مواضيع اليوم

الأجهزة الأمنية في ظل ملكين بالمغرب

إدريس ولد القابلة

2009-08-18 12:41:18

0


قصة الأجهزة الأمنية بالمغرب… إنها قصة طغيان أشخاص وأجهزة وصلت إلى درجة الدوس على الصفة الآدمية، ناهيك عن الصفة الإنسانية، أما صفة المواطن فلم تكن تعني شيئا.
إن النهج الذي كان سائدا، كان يكفل لأي ممثل للسلطة أن يفعل ما يشاء دون حساب أو مساءلة، وكان القائمون على الأجهزة الأمنية يحشرون أنوفهم في كل شيء، وكانت لهم الكلمة العليا في التعيينات في المراكز المهمة والحساسة، لكن حدثت بعض التغييرات وحقق المغرب خطوات مهمة في مجال حقوق الإنسان، كما أن الأجهزة الأمنية عرفت كذلك بعض التغيير، فقد قام الملك محمد السادس “بتمدين” “لادجيد” بتعيين مدني على رأسها بعدما كانت حكرا على العسكريين.
وبعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، وأحداث 16 مايو بالدار البيضاء، وأحداث مدريد في الحادي عشر من مارس 2004، طفت على السطح إشكالية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بالمغرب في أفق تقويتها ماديا وبشريا وتكنولوجيا.
ويظل من المفترض أن الأجهزة الأمنية هي الضمانة للأمن والاستقرار وتكريس سيادة القانون، ومن المفترض أن يكون دور رجال الأمن حيويا في تأمين السير على درب تكريس الاختيارات الكبرى، وعلى رأسها الآن الانتقال الديمقراطي في إطار حماية الوطن والسهر على مصلحة المواطن، ولن يتأتى هذا إلا عبر الالتزام بتنفيذ الأوامر والتعليمات كل في موقعه ومسؤوليته وصلاحياته وواجباته حسب ما يقره القانون دون سواه.
من هنا سعينا إلى تقديم صورة موجزة عن المنحى العام الذي حكم تطور الأجهزة الأمنية بالمغرب لإبراز دورها في عصر عولمة الأجهزة الأمنية.

الهاجس الأمني في عهد الحسن الثاني

في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني عرف المغرب مواجهات قوية بين الاختيارات السياسية للقصر والأحزاب اليسارية التي بلورت شعارات أكثر راديكالية استهدفت المؤسسة الملكية. وكانت النتيجة اعتقالات بالجملة طالت قادة مختلف التنظيمات السياسية ومناضليها، فمنهم من أعدم في السجون ومنهم من تمت تصفيته ومنهم من حوكم غيابيا بالإعدام أكثر من مرة.
آنذاك ارتبطت أجهزة الأمن في ذهن المغاربة بتنغيص الحياة وليس بتوفير الأمن والآمان للناس، بإرهابهم وابتزازهم وبث الرعب في قلوبهم والتنكيل بهم وتلفيق التهم وفبركة المحاضر وسوقهم إلى المعتقلات السرية أحيانا كثيرة، بناء على معلومات كاذبة أو وشاية مغرضة أو انتقام لأغراض شخصية بحثة لا علاقة لها بالمزاعم التي عوقبوا أو أدينوا بسببها.
حينها كانت الأجهزة الأمنية تلعب دور المدعي والشرطي والقاضي والسجان في آن واحد، وهذا وضع لا مثيل له في كل الديمقراطيات، حتى الشكلية منها.
فرجال الأمن هم الذين يدعون على الأضناء وهم الذين يداهمون مساكنهم، وهم الذين يقودونهم مكبلين إلى مراكز الاعتقال أو مراكز التحقيق وهم الذين يقومون بتعذيبهم والاقتصاص منهم بطرقهم التي أبدعوا وتألقوا فيها في الأقبية المظلمة حيث يقضون فيها سنوات دون أن يتمكن ذويهم من معرفة مصيرهم ومكان احتجازهم وسبب اختطافهم.
آنذاك سادت فكرة بين رجال الأمن، ذوي المراتب الدنيا، وهي القائلة: “من يحميني إن أنا أردت تطبيق القانون؟”. فإذا كان تطبيق القانون حادثا شاذا بينما خرقه يعتبر شطارة وقضاء مصالح.
من هذا المعطى كانت الأجهزة الأمنية أجهزة “خاصة” لأصحاب النفوذ، آخر ما تفكر فيه هي مصلحة المواطن وكرامته، وحل همها كان هو رضا المسؤولين عنها خدمة لمصالحهم الشخصية. وزاد هذا الوضع تكريسا للوضع بعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتماد الوساطة عند التعيين الذي كان يتم وفق الولاء لمصالح متبادلة وليس على أساس الكفاءة والمهنية.
وتأكدت خطورة سيادة الهاجس الأمني بالسيطرة الأمنية على المؤسسات وتداعياتها على مختلف جهود الإصلاح. وبذلك ظل أي تغيير سياسي وأية جهود لتنفيذ الإصلاح، حتى الجزئية منها، مجمدة ودون جدوى. كما ظلت النخبة السياسية فاقدة للقدرة على التأثير، واستهدف الأشخاص وأقصيت تيارات وتوجهات وغاب أغلب المواطنين عن الحياة السياسية. وبذلك بقي المغرب يترنح في نظام مغلق يسيطر عليه الهاجس الأمني حتى النخاع، ففقد أبناء المغرب إمكانية التخطيط للمستقبل وللغد الذي يريدونه حقا.
فلم يعد من الأسرار الآن أن الأجهزة الأمنية تدخلت بقوة في اختيار المسؤولين في المستويات العليا وفي التنظيمات السياسية والنقابية. فكل الأحزاب السياسية لم تستطع الإفلات من قبضة الأجهزة الأمنية، وكل الصحف الجادة كانت فريسة لها.
آنذاك لم يكن بالإمكان معرفة ما إذا كانت الأجهزة الأمنية بالمغرب تسير وفق خطة محددة أو في إطار سياسة أمنية رسمية واضحة المعالم. فكل مسؤول أمني كان يتصرف كالإقطاعي في إقطاعيته ويأخذ القرار الذي يريد في حق من يريد. وهكذا وقعت انتهاكات جسيمة، منها ما هو مرتبط بالسياسة وبالفعل السياسي، ومنها ما السياسة بعيدة منه بعد السماء عن الأرض، وسادت حالة من العنجهية الأمنية التي لا ضابط لها.
هذه هي أهم سمات الإطار الأمني العام بالأمس.

الفلتان الأمني….
“حاميها حراميها”

إن الفلتان الأمني الذي عاشه المغرب بين الستينات وبداية الثمانينات كان بالأساس من صنع السلطة وعناصر أجهزتها الأمنية القمعية وممارسات القائمين عليها وأفرادها. وكأنهم أخذوا على عاتقهم تكريس المثل الشعبي القائل: “حاميها حراميها”.
فكم من جرائم وحوادث كانت من توقيع السلطة بواسطة عناصر أجهزته الأمنية، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر.
آنذاك لم تكن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها في حماية المواطن وإنما تجتهد اجتهادا لتنغيص الحياة عليه. كما أنها لم تكن تقوم بملاحقة أوكار الفساد وتجار المخدرات، وإنما كانت متواطئة معها، بل أحيانا تقوم بتدبير وتسييرها لجلب الأموال الطائلة منها.
كانت السمة الطاغية هي تجاوز الأجهزة الأمنية للقانون. وقد تعددت وتنوعت الأحداث والوقائع المدلة على غياب القانون وتغييبه وعلى تعنت تلك الأجهزة ورجالها حتى في القضايا التي لم تكن تمت بأي صلة بالسياسة التي كانت عنوانا للجريمة الكبرى آنذاك. فساد خلط وتماه بين ما هو سياسي وعدم الالتزام بالقواعد الدستورية على علتها.


التستر على جرائم الأجهزة الأمنية


أغلب الحقوقيين ومناضلي الأحزاب الديمقراطية بالمغرب يعتبرون أن الأجهزة الأمنية مسؤولة، مسؤوليتها واضحة لا غبار عليها، عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها، ولا زالت تعرفها أحيانا، البلاد.
فالمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والجهاز العسكري (المكتب الثاني والمكتب الخامس) و “الكاب 1″ سابقا و “الديسطي” و “لادجيد” حاليا، كلها ساهمت بقدر أو بآخر في تلك الانتهاكات الجسيمة. وجهاز العدالة بما تضمنه من شرطة قضائية مارست التعذيب ولفقت التهم أثناء البحث. وكذلك النيابة العامة تسترت وغضت الطرف عن جرائم اقترفتها الأجهزة الأمنية. وهذا في وقت استمرت فيه المتابعات والاعتقالات وطالبت بإنزال أقصى العقوبات على مناضلين سياسيين وصحافيين، في محاكمات استندت على محاضر مفبركة ومخدومة.
لقد أضحى من الواضح الآن أن فاعلين تابعين للدولة وغير تابعين لها اقترفوا جرائم في حق الإنسان المغربي لكن تم التستر عليهم مع الإصرار وسبق الرصد.
فالأجهزة الأمنية مسؤولة، على 598 حالة وفاة، على أقل تقدير فيما بين 1956 و 1999. وهذا ما أقرت به هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها الأخير، علما أن القانون الجنائي المغربي، حتى قبل تعديله، ظل دائما لا يوجب فقط، على الموظفين العموميين ووكلاء السلطة والأعوان المؤتمرين بأوامر رؤسائهم، التبليغ بارتكاب الجنايات أو محاولة ارتكابها، وإنما يعاقب على عدم القيام بهذا الواجب. فلم يسبق أن طبقت هذه الإجراءات بشكل واضح وعلني على موظفي وأعوان الأجهزة الأمنية الاستخباراتية والدركية والعسكرية الذين لم يبلغوا عن القضايا الإجرامية وإنما قاموا بتنفيذها، بل هناك منهم من اجتهد أكثر من المطلوب واللازم لنيل رضا الرؤساء والتقرب منهم.

الأجهزة الأمنية

كانت الأجهزة الأمنية تنظر إلى المغاربة كأنهم متهمين بالتآمر، وكل ما كان ينقصها هو جمع أدلة الاتهام لتقديم المواطنين للمحاكمة.
وقد قال قائل… كان لابد لعناصرها أن يفعلوا ذلك ليثبتوا أنهم جديرون بالوظائف والمناصب التي يضطلعون بها.
فلو كانت الأمور هادئة مستقرة والشعب منصرفا لحاله فما فائدة وجود تلك الأجهزة التي كانت لا أول لها ولا آخر… فبالأمس كان عدد “البركاكة” التابعين للأجهزة، عيونها المبثوتة في كل مكان، في كل قرية وفي كل مدينة وفي كل إدارة وفي كل قطاع وفي كل مؤسسة تعليمية. خلال سنوات الجمر والرصاص كانت الأجهزة الأمنية هي أعلى سلطة في المغرب آنذاك، فقرارها قضاء وقانون، ومصير المرء كان يحدد بمجرد ما يسقط بين مخالبها.
لذلك، وبعد أن تغير الوضع ظلت أكثر من جهة تطالب بإبعاد جملة من كبار المسؤولين الأمنيين، لاسيما أولائك الذين ارتبطت أسماؤهم بفظاعة سنوات الجمر والرصاص، من أجل إعادة ترتيب البيت لتكون تلك الأجهزة في خدمة البلاد والعباد وليس نقمة عليهم.
ومع مرور الوقت، ظهرت بشائر بعض التغييرات، وبدأت التراكمات، وكانت من أهمها تعويض العسكريين بالمدنيين على رأس أهم الأجهزة الأمنية.
وتتكون منظومة الأجهزة الأمنية بالأساس من: المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي، المكتبين الثاني والخامس (مخابرات عسكرية) و “الكاب 1″ الذي تحول منذ 1973 إلى جهاز لمراقبة التراب الوطني “الديسطي”، (مخابرات مدنية داخلية)، وجهاز المديرية العامة للدراسات والمستندات “لادجيد” (مخابرات خارجية) .

ا
لكاب 1
مولد المخابرات المغربية

يعتبر “الكاب 1″ منبع كل الأجهزة المخابراتية المغربية. فمنه انبثقت “الديسطي” و “لادجيد”، وكان الجنرال محمد أوفقير أو رئيس “للكاب 1″ الذي تأسس تحت إشراف المخابرات الفرنسية، لكن سرعان ما تكلفت المخابرات الأمريكية والموساد بإعادة هيكلته.
واعتمد “الكاب 1″ في انطلاقته على جملة من عملاء المخابرات الفرنسية، وبعض المقاومين الذين انخرطوا في الأمن الوطني. وعند توظيف عناصر جديد كان الاعتماد على القرابة والعلاقات، فمثلا الإخوان العشعاشي (عبد الحق و محمد)، كانا على علاقة مع أحمد أجداين، وإبراهيم أوفقير هو شقيق الجنرال، والماجي (البوليسي الطالب)، وصاكا عبد القادر وحليم محمد، كانت تربطهم علاقة وطيدة بأحمد الدليمي، في البداية كان تمويل “الكاب 1″ يتم بتخصيص ميزانية توضع في صندوقه الأسود يتصرف فيها الجنرال أوفقير بدون حسيب ولا رقيب (وكان قد كلف أحمد الدليمي بتدبيره)، وموازاة مع ذلك كان “الكاب 1″ يستحوذ على 75 في المائة من مداخيل دور الدعارة التي كانت دائمة الاشتغال بفعل حمايتها من طرف عناصر الجهاز، ولعدم إثارة الشبهة كانت إدارة تلك الدور والفنادق تعهد لبعض الفرنسيين بعضهم شاركوا بامتياز في عملية اختطاف واغتيال المهدي بن بركة، وظلت أموال دور الدعارة تتهاطل على صندوق “الكاب 1″ فيما بين 1962 و 1974، يتصرف فيها القائمون على الجهاز بدون حسيب ولا رقيب.

المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديسطي”

يوم 9 نوفمبر 1999، استدعى الملك محمد السادس وزير الداخلية للحضور إلى مراكش، وهناك إلتقى هذا الأخير بجملة من شخصيات المملكة. في ذلك اليوم عين الملك مديرا جديدا لإدارة المحافظة على التراب الوطني، وقال جلالته في كلمته: “لا أريد شرطة سياسية”، وكان هذا التصريح بمتابة تعليمات لم يسبق لها مثيل بالمغرب، وحسب بعض الحاضرين أيقن إدريس البصري أنها نهايته.
وعلى المستوى التنظيمي، إن اختصاصات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني مرتبطة بالأساس بوزارة الداخلية. وليس خاف على أحد أن إدريس البصري عمل على استغلال موقعه وصلاحياته لتقعيد وضعيته كوزير فوق العادة وفوق كل الوزراء على امتداد أكثر من عقدين. وهذه ليست حالة الميداوي الذي عوضه ولا إدريس جطو ولا مصطفى الساهل ولا شكيب بنموسى الذي عين مؤخرا وزيرا للداخلية، فالديسطي، بعد إدريس البصري، ظل على اتصال مباشر بفؤاد عالي الهمة عبر أحمد حراري منسق العمليات سابقا، والذي كان أقرب إلى عالي الهمة أكثر من أي مسؤول آخر. فالتقارير والجدادات التي تعدها الديسطي للملك تمر عبر فؤاد عالي الهمة.
وبعد أحداث 16 مايو 2003 قام الجنرال حميدو لعنيكري بإعادة هيكلة الديسطي بعد تعيينه رئيسا لها. وقد سهل قانون الإرهاب مهمته هاته، فقد طلب لعنيكري التفويض الكامل والاستقلالية للقيام بمسؤوليته كمدير جديد للجهاز، وكان هذا على حساب بعض صلاحيات المدير العام للأمن الوطني. وهكذا أصبحت مديرية مراقبة التراب الوطني مديرية عامة، وبذلك تحررت من وصاية المديرية العامة للأمن الوطني، وأضحى الجنرال حميدو لعنيكري يمركز مهمة مكافحة الإرهاب بالداخل والخارج، وبعد تعيينه مديرا عاما للأمن الوطني، عوضه عبد اللطيف حموشي على رأس الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني مهمتها، كجهاز مخابراتي مدني، التصدي للجاسوسية والإرهاب وحماية الرصيد الاقتصادي والعلمي. وكل نتائج بحثها مطبوعة بالسرية.
وتضم حاليا ما يناهز 8500 عنصر ينشطون في الوزارات والولايات والعمالات والمطارات والفنادق والنوادي الخاصة.

إدارة الأمن الوطني

قبل أن يخلف الجنرال حميدو لعنيكري عبد الحفيظ بنهاشم على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني، اضطلع بعدة مهام بالدرك الملكي و “لادجيد” وفي مجال الاستشارة في الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية بدول الخليج قبل أن يتكلف بإعادة هيكلة إدارة المراقبة أو المحافظة على التراب الوطني (الديسطي).
وتأسست إدارة الأمن الوطني في مايو 1956، وارتبطت بوزارة الداخلية لتدبير الأمن العمومي. وقد تعاقب على تسييرها الاستقلالي محمد الغزاوي وأوفقير والدليمي وربيع والوزاني والظريف والميداوي وبنهاشم وصولا إلى الجنرال لعنيكري، وقد سعى هذا الأخير إلى مركزة المعلومة الاستخباراتية على صعيد الجهات عبر والي الأمن كطريقة للتصدي لتشتت المعلومات ومحاربة البطء في اتخاذ القرارات وضمان القرب من المواطن عبر اعتماد شرطة القرب، وقبل هذه الإجراءات تدخل في إطار تجميع الشروط لتحقيق دولة المجتمع. وتتكون الإدارة العامة للأمن الوطني من خمس مديريات: مديرية الأمن العمومي، مديرية الاستعلامات العامة، مديرية الشرطة القضائية، مديرية الموارد البشرية ومديرية التجهيز والميزانية. وهذا بجانب الديسطي والديوان المديري والمفتشية العامة.
وعموما لا يمكن ترجمة الأهداف المتوخاة (شرطة مواطنة كما ينتظرها المغاربة)، على أرض الواقع المعيش اليومي إلا بتأهيل العنصر البشري وتشبعة بثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وتحسين الوضعية المادية لرجال ونساء الأمن سواء على المستوى المهني أو الاجتماعي (المادي)، ليصبح فعلا رجل الأمن في خدمة المجتمع قلبا وقالبا.

“لادجيد”
“المخابرات الخارجية”

يعود إحداث المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) إلى سنة 1973 بعد تحويل الكاب 1 إلى إدارة للمستندات والوثائق والمحافظة على التراب الوطني.
ومنذ إحداثها ترأس أحمد الدليمي “لادجيد” إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، وبعده ظل كرسي رئاستها شاغرا إلى أن تم تعيين الجنرال عبد الحق القادري على رأسها الذي اضطلع كذلك بمهمة المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية قبل أن يحال على التقاعد لأسباب صحية كما تم التصريح بذلك آنذاك. ثم خلفه الجنرال عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية.
وعلى المستوى التنظيمي تظل اختصاصات “لادجيد” مرتبطة بالأساس بإدارة الدفاع، والتي يحددها القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية (الملك). ومنذ تأسيسها، ظل رؤساء “لادجيد” من العسكريين، وفي عهد الملك محمد السادس، ولأول مرة في تاريخ المغرب تم تعيين مدني على رأسها، ياسين المنصوري مكان وعوض الجنرال دو ديفيزيون أحمد الحرشي.
ياسين المنصوري، ابن مدينة أبي الجعد، هو أحد رفقاء الملك في الدراسة، وأحد عناصر المجموعة التي كانت تضم فؤاد عالي الهمة وحسن أوريد ورشدي الشرايبي وآخرين.
وياسين المنصوري هو أول مدني يتولى مؤسسة استخباراتية ذات طابع عسكري، بعد الحرشي والقاديري والدليمي.
وكان ياسين المنصوري قد بدأ مشواره بديوان إدريس البصري، إذ كان معبرا أساسيا لمختلف الملفات الحساسة والشائكة، وقبل رئاسته لـ “لادجيد” خضع في بداية التسعينات لتدريب خاص خارج المغرب بمصالح الأمن الفيدرالي الأمريكي، وبعد رجوعه عين على رأس وكالة المغرب العربي للأنباء مكان عبد المجيد فنجيرو، ثم كوالي مدير عام لمديرية الشؤون العامة مكان محمد اظريف، وشكل بمعية فؤاد عالي الهمة ومصطفى الساهل، الثلاثي القوي في وزارة الداخلية (الإدارة الترابية)، وقد اضطلع ياسين المنصوري بملفات كبرى من قبيل الإعلام والصحافة، والصحراء، والتهريب والهجرة السرية.
وتظل مديرية الدراسات والمستندات (لادجيد) تحت إمرة القصر الملكي مباشرة. وتشغل حاليا 1600 مدني و 2400 عسكري (5 في المائة منهم نساء)، هذا إضافة لفرقة عمل وتدخل، أناس غير مرئيين، مدربون ليظلوا نكرة لا يتعرف عليهم أحد، ويبلغ عددهم ما بين 250 و 300 فرد ينشطون داخل المغرب وخارجه (في إفريقيا، العالم العربي، أوروبا وآسيا)، ويقال أن ميزانية “لادجيد” تناهز 10 ملايير من الدراهم (100 مليار سنتيما).
وحسب أكثر من مصدر مطلع، سبق لـ “لادجيد” أن نبهت واشنطن قبل 11 سبتمر 2000 عن إمكانية حدوث أعمال إرهابية بالتراب الأمريكي إلا أن المخابرات الأمريكية لم تل أي اهتمام لهذا التنبيه.

وكلاء الملك

تتمثل مهمة وكلاء الملك في تتبع كل إجراءات المتابعة والتحقيق والتقصي ومعاينة ظروف القيام بهذه المهام. وقد أكد المشرع المغربي على ضرورة القيام بزيارات من طرف وكلاء الملك لمعاينة أماكن الاحتجاز والحراسة والوقوف على ظروفها، كما أكدت وزارة العدل على هذا الإجراء بعد أن تناسلت الاحتجاجات الحقوقية بخصوص ظروف الاحتجاز والاعتقال وحدوث وفيات في مخافر الشرطة.
لكن يبدو أن وكلاء الملك لازالوا يتقاعسون في أداء هذه المهمة رغم أهميتها القصوى لارتباطها الوثيق باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
فإذا كنت الظروف السائدة في السابق تجعل وكلاء الملك لا يعيرون أدنى اهتمام لهذه المهمة، فإن الحال قد تغير الآن إذ أضحوا ملزمين بالحرص على عدم تجاوز القانون من طرف أي كان حتى في فضاءات الاحتجاز والاعتقال.
ففي الماضي كانت هناك أسباب من شأنها أن تفسر عدم اهتمام وكلاء الملك بهذه المهمة لأن الاعتقالات كانت تتم بقرار سياسي فوقي، وكانوا مجرد أدوات لشرعنة ذلك القرار وتمريره في محاكمات ولو صورية. أما اليوم، فالأمر غير الأمس ذلك أن المغرب سائر في درب تقعيد لبنات دولة الحق والقانون ودولة المجتمع عوض مجتمع الدولة كما كان سائدا من قبل.


من يراقب الأجهزة الأمنية؟

يعود دور مراقبة الأجهزة الأمنية، حسب الخطاب الرسمي، إلى رئيس الجهاز التنفيذي، الوزير الأول، لكن الواقع المعيش يكذب هذا الإدعاء.
فكل الجهات المتتبعة لعمل ونشاط الأجهزة الأمنية بالمغرب تؤكد أنها لا تخضع لمراقبة الحكومة ولا لمراقبة البرلمان. بل أكثر من هذا، اعتبارا للفراغ القانوني في هذا المجال لا يمكن لا للجهاز التنفيذي (الحكومة) ولا للجهاز التشريعي (البرلمان) مساءلة الأجهزة الأمنية بالمغرب. ولم يسبق في تاريخ المغرب أن عاينا ولو مرة واحدة حضور مدير إدارة مراقبة التراب الوطني (الديسطي) أو مدير الإدارة العامة للدراسات والتوثيق (لادجيد) للبرلمان للقيام بتصريح أو الجواب على أسئلة أو توضيح قضايا تشغل بال النواب في المجال الأمني، وحتى في حالة وقوع أحداث ضخمة، كما وقع في الدار البيضاء في 16 مايو، لم يسبق لأي برلماني أن تجرأ وطرح سؤال واضح ومباشر على الأجهزة الأمنية أو يخص المجال الأمني بالمغرب.
وفي هذا الصدد سجل المغرب سابقة عندما قرر فريق العدالة والتنمية بالبرلمان طرح سؤال بخصوص ميزانية مديرية المحافظة على التراب الوطني تمت مواجهته بشدة وبأسلوب شديد اللهجة على اعتبار أن لا حق لأحد الخوض في مثل هذه المواضيع. وهذا ما يؤكد أن مراقبة الأجهزة الأمنية بالمغرب خارج عن نطاق الحكومة ونواب الأمة عمليا وفعليا، خلافا لما قد يفهم من الخطاب الرسمي في هذا الصدد.

الأجهزة الأمنية والدبلوماسية

ظلت الأجهزة الأمنية تضطلع بدور مهم في مجال الدبلوماسية المغربية، ويعتبر ملف الصحراء المغربية من الملفات التي تبين بجلاء هذا الدور.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نلاحظ بصمات واضحة لأحمد الحرشي (الرئيس السابق لـ “لادجيد”)، وقبله عبد الحق القادري في الدبلوماسية المغربية، وذلك منذ المراحل الأولى لعهد وزير الشؤون الخارجية محمد بنعيسى.
فحسب جملة من المصادر الغربية اضطلعت الأجهزة الأمنية المغربية بأولى المفاوضات السرية مع البوليزاريو في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
وفي هذا الصدد كشفت تلك المصادر على عدة زيارات قام بها إدريس البصري رفقه مسؤولين أمنيين كبار إلى جنوب الجزائر للقاء مسؤولين كبار في البوليزاريو، ومن ضمنهم محمد عبد العزيز المراكشي.
وذهبت بعض المصادر الغربية إلى القول أنه حدث اختراق متبادل، البوليزاريو تمكنت من اختراق الديسطي المغربية، وتمكنت هذه الأخيرة من اختراق البوليزاريو والمخابرات الجزائرية في فترة من الوقت.

بطاقات التعريف الوطنية
مشروع فرنسي اقتناه المغرب

بطاقة التعريف الوطنية اختزلت وجود المواطن المغربي في رقم مرفوق بحرف من الأبجدية اللاتينية لضبطه ومعرفة سوابقه ومختلف المعلومات المدون عنه لدى الأجهزة الأمنية، يكفي الضغط على زر لتظهر كل تلك المعلومات على شاشة حاسوب الأمن الوطني.
في الأصل كانت فكرة بطاقة التعريف الوطنية المغربية مشروعا فرنسيا، بلورته وزارة الداخلية الفرنسية لاعتماده إلا أن الفرنسيين رفضوه واحتجوا عليه بشدة باعتبار أن تطبيقه يمس بحق المواطن في حياة خاصة لا يسمح لأحد الإطلاع على تفاصيلها. والبطاقة – كما تم التفكير في استعمالها – ستمكن أي رجل أمن من التعرف على الشاذة والفاذة في حياة الإنسان العادي المحترم للقانون وغير الخارج عنه، ولم يقبل الفرنسيون اعتماد المشروع إلا بالنسبة للمجرمين والخارجين عن القانون والمبحوث عنهم. وهذا ما كان، حيث تخلت الحكومة الفرنسية رسميا على فكرة اعتماد بطاقة التعريف الوطنية التي ظلت من اختصاص البلديات والهيئات المنتخبة وليس من اختصاص الدوائر الأمنية.
وهو نفس المشروع الذي اقتناه المغرب جاهزا وقابلا للاستخدام واعتمده وطبقه على المغاربة في عهد الوزير المخلوع إدريس البصري، الذي قيل عنه، أنه كان يسعى لربط كل مواطن مغربي بتهمة أو مخالفة أو سابقة حتى يسهل ضبطه ومساومته.
إذن تسلم المغرب المشروع الفرنسي جاهزا وطبقه على المغاربة، وأضحت بطاقة التعريف الوطنية إلزامية بقوة القانون، وفي حالة عدم توفر المواطن عليها يؤدي غرامة محددة سلفا بنص قانوني. وبذلك أصبحت بطاقة التعريف الوطنية من الآليات الأمنية الأساسية لضبط المواطنين بعد تعميمها.

مركز تمارة

مركز تمارة، كان أحد الأماكن التي اهتمت بها جملة من وسائل الإعلام، ومنها من نعتته بالسجن الأخضر، ومنها من نعته بالنقطة السوداء أو فضاء الظلام وموقع وراء الشمس.
وحسب مصدر مطلع، تكلف خبراء أمريكيون بالإشراف على إضافة بنايات جديدة بالمركز، زنازين إضافية تستجيب لمواصفات أمريكية مشابهة لزنازين غواناتانامو (كاشوات فردية).
وفي غضون سنة 2002 اتجه عناصر من الديسطي إلى القاعدة الأمريكية غواناتانامو للمشاركة في استنطاق معتقلي تنظيم القاعدة، إذ تكلف المغاربة بملف أبو زبيدة اليد اليمنى لبن لادن.
وأكثر من مؤسسة حقوقية وطنية وأجنبية أشارت في تقاريرها إلى أن مركز تمارة استقبل مشتبه فيهم، وتم تنقيلهم إلى المغرب للخضوع للاستنطاق بتكليف من واشنطن، وفي هذا الصدد كانت تصريحات المعتقل اليمني بمثابة صاعقة اتهم فيها عناصر الديسطي بتعذيبه، وهي التصريحات التي انقضت عليها جملة من وسائل الإعلام العالمية للتشهير بمركز تمارة.

إدريس بنزكري والديسطي

قبل الحديث عن موقف الراحل إدريس بنزكري الكاتب العام السابق للمجلس الاستشاري لحقوق لإنسان بخصوص الديسطي وجبت الإشارة أنه أضحى يعتبر ممارسة التعذيب والاختطاف من قبل أعوان الدولة ومن دون اعتراض منها، ليست تجاوزات جسيمة، وإنما هي مجرد تجاوزات وخلل إداري ليس إلا. كما نفى أن يكون مركز الديسطي مركز اعتقال سري يستعمل فيه التعذيب رغم أن به أماكن مخصصة للبحث والتحقيق، وقد اعتبر الكثيرون هذا التصريح بمثابة وقاحة لا يمكن أن تصدر عن من خبر بالأمس القريب محن التعذيب وآلام الاعتقال على يد الدولة وأعوانها رفقة العديد من رفاقه في معتقل درب مولاي الشريف وناضل على رأس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف من أجل كشف الحقيقة والوقوف على دقائق الأمور بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وليس بخصوص مجرد تجاوزات وخلل إداري.. أي مجرد احتجاز خارج نطاق القانون ومجرد ممارسة التعذيب لانتزاع تصريحات واعترافات وشهادات ومجرد فقدان الحياة تحت التعذيب، ومجرد تلاعب بكرامة المعتقلين، ومجرد استخدام بعض القضاة في التحقيق والحكم كآلة ضربت ضمانات التحقيق النزيه والمحاكمة العادلة، وأهم مقومات دولة الحق والقانون في قلب صميمها.
هكذا وصف إدريس بنزكري تجاوزات ما بعد 16 مايو وماتلاها. كما اعتبر في تصريحاته، أن مقر الديسطي بتمارة ليس بمركز سري ما دام هو معروف لدى العام والخاص منذ 1973، وهذه حقيقة أصاب فيها، لكنها بمثابة حق أريد به باطل، فمديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي)، لا علاقة لها قانونيا ومسطريا ولا إجرائيا بالجهاز الأمني الذي خول له القانون حق إجراء البحث التمهيدي والتحقيق القضائي، والتي هي من اختصاصات الشرطة القضائية، تحت إمرة النيابة العامة دون سواها. وبالتالي فإن المشرع المغربي لم يجز تسلط جهاز الديمقراطية على سلطات رجال الشرطة القضائية باعتبار أن لا حق لها قانونيا إجراء الأبحاث القضائية، لأنها بكل بساطة لا تخضع لتعليمات النيابة العامة ومراقبتها، علما أن القانون صريح في هذا المجال، فمن يقوم بالاستنطاق يجب أن يكون خاضعا لتعليمات النيابة العامة ومراقبتها، وهذه ليست حالة الديسطي الخارجة كليا عن هذه المراقبة.
وهذا، علاوة على أن عدة مصادر أقرت بإشراف عناصر من المخابرات الأمريكية (سي. إي. يا)، على جملة من التحقيقات بمركز تمارة، ويكفي القول أن هذا المركز مجهول لدى النيابة العامة ولا يلجه المحامون خلال الحراسة النظرية ولا تعرف الأسر أن ذويهم معتقلين به.

الأجهزة الأمنية والتعذيب لصالح العم سام

أكد تقرير “ديك مارتي” قيام عناصر من الأجهزة الأمنية المغربية باستنطاق متهمين، وذلك بتكليف من المخابرات الأمريكية، وأقر بممارسة التعذيب لاستخراج جملة من الاعترافات.
و”ديك مارتي” هذا هو سيناتور سويسري، تكلف بمهمة القيام بالبحث والتقصي بخصوص المعتقلات السرية المستعملة من طرف الأمريكيين خارج تراب الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قاده التقصي عن حقائق بالمغرب حيث وقف، حسب تقريره، على حقائق تفيد بنقل مشتبه فيهم إلى التراب المغربي واخضاعهم للاستنطاق لفائدة واشنطن.
وحسب بعض المحللين لم يكن أمام المغرب اختيار، وكان لزاما عليه مسايرة رغبة واشنطن اعتبارا لعدم رغبته في تحمل معاداة البنك الدولي وكذلك نظرا للتداعيات الأخيرة المرتبطة بملف الصحراء، علما أن الجزائر ظلت على استعداد دائم للسير في هذا الاتجاه قصد المزيد من الاستفادة من علاقتها بواشنطن، لاسيما بخصوص التسلح، وهذا، دون نسيان أن “الرؤوس الأمنية” بالمغرب هي هي، ظلت تحتل مواقعها إلى الآن ومن شأنها تسهيل السير في اتجاه الخضوع لكل طلبات واشنطن كشكل من أشكال ضمان سلامتهم، لا سيما وأن المطالبة بالمحاسبة لازالت قائمة وينادي بها قسم كبير من المجتمع المغربي.

المعلومة “الأمنية”


إن السياسة الأمنية تظل مرتكزة بالأساس على سرعة وضع اليد على المعلومة.
وذلك قصد الاستعداد للآتي، وقصد الاحتراز وضمان السبق في أخذ المبادرة، وللقدرة على انجاز الخطوة الإستباقية والتنبؤ، لأن كل شيء في مجال تدبير الشؤون الأمنية يرتكز على المعلومة كأداة لتأمين التراب والسكان. وتبرز كذلك أهمية المعلومة في بعدها الاقتصادي والتكنولوجي. وهذا ما يميز منظرو السياسة الأمنية بالمغرب اليوم عن منظور الأمس الذي كان مقتصرا على البعد السياسي المرتبط قصرا بالصراع حول السلطة داخليا.
وفي هذا الصدد قد يبدو تداخله فوضوي ظاهريا بين مكونات الأجهزة الأمنية المغربية: (الديسطي، لادجيد)، الاستعلامات العامة، المكتب الثاني والمكتب الخامس للقوات المسلحة الملكية)، وهذا من شأنه أن يوحي بأن المغرب دولة بولسية في هيكلته.
بالأمس القريب كانت كل الأجهزة الأمنية بالمغرب تحت إمرة مسؤولين عسكريين، ما عدا الاستعلامات العامة وإدارة الأمن الوطني، فالجنرال أحمد حرشي كان على رأس “لادجيد” (قبل ياسين المنصوري ولعنيكري على رأس الديسطي (قبل اضطلاعه بمسؤولية مدير العام لإدارة الأمن الوطني)، وأحروش بن علي على رأس المكتب الثاني والجنرال بلبشير على رأس المكتب الخامس، وظل المنسق بين بعض هذه الأجهزة (ليست كلها) هو الوزير المنتدب بوزارة الداخلية فؤاد عالي الهمة.
والقاسم المشترك بين كل هذه الأجهزة هي المعلومة، فهل هناك تداخل في مهامها أم هناك تكامل؟ وهل تقوم بوظيفتها في إطار القانون أم فوقه وعلى هامشه؟
بالأمس القريب كان من الصعب طرح مثل هذه الأسئلة والتوصل إلى إجابات عليها باعتبار أن الأجهزة الأمنية كانت من عالم الغيب والخوف، ورغم العلم بوجودها لا يمكن الحديث عنها، وذلك لسبب بسيط وهو أن اهتمام تلك الأجهزة كان مصوبا ضد المغاربة المعارضين سياسيا وإيديولوجيا، وهذا ما طبع سنوات الجمر والرصاص، أما الآن، فالسائد هو اعتبار الأجهزة الأمنية شر لابد منه، لكن شر بالنسبة لمن؟ ولماذا لابد منه؟
فإذا كانت هناك ضرورة فلابد أن هناك شر، وهذا الشر البارز حاليا هو الإرهاب. وحول الإرهاب بالأساس تتمحور مهمة الأجهزة الأمنية المغربية في الفترة الحالية.

شخصيات يشار إليها بالبنان

بعد وفاة الملك الحسن الثاني كسر المغاربة حاجز الخوف وبدؤوا يشيرون بالبنان لأشخاص ساهموا بشكل أو بآخر في فظاعات سنوات الجمر والرصاص.
ولازالت الجمعيات الحقوقية المغربية متمسكة بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات الماضي، مفسرة تمسكها هذا، كون الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى تكرار ما جرى في الماضي. وإذا كانت هذه الجمعيات تعتبر أن توصيات تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة إيجابية في مجملها، إلا أنها غير كافية لإقرار دولة الحق والقانون التي تعد الضمانة الأساسية لعدم تكرار الانتهاكات مستقبلا.
كما أن الكثير من المغاربة تساءلوا بخصوص كيف يمكن ضمان مستقبل حقوق الإنسان، إذا اعترفت الدولة بانتهاكات الماضي بدون اعتذار عنها وبدون أي حديث عن محاسبة من اقترفوها أو ساهموا في اقترافها، علما أن هيئة الإنصاف والمصالحة أقرت بمسؤولية أجهزة أمنية مختلفة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إنها أقرت بثبوت مسؤولية مشتركة بين أجهزة متعددة.
وظل وزير الداخلية المخلوع إدريس البصري لعقود مسيطرا على الأجهزة الأمنية المغربية، وكان رجل الثقة الأول للملك الراحل الحسن الثاني، لذا يظل متهما من قبل الحقوقيين بكون أحد أبرز المعتدين على حقوق الإنسان والدوس عليها.
ومن الشخصيات التي ظل يشار إليها بالبنان، هناك عناصر الكاب 1 الذين لا زالوا على قيد الحياة والقائمين على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والقائمين على المعتقلات السرية وللجنرال حسني بنسليمان الذي كان قبطانا في مكتب أوفقير في منتصف ستينات القرن الماضي.

الخلطي، جلاد الطلبة

الخلطي، كوميسير اشتهر بين طلاب جامعة محمد الخامس بالرباط في السبعينات.
آلاف من طلبة كليات تلك الجامعة ذاقوا التعذيب إما على يده أو بفعل أوامره. والخلطي هذا، من رجال الأمن القلائل الذين قدموا نقدا ذاتيا علنيا عما صدر منه من أفعال ماسة بحقوق الإنسان وكرامته. كما أنه كشف عن جملة من الوقائع والأحداث، سواء على صفحات بعض الصحف المستقلة أو على شاشة القناة الفرنسية فرانس 3، ومن ضمن ما كشف عنه تعامل عبد الإله بنكيران معه عندما كان هذا الأخير طالبا، إذ صرح الخلطي، والعهدة على الراوي، أن عبد الإله بنكيران كان أحد مخبريه من سنة 1973 إلى حدود الثمانينات، وكان يتقاضى أجرا عن هذه المهمة.

الوفاة في ضيافة الشرطة

الموت في مخافر الشرطة في ظروف غامضة أثناء التحقيق… إشكالية كانت ولازالت قائمة إلى حد الآن، إنها ظاهرة يسميها الحقوقيون: القتل في ضيافة الشرطة خارج إطار القانون.
وإذا كانت بعض الحالات القليلة جدا قد عرضت على أنظار العدالة إلا أن حالات كثيرة ظلت بدون تحقيق رغم إجراء عدة وقفات تنديدية بصددها من طرف الحقوقيين وفعاليات المجتمع المدني.
فهناك حالات عديدة من الوفيات في ضيافة الشرطة في أغلب المدن المغربية، لكن النيابة العامة لازالت تتحاشى كثيرا الاستجابة، لمطالب القيام بتحقيق في مثل هذا النوازل، رغم أن مقتضيات القانون الجاري به العمل في هذا الخصوص، على علتها، تجيز ذلك.
تكاد لا تخلو قضية كبيرة من حدوث وفاة أثناء التحقيق، فهذا ما حدث في ملف السلفية الجهادية وكذلك في ملف اختلاس أواني من القصر الملكي. وتظل نادرة جدا هي حالات الوفاة التي خضعت لإجراء تشريح الجثة وفتح تحقيق بصددها، في حين أنه من المفروض القيام بذلك، وبدون أن نطالب أي طرف بذلك اعتبارا أن الأمر يتعلق بأحد أهم حقوق الإنسان، الحق في الحياة.

التنسيق الأمني المغاربي – الفرنسي

حسب المعطيات المتوفرة ظلت عملية تبادل المعلومات قائمة بين مخابرات الدول المغاربية فيما بينها من جهة، وبينها وبين المخابرات الغربية من جهة أخرى.
ظلت تتم عمليات التبادل المعلوماتي بين الأجهزة الأمنية المغاربية والغربية بخصوص اللاجئين السياسيين والمعارضين من الباسك في الجزائر والمغرب أو أعضاء الجيش الجمهوري الايرلندي في ليبيا، في المقابل تحصل الدول المغاربية على معلومات دقيقة بخصوص معارضين مغاربيين في فرنسا وإسبانيا والجزائر بخصوص المغرب، وفي موضوع قضية بن بركة كان هناك تنسيق كامل بين المخابرات المغربية والمخابرات الفرنسية من البداية حتى النهاية، فكان الفرنسيون يزودون المغاربة بأدق المعلومات عن بن بركة واتصالاته والشخصيات التي يلتقي بها. كما لجأ الملك الراحل الحسن الثاني إلى استثمار علاقاته الوطيدة بكبار الرسميين في فرنسا والذين كان يستضيفهم بالشهر والشهرين يقضونها في قصوره، ومنهم الرئيس السابق جيسكار ديستان وغيره.
وقد أكد أكثر من شاهد أن هناك ثلاثة أجهز أمنية شاركت في عملية اختطاف المهدي بن بركة، وهي المخابرات الفرنسية والموساد الإسرائيلي والمخابرات المغربية، إضافة لمساعدة المخابرات الأمريكية.
وذكرت بعض المصادر أن الملك الراحل الحسن الثاني كافأ الموساد بكم هائل من المعلومات عن مجموعة من الفصائل الفلسطينية ورجالاتها الذين كانوا يستخدمون أسماء مستعارة وحركية في العديد من العواصم الغربية.
وعموما تخشى حاليا الدوائر الأمنية في بلدان المغرب العربي أن يؤدي الاسترسال في الكشف عن خبايا التعاون والتنسيق بين الأجهزة المغاربية إلى المزيد من فتح ملفات الاغتيال السياسي في المغرب العربي، الشيء الذي من شأنه تشجيع مبادرة أهل الضحايا إلى رفع دعاوى ضد الحكام والمسؤولين الأمنيين المغاربيين في محكمة بروكسيل التي في طريقها لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وهذا التخوف لم ينبعث من فراغ، إذ توصلت عواصم المغرب العربي بتقارير تفيد بأن مجموعة من الأشخاص بصدد إعداد ملفات مشفوعة بأدلة وبراهين وحجج لتقديمها للمحكمة البلجيكية.
في هذا الصدد دعت الكثير من الجهات عواصم غربية لتميط اللثام عن الأدوار التي اضطلعت بها أجهزتها الأمنية في تصفية عشرات من المعارضين المغاربيين لجأوا إلى الغرب للحصول على الأمان المفقود تحت شمس وطنهم، وعلى رأس هاته العواصم باريس.

الأجهزة الأمنية والعراق

لقد نشرت صحيفة استرالية ومنابر أخرى أن عناصر من المخابرات المغربية والجزائرية والتونسية توجهت إلى العرق في غضون سنة 2004، وتحديدا إلى الحدود العراقية السورية من أجل التعاون مع السلطات الأمريكية لتحديد هويات المتطوعين العرب في فرق المقاومة وكشف الشبكات المكلفة باستقطابهم في الدول المغاربية.
علما أن جملة من عناصر الأجهزة الأمنية المغربية سبق لها أن خضعت لتداريب في الولايات المتحدة الأمريكية حول الطرق الحديثة لمحاربة الإرهاب، كما أن مصادر حسنة الإطلاع أفادت أن واشنطن زودت المغرب بمعدات متطورة لتحديد الهوية عبر جهاز شامل مرتبط بشبكة وطنية ودولية، كما أنه، في هذا الصدد، وجبت الإشارة إلى محاكمة بعض المغاربة بتهمة محاولة الدخول إلى العراق للمشاركة في قتال الأمريكيين والمقاومة ضد الاحتلال بجانب جماعة أبو مصعب الزرقاوي، كما أشارت أكثر من صحيفة أن الأجهزة الأمنية المغربية اعتقلت عشرات الشباب في هذا الإطار (خلية سلا الإرهابية).
وحسب تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعرض واحد وعشرون شخصا من المعتقلين للتعذيب، كما سجلت جملة من وسائل الإعلام التنسيق المكثف بين الأجهزة الأمنية المغربية والجزائرية والسورية في هذا الصدد.

الأجهزة الأمنية المغربية و “سي. إي. يا”

منذ 11 سبتمبر 2001، ظهر بجلاء اهتمام المخابرات الأمريكية بمنطقة المغرب العربي، وزاد هذا الاهتمام بعد تغلغل الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى الاهتمام أكثر بالمنطقة في إطار الاستراتيجية الأمنية والعسكرية التي بلورتها واشنطن.
وتتوخى الخطة الأمريكية تشديد الخناق على التنظيمات الإرهابية وتتبع حركاتها عن قرب لضربها في مواقعها.
وقد سبق لصحيفة ألمانية أن أثارت إشكالية وجود مراكز اعتقال سرية بالمغرب موضوعة تحت تصرف “سي. إي. يا”، وذلك بمناسبة نشرها لملف واف بخصوص المواطن الألماني، محمد حيضر زمار، الذي صرح أنه تعرض للتعذيب بالمغرب على يد مغاربة وأمريكيين، علما أن الحكومة المغربية ظلت تنفي، جملة وتفصيلا وجود مراكز اعتقال سرية استضافت متهمين اعتقلهم الأمريكيون، أما أحزاب الأغلبية فقد اختارت الصمت ولم تنبس بكلمة بهذا الخصوص.
كما كشفت جملة من المصادر أن أكثر من 10 مشتبه فيهم تم تنقيلهم إلى المغرب من طرف المخابرات المركزية الأمريكية قصد الخضوع للاستنطاق من طرف مغاربة في أماكن سرية بالتراب المغربي.
وقد أكد أكثر من مصدر أن 18 مغربيا من بين معتقلي كواناتانمو، ومن ضمنهم عبد الله تابرك الحارس الشخصي لأسامة بن لادن والذي تمكن من الإفلات من المصيدة الأمريكية، استنطقوا من طرف مغاربة. وحسب صحيفة “واشنطن بوست” و “سيتل تايمز”، أن المحققين المغاربة هم الذين توصلوا إلى كشف مهمة ودور عبد الله تابرك في تنظيم القاعدة بعد أن قاموا باستنطاقه تحت إشراف الأمريكيين بمعتقل كواناتانامو.
وحسب موقع (Planète non violence) تعمل الولايات المتحدة الأمريكية حاليا على مساعدة المغرب في تشييد مركز لاستنطاق المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، مع الإشارة إلى أن هذا المشروع ينجز تحت إشراف المديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني (الديسطي). وسيتم تشييده بعين عودة، جنوب الحي الدبلوماسي بالرباط بموقع يدعى “قريفلة” على بقعة أرضية محاطة بأشجار كثيفة من جميع الجوانب وكائنة في محل وعر لا يمكن الوصول إليه إلا عبر مسلك واحد ووحيد، وهو مكان يشبه موقعه موقع مركز تمارة المحاط كذلك بأشجار تحجبه عن العيون، وهو المكان الذي استضاف المدعو نيام محمد، الإنجليزي المزداد بأثيوبيا.
ويقول هذا الأخير أنه اعتقل فيه مدة سنة ونصف قبل ترحيله إلى أفغانستان في غضون شهر يناير 2004، ومن ثمة إلى معتقل عواناتانامو.
كما تشير جملة من التقارير أن منظمة العفو الدولية وضعت يدها على جملة من الشهادات المرتبطة بمعتقل تمارة.
وأشار “ديك مارتي”، عضو المجلس الأوروبي، في تقريره إلى رحلات جوية بين واشنطن وكواناتانامو والمطار العسكري للرباط – سلا.
وحسب مصادر دبلوماسية والمخابرات الفرنسية، تم في الأسبوع الأول من شهر دجنبر 2004 ملاحظة، هبوط 4 مشتبه فيهم معصوبي العينين ومكبلي اليدين من بوينغ 707 حطت بمطار سلا، ثم وجهوا صوب سيارات أمريكية كانت في انتظارهم بمدرج المطار، وهذا ما نشرته كذلك صحيفة “ساندي تايمز أون لاين” في منتصف شهر فبراير، مضيفة أن رونالد رامسفيلد زار المغرب يوم الأحد 12 فبراير 2006 للبث بمعية مسؤولين حكوميين مغاربة في قضية فتح فرع لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (إف. بي. أي) بالمغرب.

عولمة الأجهزة الأمنية

حسب الإعلام الإنجليزي، لاسيما صحيفة “إل. إيه، تايمز” قامت الأجهزة الأمريكية منذ ضربات 11 شتنبر 2001، بتوظيف الأجهزة الأمنية العربية بشكل مباشر لخدمتها بذريعة محاربة الإرهاب في سياق استراتيجية أمنية أمريكية تقوم على مبدإ توطيد الارتباط مع الأجهزة الأمنية الأجنبية، عوض محاولة القيام بكل المهام الأمنية المجهودات أمريكية محضة.
وإذا كان التعاون الأمني بين بعض الأجهزة الأمنية العربية (ومن ضمنها المغربية)، والأجهزة الغربية قديما، فإن الجديد بعد 11 شتنبر 2001، هو الطريقة التي بات يدار بها هذا التعاون، فالمخابرات المركزية الأمريكية (سي.إي. يا) باتت تشرف مباشرة على العمليات الميدانية اليومية، وعمليات الرصد والاختراق والاعتقال التي تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية العربية بعد أن تخططها الأجهزة الأمنية الأمريكية.
وحسب صحيفة “واشنطن بوست”، “القدم التي تدفع الباب محلية، ولكن مراكز مكافحة الإرهاب الاستخباراتية التي تقودها المخابرات المركزية الأمريكية هي التي تشرف على الأمر كله من ألفه إلى يائه”.

وزارة الأمن الوطني

قبل التعيينات الأخيرة دار الكثير من الحديث بخصوص إنشاء وزارة للأمن الوطني بالمغرب، ولا زال الحديث ساريا بهذا الخصوص. وإن تم هذا، فستكون أول مرة في تاريخ المغرب يتم فيها تعيين وزيرا مكلفا بالأمن، حسب بعض المصادر، إن إحداث هذه الوزارة مطلب أمريكي لمواجهة التهديدات الإرهابية.
ومن المعلوم أن بعض الأحزاب السياسية المغربية طالبت بإحداث وزارة تتولى تدبير الشؤون الأمنية، كما دعت إلى الاهتمام بوضعية رجال الأمن وتحسين ظروفهم المعيشية والمادية حتى يتسنى لهم أداء الدور المنوط بهم على أحسن وجه ودون اللجوء إلى أساليب ملتوية للبحث عن مبالغ مالية لتجاوز ضائقتهم.

خلاصة القول

إن سياسة العقاب والزج بالمعارضين في السجون بالجملة كانت هي الحل المعتمد من طرف الأجهزة الأمنية ذلك أن التاريخ قدم دروسا سياسية أبرزت أن العنف لا يمكن إيقافه بعنف مضاد.
ومن المعلوم، أن الأجهزة الأمنية هي صاحبة النفوذ الرئيسي على امتداد بلدان العالم العربي، بصرف النظر عن طبيعة النظام، ملكيا كان أم جمهوريا، والآن، لم يعد هدف الحركة الشعبية هو تغيير الأنظمة بقدر ما تذكر بأن الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطة وليس الأجهزة الأمنية.
ويظل جوهر المسألة أن المؤسسات الأمنية تعتبر هي المؤسسات التي تمتلك السلاح، وهي أكثر المؤسسات تنظيما، وأنها تتميز بتقاليدها الخاصة المميزة لها عن أجهزة الدولة الأخرى.
وقد تؤدي في بعض الظروف إلى انحراف نتيجة إحساس القائمين على أمور الأجهزة الأمنية، المبالغ فيه كونهم هم المسؤولون عن تحديد المصلحة الوطنية وليس المؤسسات السياسية والتشريعية المنتخبة من طرف الشعب، وبذلك تنقلب الآية، إذ أن الذين يعهد إليهم توفير الأمن للمواطنين، هم الذين ضيعوا الأمن وتآمروا عليه.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات