الأتحاد والنظام والعمل
الأمم والدول تستفيد من خبراتها السياسية وليبيا لديها خبر طويلة ’ لقد مرت بفترة الكفاح ضد الأستعمار الأيطالي وقدهب الشعب ضد الأحتلال الأيطالي يدا واحدة وقدم المواطنون تضحيات استمرت عشرين عاما خسر الشعب الليبي فيها نصف سكانه ومع هذا ساعد الخلاف بين المدن وبين الزعماء على إحداث تغرات في وحدة الليبيين ساعدت على تمكن إيطاليا من إحتلال كل التراب الليبي . وقد ساعدت الحرب العالمية الثانية على تحرير ليبيا من الأستعمار الأيطالي . وهب الشعب الليبي من جديد صفا واحدا للمطالبة بالاستقلال والوحدة وإستطاع الليبيون بدعم الامم المتحدة بالصول على إستقلالهم ,ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إستقلال ليبيا إبتداء من ديسمبر 1951 وفعلا أعلن الملك إدريس رحمه الله يوم 24 ديسمبر1951 إستقلال ليبيا بعد مخاض دولي ومخاض داخلي . فقامت حركات إقليمية وظروف داخلية أدت على اقامة نظام فدرالي وعملت على تقسيم ليبيا إلى ثلات ولايات على أساس جغرافي رغم أن التركيب السكاني في ليبيا متداخل فقد تألف معظم سكان مدنها من قبائل وعائلات واحدة تفاعلت مع بعضها بالتجارة والتناسب والتواصل . وقد فشل الأتحاد الفدرالي بظهور خلافات حول إختصاصات سلطات الأتحاد والولايات وتوزيع الموارد . وقد دفع هذا الخلاف الملك إدريس رحمه الله بأعلان الوحدة سنة 1963 بقرار حازم منه لم يفرضه عليه ضغط شعبي أو قراربرلماني وقد صادق عليه البرلمان بطلب من الملك . ورغم إعلان الوحدة الليبية إلا أن الأنقسام الذي خلقه النظام الأتحادي فرض نفسه على الواقع الليبي . وقد تعرضت بتحليل مفصل لهذا الأنقسام في كتابي (مذكرات شاهد على العهد الملكي الليبي). وقد ساعد هذا الأنقسام السياسي والأداري بضعة أفراد شواد من قوات الجيش الليبي على القفز على السلطة بسهولة في اليوم المشئوم على ليبيا يوم الواحد من ستمبر’ دون مقاومة تذكر لعدم وجود سلطة مركزية واحدة وإستقلال الاقاليم الليبية أمنيا وغياب الملك في الخارج وظروفا خارجية وداخلية .
وقد ضربت مثلا عمليا يعطي أوضح دليل على شدة الأنقسام الأداري والسياسي الذي كان سائدا . فقد كانت العاصمة في البيضاء وكان وزير الداخلية السيد أحمد عون سوف وزيرا للداخلية رحمه وهو من أقوى وأقدر وزراء الداخلية عرفتهم ليبيا , وهومن طرابلس يأتي إلى البيضاء أسبوعيا تقريبا لحضور جلسات مجلس الوزراء وكان عليه النزول في مطار بنغازي ليأخذ السيارة إلى البيضاء . وقد لاحظت وكنت مسافرا معه إنه لم يقدم أحد لأستقباله من محافظة إو حكمادرية بنغازي ولا حتى جندي مرور وكان مضطرا أن يحمل حقيبته كغيره بنفسه ألى سيارته التي تقله إلى البيضاء . وكان هذا نكتة متداولة في بنغازي . وكنت قد لا حظت أثناء سفرنا من طرابلس وجود خمسة محافظين وخمسة حكمدارين وعشرات من ضباط الأمن وكبار المسئولين في توديعه وقد جاء في موكب كبير تحرسة الدرجات النارية على طول الطريق من مكتبه ألى المطار . ورغم أني أعرف الجواب لكني تجرأت وسألته هل وصولك وسفرك دائما إلى ومن مطار بنغازي يتم بهذا الشكل ؟ ولماذا يختلف عن سفرك ورجوعن ألى مطار طرابلس؟ فقال لي رحمه الله دون أية أبتسامه . إنني وزير الداخلية في طرابلس لكني في برقة لا أحد يعترف بي والمحافظون وحكمداري الشرطة فيها لا يتصلون بي أو يقدمون تقاريرهم إلي بل يتصلون رأسا برئيس الوزراء أو الملك وهو كوزير داخلية لا يعرف ماذا يحدث في محافطات برقة . ورغم أن موكب وزير الداخلية في طرابلس في ذهابه ألى ومن المطار في رحلات داخلية يثير الأنتقاد إلا أن إحترام وزير الداخلية عامل مهم لأمن البلاد ويعطي هيبة للدولة . وإنتقادي لهذا التشردم الأداري الرسمي الذي كان قائما في ليبيا لا يعني إني أنتقد نظام خدمته بأخلاص. فليبيا في العهد الملكي لم تعرف قيودا على حريات المواطنين في السفر والمرور والتجارة أوعلى حريات الأفراد بما فيها حرية الرأي والأنتقاد التي لا تتوفر في البلاد العربية الاخرى’ رغم ان القرار السياسي حول الشئون السياسية الهامة في ليبيا كان محتكرا من السلطة ( الحكومة والملك ) نظرا لألغاء الأحزاب وإنتخاب أعضاء البرلماني على أساس قبلي وفردي لم يساعد على وجود معارضة فعالة لسياسة الحكومة .
وخبرة الليبيين من نظام القذافي تجعلهم يعرفون خطر سيطرة الفرد أوطغمة حاكمة على الأمور. وثقة الشعب في حاكم فرد دون رقابة ملزمة الذي يتحول مع الزمن ألى طاغية دكتاتوريحكم مدى الحياة ويورث الحكم لورتته .
إن خبرة الليبيين بأنظمتهم السياسية السابقة تجعلهم اليوم أحرص على تجنب أخطاء الماضي ’ ونبذ الأختلاف الذي بدأت بوادره تظهر في توزيع مقر السلطة المركزية بين طرابلس وبنغازي ’ والعمل على أقامة نظام حكم ديمقراطي برلماني تتوفرفيه كل الحريات وعلى رأسها حرية الرأي وحقوق الأنسان المعترف بها في المواثيق الدولية ’ والعدل والمساواة للمواطنين وأنشاء الأحزاب والنقابات وحق التظاهر والاحتجاج وقبل هذا كله الحرص على وحدة البلاد سياسيا وإداريا إقتصاديا .
التعليقات (0)