مواضيع اليوم

الآن بعد أن انطلق ورش الإصلاحات السياسية لا مناص من نخبة جديدة بأقاليمنا الجنوبية

إدريس ولد القابلة

2011-04-20 15:08:22

0

الآن بعد أن انطلق ورش الإصلاحات السياسية
لا مناص من نخبة جديدة بأقاليمنا الجنوبية


 

http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRNiJ9TbSoRC2KK2GV5lJkDngpRvb3PpchGj_c2OVlXJuA6UWUkSg

 

 

من الواضح للعيان، في كل مكان وزمان، أن مصير المجتمع مرتبط بنخبته وطلائعه وأهل الرأي فيه، وأن نخبة الأقاليم الجنوبية عموما أبانت عن اختلالها وضعفها وعجزها، مما ساهم في ضرب تماسك المجتمع المدني في تلك الأقاليم، بفعل أنها "نخبة" مفبركة في ظرفية تاريخية خاصة، وتتقاسم معها الدولة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بهذه الربوع.
إن الكثير من التساؤلات شغلت المتتبعين، وغى رأسها إشكالية صيرورة بروز وصناعة النخبة في الأقاليم الجنوبية، وكيف فُبركت؟ وما مدى مصداقيتها؟ وهل كانت في مستوى التحولات التي عرفتها المنطقة؟ وإلى أي حد أضحى من الضروري، بل من الحيوي، بروز نخبة جديدة قادرة على الانخراط بوعي ومصداقية ووطنية في ورش الإصلاحات السياسية، وكفيلة بأن تشكل نواة ما يسمى بـ "النخبة الجهوية"؟ سيما وأن المحللون أجمعوا على أن النخبة في الأقاليم الجنوبية لم تتمكن قط من امتلاك ولو قسطا من الرأسمال الرمزي والكاريزمية التي من شأنها ضمان قبولها سياسيا واجتماعيا وحتى تاريخيا ووطنيا.

لا مناص من نخبة جديدة

إن كل المؤشرات تفيد، أكثر من أي وقت مضى، بضرورة تجديد النخبة بالأقاليم الجنوبية حتى تتمكن من الخروج من الوضعية "المحنطة" التي أضحت عليها بفعل فشل النخبة المفبركة التي حملت معها مختلف شروط الفشل الدريع منذ ولادتها الأولى.
إن حاجة الأقاليم الجنوبية الفورية لنخبة جديدة أضحت شرط عين ووجود وضرورة تاريخية
ووطنية ووحدوية، وليس مجرد شرط تمكين الانخراط في ورش الإصلاحات السياسية المنتظرة. فالأقاليم الجنوبية تنتظر الآن على أحر من الجمر قادة سياسيين ومسؤولين وفاعلين مدركين كعنة المسؤولية ومقومات ما يخدم البلاد والعباد.
إن النخبة المرجوة نخبة من طينة مغايرة لطينة النخبة الحالية التي ترعرعت في كنف السلطة وظلت مرتبطة بها ارتباطا وثيقا، حتى في مجال الاقتصاد والأعمال الحرة. وهي النخبة التي ظلت ملامحها باهتة جدا ومشوهة اعتبارا لظروف ومسار بروزها.
بالمقابل هناك نخبة انبثقت خارج دوائر السلطة، تسعى اليوم إلى الانخراط في البنى الاجتماعية والسياسية من موقع الفاعل والمؤثر، رغم أن جهات ظلت تتصدى لها بجميع الطرق والتقارير المغلوطة بدلا من تشجيعها باعتبارها ثروة المستقبل ورجال الغد. وذلك لأن عناصر هذه النخبة- المكونة أساسا من الشباب الجامعي متألق في مجالاته- شقوا طريقهم بعيدا عن السلطة وعن الإطار القبلي والحسابات والمزايدات المرتبطة به.
ومن الطبيعي أن تكون هناك قطيعة بين النخبتين، إذ يرى الكثيرون أن النخبة "الرسمية " في الأقاليم الجنوبية بمت بفعل حماية السلطة في أفق إحكام قبضتها على المجتمع وخاصة إقبار بجميع الوسائل أية واجهة للغليان في المنطقة. بل ذهبوا إلى القول إن النخبة في الأقاليم الجنوبية طلت حريصة على الاستفادة من وضعيتها وماسكة بالنواجد على مكتسبات بقيت ولاتزال تلهث للاستحواذ على المزيد منها ولو بغير وجه حق وايتحقاق, هذا من جهة ومن جهة أخرى ظلت ضعيفة مرتهلة وعادزة كليا على التواصل والتفاعل مع المجتمع المحلي وفهم متطلبات كل مرحلة لتصريفها بما يخدم القضية الوطنية الأولى والمصالح العطمى للوطن، سيما على الصعيد التنموي، الصانع في واقع الأمر، لكل نجاعة سياسية وجدوى وفعالية مدنية. وهناك من يراها نخبة ظلت مفروضة لم تفرزها حركية المجتمع الفعلية، لكنها ظلت قابعة في مواقعها لأنها مقبولة من طرف الدوائر الرسمية ومدعمة من طرفها.

أقاليمنا الجنوبية في حاجة لتجديد نخبتها

إن مطلب تجديد النخبة بالأقاليم الجنوبية ليست حاجة عرضية ، وإنما ارتقت اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، إلى مستوى الضرورة القصوى، لضخ دماء جديدة في شرايين حياتنا السياسية عموما والحزبية خصوصا، والتي هرمت وأصبحت جزء رئيسيا في المشكل عوض أن تكون جزء من الحل. لكن الإشكالية تظل مرتبطة بصيغ ووسائل وسبل وإجراءات وثقافة ونهج تحقيق هذا المبتغى الذي هو محط اجتماع الفعاليات الحية بالأقاليم الجنوبية، لأنه، بكل بساطة، لكل زمن رجالاته وأطره ونخبه، وأنه للتاريخ ورمزيته دور في الحاضر، مثلما هو للحاضر وشبابه ونخبه من أدوار، هذا هو السبيل الأجدى و الأنجع .
كما أن البنية الديمغرافية الشابة لبلادنا عموما، وأقاليمنا الجنوبية على وجه الخصوص، يعتبر عاملا مساعدا بشكل كبير على التجديد المأمول، لكن شريطة أن تعمل شريحة الشباب الواسعة على الانخراط والمشاركة والاندماج لتتمكن تدريجيا من خلق التحول الديمغرافي داخل بنياتنا السياسية، ولتتبوأ مواقع المسؤولية والتدبير والتقرير بشكل طبيعي. لكن التجديد المتوخى ليس هو مجرد استبدال النخبة الحالية الهرمة بنخبة جديدة عاجزة، متواكلة بدعوى أنها محسوبة على الشباب. فالشبيبة المغربية كانت دائما في قلب تحولات المجتمع، على امتداد التاريخ الحديث للمغرب، ولن تستوي سيرورة الاطمئنان على الغد إلا باستعادة الشباب المغربي لهذا الدور المبني على استهداف تجديد الأداء، وزرع ثقافة المسؤولية والمواطنة والمشاركة، وخلق التراكم، وتفجير الطاقات الخلاقة الكامنة في المجتمع الشبابي.
إن تجديد النخب مطلب ثابت، إذا كان المراد هو التفاعل مع الواقع وتحدياته، والرغبة في التأثير فيه . والأمر أكثر إلحاحية اليوم نظرا للتطورات التي تعرفها بلادنا والقضايا الكبرى التي تشكل أولويات المرحلة الحالية وانبثاق جيل جديد، يتميز بطموحاته واهتماماته وحاجياته وإمكانياته.
فأقاليمنا الجنوبية تحتاج إلى نخبة جديدة لكن ليس بالأعمار فقط ولكن أيضا بالرؤى والمشاريع والعلاقات والخطابات وطرق العمل حتى تعيش زمانها حقا. لكن لا يعني ذلك تهميش القيادات التاريخية والنخب الحالية بل الاندماج والتفاعل بين النخب بما يسمح بخلق التوازن بين التجربة والخبرة من جهة والطموح من جهة أخرى، وبين التراكم التاريخي والتطلع المستقبلي، وذلك لضمان التجديد في إطارالاستقرار. ولن يتحقق تجديد النخب السياسية والاجتماعية إلا بديمقراطية حقيقية تضمن تميز الكفاءات النزيهة والانفتاح على الأطر الشابة واستيعابهم من خلال بنيات استقبال جديدة ومتنوعة. وقد يكون ذلك عبر المؤسسات الحزبية والهيآت الموازية و جمعيات المجتمع المدني وغيرها.
إننا في حاجة ماسة لحركة شبابية متعددة المجالات والتيارات في أقاليمنا الجنوبية تعمل في إطار من التنافس الشريف، وتقدم للوطن والأحزاب و المجتمع المدني رؤى جديدة وطاقات مبدعة. لكن لن يتأتى لها ذلك إلا بدعم من الدولة لتمكينها من وسائل العمل واستعمال الفضاءات العمومية والإعلام العمومي قصد التأطير والتواصل والتعبئة.
إذا كان هناك شبه إجماع على أن المشاركة السياسية للشباب ضرورية لتفعيل التغيير، فإن البعض يرى أن مشاركة الشباب السياسية في ظل أحزاب قديمة لن يؤدي إلى تغيير النخب السياسية ولا البرامج الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، بل أكثر من ذلك سيؤدي إلى الحفاظ على سيناريو البقاء والاستمرار بثوب جديد . وبالمقابل فإن التفكير في التغيير يبدأ بخلق قطيعة سياسية مع الماضي بكل سلبياته، أي بتأسيس أحزاب يحكمها الشباب، تسقل فيها مبادئ الديمقراطية عكس الأحزاب القديمة التي يستحيل خلق ديمقراطية حقيقية داخلها، ولجعلها نحس بهموم الشباب وتستحضرها في كل وقت وحين ، مما يجعلنا أقرب لمشاكلهم ومعاناتهم سواء في البطالة أو التعليم أو السكن وغيرها من المشاكل التي أضحت معضلات بفعل التراكمات وسوء التدبير والفساد.

 

النخبة التقليدية تعاكس التغيير لأنها تتخوف من سحب البساط من تحت أقدامها

إن المتتبع لميارتطور الشأن السياسي وتدبير الشأن العام الذي عرفته الأقاليم الجنوبية يلاحظ الإختلالات التي صاحبت طريقة إدماج مكونات المجتمع المحلي تأسست على علاقات انتهازية مع بعض الأشخاص وتمتيعهم بامتيازات، وفي المقابل تم تهميش الأطر والكفاءات الشابة من أبناء المنطقة وتشجيع احتكار بعض الأشخاص للثروات المحلية . وهذا ما أثر سلبيا على تدبير الشأن المحلي. لقد اعتمدت الدولة على النخبة القبلية التقليدية عوض الاعتماد على كافة فئات المجتمع على أسس وطنية وتاريخية والنظر إلي حل المشاكل من الداخل. وبهذا فقد عملت الدولة، من حيث يدري أو لا تدري، على اختزال المجتمع بالأقاليم الجنوبية في نخبة من خلال المعيار القبلي ، علما أن هذه النخبة لا تتوفر على برنامج سياسي يفيد الدولة والوطن سواء، ماعدا خطابات من شأنها لي ذراع الدولة والسلطة بغية ضمان لأنفسهم مواقع مهمة و الاستفادة من الامتيازات متجاهلين مصلحة الوطن و المواطن من خلال إشرافهم المباشر وغير المباشر على ملفات ساكنة المنطقة، وهدا ما ساهم في زاد اهتزاز صورة ومصداقية الدولة.
إذا كانت القبيلة عنصر من مكونات المجتمع الأقاليم الجنوبية، فإنه لم يعد من المقبول، في إطار دولة المؤسسات، اختيار من يسير الشأن العام ويدبر الحياة السياسية والاقتصادية انطلاقا من القبيلة وليس ل انطلاقا من الروح الوطنية والكفاءة والنزاهة، وهذا ما كرّس بقوة استمرار النخبة في الدوران في فلك القبلية.
وإذا كانت الدولة نجحت في تنمية الأقاليم الجنوبية لكنها فشلت في بناء الإنسان المؤمن بالوحدة الترابية الساعي للمساهمة في مسار تنميته وخدمة مصالحه العليا حتى تسد الأبواب أمام أي تلاعب أو مزايدة بخصوص القضية الوطنية الأولى مهما كانت الظروف.
إن الأقاليم الجنوبية تحتضن فعاليات وكفاءات شبابية وحدوية إلا أنها مازالت مهمشة من طرف النخبة التقليدية التي تتخوف من سحب البساط من تحت أقدامها، لذا ستظل هذه الأخيرة تعاكس أي تغيير بهذا الخصوص وبجميع الوسائل والطرق الممكنة.

 

واقع حال نخبة مهترئة

منذ بداية الصراع حول الصحراء ومرورا باتفاقية وقف إطلاق النار، اعتمد المغرب على إستراتيجيتين لتدبير ملف الصحراء، الأولى تكمن في تأسيس لشبكة علاقات من الأعيان مستغلا البنية القبلية للمنطقة الجنوبية، والثانية المقاربة الأمنية الضيقة والأحادية في التعاطي مع مختلف الملفات الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، فأفرز هذا المسار طبقة من الانتهازيين وأصحاب اقتصاد الريع، وخلق نوعا من الاحتقان الاجتماعي الغضب المستشري في صفوف فئات من الساكنة، لاسيما الشباب منهم، من جراء التهميش والإبعاد. وفي هذا المضمار بدأنا نسمع عن التمييز في التعامل مع "الساكنة الأصلية" و "العائدين من تندوف" أو المستفيدين من مشروع أشبال الحسن وإقصاء بعض القبائل... وظل الانتهازيون وبعض اللوبيات يستفيدون بوتيرة متسارعة من هذه الأخطاء وكبرت الهوة بين نخبة نقية تم تهميشها ، إلى أن طفت على السطح إشكالية مشروعية النخبة التي تعتمد عليها الدولة في الأقاليم الجنوبية وتمثيليتها لانتظارات وطموحات الساكنة. وبعد فوات الأوان وعى بعض المسؤولين بحقيقة صادمة تتمثل أساسا في الشباب والجيل الجديد الذي نزع المشروعية عن جيل القدامى من الشيوخ والأعيان وغيرها وندد باللوبيات التي أضحت تتحكم في مقاليد الأمور بالأقاليم الجنوبية. وفي ظل هذا المخاض والحراك الاجتماعي برزت مبادرة الحكم الذاتي كرؤية لحل المشكل. فبرزت من جديد، وهده المرة بقوة أكبر، فكان التساؤول من هي النخبة التي ممكن أن تضطلع بترجمة هذه الرؤية الجديدة على أرض الواقع. وبرز التساؤل : من هي هذه النخبة الجديدة؟ وما هي علاقتها بالدولة وبمكونات المجتمع المغربي؟
إن قضية النخبة هي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أولا وقبل كل شيء، قضية إرادة سياسية للانخراط في رهان المسار الذي اختار المغرب السير فيه، وتتحمل فيها الأحزاب المسؤولية الكبرى بعد الدولة، ثم تأتي بعد ذلك مسؤولية المواطن والمجتمع المدني التي لا تقل أهمية كذلك. وإشكالية النخبة بالأقاليم الجنوبية هي أبرز دليل على فشل نهج التدبير الداخلي لملف القضية الوطنية الأولى، بل شكل صدمة للكثير من المتتبعين.
في هذا الصدد سبق وأن أكد عبدالله حافيظي الباحث في الشؤون الصحراوية، أن الدولة اعتمدت مند منتصف السبعينيات على من لا تعرف السلطات حقيقة أفكارهم وميولاتهم وولاءاتهم ، وتم تشجيع القبلية مما أجج الصراعات بين القبائل الصحراوية وأحيى الضغائن. كما عملت الدولة على توزلع الغنائم على أساس قبلي ، وأسندت المسؤوليات في الأقليم والمجالس الجهوية والإقليمية والبلدية والقروية الحقيقية والوهمية ، حتى القواد والخلفان والشيوخ والمقدمين استنادا على أسس قبيلة ، وتم الاعتماد أيضا على الأميين والزعامات الكرطونية ، وتم تهميش المثقفين ورجال المستقبل، بدل تشجيع العنصر الصحراوي الوحدوي. وزاد الطين بلة مع تشجيع سياسة الريع التي ذرت على على المسؤولين منافع لا تعد ولا تحصى ... وقد تم تهجير عدد كبير من أبناء الأقاليم الجنوبية تحت مظلة أشبال الحسن الثاني ، لينتهي بهم المطاف كموظفين أشباح يغوصون في دنيا الرذيلة والموبقات إلا من رحم ربك ... وتمت إقامة مخيمات لآلاف المواطنين ننزوحوا من مناطقهم الأصلية تم إسكناهم في ظروف صعبة مند سنة 1991 لتصرف عليهم ميزانية ضخمة... وتم استقبال آلاف العائدين اتستفاد منهم من استفاد من مناصب عليا في الإدارات العمومية وترك اغلبهم موظفين أشباحا وتم إسكانهم ولا زالت الدولة تؤدي مبالغ هائلة لكراء هذه المنازل ... قلنا في وقته أن عودة الصحراويين لا تجدي شيئا ذا لم تكن عودة جماعية وتفكيك لمخيمات تيندوف ...وبرزت إشكالية العائدين الملثمين الذين شكلت عودتهم اكبر نقطة استفهام ، ولعب بعضهم دوراأساسيا في أحداث يوم الاثنين الأسود 8 نونر 2010 بالعيون.


هذه خليفة المشهد العام الذي أنتج النخبة في الأقاليم الجنوبية.


ويقرّ عبدالله حافيظي، بخصوص نخبة الإقاليم الجنوبية التي تم "تفقيسها" مند سنة 1975 ، أنه باستثناء بعض البرلمانيين والمستشارين الشباب الذين فرضهم التقسيم الانتخابي المخدوم الذي جعل من المنطقة أكبر خزان للبرلمانيين على امتداد تراب المملكة... تم تبني نخبة موروثة ، تمت تزكيتها في الانتخابات بطريقة فجة الشئ الذي قلص دور السلطة وبذلك تم بناء العلاقات مع ساكنة الأقاليم الجنوبية مند البداية على المراوغة والنفاق وسياسة العصا والجزرة... وصُرفت ملايير الدراهم بدون رقيب أو حسيب... نجحت الدولة في بناء المدن، لكنها فشلت فشلا دريعا في بناء إنسان وطني غيور ... وبذل أن نعلم الإنسان اصطياد سمكة ، منحنا بعضهم أسماكا كبيرة و للأكثرية بعض الفتات... ويضيف عبدالله حافيظي ... ومنذ الثمانينات و الدولة تحاول إطفاء نار أزمات المتوالية معتمدة مسكنات وترقيعات لا تقوى على استئصال الداء بقدرما تأجل الاحتجاج والانفجار لموعد لاحق. فكل المسؤولين المتعاقبين على دفة المسؤولية في الأقاليم الجنوبية سواء ظل همهم الوحيد هو قضاء فترتهم بسلام وغنم اكبر قدر ممكن من المنافع ... وأدت الأخطاء المتراكمة ساهمت النحبة المفبركة في احتداد رواسبها إلى أن تمظهرت في معاملات زرعت الحقد بين الدولة و عدد كبير من ساكنة الأقاليم الجنوبية ، وكذلك بين هؤلاء و"شليحات مولانا" على حد قول البعض ... إن الدولة كونت طيلة العقود الماضية نخبة غير متجانسة بعضها تشكل حاليا دولة داخل دولة ...


هذا غيض من فيض ما جنينا من النخبة المفبركة بالأقاليم الجنوبية.
في قضية الشباب

إن شباب الأقاليم الجنوبية لا يشكلون كتلة واحدة منسجمة بل العكس فهو متنوع الشوارب الانتماء و كذلك الالتزام ( جمعيات المجتمع المدني,شباب منتمي سياسيا أو نقابيا , شباب دون انتماء حزبي أو نقابي أو جمعوي , كفاءات مشتغلة وأخرى معطلة أو مهمشة)، مما يجعلنا أمام تحديا عنوانه كيفية تحفيز هذه الكتلة الشبابية، المتنوعة والمختلفة في إدراكها للمنفعة السياسية و مفهوم الالتزام المجتمعي ،على المشاركة و الانخراط في ورش التعديل الدستوري المعمق الذي دشنه خطاب التاسع من مارس، سيما وأنهم يبدون كأنهم ليسوا معنيين بالحركية التي يشهدها المغرب؟

لا يختلف اثنان أن المبادرة الإصلاحية التي تعرفها بلادنا حاليا وضعت ضمن حساباتها فئات الشباب التي ظلت لعقود على هامش المشاركة الفعلية في الحياة السياسية لا يمكن أن تنجح، فعلا وفعليا، دون المشاركة الفعلية لهذه الفئات ، ويبدو من شروط نجاحها وتكريسها على أرض الواقع عدم الاعتماد على أجيال احتكرت اللعبة السياسية لعقود من السنين وبنفس الشعارات النافقة التي عفا عنها الزمن. لهذا لا بد من أن تتغير العقليات والتصورات والاعتقادات لتساير المبادرة في طموحاتها. ومن هذه الزاوية تبدو تنظيماتنا السياسية والحزبية بالأقاليم الجنوبية متأخرة بمسافة سنوات ضوئية عن الفحوى المبتغى من المبادرة ، ويخشى الكثيرون أن يكون شكل هذه التنظيمات الحزبية السياسية من عوامل عرقلة تنزيل المبادرة الإصلاحية . وفي هذا المضمار يرى البعض ضرورة إعادة هيكلة تلك التنظيمات الهرمة لتتمكن من تمثيل إرادة الأجيال الشابة عوض محاولة ابتلاعها – وهو الأمر الذي لن ولم تفلح فيه – لأنها ، في أحسن الأحوال ، هي تنظيمات شائخة تكرس اغتيال العمل الحزبي بأقاليمنا الجنوبية التي هي الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى للتأطير السياسي النزيه والمُواطن. فلا مناص اليوم من مصالحة وطنية تقضي على الاستئصال التهميش والإبعاد الذي ظلت بعض العقليات تحتضنه لتدمر وحدة اللحمة الوطنية.
فهل يمكن خلق حركة شبابية فاعلة في المشهد السياسي بالأقاليم الجنوبية داعمة للمبادرة الملكية الرامية للإصلاح السياسي؟
اليوم، وإن كان المغرب، بالنظر إلى بنيته الديمغرافية الشابة وإلى ما تفاقم داخل هذه الشريحة من مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة، ملزم أكثر من أي وقت مضى بالالتفات لهمومها وتطلعاتها، وإن كان من اللازم أن يأخذ الشباب المواقع الضرورية للمساهمة في القرارات التي تخص شؤونهم وشؤون البلاد العامة، فإن هيمنة الأحزاب بشيوخها يجعل من هذا المسعى أمرا مستعصيا،خصوصا وأنه لا يمكن أن نتصور عمل المنظمات الشبابية المتصلة بالمجال السياسي، إلا من خلال أحزاب خلقتها بجانبها كامتداد فرعي قد يؤدي أدوارا، وإن اختلفت نسبيا من منظمة إلى أخرى، فإنها لا تخرج عن الإطار العام الذي تقرره هذه الأحزاب في سياق مسيرتها، وفق المساعي العامة التي ترسمها.
فهل يمكن أن نتصور حركة شبابية بأقاليمنا الجنوبية قادرة على التأثير في الحياة السياسية؟ أم أن هؤلاء الشباب أضحى مهمشا ومقصيا، منهم من انغمس في اللامبالاة بالشأن السياسي والشأن العام ومنهم من ارتمى في أحضان الأفكار المناوئة مادام لم يجدوا مكانا مريحا تحت شمس وطنهم من جراء تهج التدبير السائد وبفعل فساد بعض القائمين على الأمور وبعض اللوبيات وذوي النفود؟ وهل لهؤلاء الشباب من الوعي السياسي و الجرأة ما يكفي للمطالبة بمواقع قيادية داخل الأحزاب وفي المشاركة السياسية والمساهمة في تدبير الشأن العام المحلي؟ وهل للشباب موقع في مطلب تجديد النخبة السياسية ؟ أم هذا التجديد قد لا يعني بالضرورة الشباب وقد يكون مرادفه تبادل أدوار ضمن سلسلة من المصالح المتبادلة؟
هذه أسئلة من بين أخرى ترهق الكثير من متتبعي الشأن السياسي والشأن العام بأقاليمنا الجنوبية.
لن نضيف جديدا بالقول إن السبيل لإدماج الشباب في الحقل السياسي هو إعادة المصداقية للعمل السياسي، لكن كيف؟ و ما هي الجهة الكفيلة بالعمل لبلوغ هذا المبتغى؟ وما هي الآليات الواجب اعتمادها والإجراءات الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الغاية؟
ولن نضيف جديدا بالقول إن المنظمات والتنظيمات الشبابية تعتبر مدارس، تلقن فيها للشباب مبادئ العمل السياسي من خلال تأطيرهم على الممارسة الديمقراطية ودولة الحق والقانون وحقوق الإنسان والمواطنة وحب الوطن وخدمة مصالحه العليا والتضحية من أجله والافتخار بالانتماء إليه. لكن التنطيمات الحزبية والهيئات الشبابية بأقاليمنا الجنوبية
تشكل فعلا فضاءات يعبر من خلالها الشباب على همومهم وتطلعاتهم وعرض مشاكلهم؟ وحتى إن كانت كذلك هل هناك فعلا عناية واهتمام فعلي بتلك الهموم و المشاكل سعيا لايجاد حلول مناسبة لها؟
ولن نضيف جديدا بالقول إن شباب اليوم هم رجال الغد، لكن هل المهمشين والمقصيين وغير المشاركين في اللعبة السياسية و المبعدين من آليات ودواليب صناعة القرارات المحلية التي الساكنة والمنطقة كفيلين بأن يشكلوا رجال الغد كما تستوجبها هذه المقولة المأثورة؟ هذا هو السؤال.
لن نضيف جديدا بالقول إن المشاركة في الحياة السياسية هو السبيل الوحيد لربح رهان التنمية المستدامة بأقاليمنا الجنوبية و المساهمة في إطار تجربة البناء الديمقراطي التي تعرفها بلادنا لكي يكون الشباب شريكا استراتيجيا فعليا في مسلسل التنمية. لكن كيف يتأتى هذا والأغلبية الساحقة لشبابنا يتموقع بعيدا عن دائرة هذه المشاركة، ولربما بعضهم مناوئ لها؟ والحالة هذه، يبدو أن السبيل الأجدى هو أن تصبح مسألة مشاركة الشباب في الحياة السياسية أمرا عاديا، لذا وجب أولا النظر في الأسباب التي تحول دون تحقيق هكذا مشاركة، وأغلبها تحيلنا على نهج التدبير والتسيير وعض الطرف بأقاليمنا الجنوبية في شتى المجالات.
إن السبيل الحقيقي لإدماج الشباب في الحقل السياسي هو إعادة المصداقية للعمل السياسي أولا من طرف الأحزاب السياسية، لأنه ترسخ لدى الشباب الفكرة السائدة القائلة بأن السياسة مرادف لتحقيق المصلحة الشخصية.

هل حان الوقت لإحداث المجلس الاستشاري للشباب؟

بفعل الأوضاع التي أضحى الشباب يعيشونها، وبالنظر للتبعات – التي من شأنها أن تكون غير محمودة وربما خطيرة – لاستمرارها، يرى البعض أنه حان الوقت لإحداث المجلس الاستشاري للشباب كإطار مرجعي لمعالجة قضايا الشباب من أجل بلورة خطاب شبابي حقيقي، يرتكز على مقاربة شاملة توفق بين السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي بشكل يعيد الثقة للشباب ويسهل إدماج تصوراتهم وانتظاراتهم ومطالبهم في مختلف السياسات المعتمدة .



اسماعيل الهموني باحث من أبناء الأقاليم الجنوبية
نحن اليوم في حاجة لقادة المرحلة والرهان


 

إن الخطاب الملكي الأخير يستوجب حضور رجال أكفاء على الصعيد الوطني ككل، ومن ضمن ما يمكن أن يكون حاضرا رجال أتقياء أسخياء بالأقاليم الجنوبية، رجال لهم مواصفة المواطنة الصادقة والنبيلة، ولهم الشعور الوطني القوي، ويتوفرون على الكفاءة المهنية والكفاءة العلمية، ليصبحوا قادة المرحلة وقادة الرهان. إذا توفر رجال من هذه الطينة لا في المغرب ككل ولا في الأقاليم الجنوبية كجزء، يمكن أن نعتبر من الآن أننا قد بدأنا في ترجمة تطبيقية للخطاب الملكي السامي.


هل هناك شروط لحدوث حركة شبابية فاعلة في المشهد السياسي بالأقاليم الجنوبية في نطاق المبادرة الملكية الرامية لإصلاح السياسي؟
يمكن أن تكون هناك حركية شبابية في الأقاليم الجنوبية لعدة اعتبارات . أولا لأن هذه المناطق تنتظر منذ مدة مثل هذا الحراك الإيجابي ، وليس معنى هذا أن هذه المنطقة مصيدة لكل السلبيات في الحراك السياسي، بل على العكس من ذلك، إن الأقاليم الجنوبية في أمس الحاجة لأن أن تكون هناك حركية سياسية إيجابية تعتني ،أول ما تعتني به، بالعنصر البشري في إطار التصور الفلسفي الملكي، لأن هذا التصور منذ بداية عهد جلالة الملك محمد السادس ركزت على العنصر البشري أكثر مما ركزت على بعض المتغيرات غير الثابتة. وهذا أمر مهم إذا علمنا أنه في الخطرات الأساسية لكل بناء دولتي يقوم على هذا المنظور، و الأقاليم الجنوبية ليست مستثناة من أي تطور حركي سياسي سواء في المغرب أو في المنطقة العربية المغربية عامة.
وثانيا لأن الأقاليم الجنوبية هي أصلا ، التنزيلات التي وقعت فيها في أواسط السبعينات والثمانينات والتسعينات، كانت تنزيلات سياسية لكنها لم تكن تتقصد الغاية الكبرى من أدل إيجاد كائن سياسي إيجابي في المنطقة، ومن ثمة حان الوقت والرهان من أجل إصلاح مثل هذه الأعطاب. وبالتالي كل حركة شبابية إيجابية تسعى إلى تسوية الأعطاب الناتئة على المستوى السياسي السابق، هي حركة مطلوبة وإيجابية. إلا أنه ينبغي التنبيه على أنه وجب التنبيه إلى عدم توظيف مثل هذه الحركات الشبابية في حملات عدائية مغرضة ضد
الدولة المغربية باعتبار أن المنطقة غليانا اجتماعيا ، كما أنه لا يصح على الإطلاق الركوب عليها بأي حال من الأحوال ضد المشروع الوطني. ومن هنا، كل نزعة من هذا القبيل وجب التخلص منها بواسطة كل أنواع التخلص.

يبدو أن ساكنة أقاليمنا الجنوبية كأنهم غير معنيين بحركية التغيير والإصلاح الذي يدعو إليه الحراك الاجتماعي في باقي ربوع المملكة،كيف يمكن تفسير ذلك؟
قد يكون هذا القول حكما مسبقا، و أي حكم من هذا القبيل وجب أن ينبني على معطيات أكيدة ومحقق منها، لكن الملاحظ إذا سرنا على درب هذا الطرح ، أن هناك عزوف سياسي عن مواكبة الإصلاحات التجديدية ، وذلك لعدة اعتبارات ، من أهمها غياب ثقة بين المواطنين في أقاليمنا الجنوبية والمشاريع السياسية المطروحة من طرف الجهات الرسمية، وكذلك اختلاف التصورات الطي مرده يقوم على الاحتياط أو التحوط النفسي والسكولوجي مخافة السقوط في الخديعة السياسية. وإذا استحضرنا مثل هذه المعطيات ، يبدو أن المشهد السياسي في الأقاليم الجنوبية مطبوع بعزوف سياسي عن كل توجه جركي جديد، لكن وراء هكذا واقع حال ما وراءه، لأن المنطقة تتفاعل بغليان سياسي عميق قد لا يكون ملحوظا، وإذا ما تم الاهتداء للمداخل الأساسية لتفعيل هذا الحراك السياسي ستكون الأقاليم الجنوبية المرشحة أولا قبل غيرها لتكون فيها حركية سياسية إيجابية من النوع المسؤول والجاد.


هل تداعيات وانعكاسات حركة 20 فبراير من شأنها أن تشكل خطرا بأقاليمنا الجنوبية؟

أطن العكس، إن حركة 20 فبراير في المناطق الجنوبية، واد نون والساقية الحمراء وواد الذهب، ينبغي أن تكون أولا لإزالة الخوف، لإعطاء الصوت الشبابي الحضور الواجب والأكيد في الساحة، وذلك حتى نقضي على كل التراهات السياسية التي توظف فكرة أن هناك قمعا يستهدف الساكنة لاستخدامهم ضد القضية الوطنية. فينبغي أن تكون هناك مواكبة ، وعلى الأحزاب السياسية أيضا ومشاريعها أن ترعى مثل هذه الحركات الشبابية ويفتح لها المجال لكي تنمو بشكل طبيعي في نظري خير من أن تنمو نموا معوجا في اتجاه لن يكون في صالح المنطقة ولا في صالح المواطن .

إن طريقة تعاطي قوات الأمن مع الاحتجاجات الاجتماعية مازالت مطبوعة بالهاجس الأمني والمقاربة الأمنية المحضة،هل من شأن مثل هذه التصرفات النيل من الثقة في المبادرة الملكية الخاصة بالإصلاح السياسي؟
يبدو أن ساعة توقيت عقلية الأجهزة الأمنية ساعة متأخرة عن المبادرة الملكية وسرعة سيرها. ويلاحظ أنه كلما تقدم رهان المؤسسة الملكية في مشاريعها التي قد تصل أحيانا الغاية القصوى في التعديل والتغيير، كلما تباطأت وتخلفت الأجهزة الأمنية في المسايرة، عقلية وممارسة. وهذه مفارقة غريبة جدا بين طبيعة الرهان الأمني وطبيعة الروح الاستباقية للخطاب الملكي الأخير لـ 9 مارس، والذي يعتبر فتحا جديدا للمقاربة السياسية لمختلف مشاكل المغرب عموما، وليس فقط لمشاكل الأقاليم الجنوبية. كما أن هذا الخطاب يعتبر استباقا لكل ما قد سيحدث بالمنطقة، وبهذا أعتبر نموذجا إصلاحيا وتغييريا في المنطقة العربية ككل يُحتدى. وبالتاي وجب فك هذا اللغز على الساحة، إنه إحدى الأعطاب الوجب معالجتها، وإن لم يتم ذلك بشكل عقلاني يتوازى والمشروع الملكي فقد يؤدي إلى التشكيك بهكذا مبادرة والذي تحدثت عنه سابقا. نلاحظ أن قوة الخطاب الملكي، كانت إحائية ومبادرة تداوزت آفاق الأحزاب السياسية. في حين أن ترجمتها وتطبيقها على أرض الواقع يتطلب تعديل الرهان الأمني إلى رهان مُواطني، بحيث يترجم السقف الحقيقي لفحوى المبادرة الملكية. فهناك تقاطع بين الرهان الملكي والمستوى التطبيقي وهذا أمر وجب الانتباه إليه لعدم معاكسة مضمون المبادرة الملكية وممبتغاها.


هل هذه المبادرة تستوجب نخبة جديدة بالأقاليم الجنوبية تضطلع بالمسؤولية في مختلف المجالات لتحقيق المبتغى من المبادرة الملكية الرامية إلى الإصلاح السياسي؟ وما هي المواصفات الواجب توفرها في النخبة التي ستترجم الاصلاحات على أرض الواقع بأقاليمنا الجنوبية؟
أولا إن الخطاب الملكي الأخير يستوجب حضور رجال أكفاء على الصعيد الوطني ككل، ومن ضمن ما يمكن أن يكون حاضرا رجال أتقياء أسخياء بالأقاليم الجنوبية، رجال لهم مواصفة المواطنة الصادقة والنبيلة، ولهم الشعور الوطني القوي، ويتوفرون على الكفاءة المهنية والكفاءة العلمية، ليصبحوا قادة المرحلة وقادة الرهان. إذا توفر رجال من هذه الطينة لا في المغرب ككل ولا في الأقاليم الجنوبية كجزء، يمكن أن نعتبر من الآن أننا قد بدأنا في ترجمة تطبيقية للخطاب الملكي السامي. بل أكثر من هذا، إذ سنكون قد أعطينا الانطلاقة الصحيحة الكفيلة بتجنيب المغرب كل المنزلقات، ومنها تلك التي عربتها جملة من البلدان العربية.


لكن هل هناك خصوصية ما بالنسبة للأقاليم الجنوبية؟
أولا إن مسار النخبة في الأقاليم الجنوبية لا يخرج عن إطارين، الإطار القبلي والإطار المخزني. هذان الإطاران شكلا دوما رافدين أساسيين لحضور مثل هذه النخب، وتبين لاحقا أن الإطار العام الذي شكل معين النخبة أضحى متجاوزا، وينبغي الآن إما تجاوزه بالمرة وبلا رجعة، أو تحيين هذا المعين، وذلك بالبحث عن عناصر القوة التي يمكن أن تستمر بهما نحو الأفق الإيجابي . فهذه النخب، سواء من الأعيان أو من الشيوخ أو من القبيلة، تبث أنها لا تستطيع مواكبة الخطط الحداثية للدولة في الظرفية الراهنة ، في حين أن هناك نخبأ أخرى ظلت مهمشة، رغم أنها نخب شابة ذات تكوين عال وتتوفر على قدرات تسمح لها بالمساهمة في مسار التطور ، إلا أنها ما زالت تعيش في الظل، بل يُحرم عليها الحضور السياسي لعدة اعتبارات. ثم يُلاحظ، أن الممارسة السياسية في الأقاليم الجنوبية، منحت للنخب التقليدية الحضور لاعتبارين اثنين، تاريخي قبلي و اعتبار الاغتناء المالي والاقتصادي، في حين أن النحب السياسية الشبابية ذات الطموح القوي محرومة من الحضور المالي والاقتصادي. كما أن زواجها بالجانب القبلي بدأ يتقلص كثيرا ، ومن ثمة ينبغي إعادة النظر في طبيعة النخب بالأقاليم الجنوبية حتى يصبح سياقها سياقا تمدينيا و حضاريا وحداثيا لتكون رهانا على القيادة. وفعلا يُعقد عليها الأمل كثيرا بأن تكون تخبا سياسية ذات وعي حاد تمتلك الإرادة والقوة السياسية لتدبير الشأن العام بشكل إيجابي وعقلاني.
هل الأحزاب كما هي عليه الآن كفيلة بإنتاج هذه النخبة الجديدة ،أم نحن في حاجة لأحزاب جديدة؟ هل النخبة الحالية الموجودة بالأقاليم الجنوبية في مقدورها ترجمة هذا الخطاب أم انها أصبحت عاجزة على ذلك؟
إن المشهد الحزبي بالأقاليم الجنوبية مشهد باهت جدا. وبما أنها لم تستطع التعمق والتجدر داخل البنية الذهنية الصحراوية ، ظلت مجرد كائنات للتزيين والديكور ليس إلا ولم تستطع أن تعطي حضورا لمفهوم المواطنة القائم على المفهوم المؤسساتي. هذا الأمر لم يحدث بالأقاليم الجنوبية. إنما حدث هو أن القبيلة استوعبت النمط السياسي الحزبي، ووظفت القبيلة بأعيانها ورموزها المظلة السياسية الحزبية. وبذلك بقيت الأحزاب السياسية بالأقاليم الجنوبية مجرد فقاقيع وتلاوين لا تظهر إلا في المناسبات الانتخابية. وبالتالي لا تستطيع الأحزاب أن تكون مشروعا حاضنا لكل تطلعات الساكنة ، وهي عاجزة أن تكون فاعلا من داخل النسق الثقافي الصحراوي.


عبد الرحيم بوعيدة أستاذ بكلية الحقوق مراكش، من أبناء الأقاليم الجنوبية
لن ينجح أي مشروع في الصحراء مهما كانت أهميته دون وجود مناخ ديمقراطي

 


يرى الدكتور عبد الرحيم بوعيدة أن المغرب اتخذ مبادرات عديدة من أجل التحديث والدمقرطة، لكنه في المقابل – أي المغرب- لم يعمل على دمقرطة البيئة الصحراوية، حيث ظلت هذه الأخيرة رهينة ثقافة الريع والنخب المصنوعة، بينما ظلت النخب المثقفة تعاني التهميش والإقصاء. ويعتبر الدكتور بوعيدة ان أي مشروع إصلاحي لن ينجح في الأقاليم الجنوبية دون وجود مناخ دمقراطي يستوعب كل الطاقات دون إقصاء.

هل الخطاب الملكي الأخير يستوجب نخبة جديدة بالأقاليم الجنوبية لترجمته على أرض الواقع؟
منذ مدة طويلة و هذا السؤال يطرح بحدة عقب كل مبادرة تقدم للأقاليم الصحراوية، فإذا كان المغرب قد تحدث عن الحكم الذاتي أو الجهوية المتقدمة باعتبارهما مشروعين حداثيين ديمقرطيين فإنه لم يعمل منذ بداية الحديث عن هذه المشاريع على دمقرطة البيئة الصحراوية فهناك تناقض صارخ بين مشروع يقدم نفسه باعتباره حداثيا و ديمقراطيا و بين بيئة صحراوية تقليدية غير ديمقراطية تسود فيها ثقافة و قيم الريع و تحتل فيها النخب التقليدية التي صنعها المغرب مكانة الصدارة على كل الواجهات البلدية الإقليمية البرلمانية و الجهوية ، و تعاني فيها النخب المثقفة من التهميش و الإقصاء في ظل سيادة لغة المال و تحالف السلطة. الخطاب الملكي يستوجب روحا جديدة و قيما و سلوكات تتماشى مع ما يحدث من متغيرات في العالم العربي، لأن تعديل القوانين و دسترتها هم جزء فقط من إصلاح منظومة قانونية قد لا تنجح بنفس العقليات التي لازالت متحكمة في المغرب فالإشكال الحقيقي هو وجود نخبة سياسية فاسدة تقاوم دعوات التغيير أو تنخرط فيها تملقا لكل خطاب ملكي لا تقوى هذه النخب على قراءته أو حتى مساءلته، فالتغيير الآن لا يعني فقط الدستور أو القوانين لأنها كانت موجودة لكن غياب الإرادة السياسية و ضعف الأحزاب و الحكومة و البرلمان و ظهور الشخصانية داخل الدولة هو العائق الأساسي نحو بناء دولة الحق و القانون.
الذين يحكمون الآن المغرب إما يساريين أو انفصاليين إنها معادلة مقلوبة تدفع في اتجاه تبني توجهات غير منسجمة مع المصلحة العليا خصوصا على مستوى الصحراء التي لا تقدم فيها كنماذج إلا أصوات الانفصال و الأمثلة أمامنا كثيرة في كل المؤسسات التي تم إنشاؤها أو سيتم إنشاؤها مستقبلا، لأن المغرب يجب أن يتسع لكل مكوناته سواء كانت إسلاموية أو وحدوية أو أمازيغية، يجب أن لا يكون الإغراء لوصول المناصب أو المؤسسات هو خط الانفصال في الصحراء أو خط اليسار الذي يزين به البعض واجهات أحزابه و مؤسساته في المغرب.

هل النخبة الحالية الموجودة بالأقاليم الجنوبية في مقدورها ترجمة هذا الخطاب أم أنها أصبحت عاجزة وفقدت بريقها؟

لا أفهم عن أي نخبة نتحدث في الأقاليم الصحراوية لأن هذا المفهوم له دلالته العلمية التي تستعصي على التحديد، في الصحراء هناك أعيان و زعامات صنعها المغرب، منها من خرج من عباءته و منها من دخل من عباءة الانفصال و في كلا الحالتين هناك استحواذ على كل مصادر الثروة و المجالس التي أكثر منها المغرب ليصنع كائنات انتخابية تبحث عن مصلحتها من خلال قنوات المجالس التي تمثلها و قد نجح المغرب في فصل هذه الكائنات عن محيطها الصحراوي في حين ظلت الساكنة الصحراوية الحقيقية تعاني التهميش و الفقر في ظل حديث عن ميزانيات استثمرها المغرب في الإقليم كان من نتائج غياب ترجمتها على أرض الواقع مخيم اكديم إزيك الذي فضح المغرب و فضح معه المسؤولين عن الشأن المحلي و الانتخابي داخل الصحراء و لم يجد في نخبه و أعيانه التي صنعها من يستطيع أن يجنبه كارثة ما وقع .
لن ينجح أي مشروع في الصحراء مهما كانت أهميته دون وجود مناخ ديمقراطي يسمح لطاقات هذه المنطقة بولوج مجالسها دون وسيط مالي لا يتوفر عليه إلا النخب التي صنعها المغرب و التي عليه أن يعول عليها أيضا في تسيير ما سيقدمه للإقليم من مبادرات مستقبلا لأن التغيير غير وارد في أجندة الدولة في الوقت الحالي مهما تعددت الخطابات و التصريحات .

 

ما هي المواصفات الواجب توفرها في النخبة التي ستترجم الإصلاحات على أرض الواقع بأقاليمنا الجنوبية؟
لسنا هنا بصدد تشخيص المواصفات لأن الأمر ليس بهذه الدرجة من التعقيد، السؤال الذي يطرح من يصنع النخب داخل الصحراء ؟ في الماضي تحملت الدولة هذه المسؤولية و لازالت، و الآن هناك فاعل جديد يصنع هذه النخب و يقدمها لكل المناصب و بالتالي سيكون الإقصاء من نصيب من لا يدينون بالولاء للدولة أو لهذا الفاعل، النخب الجديدة في الصحراء موجودة و لها قدراتها العلمية و لكن مشكلتها أنها غير مؤمنة بقوة الأحزاب داخل الصحراء و لا بنظافة المجتمع المدني الذي في جزء كبير منه من صنع الولاة و العمال، هناك خلط كبير في الصحراء للأمور فبدل أن يشتغل المغرب على سياسة واضحة داخل الإقليم تعتمد على التنمية و بناء استراتجيات مستقبلية حول الصحراء إلى صحراء للسياسة لا شغل لسكانها إلا الحديث عن البقع و البطاقات و عن من سيعين هنا و من سيعين هناك، بعض النخب الآن في الصحراء تحولت من الاشتغال على مستوى الأحزاب أو الجمعيات إلى إعادة بناء قوة القبيلة وهذا ما يلاحظ مؤخرا من تحركات شبابية للعديد من القبائل لشعورها أن المغرب يتعامل في الصحراء مع مكون قبلي واحد سواء داخل الإقليم المتنازع عليه أو على مستوى المفاوضات خارجيا و هو وضع غير صحي لا يساعد على بناء مجتمع المؤسسات في صحراء لازلنا لا ندري إلى الآن من يدير ملفها بشكل حقيقي ،أما سؤال النخب و مدى قدرتها على تطبيق الإصلاحات فإننا نوجه بدورنا إلى المغرب و إلى مسؤوليه الذين يدركون جيدا كيفية البحث عن النخب و صناعتها مع العلم أن جزء كبير من المسؤولية يقع على النخب الصحراوية المثقفة نفسها التي تركت الآخرين يتحدثون باسمها و يقررون نيابة عنها في موضوع يتعلق بها قبل الآخرين ، و في النهاية عندما ستدرك هذه النخب أن المغرب غير قادر على بلورة خطاباته على أرض الواقع سوف تتحول عنه في اتجاهات أخرى يجب قراءة تداعياتها من الآن لأن الذي يغير في العالم العربي حاليا هو الشباب الذي أخرجه الإقصاء و التهميش عن صمته ليتمرد على نظم غير ديمقراطية نقتسم معها العديد من أوجه الفساد و غياب دولة المؤسسات بالإضافة طبعا إلى نزاع دولي لازالت أوراقه يتفاوض عليها خارج حدود المغرب .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات