مواضيع اليوم

الآن حصحص الحق.. لماذا المؤتمر؟

أحمد الشرعبي

2010-01-03 20:59:16

0

الآن حصحص الحق.. لماذا المؤتمر؟

نادراً ما يتغير الإنسان وفق إرادته وغالباً ما يكون اختلاف المواقف وتناقضها انعكاساً للواقع واتصالاً لا إرادياً بالحقائق التي اختفت بالأمس وبرزت اليوم وقد تظهر غداً على غير ما كانت عليه في الماضي..
إن المرء ليقع تحت وطأة التجارب التي تجد في حياتنا بقوة جارفة، وليس باختيارنا فقط تتكون ظواهر الحياة فلحركة التغيير في الكون والمجتمع تأثيرها الجارف وتيارها القوي.. وليس بوسع الإنسان مقاومة نزعته الفطرية في اكتشاف أكبر قدر من الحقيقة والتعرف التدريجي المستمر على الواقع. ولعل من أخطائنا الكبيرة التي مورست في الماضي وما يزال ثمة من يصر عليها في الحاضر أننا إما أن نكون حيث يراد لنا فنلبس غير جلودنا ونتخلى عن الهوية الدينية والوطنية، أو أن نستسلم لليأس ونقرر الانغلاق على التجارب الإنسانية..
والمؤتمر الشعبي تنظيم وطني اعتملت في كنفه تجربة سياسية متعددة الأطوار هدفت في غاياتها لتحقيق الوحدة الوطنية ورأب التصدعات التي سادت البلاد وحالت دون الوصول إلى الحد الأدنى من القواسم المشتركة بين مجمل القوى السياسية والاجتماعية..
ولقد كانت بداياته أقرب إلى المصالحة الوطنية منها لإطار حزبي منظم، وما برح المؤتمر إطاراً وطنياً واقعياً يتسع كل اليمنيين.. إذ يوفر لأعضائه هامشاً كبيراً من الحرية والحركة ويضمن للمنتسبين فيه حق الاختلاف والتبيان.
لقد جاء المؤتمر تتويجــًا لإجماع وطني عام ولم يتخلف عنه بسبب من موقف مغاير أو رأي مناهض أي من هؤلاء الذين ظهروا لاحقاً وكأنهم لم يكونوا مشاركين في تجربته..
ومن المناسب التذكير بأن الميثاق الوطني انبثق من وعي عميق بظروف اليمن ومعاناتها وعن تقدير مسئول لتطلعات الشعب وأمانيه في التقدم والاستقرار وبجهود جماعية مضنية بذلتها لجنة الحوار الوطني التي ترك لها اختيار الطريقة الملائمة للاجتهاد والتنظير والبحث والمداولة وطلب إليها الخروج برأي موحد وفكرة وطنية يدعمها إجماع..
ولقد كانوا يساراً متطرفــًا ويمينــًا متشدداً ووسطــًا معتدلاً.. خرجوا بمحصلة واحدة والتقوا عند تجسيد الفكرة التي توجت بمرحلة الاستفتاء الشعبي على الميثاق.
ما شهدنا المؤتمر يقتل بعضه بعضاً. فلا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أشهر سلاحه في وجه زملائه عندما غادر المؤتمر، ولا العميد أبو شوارب أعلن الانشقاق حين اتجه بشرف نحو البعث ولا محمد الزرقة اشترى ضمائر الكتاب ولا حسن اللوزي تنكر للقصيدة باعتبارها خيمته الدائمة وبيته الأقرب..
ولولا أن المؤتمر اختار (التي هي أحسن) في الظروف المعقدة التي رافقت قيامه ولازمت مسيرة تكوينه لغدت البلاد مزقاً في محرقة الوصاية ولتمكن منها الأعداء وحولوها إلى كرة يتقاذفها رجال العصابات..
ولأن الوطن اليمني قبل إعادة تحقيق الوحدة حكم بتجربتين مختلفتين أولهما خاضها المؤتمر الشعبي العام في المحافظات الشمالية والأخرى مثلها الحزب الاشتراكي اليمني فما الذين يمنع من مقارنة هذه بتلك خصوصاً وأن براميل الشريجا وكرش لم تعد تحول دون حقنا في الرؤية الأشمل..؟!
فمن المحافظات الجنوبية انطلقت أول تجربة ماركسية حاكمة في الجزيرة العربية وفي ظل النفوذ اليساري الذي يتزعمه الاتحاد السوفيتي على مستوى العالم وبإسناد من التجارب الأممية ولد الحزب الاشتراكي بعد (أطول حوار في أصغر بلد) وعلى قاعدة التصفيات الحميمة بين رفاق حرب التحرير ومأساة الرئيس المناضل قحطان محمد الشعبي التي تستعر في ضمير الوطن، على هذه القاعدة الكفاحية الصلبة التقت فصائل اليسار واعلنت دولة الحزب الواحد ورفعت صورة لينين مجللة ببريق النجمة الحمراء..
ومع الحزب الواحد، والقائد، والمعلم.. تشكلت التجربة التي مهما يكن اختلافنا معها إلا أن من الصعوبة إنكار بعض إيجابياتها سواءً من حيث تعميم الأفكار الماركسية على عدد من المحافظات أو بقدرتها على فرض هيبة الدولة، وبأنها كانت على استعداد لنسف عشرين حضانة أطفال فيما لو بلغها خبر عن وجود كرتون (طماش) تنوي أحد المربيات توزيعه على الصغار في حفلة (قريح)..
كل ذلك طيب من أجل الاستقرار فوجود الدولة القوية مطلوب حتى وإن رافقتها ديكتاتورية الحزب الواحد واقترنت بدُرّة ابن ثقيف..
لكن الذي يؤخذ على كلا التجربتين انهما استندتا لمعطيات لا صلة لها بشعار مرفوع أو هدف معلن.. فلا الاشتراكية في الجنوب حقيقة معاشة ولا الرأسمالية واقع ماثل في الشمال، وكما أن سجون عدن اكتظت بالشغيلة والكادحين كذلك كانت سجون صنعاء مكتظة بالتجار الذين يخالفون تسعيرة التموين.
على أن هيبة الدولة في المحافظات الجنوبية لم تكن التعبير العميق عن سيادة القانون قدر ارتباطها بسطوة الحزب ونفوذه المطلق على المؤسستين الفكرية والأمنية فضلاً عن مؤسسته البوليسية الخاصة، وأقصد منها على وجه التحديد (لجان الدفاع الشعبي)..
ولعل الذين ذهبوا ضحية الثارات القبلية وتهاون أجهزة الأمن في المحافظات الشمالية خلال عشر سنوات على قيام المؤتمر هم بالتأكيد أقل من عدد الضحايا الذين أبيدوا خلال شطر ليلة من ليالي 13 يناير 86م.
لقد ورث الاشتراكي عن الاستعمار صعوبات كثيرة ولكنه بالمقابل وضع يده على مغانم تركها المستعمر غداة الرحيل القسري.. كانت عدن لؤلؤة الوطن العربي، التي تضاهي بازدهارها وتطور العمران فيها ونشاط الحركة الاقتصادية داخلها مدن العالم حداثة حينذاك..
وكان لهذه المدينة التي أكلتها تعليمات (بريجنيف) ميناء عالمي ضخم ومنشآت اقتصادية عملاقة كالمصافي وخدمات الهاتف والكهرباء وعلى أنقاض المستعمر الدخيل ورث الرفاق نظاماً مالياً وإدارياً متطوراً وجماهير صقلها النضال الوطني فغدت في طليعة قوى الوعي وكان بين يدي التجربة الماركسية صحافة حرة وحركة ثقافية نشطة ومؤسسات مجتمع مدني ومنظمات جماهيرية ونقابات عمالية ورأس مال وطني محترم..
ولأن الضد يظهر حسنه الضد على رأي الشعراء كذلك فإن المؤتمر الشعبي العام لم يكن ليبدو حسناً في رأي الشعب إلا متى قورن بالحزب الاشتراكي..
إن للإنصاف التذكير بمرارة الظروف التي تكون المؤتمر في ظلها.
عام 82م بلغ المؤتمر العشبي مرحلة المخاض واحتشدت مع ولادته كل تعقيدات الواقع بسيئاته وحسناته بإيجابياته وسلبياته، ولم تكن هذه الولادة مفعمة بالسعادة والانتشاء، ومن أين له ذلك والساحة التي يتحرك عليها موبوءة بالطاعون السياسي لقد كانت السهول ما تزال محاطة ببقايا أوكار العنف، فالوهاد تبكي قتلاها والمدرجات الزراعية متخمة بالمتفجرات..
ومن أين له أن يتنفس الصعداء وفي طريقه 12 مليون لغم ومئات الملايين من القذائف والبنادق التي لا ينظمها هدف ولا توحدها غاية غير تدمير الوطن تحت راية (جيفارا)..
لنقل على سبيل التعذر إن المؤتمر حكم الشطر الشمالي خلال ثمانية أعوام بمفرده ونلقي بالمسئولية على كاهله ونعفي كل الأطراف من أي تبعات حيال ما يؤخذ على المؤتمر..
إزاء ذلك، ما الذي يمكن استقراؤه ومن أي منطلق نبدأ في مماحكة المؤتمر وتصيد أخطائه..؟!
ما هي المكاسب التي بددها؟ ما هي التركة التي ورثها؟ ما هي القاعدة الاقتصادية التي تعامل معها..؟
وفي حقيقة الأمر أن المؤتمر تكون وفي مواجهته مآسٍ كثيرة تكفي لقتل أي تطلع، وتكفي كذلك لوأد أي تجربة متحفزة ذات طبيعة وطنية.. وباستثناء الثوابت العليا التي لم تسلم من الخيانات القوية باستثناء ذلك وجد المؤتمر نفسه أمام معترك صعب ومعركة شاملة مع الذات والتخلف معاً. ومثلاً فقد رحلت الإمامة- عام 1962م وليس في المحافظات الشمالية منجز واحد يمكن الاعتداد به. وتعاقبت أنظمة الحكم الجمهوري على مهمة الدفاع عن الثورة والتصدي لفلول المرتزقة وصد الهجمات المتواصلة التي بلغت أوجها بحصار السبعين وما تلاها من انتكاسات أبرزها تسلل الصف الملكي إلى مسار الثورة، وانتقال خصوم الجمهورية من حرب البندقية إلى مرحلة التغلغل الموجع في قلب نظام الحكم..
ويوم أعلن عن قيام المؤتمر لم تكن الدولة قادرة على بسط نفوذها إلى أقرب قرية خارج العاصمة ناهيك عن عجزها التام عن بسط نفوذ الدولة في محافظات مثل مأرب و صعدة و الجوف..
وفي غضون ثماني سنوات إذا بمنطقة كمأرب تخرج من عزلتها القديمة وتضخ النفط وتحضن سد مأرب وتتحول من قرية كئيبة وصحراء قاحلة وحزن غائر في دخائل التاريخ وطوايا الحضارة اليمنية الآفلة تتحول إلى واحدة من مناطق الخصب والثروة والعطاء..
حسب المؤتمر أنه إذا اعترف بخطأ معين بادر لإصلاحه أو عدل عنه وأنه لم يدمن سياسة جلد الذات وتبرير المساوئ ولم يعد بما لا يستطيع الوفاء به ولم يستخدم الشعارات للتغرير بأبناء الوطن وهو في أسوأ الحالات إذا لم ينفع لا يضر وإذا لم يبنِ فهو على الأقل ليس معاول هدم.
وبحسب المؤتمر أن صبره على المناوئين له من خارجه يفوق صبره على الذين اتعبوه من الداخل، وانخرطوا في عضويته وتبوأوا المراكز القيادية الرفيعة وبخلوا عليه بكلمة وداع تقال لجبر الخاطر..
وحين وصل المؤتمر إلى مرحلة الثقة بوجود مكاسب يمكن تعميم خيراتها عندها ذهب بإرادة وطنية جسورة تجاه إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وما برح يسدد الثمن باهظاً وسيظل يدفع المزيد من الفواتير لقاء تلك الخطوة التاريخية العظيمة.
والآن نسأل لماذا المؤتمر..؟! ذلك موضوعنا اللاحق لنعلم أي الفريقين أولى بالثقة وأجدر على تحمل المسئولية في المستقبل.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات