه ببوش ؛ لأنه "قاد حربًا صليبية عالمية على الإرهاب"، ووردت هذه الفقرة في سياق عرض أدلة على "القيادة القوية والثابتة خلال الأوقات الصعبة" للرئيس بوش .
خرج جنود الأحتلال الأمريكي اليوم ، والعراق بلا قوة جوية أو بحرية حقيقية ، ومع أن الطائرات الأمريكية هي الأحدث والأقوى في العالم ، الا أن العراق لايزال لايمتلك قوة جوية بعد تسعة أعوام من الأحتلال الأمريكي المسؤول قانونياً وأخلاقياً عن بناء القوات العراقية.
أما لماذا هذا التأخر في بناء هذه القوات ؟ فأن التقارير الأخبارية من داخل الولايات المتحدة وخارجها تقول « بأن بايدن ( اللذي صرح في وقت سابق بأن حل الأزمة العراقية هو تقسيمه الى ثلاث دويلات ) ، وخلال زيارته الأخيرة لأنزال العلم الأمريكي من سماء العراق ، قد طالب بأن تسلم الحكومة العراقية الأجواء العراقية إلى الولايات المتحدة بذريعة حمايتها ، في ظل غياب سلاح جوّ عراقي قادر على أداء هذه المهمة» ، ما يمكننا من تصور الجواب للسؤال السابق .
خرج جنود الأحتلال الأمريكي اليوم ، والجيش العراقي عبارة عن ميليشيات مدمجة بالقوة ، ومسيطر عليها عن بعد بواسطة الأحزاب المتناحرة على الكراسي ، وبلا أسلحة قادرة على الدفاع الحدود والمصالح .
خرج جنود الأحتلال الأمريكي اليوم ، بعد أن أسسوا ديموقراطية قالوا عنها في بداية الأحتلال بأنها ستصبح نموذجاُ يحتذى في الوطن العربي والشرق الأوسط ، وأذا بهذا النموذج يتحول الى فزاعة أستخدمها ، ولايزال يستخدمها بشار وحمد وصالح وعبدالله ، وباقي الطغاة ، لتنفير الشعوب عن الديموقراطية .
بل أن هذا النموذج الديموقراطي وقف الى جانب نظام بشار الأسد البعثي ضد شعبه اللذي يذبح كل يوم على يد جنوده وشبيحته ، ما يطرح تساؤولا كبيراً حول نوعية الديموقراطيين اللذين أوجدهم النموذج الديموقراطي الأمريكي في عراق اليوم .
أننا نرى اليوم صراعاً طائفياً محتدماً على مناطق كركوك والموصل والرمادي وكربلاء وغيرها ، وأتهامات متبادلة بلأرهاب والعمالة والخيانة بين قادة الأحزاب اللذين تحولوا الى ملوك طوائف ، وأستخدموا ولا زالوا يستخدمون الميليشيات المسلحة لفرض السيطرة وتثبيت الملك .
نواب برلمان ورئاسة جمهورية متورطون بسرقة البنوك ، والأعمال الأرهابية ، وسرقة المال العام ، وتورط في مشاريع وهمية لم تبقي شيئاً لبناء بنية تحتية تركها النظام السابق صفراً ، وجعلها الأحتلال والأرهاب والفساد تحت الصفر .
والأهم من ذلك كله أننا نرى جنود الأحتلال يخرجون اليوم ، والعراق قد أصبح دولتين ، ومشروع لأن يصبح عدة دويلات أخرى ، فالمطالب بأنشاء الأقاليم أصبحت عديدة ، وكلنا يعرف من تجربة كردستان العراق ماذا تعني كلمة أقليم ، وبذلك جائت فقرة الفيدرالية اللتي وضعها بريمر في دستوره الساري المفعول اليوم ، أكلها .
لا نريد أن نقول أن كل ما أصابنا ويصيبنا هو نتيجة الأحتلال والمؤامرات ، فكثير من المصائب في العراق وباقي الدول العربية خلقناها بأنفسنا حين سمحنا للطغاة المدعومين غربياً وصهيونياً بالسيطرة علينا ، وتأخرنا في استحداث البيئة الصحية ، ثقافياً وحضارياً ، لبدأ التحول الى الديموقراطية ودولة المؤسسات ، ونحن اليوم أمام تحديات كبيرة نتيجة لهذه الأخطاء الداخلية المضافة الى الهجمة الخارجية ، واهم هذه التحديات هي أعادة روح اللحمة الوطنية اللتي ضربها الأحتلال الأمريكي – الصهيوني بمقتل ، الأمر اللذي خلق هذا الجو القومي الشوفيني ، الطائفي ، الديني ، المذهبي ، العشائري ، في المجتمع العراقي بمساعدة الأحزاب والشخصيات اللتي لاهم لها ألا المصالح الشخصية ، واللتي مع الأسف نراها تتواجد في البرلمان كحكومة ومعارضة معاً .
أن من حق الأميركان والصهاينة الأحتفال بعد أنسحاب جيوشهم من العراق اليوم برفع الأنخاب في صحة أتمام المهمة في العراق قائلين . Mission accomplished .
http://www.almasryalyoum.com/node/560946
http://www.siironline.org/alabwab/derasat(01)/368.htm
http://raimutawathe.elaphblog.com/posts.aspx?U=1238&A=29019
التعليقات (0)