لم تلبث الثورة المصرية التي قام بها مجموعة من الشباب تطبيقا لما قررته باستخدام شبكة التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " الأداة الافتراضية المثلى للتنسيق والانطلاق على أرض الواقع .. لم تلبث أن تحولت خلال ساعات إلى ثورة شعب بكل أطيافه واتجاهاته الفكرية والسياسية وفئاته الاجتماعية والعمرية والمهنية فسقط رأس النظام وجزء كبير من هيكله .
لستُ محللا سياسيا ، ولكني استطيع أن أخرج من هذا الحدث التاريخي باستنتاج شخصي اعتقد أنه صحيحا :
من الواضح أن ثمة اتجاه عام في المجتمع المصري بعد نجاح ثورته لمحاولة التأكيد على أن ثورة الخامس والعشرين في ميدان التحرير وقبل الوصول إلى ميدان التحرير وغيره من المواقع كانت
بلا قيادة ، وذلك أمر لا يشوبه شك ، والدليل الأكبر هو نجاح ثورة الشعب المصري فلو كان لها زعيما أو زعامات لفشلت كما يثبت التاريخ والواقع فشل الزعامات العربية لسبب بسيط جدا وهو أنها غاية في حد ذاتها وليست قيادة وتوجيه لتحقيق هدف مشترك .
ولكن ، ورغم فشل النظام المصري قبل سقوطه في محاولة استخدام " عقلية المؤامرة " إلا أن ثمة من يعتقد بوجود نوع من " الدعم اللوجستي الخفي " البعيد عن فكرة ونظرية المؤامرة التي تشكل جزء مهم من أزمة العقل العربي .
وأن كنت لا استطيع تأكيد هذا الرأي أو نفيه إلا أنني استطيع الإشارة إلى بعض المؤشرات المهمة في هذا الصدد :
هناك ما يشير بشكل واضح إلى أن شخصية مثل " محمد البرادعي " لعبت دورا مهما في دعم ثورة الشباب المصري قبل وعند انطلاقتها ولم يقتصر الأمر بالنسبة له فقط على المشاركة فيها . ويبدو أن هذا الدور قام على استثمار علاقته بأعضاء مهمين في الحكومة الأمريكية .
ولكن الأهم من ذلك هو أنه رغم تردد الإدارة الأمريكية في البدء وتذبذب موقفها بين تأييد ثورة الشعب المصري مصداقا لدعوتها لنشر مبادئ الديمقراطية في المنطقة العربية وبين وقوفها إلى جانب الرئيس حسني مبارك الذي خدم مصالحها في المنطقة طيلة ثلاثين عاما إلا أن ثمة ما يشير إلى توجه ما في الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوربيين لتوجيه رسالة جادة إلى إسرائيل مفادها :
( حان وقت فطامك يا حلوة !) .. فقد كلّت وسئمت ، كما يبدو ، هذه الدول إرضاع مدللتهم " إسرائيل " عصارة جوفها على المستوى السياسي والعسكري والاستراتيجي ، وأن كان لاستمرار هذا الدعم ما يبرره لدى أمريكا وبريطانيا بشكل خاص إلا أن مسألة حماية إسرائيل القائمة على دعم بعض الأنظمة العربية المستبدة والجاثمة على شعوبها باتت أمرا ينبغي إعادة التفكير في مسوغاته ومبرراته . وهذا يعني أن هناك توجه بكسر حاجز الخوف لدى إسرائيل من نشر المبادئ الديمقراطية وحرية شعوب المنطقة العربية .
هذا فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي ، أما فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية في المنطقة فمن الواضح أن أمريكا بدأت تفكر جديا بأن التحول نحو التغيير الذي يضمن قيام كيانات عربية تقوم على الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ربما كان أفضل من استمرارها في الحماية المزدوجة لإسرائيل من ناحية وللأنظمة العربية التي تخشى إسرائيل زوالها من ناحية أخرى ..
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)