كالعادة ، جاء الموقوف الأمريكي من الثوار في ليبيا متأخراً جداً ، وربما مخادعاً ، حين قال الرئيس أوباما في كلمته القصيره اليوم ، " أن على السلطات الليبية ، وقف العنف وإيصال المساعدات للمحتاجين " .
أقول ربما مخادعاً ، لأن أوباما دعى في نفس الخطاب ، " إلى محاسبة ليبيا إذا لم تف بمسؤوليتها تجاه شعبها " على حد تعبيره ، وهو أمر يستدعي التسائل عن موقف الولايات المتحدة من جرائم هذا النظام اللتي أرتكبها حتى الآن ، فيما لو أوجد صيغةً ما ، تحفظ له كرسيه وتوقف الثورة ؟.
ألا أن أعترافاً محموداً قد أدلى به السيد أوباما في خطابه اليوم ، يستحق منا التقدير أولاً ، ويفرض علينا الوقوف على مدلولاته ثانياً ، حيث قال أوباما ، " إن ما يحدث في المنطقة تغيير تقوده الشعوب ، ولا علاقة لأمريكا به مطلقاً ".
لطالما اثبتت تجارب صناديق الأقتراع الحرة ، "المعدودة على الأصابع" ، في العراق ولبنان وفلسطين والجزائر ، أن معظم العرب لايتفقون مع العلمانية بمعناها الغربي ، مع يقيننا بأنهم معجبون جداً بالديموقراطية والحرية الغربية . وأن فشل الأحزاب العلمانية العربية الواضح في دولنا ، واللذي يعكس خوف المسلمين من العلمانية ، لايعني حتماً كره العرب للديموقراطية كما يزعم بعض المتأثرين بالخطاب الصهيوني اللذي يسيطر على الكثير من المؤسسات الأعلامية في الغرب ، وثورات الشعوب العربية ضد الدكتاتورية اليوم ، تثبت يقيناً ، أيمان الشعوب العربية بالديموقراطية والحرية ، وتعطشها الكبير لأن تستعيد كرامتها ، ودورها كأحدى الأمم العريقة الرافدة للحضارة الأنسانية .
لابد من القول بأن الديموقراطية الغربية اللتي أوجدت طريقة العمل اللتي تسير عليها المؤسسات الحكومية ، وبتناغم مثير للأعجاب مع مؤسسات المجتمع المدني ، وكذلك فسحة الحريات السياسية والدينية والثقافية ، الواسعة ، الموجودة هناك ، كلها أمور تفرض علينا الوقوف أحتراماً لهذه الديموقراطيات وما أنتجت ، ألا أن المشكلة اللتي تستدعي نقدنا للنموذج الغربي دائماً هي العلمانية اللتي تبرر تسليع كل شيء ، بما في ذلك الأنسان والأخلاق ، بل وحتى الدين .
هذا التسليع اللا أخلاقي بكل ما تعنيه الكلمة ، هو ما يفسر الأزدواجية الغربية الواضحة في طريقة تعاملها مع الشعوب الأخرى .
فبينما يقاتل الناس في الغرب بشراسة دفاعاً عن حرياتهم وديموقراطيتهم ، وحقوقهم الأساسية ، نجد أن حكوماتهم كانت ولا زالت ، حليفة لأعتى الدكتاتوريات في العالم ، ومادام منطق التسليع هو المسيطر على العقليية الغربية ، فلا مانع من حرمان الشعوب الأخرى من الديموقراطية وحقوق الأنسان في سبيل ديمومة تخلفها اللذي يضمن للغرب نهب ثرواتها من الموارد الأساسية ، وفتح أسواقها لمنتوجات مصانعه ومزارعه .
ولو أن أحداً جاء اليوم ليقول ، بأن الولايات المتحدة والغرب والمجتمع الدولي هم من ألهموا الشعوب العربية للتخلص من الدكتاتورية فلابد وأن نرد عليه بأنه كذاب وأفاق ، فاليوم يتباكى الساسة الغربيون والصهاينة على حلفائهم وأصدقائهم الحميمين كما يصفونهم ، وما رفض نائب الرئيس الأمريكي بوصف حسني المخلوع بالدكتاتور بالأمس ، وحرص رئيس الوزراء الإيطالي على الاتصال بصديقه الحميم ، المجرم القذافي ، لينفي لهذا السفاح أشاعة تزويد أيطاليا للثوار الليبيين بالصواريخ اليوم ، ألا فيض من غيض الأدلة اللتي تؤكد أرتباط الدكتاتوريات العربية بالغرب ، وأرتباط الغرب بهذه الأنظمة العفنة .
قد لايروق هذا الكلام لمن أدمن عقدة النقص أمام الرجل الأبيض ، أو من تأثر جهالةً ، بالآلة الأعلامية الصهيونية الضخمة اللتي لاهم لها ألا تسفيه الساكنين ما بين المحيط والخليج ، بجميع أجناسهم وأديانهم ، وأثارة الفتنة بينهم ما أستطاعوا لذلك سبيلا ، ولأسباب لا تحتاج التوضيح .
ألا أن شعوبنا اللتي ثارت اليوم بجميع طوائفها وأديانها وقومياتها ضد الطغيان والخنوع والظلم والدكتاتورية ، وأصرارها على طرد الدكتاتوريات المتحجرة أو الموت دون ذلك المطلب ، فرضت على الجميع أحترامنا ، وأجبرت العدو قبل الصديق على الأعتراف بأن ثوراتنا هي ماركة مسجلة باسمائنا ، وفوتت الفرصة على كل من يريد سرقة هذه الثورات ، اللتي رويناها ولا زلنا بدماء أبنائنا الزكية .
هذا ما لا يمكن أن يفوت معناه على اي عاقل منصف أستمع او قرأ أعتراف السيد أوباما اللذي أدلى به بشجاعة اليوم ، وهو لذلك يستحق منا كل الشكر على هذه الشجاعه اللتي أظهرت الحق وأنصفت الثوار قبل أن تنصف الحقيقة .
فشكراً سيد أوباما على هذا الأعتراف الجميل .
http://arabic.cnn.com/2011/middle_east/2/24/libya.obama/index.html
http://www.albayan.ae/2011-02-23-1.1390554
التعليقات (0)