مواضيع اليوم

الأثر الإعلامي واستراتيجية القرار السياسي

علي آل طالب

2009-11-27 14:29:26

0

 
الأثر الإعلامي واستراتيجيا القرار السياسي
علي آل طالب. 2009


- الرسـالة (الأثر الإعلامي واستراتيجــيا القـــرار الســياسـي)
- رسالة ماجستير في
الإعلام والعلاقات العامة
- إعـداد الباحث: عـلـي آل طـالب
- إشراف الدكتور: محمد ناجي مشرح
- الجامعة الوطنية باليمن
- العام الدراسي: 2006- 2007م

تعريف

هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية الإعلام بالنسبة للتأثير في الرأي العام، وما يعنيه الشأن من اتخاذه سلاحاً مضاف إلى عتاد الحرب، التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها العديدة، إلا أن هذه الدراسة قد تمحور حديثها حول الفعل الإعلامي وردود الفعل لحادثة 11 سبتمبر 2001م. بما يفسح المجال لإدراك مدى العلاقة المطّردة ما بين القرار السياسي والدور الإعلامي، وما تلعبه طبيعة هذه العلاقة من أدوار مزدوجة في صناعة الأحداث والمشاهد، ولو أدى لاتخاذ أساليب الخديعة والتضليل امتثالاً للقرارات السياسية والعسكرية.

إذ ليس من الجديد ما تطرقت إليه هذه الدراسة إزاء قياس مدى التجاذب الإيجابي والسلبي معًا بين السياسة من جهة والإعلام من جهة أخرى، إن لم تكن هذه الأخيرة قد انزلقت عن موضوعيتها وحياديتها عند نقل الحدث وأثناء تبادل المعلومة إلى صناعة الخديعة والتضليل وتزييف الحقائق، لتكون أداةً طيّعة للأجندة السياسية، وهذا ما تشير إليه الأحداث الواقعة عندما أعلن بوش الابن الحرب على أفغانستان والعراق، كردة فعل على حادثة 11 سبتمبر، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها برنامج «الحرب على الإرهاب»الذي تحوّل إلى عصًا غليظة يتم إشهارها في وجه كل من يُفكر في استعداء الإمبراطورية الأمريكية!، إذ يصبح الإعلام هو المؤشر للنوايا السياسية والتعاطي بأي كيفية مع الأزمات؛ كلٌّ حسب طبيعتها وخصوصيتها، والدراسة هذه حاولت أن تؤسس إلى فكرة أن الإعلام لم يكن رافعة الحروب الأمريكية فحسب، بل أيضًا كان ملازمًا للدبلوماسيّة وإدارة الصراعات، بل وكان العامل المساعد دومًا قبل وبعد أي خطوة تنوي الإدارة الأمريكية القيام بها.

وقد أولت هذه الدراسة اهتمامًا بالغًا للأخذ بعناصر البحث العلمي في مجال التخصص نفسه، فلا مندوحة إن شهد مسار هذا البحث ما يؤسس إلى نظرة خاصة بالإعلام بوصفه حجر الزاوية للبحث ومدى علاقته بالسياسة؛ للخوض في تخصيص كل ما يتعلق بالجهة التي تدير مثل هذه اللعبة السياسية الإعلاميّة، سواء على الصعيد الداخلي الأمريكي أو الخارجي منه، لتضع يدها على أهم الوثائق والتصريحات الصحافيّة التي بإمكانها البناء عليها ومعرفة من يقف وراء العديد من القرارات السياسية للإدارة الأمريكية. بعد أن تغلغل «اللوبي الصهيوني» في الوسط الاجتماعي الأمريكي، واستحوذ على أبزر نقاط التأثير من خلال منظومة علاقات واسعة مع الجهات المتنفذة على كافة المستويات، الدينية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية، فالكنائس ليست وحدها محل استهداف!؛ بل كل المواقع التي بإمكانها أن تصنع رأيًا مؤثرًا أو قرارًا سياسيًّا.

في حين أن الدراسة أشارت إلى أبرز البرامج والخطط المؤثرة في قرار الكونغرس الأمريكي، من خلال جماعات الضغط اليهودية التي تمتلك معظم الرساميل المالية لأهم الشركات ذات الاهتمامات الحيوية المتعددة، والتي بإمكانها التأثير في الاقتصاد الأمريكي فضلاً عن العالمي، ناهيك عن سيطرة مثل هذه الجماعات الضاغطة على أبرز وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، لتؤكد اصطفافها إلى كل ما يخطط إليه «اللوبي الصهيوني» على الصعيدين الداخلي والخارجي للسياسية الأمريكية. وقد تطرّقت الدراسة إلى الأدوار التي لبعتها الميديا الأمريكية في الحربين اللتين خاضتهما أمريكا تجاه أفغانستان والعراق، مع عدم إغفال الحراك الإعلامي الموجّه الذي سبق هاتين الحربين أيضًا، الأمر الذي ساهم بل سهّل تبرير حدوثهما، بعد عمليات مكثفة؛ ضُخ عبرها الكثير مما يشير إلى تعبئة الرأي على المستويين الخاص والعام، وبالتالي صناعة القرار السياسي حسب المخطط له.

وبالإشارة إلى ما بالإمكان أن يلعبه اللوبي الصهيوني أفرد الباحث فصلًا خاصًا فيما يتعلق بهذا المجال، مُسلطًا الضوء على أهم الأوراق الضاغطة التي بالإمكان استخدامها في حماية المشروع الإسرائيلي في الشرق الأوسط، الأمر الذي يستدعي اللاعب المهم في مثل هذه الممارسات. وهنا تجدر الإشارة إلى مدى ما يُشكله المحافظون الجدد من ممارسات ضاغطة تصب في خدمة المشروع الإسرائيلي وأطماعه في المنطقة. وإسرائيل لم يكن احتلالها لفلسطين أو بعض الأراضي كافياً لإشباع نهمها، بل إن ذلك يعتبر خطوة أولى من خطوات ما تزال مكتوبة من جملة قائمة مخططاتها، الأمر الذي لا يُخرج الحراك الدبلوماسي أو السياسي أو حتى العسكري عن كل تلك البرامج والمخططات!. وهذا ما أكده البحث: بأن إسرائيل كان لها اليد الطولى في ممارسة الضغط للتعجيل بقرار الحرب الأمريكية على العراق، بل لا وجه للمبالغة إن ثبت ما يدينها في الاشتراك جنباً إلى جنب مع قوات التحالف الغربية!.

كما جاءت الدراسة بطرح العديد من التساؤلات التي تتعلق بالاحتكارية للإعلام من قبل الغرب، على الرغم من تعدد ميادين العمل بالنسبة للمنظومة الإعلاميةّ، كذلك الأسئلة المتعلقة بمدى التلازم ما بين الرؤى الاستراتيجية والإعلام كمنظومة أداء وعمل، مما استتبعت الدراسة سؤالًا نراه جديرًا بالأهمية حول تصحيح مسيرة الإعلام العربي وتأهيله بحيث يكون منافسًا ومناجزًا للإعلام الغربي، كما اقتطعت الدراسة جزءًا يسيرًا من التجربة العربية للإعلام إبَّان الحرب الأخيرة في العراق؛ حتى أصبح الإعلام الغربي يستمد بعض أخباره ومواده الإعلامية من خلال بعض القنوات العربية!.

وقد تبين من خلال هذه الدراسة أن ما تم تحقيقه من خلال محاولات عديدة قام بها الإعلام الغربي في دعمه للأجندة السياسية، وبالرغم من حجم النجاح الذي أثبته في الحربين على أفغانستان والعراق، إلا أن البحث رصد حالات عديدة من الإخفاق المستتبع بالإخفاق العسكري، وقد لامسنا ذلك عندما أشارت الدراسة لما يشي بالتورط الأمريكي في العراق، فضلاً عن أفغانستان مع الفارق، بل إن ثمة ما يشير إلى لوازم الانسحاب من العراق لولا الخشية من العواقب الاستراتيجية، فضلًا عن العجز من عدم تحقيق الأهداف المرجوّة، إضافة للهزيمة العسكرية المذلة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي في لبنان ودور الإعلام المقاوم في فضح الممارسات الإسرائيلية فيما يتعلق بلبنان أو فلسطين على حد سواء.

واللوبي الصهيوني ما كان له أن يحقق نجاحات معينة لولا ارتكازه أساسًا على قاعدة حيوية متكاملة تتمتع بقدر كبير النفوذ المستند إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فضلّا عن تأمين كل ما من شأنه أن يوفر الحماية بشكل دائم أمام الاهتزازات المفاجئة، وقد أولت الدراسة اهتمامًا للدور الإعلامي الذي ولاشك عزز من عوامل البحث عن طرائق وسبل تساهم في إيجاد فرص عديدة للتأرجح على أحبال النجاح، بمعنى أنه مهما كان حجم الانتكاسات السياسية أو العسكرية تظل في حالة بحث عن مهام تعويضيّة إن لم تكن بالحجم الذي يجعلها صامدة فلا شك في أن ذلك يجعلها محافظة على صورتها وهيبتها.
ولا غرو في المقابل الإشارة لشيء من حالات الإرباك أو الإخفاق للتجربة الإعلامية العربية حين اتصالها بالحدث والمشهد اليومي، والذي يعود لأسباب عديدة من أبرزها عدم الاستقرار السياسي الذي ينعكس على تخبط اقتصادي وربما اجتماعي، فلا غرابة إن رسم الإعلام العربي لنفسه خطًّا مغايرًا لما هو عليه المنهج السياسي العام.


مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث في مدى قدرة الآلة الإعلامية الأمريكية على اختطاف الحقيقة بكل تفاصيلها، وليس هذا فحسب، بل والمباشرة في ضخ التشويشات وتعمية الحقائق، وكل ذلك وتكون الشعوب ضحيّة لموجات من الأخاديع والأضاليل، يحدث هذا في ظلِّ عجز إعلاميٍّ عربيٍّ على الرغم من الامتيازات اللافتة للاهتمام التي أحدثها الإعلام العربي مع مطلع القرن الواحد والعشرين، لا سيما أنه أثبت الشيء الكثير من المنافسة أو المناجزة في الحرب الأمريكيّة على العراق، بيد أنه لم يصل الأمر به إلى مكانة تجعله في أفق مجارٍ لمنظومة الصناعة الإعلامية الغربية، وهنا يكمن الفارق في التأثير والتحكم في صناعة القرار السياسي، ومن هنا يأتي البحث ليدفع باتجاه العمل بمزدوجين اثنين: المنظومة الإعلامية الأمريكية المؤثرة في مقابل الإعلام العربي الهش والهلامي والذي ما يزال فاقدًا لأبسط الأمور المناعيّة إزاء تحديات العولمة.

وقد اتخذ البحث محاور عدة جاءت ترجمتها في محاولة الإجابة عن تساؤلات جدُّ مهمة استطاع البحث من خلالها التزام مسار الأهداف التي وضعت من أجله، ومن أبرز هذه الأسئلة:
السؤال الأول: ما هو الأثر الاستراتيجي للصناعة الإعلامية الأمريكية؟
السؤال الثاني: ما هو دور نظريات التأثير الإعلامي التي يعتمدها الإعلامي الأمريكي لتضليل وخداع شعوب العالم العربي والإسلامي؟
السؤال الثالث: ما هي الطرق والأساليب التي يعتمدها الإعلام الأمريكي لتمرير كل مخططاته ومشاريعه؟
السؤال الرابع: ماذا يعني تجاذب الإعلام والسياسة والعكس وما وجه التماهي ما بين الإعلام العربي والمشروع الأمريكي؟
السؤال الخامس: كيف يُناجز الإعلام العربي الإعلام الأمريكي من حيث التأثير، وأين يجد نفسه قبال الإعلام المعولم؟


معالجات وتصورات

وأعتقد بأن البحث بذل ما في الوسع للإجابة عن هذه الأسئلة؛ ولو أنه قد تناول جملة من الأفكار التي ولاشك إن لم تجب بشكل مباشرة عنها إلا أنها ساهمت في بلورة رؤى عديدة ومختلفة من شأنها وضع حلول ربما تساعد على إيجاد إجابات دقيقة ومحددة، ومن جملة ما تطرقت إليه من محاور: (الإعلام الأمريكي وتداعيات 11سبتمبر 2001م)، أيضًا (أثر اللوبي الصهيوني في صناعة الإعلام)، كذلك (الإعلام والسياسية.. من يقود الآخر)، وهناك أيضًا (التضليل الإعلامي وأثره في التعتيم على الحقيقة)، ثم أخيراً سيكون المحور الأخير عن (الحرب الأمريكية على الإرهاب.. العراق نموذجًا). وتداعيات أخرى لها تمام الصلة بواقع الحال في العراق المحتل أمريكيًّا.

وإذ يهدف البحث إلى بناء تصور موضوعي تجاه المنظومة الإعلامية -الأمريكية على وجه التحديد- ومدى تساوقها واستراتيجية القرار بعد حادثة 11 سيتمر، ومحاولة تبيان الأثر الناجم عن طبيعة العلاقة بينهما، وذلك بالاعتماد على الأبرز من حيث التجاذب الإعلامي تناوله الإعلام بوسائله المتعددة، حيث يكشف البحث النقاب عن الوسائل والطرق التي يسلكها الإعلام الأمريكي ومدى تكييفه حسب الاستراتيجية المتبعة من قبل البيت الأبيض، ويتتبع البحث الفترة التي أعقبت حادثة نيويورك 2001م سواء فيما يُعنى بالمخطط الإعلامي أو بالقرارات الاستراتيجية ومدى تلازمهما كمسارين مهمين في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في أفغانستان أو العراق، إذ لا يستثني البحث عملية الإحصاء لحجم الدعم المادي والمعنوي المستمرين للكيان الصهيوني سواء فيما يتعلق بالملف الفلسطيني أو سائر الملفات المشتعلة الأخرى في لبنان أو سوريا. ومن جهة أخرى حاول البحث أن يضع النقاط على الحروف تجاه اللوبي الصهيوني وتنفذه في الواقع الأمريكي بل وإحكام قبضته على السياسة الخارجية لأمريكا خاصة فيما يعنى بمنطقة الشرق الأوسط، بذلك يحاول البحث رصد الأثر الإعلامي قبل وأثناء وبعد المخطط الاستراتيجي وانبثاقاته المتعددة على مختلف الأصعدة العسكرية أو السياسية أو الدبلوماسية والاقتصادية.

أهميّة البحث

وتكمن أهمية البحث في تسليط الضوء على الصناعة الإعلامية الغربية المضللة ومدى تطويعها وفق المصالح الاستراتيجية للمنظومة الغربية والأمريكية بالذات ومدى تأثيرها في الواقع العربي والإسلامي وكافة دول العالم الثالث، ولا شك في أن مثل هذه السياسات الازدواجية تأتي في الوقت الذي لا يتم الاعتراف إلا بالهيمنة والسيطرة أيضاً لا تقر بالضعفاء للانضواء لعالمها المهووس بالبروغماتية، فلا جدال إن جاءت مخرجاتها ومخططاتها متلونة حسب مقتضياتها بالتالي تتعدد الأقنعة التنفيذية من قُطرٍ إلى آخر، ومن فضاء جيوسياسي إلى آخر. فهي لا تستهدف معنىً واحدًا بل معانيَ تتشابك فيها العناوين العديدة سواء التي تتصل بالتمييع أو التضليل، ولو أن أهميّة البحث تتمحور فيما يتلق بالتضليل الإعلامي الذي بات يُستخدم أداةً للقهر كما عبّر بذلك «هربرت شيللر»، وأردف بالقول بأنه –التضليل الإعلامي– «عملية إخضاع للجماهير العريضة لرأي الأقلية التي تحكم وتحرك خيوط الرأي العام باتجاه ما تشاء وحين تشاء».

قد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يتساوق والمنهج الوصفي للأحداث فضلاً عن استجابته للمنهج التأريخي في أحيان كثيرة، وقد تجلّى ذلك في عناوينه المتعددة الأبعاد. ففي الفصل الأول (مدخل تأسيسي إلى طبيعة الإعلام الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر)، ويندرج منه أربعة مباحث، الأول: الإعلام الأمريكي وأحداث 11 سبتمبر. والثاني: الإعلام الحر بين التضليل والمصداقيّة. والثالث: مركزيّة الإعلام الغربي وقولبة المفاهيم. والرابع: المؤثر السياسي والأثر الإعلامي. أما عن الفصل الثاني الذي يُعنى بـ(اللوبي الصهيوني وصناعة الإعلام السياسي)، ويندرج منه خمسة مباحث، الأول: اللوبي الصهيوني والنفوذ الإعلامي. والثاني: اللوبي الصهيوني وصناعة الرأي العام. والثالث: اللوبي الصهيوني بين الدبلوماسيّة والقوة. والرّابع: المحافظون الجدد والمشروع الإسرائيلي. والخامس: الأثر الإعلامي في صناعة قرار الكونغرس الأمريكي. أما عن الفصل الثالث والأخير فقد خُصص لـ(الحرب الأمريكيّة على الإرهاب.. العراق نموذجًا) وعلى الرغم من أن البحث ينحو باتجاه المنهج الكيفي غير المهمل للمنهجية الكمية في الوقت نفسه، إلَّا أنه حاول أن يرسم خطوات حثيثة باتجاه الطابع الوصفي -كما هو الحال لمعظم البحوث التي تتناول مثل هذه المواضيع الخاصة- في أحيان كثيرة بالإضافة للطابع التأريخي خاصة إذا ما تعلق الأمر وارتبط بالرؤى المتعددة؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية، وليس ثمة من تزكية إذا ما تضمن بعض الحيثيات حالات من الانتقائية المقصودة حسب ما تقتضيه أهداف هذه الدراسة، ولو تجلى ذلك في مشاهد أشبه ما تكون باللقطات المصورة. الأمر الذي يدعونا ألَّا نساهم في صناعة الصور المتقطعة، بقدر ما هو المقصد في رسم تصور شامل يجمع أزمنة الحدث (تداعيات حادثة منهاتن نيويورك ). أما بالنسبة للاعتبار الزمني فالبحث يجبرنا للأخذ بالزمن الأحادي الذي أشبه ما يكون بلقطة فوتوغرافية يطبعها البحث ويبدأ في توصيفها وتحليلها، وأعتقد بأن البحث قد أرتكز على الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001م.
وبصراحة شديدة ورد في البحث العديد من المصطلحات التي تسترعي الوقوف عندها بالتعريف والتوضيح، وهذا ما كان محل رهان إلى أبعد الحدود، مع ذلك اقتفى البحث أثر المستحق منها، خاصة والبحث ما يزال حديث الساعة لما له من تلازم مع الواقع في احتلال قوات التحالف للعراق، بالتالي تستمر الأحداث بتطور الأمور على الواقع، إضافة لذلك المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي وإن تغايرت مع سيناريوهات السياسية القصيرة المدى فإنها بالتأكيد تبقى كما المرويات الكبرى التي هي رهان مستمرة بل ومؤبدة!

1- الصناعة الإعلامية: يقصد بذلك تسخير كل الوسائل الإعلامية من (إذاعة، تلفزيون، فضائيات، سينما، مسرح، صحافة، إنترنت..) لغرض احتكار المعلومة والسيطرة عليها بل وتوجيهها حسب مواد إعلامية مفبركة تتساوق مع التضليل والخداع، ولا غرو أن ورد في الاعتبار العلمي صيرورة هذه الأدوات الإعلامية ووسائل الاتصال شرًّا يقتحمنا -أفراداً وجماعات- بشراسة دون استئذان. وهي ولا شك تحمل في مضامينها أبعادًا غير محسوسة وغير مباشرة إذ من غير الممكن التقليل من شأنها أبدًا.
2- التضليل الإعلامي (=الفبركة): التضليل Manipulation يعني التأثير في شخص أو جماعة أو هيئة أو أمة بطريقة تنطوي على التمويه والخداع والتلاعب. إذ الخطورة تكمن في تغييب الصورة الذهنية لدى المخدوعين بالتضليل إلى درجة شعورهم بأن الواقع المضلل هو الواقع الحقيقي، وقد عبر عن ذلك هربرت شيللر (إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعاً زائفاً هو الإنكار المستمر لوجوده أصلاً).
3- التمرير الإعلامي لأجندة السياسية الأمريكية (=مشاريع الهيمنة الأمريكية على العالم العربي): هي عبارة عن مبادرات متوالية وتسويقها لدى الشعوب تحمل طابعًا يغلب عليه لغة الهيمنة سواء عبر أجندة استراتيجية عسكرية أو ضربًا من الفروض العقابية المختلفة فضلاً عن صور التدخل المباشر وغير المباشر.
4- وهناك العديد من المصطلحات يتطلبها البحث، سيكون محلها الهامش للبحث نظرًا لكثرتها فضلاً عمّا تتضمنه من أهميّة إعلاميّة كبرى؛ لذا أصبحت محل نظر وأهمية بالنسبة لهذا البحث.


التوظيف الإعلامي وأبرز المشاريع الإمبريالية الأمريكية
أ- مشاريع الثنائية الدولية أي ما قبل تفكك الاتحاد السوفيتي
مشروع ترومان عام 1949م الذي يضمن إمكانية تقديم المساعدات إلى دول العالم العربي الواقعة تحت النفوذ الغربي.
مشروع القيادة الرباعية للشرق الأوسط 1951م الرامي لعقد تحالفات سياسية وعسكرية مع دول المنطقة.
مشروع الشرق الأوسط بعد أن عمل الإعلام الأمريكي على فرضه بديلاً عن مسمى العالم العربي والإسلامي.
مشروع قيادة الشرق الأوسط العسكرية عام 1953م الذي جمع بعض الدول العربية وبعض دول الجوار في آسيا -إيران وباكستان وتركيا- إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
مشروع أيزنهاور عام 1957م ليعبر عن واقع سياسي إقليمي دولي جديد بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر 1956م.

ب- مشاريع القطبية الواحدة المتمثلة في أمريكا كقوة عالمية عظمى
مشروع الشرق الأوسط الكبير، يمتد حسب التصور الأمريكي من باكستان إلى المغرب.
مشروع الشرق الأوسط الموسع (=الجديد) والذي حمل عنوان «الحرب على الإرهاب». ابتدأت بالحرب على أفغانستان، ثم غزو العراق، وتواطؤ أمريكا مع الكيان الإسرائيلي في عدوانها على لبنان، وفي احتلالها لفلسطين. وقد تولد من هذا المشروع أساليب عديدة ومن أهمها: اتِّباع منهج الفوضى الخلاقة (creative chaos) وإشعال نار الفتن بين طوائف الأمة لتجزئتها بما يخدم المصالح الصهيوأمريكيّة «فرّق تسد»، وقد ساهمت الآلة الإعلامية الأمريكية في دق الأسافين؛ كل ذلك من أجل تمرير العديد من الأجندة السياسية الذرائعيّة والخارقة للأنظمة والقوانين الإنسانية. مع ملاحظة أن من المحاور الرئيسة والتي يقوم عليها البحث هي تداعيات المشروع الأخير -الشرق الأوسط الجديد ومتطلبات الإعلام في الحرب على الإرهاب- نظراً للدور الكبير الذي لعبه الإعلام في ذلك وما يزال، لا سيما وموجة الإرهاب تأخذ وتيرتها المتصاعدة من مشهد الحياة اليومية التي يعيشها العالم الإسلامي والعربي بالذات.

ويأتي هذا البحث في ظل التوسع الملحوظ في معظم الدراسات والبحوث المتخصصة والتي عُنيت بمثل هذا الموضوع والتي وإن حاولت أن تعقد علاقة وطيدة ما بين الإعلام والسياسة فإن معظمها قد تناول ذلك بشكل عام وعبر مشاهد وأحداث متفرقة، لذا قد يكون هذا البحث ساهم في توضيح العلاقة ما بينهما لا سيما واختياره للسياسة الأمريكية كمركزية له من واقع الفعل الإعلامي الأمريكي نفسه. ولو أن هذا البحث على صلة بموضوع التسخير الإعلامي وفق أجندة السياسة خاصة وحديث -البحوث الأخرى- يستطيل مع المشاهد السياسية الحيّة، إذ تتمظهر حسب عناوين عديدة بواقع مشاريع سياسية تحمل الخلاص للشعوب عبر شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، ولو أنها تستبطن في الوقت نفسه القتامة وعدم الوضوح!.

بهذا لا ينفصل هذا البحث عن تلكم القاطرة -الكم من البحوث- من حيث الشكل والتوصيف ولا مع حيث المضمون أيضاً، فمعظم البحوث -برغم قلتها- التي جعلت من مثل هذه الأفكار محورًا للمناقشة إلا أنها لم تخلص في نتائجها إلى ملامسة الواقع بصورته كما هو، وإذ بنا نقترب ومن خلال هذا البحث المكثف إلى إعطاء صورة واقعية في متابعة المشهد السياسي الذي يتوالد للتو، والتي من شأنها أن تضخ بشكل مكثف العديد من التساؤلات المثيرة للجدل بالنسبة لما هو عليه من الإعلام العربي الراهن، ولربما يسهم هذا الأمر في أن يضع تأسيسًا جديدًا يتغاير مع طبيعة القوالب التقليدية التي تندفع باتجاه المشهد بشكل درامي أكثر منها نتائج علمية؛ كاشفة عن حجم الأزمة الإعلاميّة ومدى تورطها بالمشاريع السياسية. وقد آل هذا البحث لأن يتعرض لمشاهد حيّة أخذ بها الإعلام الأمريكي على وجه الخصوص إبّان حملاته العسكرية على أفغانستان والعراق ومساعدته للكيان الصهيوني سواء فيما يتعلق بالاحتلال الفلسطيني أو ما حدث مؤخراً في حرب تموز 2006م على لبنان، فضلاً عن العديد من الحملات ذات الطابع الاستراتيجي والدبلوماسي الضاغط على العالم الإسلامي والعربي والتي وإن لم تكن بوصفها تحمل طابعًا عسكريًّا إلا أنها ليست في غنىً عن الدّعم الإعلامي المنظّم، بالتالي يقترب بنا البحث إلى تناول أبرز القضايا السّياسيّة الأمريكيّة فيما يخص الماكنة الإعلاميّة وصيرورتها في الواقع، خاصة والأمر يتعلق بالكيفية التي يمارسها هذا الإعلام من تأثير في إدارة الأزمات حسب نظريات التّأثير الإعلامي القصيرة المدى والمتوسطة والبعيدة.


لماذا هذه الدراسة؟

وبقي لزامًا توضيح أسباب اختيار فكرة هذا الموضوع، وقد يكون من أبرزها وأهمها يكمن في التحاشد الإعلامي الغربي لدعم وتأكيد مقررات الحرب، وقد تجلّى الأمر بعد أحداث سبتمبر يتأكد الاصطفاف الإعلامي الغربي بالتلازم مع القرار الاستراتيجي العسكري وتحويل ساحة المعركة من الغرب للشرق بصورة أشبه ما تكون دراماتيكية؛ وذلك عبر تضليل الرأي العام وإشباعه بشكل مكثف؛ لتبرير الحرب على أفغانستان والعراق وكذلك لبنان. بل وتعزيز الدور في مساندة الكيان الصهيوني في احتلاله لفلسطين وبعض الأراضي المجاورة لها. وفق مخطط استراتيجي طويل الأمد.
ودائمًا ما تلجأ المخططات الأمريكية للمراهنة بالبروغماتية ولو أدى ذلك إلى تزييف الحقائق، بل تذهب إلى أبعد من ذلك في اتخاذ تدابير من شأنها أن تساهم في بثّ الأضاليل والأخبار المكذوبة والمختلقة وقولبة الحقائق بما يخدم مخططاتها العدوانية، وهذا الاحتكام يأتي في الوقت الذي تأخذ فيه العلاقة بين «وزارة الدفاع الأمريكية (= البنتاغون) والجيش النظامي العسكري» طابعًا نوعيًّا يسفر عن اتفاق على تأسيس مقر عمل؛ الهدف منه إدخال الإعلام طرفًا رئيسًا في معادلة الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي حسب معطيات إعلاميّة مدروسة من شأنها أن توظّف العالم وفق مخططاتها وأطماعها حتى لو أدى ذلك إلى صناعة سيناريوهات من الكذب والخداع واختلاق أقاصيص إخبارية في الصحافة الأجنبية، أو تزييف وثائق تنشر على الإنترنت والمواقع الإلكترونية، ويتركز النقاش حول ما نشرته جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية حول أمر سري وقّعه «رامسفيلد» أواخر العام الماضي 2003م يسمى (خارطة الطريق للعمليات الإعلاميّة)، والأمر المذكور مكتوب في 74 صفحة، وظلَّ سريًّا ولكنّ المسؤولين وصفوه بأنه قد عجّل في إيجاد (خطة للنهوض بأهداف العمليات الإعلامية باعتبارها عملية جدارة أو كفاية عسكرية أساسية).


ما أزمة الإعلام العربي والمناجزة مع السوق الإعلامية العالية .. وكيف الخلاص!؟.


وبحمد الله وتمام نعمته قد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج وبعض التوصيات، أهمها إجمالاً ما يلي:-


أولا: النتائج
1- يظل الإعلام بصورته العامة مرهونًا بالأجندة السياسية، وإن جاء تأسيسه على طبيعة مختلفة إلا أنه لا ينفصل عمّا هو عليه الحال، وهذا نهج قديم جديد كشفته الأحداث الأخيرة منذ حادثة 11 سبتمبر، فضلاً عن الحرب التي شنتها أمريكا على أفغانستان والعراق.
2- المسؤول عن إدارة اللعبة السياسية الأمريكية سواء فيما يتعلق بالداخل أو الخارج، فيما يعنى بانتخابات الرئاسة أو بإدارة الحروب، لا تبتعد كل البعد عن التكتل اليهودي -اللوبي الصهيوني- وضغوطاته الكبيرة في هذا المجال.
3- تفريغ الإعلام من مضامين الأمانة والحياد إلى لعب أدوار سيئة؛ كبث الأكاذيب، وتشويه الحقائق، وصناعة الخديعة والفبركات، والسبب يعود لاستغلاله سياسيًّا، وفي الوقت نفسه عدم تمتعه بالاستقلالية كمنظومة قيم اتصالية حديثة.
4- تغييب الوعي العربي نظرًا لإدخاله في دهاليز الأولويات المفتوحة، إذ يتعذر عليه إدراك الأهم من المهم منها، والسبب يعود للمواد الثقافية الوافدة والمصنوعة محليًّا التي يتم ضخها بكثافة منظمة، تستهدف بالدرجة الأولى الشباب المسلم من أجل إشغاله فضلاً عن تغيير نمط حياته.
5- تطورات الأحداث والواقع السياسي تكشف عن الواقع المأزوم والكارثي الذي يعيشه العالم العربي، بدءًا بالصورة المنمطة للأنظمة السياسية، ومرورًا بالاختطاف الاقتصادي، وانتهاءً بالانقسامات الدينية والطائفية والحزبية. وقد كشفت الدراسة النقاب عمّا تجسده الآلة الإعلاميّة من كل ذلك.
6- افترضت الدراسة بناءً على ما سبق أن الحل للخروج من المأزق الإعلامي العربي هو الأخذ بالأولويات، والأخذ بعوامل الإصلاح السياسي الذي ولا شك سيلقي بظلاله على العديد من القضايا المهمة والرئيسية، لأن الإعلام العربي وتصحيح مساره يظل مرهونًا بتحسن الحال السياسي.
7- أشارت الدراسة إلى الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث والدراسات وما قامت لصالح الإعلام الغربي، لذا ينبغي تأسيس مراكز من هذا القبيل في الفضاء العربي وتفعيل ما هو قائم بالشكل المطلوب.


ثانيًا: التوصيات
1- تدعو الدراسة إلى تبني رؤية إعلامية عربية، من شأنها أن تنفك عن الاحتكار السياسي العربي أو الاحتكار الإعلامي الغربي، ولا يتم ذلك إلا بالاستمرار في كشف الحقائق والمخططات التي يقوم عليها الأداء الإعلامي الغربي والمرتهن بالأجندة السياسية.
2- العمل على إعداد استراتيجية إعلامية عربية تتناغم وتطورات العصر من شأنها مواجهة التحديات للعمل الإعلامي العربي.
3- للانفكاك من المركزية للإعلام واحتكار المعلومة لدى بعض الوكالات المحسوبة على الإعلام الغربي، الضرورة تقتضي التفكير الجاد في ذلك.
4- أوصت الدراسة أيضاً إلى رفع يد القدرة السياسية عن (الإعلام) عبر منحها الاستقلالية التامة تحت أي نظام خاص يعفيها من الارتباط بالمحتوى السياسي، مع الاعتبار بالتجربة الإعلامية للغرب والتي لا تسلم أيضاً من اللغط!.

 

--------------------------------------------------------------------------------

جميع الحقوق محفوظة لمجلة كلمة ®
www.kalema.net

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات