مواضيع اليوم

الآخرون وبناء الديمقراطية 1

د.هايل نصر

2010-07-14 17:16:11

0

قد يفهم من كلمة "الاخرين" , حسب الاستعمالات الدارجة, اولئك الذين لا يشبهوننا, ويختلفون عنا, ويكيدون لنا, او يعادوننا , كونهم ليسوا منا ولا يتطابقون معنا فيزيائيا او فكريا وعقائديا. كيانهم يعارض كياننا ووجودهم يكون على حساب وجودنا. فهم اخرون وعلينا الحذر الدائم منهم.
وعليه فكثيرا ما تجري شيطنة هؤلاء الآخرين ووضع كل العيوب فيهم, وكل ما نكره, ونقف منهم ومن تحديهم لنا موقف العداء والخوف. عليهم وحدهم نسقط كل عقدنا و تقصيرنا او فشلنا, تبريرا للذات وتجنبا لمساءلتها.
ولكن الواقع وضرورات الحياة تقتضي أحيانا غير ذلك بفرضها قبولنا لهم والتقارب معهم الى درجة الاتفاق والتنسيق, والتعاون, والصداقة, وأحينا المحبة, والتحالف, والعيش المشترك الآمن. والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ومنجزاتهم وعلومهم.
درجات قبول الاخرين, بصفتهم تلك, وتنظيم حياة طبيعية وامنة معهم ومع افكارهم وعقائدهم واحتياجاتهم تتبع درجات الوعي والحضارة والثقافة. فتاريخ البشرية حافل بالأمثلة على التسامح والتقارب بأنواعه وما انتجه وينتجه من مزايا وفوائد مشتركة. والتباعد والكراهية وما أنتجته وتنتجه من ازمات وتوتر وحروب دامية ومدمرة.
أما الاخرون في المفهوم الديني المتطرف فهم ليس اعداؤنا فقط وانما اعداء الله بالدرجة الاولى, من الكفرة بدينه, وعلينا الجهاد في سبيل الله لإدخالهم رضاء أو عنوة في دينه الحنيف ـ حتى ولو كانوا من ديننا ولكن يختلفون معنا بمعاني العقيدة, وبطرق العبادة والتعبد والتفاصيل الدقيقة التي اعلمنا بها الله واطلعنا عليها, وغيّابها عن غيرنا, أو أعماهم عنها, وتركهم دون بصر او بصيرة وبعقول ضالة وانفس بهيمية, وفرض علينا فرض عين ملاحقتهم لإدخالهم الفئة الناجية (التي تعتقد كل فئة انها هي هي) ـ و لانزال حكم الله فيهم ان امتنعوا وتجبروا ولم يعودوا عن ظلالهم. وإلى ان نستطيع دائما فعل ذلك, والله لا يكلف نفسا الا وسعها, علينا اتباع النفاق المبرر والتقية والتظاهر بالتسامح ليس لدوافع فيها نوع من الانسانية أو الرأفة بالآخرين, وانما تربصا بهم وتحينا للفرص.
وبكلمة, العقائد الدينية المتطرفة لا تقبل بالآخر, تزدريه, وترفض الحوار الصادق معه, كما تحاول استأصله كلما استطاعت. تجاريها في ذلك العقائد القومية الشوفينية والافكار المتطرفة العنصرية , وان اختلفت الاسباب. فرفض الاخر ورفض سياسة التعايش الصادق معه , والكراهية, والتعالي, والاعتقاد بالاختيار والاصطفاء الديني أو العرقي, مفاهيم تجمع بين أصحاب هذه العقائد.
وليس هنا مكان عرض او تحليل كل ما يعنيه الاخر في المفاهيم المتعددة, سواء اكان فردا او مجموعة افراد, او قبيلة او عشيرة او طائفة, او دولة, سواء أكان في مجتمعاتنا أو خارجها, فهذا ليس مجالنا ولا ندعي العلم فيه, ولا هو هدف هذه السطور.
الاخرون في موضوعنا هذا هم الاوروبيون. والتجارب المقصودة هي تجاربهم. والديمقراطية تلك التي انتجتها افكارهم وتجاربهم عبر القرون, واخذت نماذجها الحسية الحالية.
فبعد ان انتشرت موجة الديمقراطيات الليبرالية لتعم جميع القارة الاوروبية تقريبا, بعد انهيار المعسكر الاشتراكي, وبعد ان اصبح الاتحاد الاوروبي مركز جذب لدول ما كان يُعرف بالديمقراطيات الشعبية او الاشتراكية, رأت هذه الاخيرة في الديمقراطية الليبرالية مخرجا لها من ازماتها التي عاشتها تحت انظمة اعتبرتها المسؤولة عن كل تلك الازمات, وفي الوقت نفسه مدخلا للاتحاد الاوروبي الذي قد يكون الامل في تطور يدخلها دائرة النمو والازدهار الذي حلمت به.
لم يفرض الاتحاد, او اية دولة من دوله العريقة في الديمقراطية الليبرالية, نموذجا اوروبيا على اعضائه. فالأنظمة الديمقراطية القديمة بقيت على نماذجها, تعدلها وتطورها بمقتضى المتغيرات الداخلية والخارجية. والدول القادمة حديثا الى الديمقراطية الليبرالية من اوروبا الشرقية والوسطى, لم تختر اي نموذج كامل من النماذج القائمة لتتبناه بعينه. كما لم تُفرض عليها عقائد معينة, مثلما كان الحال عليه عندما كانت تشكل معسكرا قائما بذاته ومعاد لليبرالية. يحدوها الامل بأن تلد فيها نماذج جديدة تتلاءم مع خصائصها, تسندها في ذلك تجاربها وخبراتها التي مازالت في طور البداية في هذا المجال. واكتفى الاتحاد بفرض معايير اساسية على اعضائه, منها واجب احترام الفكر الديمقراطي واعتماد الديمقراطية كنظام سياسي. و احترام الحريات العامة والفردية, وحقوق الانسان ..
وعليه نرى من المفيد التعرض السريع لنماذج من الديمقراطية الاوربية. 3 نماذج عريقة : النموذج البريطاني. النموذج الفرنسي. والنموذج الالماني. و 3 نماذج حديثة من الدول الداخلة حديثا الى الديمقراطية الليبرالية, التي قامت على انقاض ما عُرف بالديمقراطية الشعبية, او الاشتراكية. في رومانيا, بولونيا وجمهورية التشيك. وذلك في مقالات متتابعة ضمن ما تسمح به مساحات الانترنت, وصبر القارئ.
التعرض المذكور سيقتصر فقط على الاشارة للعلاقات بين السلطة التنفيذية والتشريعية, والانظمة الحزبية, ومشاركة الافراد في الحياة السياسية. مع ان كل جانب من هذه الجوانب يستحق مؤلفا او عدة مؤلفات. ولكن لو اقتصر الامر على المؤلفات لما وصلت الافكار الرئيسة سريعا للعدد الكبير من القراء, و لبقيت في المؤلفات التي لا تعرف الا الرفوف مستقرا و مكانا طبيعيا لها. فقليلة منها تلك التي تُقرأ من الغلاف للغلاف, وليس دائما جوهري فيها كل ما بين الغلاف والغلاف.
ومن هنا كان الشكر الاول للأنترنت التي تصل الى كل مهتم بمثل هذه المواضيع المعروضة بوضوح وببساطة ودون تعقيد وبلغة يفهما الجميع.
والشكر لكل كاتب يستطيع التطرق لمواضيع كبيرة وهامة ومعقدة بوسائل واساليب بسيطة وسهلة, دون ان ينتقص في الوقت نفسه من القيمة الحقيقة لتلك المواضيع.
والشكر للقارئ الذي يمكن ان يخرج من اغراءات المواضيع التي تحاول اشباع الرغبات والشهوات الجسدية فقط, او تلك التي تقدم سيلا من الاوهام مدغدغة ماسي القراء بمستقبل افضل دون تقديم اي شيء عن المستقبل الافضل غير لعن الحاضر بكل انواع اللعن, والتلويح بالشعارات او الافكار الغيبية كحل لكل ما هم مستعص على الحل, وان لم ينفع بعضه في هذا العالم فسينفع حتما في العالم الاخر, والله لا يضيع اجر المجتهدين والمبشرين.
ولكن من يقع خارج دائرة كل شكر ولا يستحقه, وانما يستحق كل ادانة, أولئك الذين يحجبون مواقع الانترنت الملتزمة بنشر الفكر الحر عن شعوبهم ويحرمونها, دون كل شعوب العالم من حق الاطلاع على الافكار الجديدة المتفتحة والتجارب التي ينتجها الاخرون.
أولئك الذين يمنعون وضع بعض البذور الطيبة في التربة المتعطشة للري من الماء الصالح غير الملوث وغير المالح, والتي يمكن ان تكون, اذا ما نظرنا اليها من الجانب السياسي بعيدا عن الزراعة, مساهمة في بناء مجتمعات متحضرة ودول عصرية. أولئك الذين , والماء أصل الحياة, يفرضون على الضفة العطشى ان تمانع و بقوة, وصول مثل تلك المياه اليها مفضلة التيمم.
قبل عرض بعض النماذج الاوربية في الديمقراطية لابد من الاشارة الى المسألة الاساسية التي رافقت تطبيقها واضعفته منذ الديمقراطية الاثينية والى يومنا هذا, وهي مسالة المشاركة الفردية مشاركة المواطنين في النظام السياسي واتخاذ القرارات.
فقد قامت الديمقراطية الاثينية رغم عظمتها على قصر هذه المشاركة في اضيق الحدود باستبعادها العبيد, حيث كان لكل مواطن في اثينا سبعة عبيد. واستبعدت الاجانب (البرابرة) والنساء (الدخيلات). كما وسع الفتح العسكري عدد المبعدين من الاستفادة من مزايا الديمقراطية لزيادة عدد العبيد والغرباء. مما أدى فيما بعد لقيام نظام ديماغوجي ودكتاتورية الثلاثين طاغية وضياع استقلال الحاضرة (Cité).
وعرفت الجمهورية الرومانية نفس الاوضاع وادخلت نفسها في حرب أهلية طاحنة, تبع ذلك قيام الامبراطورية الرومانية وتوسعها, وبالتالي , وزيادة عدد الاجانب والشعوب المحتلة وزيادة المطالبات بالمساواة في حقوق المواطنية مع المواطنين الرومان الذين كانوا فخورين وسعداء بنظامهم الديمقراطي وبمشاركته الواسعة والفعالة فيه.
اقتصار المشاركات في الحياة السياسية وكل الشؤون العامة على المواطنين الرومان ممن يتمتعون بحقوق المواطنية الكاملة هو ما كان يعيب النظام الديمقراطي, وهو ما ادى الى التحدي والاضطرابات والاحتجاجات ومنها ثورة العبيد.
وبعدها وخلال قرون عديدة, العصور الوسطى, لم تعد تثار مسألة المشاركات الفردية في الحياة السياسية, التي اقتصرت على أصحاب السيادة, وعلى العائلات المسيطرة الحاكمة المسيطرة وبعض الارستقراطيين المقربين من السلطة.
ولكن مع التطور الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بالثورة الصناعية بدأت تظهر مشاركة الافراد في السياسة على المستوى الوطني وتعزز دور الفرد المواطن وتأثيره ليس فقط في الحياة السياسية وانما كذلك في الحياة الاجتماعية.
وبدأت تُسوّق العملية الانتخابية على انها وحدها كافية للمشاركة في الحياة السياسية واتخاذ القرارات, لأنها التعبير عن الارادة الشعبية أو الارادة العامة, القادرة على اختيار افضل الحكومات والمشرعين. ولكن الحقيقة الاجتماعية تبين ان في هذا الكثير من الوهم والخداع. فخلف شعار الارادة العامة والحرية والمساواة, تستولي اقلية على السلطة: الاحزاب السياسية. القوى الصناعية والمالية. المنظمات النقابية, الصناعة الاعلامية ..
من هذا الواقع يصبح تعريف الديمقراطية على أنها حكم الشعب بواسطة الشعب ومن اجل الشعب, لا يعكس الحقيقة القائمة. فالنماذج الديمقراطية الحالية في اوروبا تكرس السلطة لمصلحة النخب الجديدة. نخب لا تولي اهتماما كبيرا للمال العام وللشؤون العامة يعادل اهتمامها بحماية مصالحها الطبقية والمالية. وكانّ اخر همومها العمل على الاصلاحات الديمقراطية التي توفر مشاركات المواطنين في الحياة السياسة وفي اتخاذ القرارات. الامر الذي يحتج عليه المواطنون احتجاجا, سلبيا, يخدم في الواقع سياسة تلك النخب, احتجاج يتمثل في الامتناع الواسع عن التصويت, حيث لا تتعدى احيانا المشاركة 20% . او التصويت ببطاقات بيضاء. فأصبحت الأزمة عميقة بين المواطن والسياسة, المواطن والطبقات السياسية وبينه وبين الاحزاب السياسية والمؤسسات المفترض انها تمثله بالقدر الذي يتوقعه من هذا التمثيل. كما انه لم يعد يثق بدور الدولة البعيدة عن مشاغله وهمومه اليومية, خاصة عندما تلعب دور خداعة بوعودها التي تبقى في احسن الاحوال دون ما كان يأمله منها. لم يعد يرى فارقا كبيرا بين احزاب اليسار واليمين التي كثيرا ما تخون تطلعاته في تحالفاتها المضادة لمفاهيمه التي بموجبها منحها صوته واعطاها حق تمثيليه...كل هذا لم يجعله ضد النظم الديمقراطية وانما يعتبر القائم منها عبارة عن ديمقراطيات اجراءات, وليست ديمقراطيات في الجوهر.
هذه المسألة الشائكة هي ما يجب ان تكرس لها الاهتمامات الاساسية والعميقة خلال اصلاح النماذج القائمة او حين محاولة بناء نماذج جديدة. (قد يكون في هذا حك على بيت جرب بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية التي تُخرج رعاياها عن بكرة ابيهم للتصويت للطاغية بنسب تفوق دائما 90% او للاستفتاءات ذات 100% بنعم للقائد أو الزعيم واعطائه الصلاحية المطلقة 100% للحكم والتحكم حتى في ادق شؤونهم الخاصة).
في التجربة البريطانية .
بريطانيا دولة ملكية برلمانية ديمقراطية. دستورها غير مكتوب, مكون من اتفاقات دستورية وعناصر عرفية من commun law. قابل للتعديل دون اتباع اجراءات خاصة للمراجعة. كما ان النصوص الاساسية التاريخية التي حددت معالم النظام البريطاني كالعهد الكبير لإعلان الحقوق يمكن تعديلها من قبل البريمان بنفس الطريقة التي تعدل فيها القوانين العادية. فهذه النصوص التاريخية تمثل قيمة عاطفية كبيرة, ولكن أهميتها القانونية محدودة.
لا يوجد نموذج سياسي بريطاني بمعنى النموذج الثابت, ولكن يمكن التحدث عن مثال بريطاني ( Jean-Batiste Turpin). فمنذ عام 1215 تفردت بريطانيا بتقييد السلطة الملكية بخلقها جمعية النبلاء الشيء الذي لم يكن معروفا في أوروبا. وبعد عام 1688 اثر اعلان الحقوق Bill of Rights لعبت غرفة العموم دورا مقيدا لتلك السلطة.
عام 1701 دخل مبدأ السيادة البرلمانية المفهوم القانوني بقوة. اي ان السلطة الملكية والتنفيذية يجب ان تنال موافقة البرلمان. وقد اقيمت الملكية الدستورية مع استمرار تقييد سلطات الملك, والى يومنا هذا.
منذ عام 1815 تطور النظام البرلماني ببطء شديد نحو الديمقراطية البرلمانية, واضعا نظاما غربيا مستقرا للديمقراطية التمثيلية, مع مؤسسات متطورة تقود لمزيد من الحرية. وخلال الثلاثمائة عاما الاخيرة كان الموضوع الرئيسي للنقاش فيها يتركز على طبيعة المشاركة في النظام السياسي, وليس على طبيعة النظام نفسه ( دافيد ـ س. بيل في الديمقراطيات الاوروبية. منشورات ارمان كولين 2008).
لم تعرف بريطانيا اضطرابات سياسية كتلك التي كانت تهز اوروبا في القرن التاسع عشر, لأنها كانت قد تحولت قبل قرن من تلك الفترة الى النظام البرلماني. وتميزت بخصوصية اقتصرت عليها وحدها دون جاراتها من الدول الاوروبية, وهي ان الملك لم يكن الا اداة تمثيلة تحولت سلطاته الاساسية للبرلمان. وعليه لم تكن الملكية مهددة طيلة القرن التاسع عشر. وكان لشخصية الملكة فكتوريا, التي بقيت على العرش منذ عام 1837 الى 1901, ذات الشعبية الكبيرة والمحبوبة من شعبها, اضافة الى انها لم تعارض النظام البرلماني البريطاني, دور كبير في استقرار النظام السياسي. عكس ما كانت عليه العائلات المالكة في اوروبا الوسطى.
البرلمان البريطاني الذي هو دعامة اساسية للنظام السياسي, والذي هو في اصل التنظيم البرلماني الاوروبي المشابه, والذي تجري فيه المعارك السياسية , يتكون من مجلسين (غرفتين):
مجلس اللوردات (المجلس الأعلى)
موروث من عهد الملكية المطلقة والاقطاع, ومع ذلك تخل عن كونه ممثلا للأرستقراطية الاقطاعية, ومنذ القرن 19 يمنح لقب لورد للنوابغ وعظماء الرجال من مختلف وجوه الحياة القومية. يتكون المجلس من 603عضو معينين لمدى الحياة. و 92 عضوا بالوراثة. و26 من كبار الاساقفة. و 9 من كبار القضاة يسمون مدى الحياة. وقد اجيز منذ عام 1958 دخول الاناث الى المجلس, فاقترح مشروع قانون 7 نوفمبر 2001 ان تكون نسبة النساء في المجلس 30%.
اصلاح عام 1999 الغى الاعضاء الورثة, ومع وذلك ابقى 91 منهم في مراكزهم. فاقترح تقرير اللجنة الملكية المنشور في 20 جانفي 2000 ان تسمى لجنة مستقلة 550 عضوا في المجلس لمدة 15 عاما. كما ينتخب بعض الاعضاء لفترة 15 عاما. عدد اعضاء مجلس اللوردات حاليا 737 عضوا. وباعتبار الغالبية الساحقة منهم محافظين في تكوينهم فمن الطبيعي ان يكونوا من مؤيدي حزب المحافظين.
بقي مجلس اللوردات طيلة القرن التاسع عشر متساو قانونيا مع مجلس العموم, وغير منافس له في الاختصاص. ولكن الاستفتاءات المتكررة منذ 1823 كانت تريد توسيع صلاحيات مجلس العموم على حساب مجلس اللوردات.
مجلس العموم:
تم انشاؤه عام 1295 من قبل ادوارد الاول وما زال مستمرا الى اليوم. وهو حاليا منتخب ديمقراطيا, وعدد أعضاؤه 646 عضوا منتخبون بالاقتراع العام السري وبالأغلبية في الدورة الاولى. اي ان المنتخب يصوت لأحد المرشحين, والمرشح الفائز هو الذي يحصل على اكثرية الاصوات. مدة ولاية المجلس 5 سنوات, الى ان يحله الملك بناء على اقتراح من الوزير الاول. وغالبا ما يتم حل المجلس في نهاية الاربع سنوات. الحكومة مسؤولة امام مجلس العموم . ولا يبقى الوزير الاول في مكانه ولا يستطيع الحكم اذا لم تسانده الاغلبية في مجلس العموم. فالحكومة مسؤولة امام البرلمان. ومن الناحية العملية يشكل اعضاء البرلمان, القادمون من الاحزاب السياسية, كتلا برلمانية و تخضع كل كتلة لرقابة صارمة من قبل رئيسها. وهذا ما يؤمن مطابقة اصواتها مع خط الحزب.
ينال مجلس اللوردات ومجلس العموم رضاء البريطانيين كمؤسستين باعتبارهما عقبة في وجه الاستبداد الملكي والطغيان. الشيء الذي يفسر عدم وجود حركات ضد النظام البرلماني في بريطانيا.
وقد تميز النظام البرلماني البريطاني بقدرته على التطور مع الزمن. وعليه فان دمقرطة النظام كان يتم التحكم في اجراءاتها بما يتفادى الازمات العنيفة التي هزت جيرانها. وكان الاصلاح يجهد للوصول الى الاجماع حوله. وهي خصوصية بريطانية يلعب التنظيم السياسي البريطاني القائم على الثنائية الحزبية الليبرالية وطريقة التداول على السلطة دور المنظم المسؤول المرتكز على تقاليد عريقة وتجارب عميقة تضرب جذورها بأعماق التاريخ.
وحاليا وبعد الاصلاحات البرلمانية التي جرت في الاعوام 1960 وخاصة في عام 1979 أخذت اللجان البرلمانية تلعب دورا اساسيا وهاما في أعمال البرلمان.
حسب دستور المملكة المتحدة, تُمارس السلطة التشريعية من قبل مجلسي البرلمان, مجلس العموم ومجلس اللوردات. ويمارس السلطة التنفيذية الوزير الاول ومجلسه الوزاري.
اما دور الملك كرئيس للدولة فهو مقيد احتفالي وشكلي. يضعه الدستور فوق التنافس الحزبي, أو كما وصفه ولتر باكيوت عام 1867 بانه "الحزب حامل الكرامة" بالمعارضة مع الاحزاب الفاعلة في الحكومة. وهذا الوصف ما زال دقيقا. من مهامه تسمية الوزير الاول والذي هو زعيم الحزب الفائز بالأكثرية البرلمانية. كما يحل البرلمان بناء على طلب من الوزير الاول. من المزايا التي يتمتع بها الملك (الملكة حاليا) ان لا تشكل الحكومة, نظريا, الا برغبته.
يمارس امتيازاته بناء على مشورة الوزراء الذين هم مسؤولون امام البرلمان وعمليا فان ممارسة هذه الامتيازات تتم بناء على مشورة الوزير الأول الذي يخصص جلسة اسبوعية مع الملك. وللملك حق التعبير عن اراءه . ولكن دستوريا عليه القبول بقرارات الوزير الاول ومجلس الوزراء. وقد وضح باكيوت Bagehot بان للملك في اطار الملكية الدستورية حقوق ثلاثة : الحق بان تتم استشارته. حق الحض والتشجيع. وحق التنبيه. ومع ان العديد من قرارات البرلمان تتخذ باسمه فهفي ي الواقع ليست الا من أعمال الحكومة.
الملك هو الحاكم الاعلى للكنيسة الانكليزية يسمي كبار رجال الدين بناء على راي الوزير الأول من قائمة معدة من قبل لجنة كنسية. ومع انه عضو عادي في كنيسة Ecosse فهو يملك صلاحية تسمية اللجنة العليا لجمعيتها العامة. ولا دور رسمي له في كنيسة الغال او في الكنيسة الارلندية.
مجلس الوزراء le cabinet
هو المؤسسة الاساسية في الحكومة. ويتكون من شخصيات مهمة تُسند اليها مهام وزارية محددة. منذ عام 1920 يقوم التنافس بين حزبين رئيسيين, هما حاليا, حزب المحافظين وحزب العمال. على راس كل حزب زعيم معترف به. يشكل رئيس الحزب الفائز بالأغلبية في مجلس العموم, في الانتخابات العامة والسرية, الحكومة . وعليه فان الحكومة مستندة الى هذه الأغلبية, تضمن الاستقرار والثبات. تسمى الملكة الوزير الاول. وهذا بدوره يختار سائر الوزراء. وتسميهم الملكة من الناحية القانونية دون حق التدخل في اختيارهم. الوزراء اعضاء في البرلمان, ومعظمهم من مجلس العموم. كما يمكن اختيار شخصيات غير برلمانية. ويجب ان تضم الوزارة عددا من اللوردات, لان الوزراء لا يسمح لهم بحضور جلسات المجلس والمناقشة فيه الا اذا كانوا اعضاء فيه. فوزير عضو في مجلس اللوردات لا يجوز له الدفاع عن سياسة الوزارة امام مجلس النواب. الوزراء مسؤولون بالتضامن امام البرلمان, كما تقوم المسؤولية الفردية. يجري التمييز بشكل اساسي بين الوزارة, اي مجموع الوزراء, ومجلس الوزراء cabinet بمعناه الضيق. فالوزارة, بما فيها الامناء العامون البرلمانيون, تعد بين 60 و 80 عضوا. اما مجلس الوزراء فعدد اعضائه حوال 20 شخصا. ولا يشترك الاعضاء غير الاعضاء في مجلس الوزراء في اجتماعاته.
بعد الاصلاحات التي جرت في الاعوام 1960 وخاصة في عام 1979 بدأت اللجان البرلمانية تلعب دورا اكثر اهمية.
الاحزاب السياسية البريطانية:
النظام السياسي البريطاني نظام برلماني ذو خصوصية يقوم على الثنائية الحزبية وصفه جورج فيدال بما يلي:" حكومة حزب, تحت رقابة الحزب الاخر, والحَكَمُ فيه هم الناخبون".
تنظيم الرأي العام في مجموعتين كان ضرورة لاستمرارية النظام السياسي البريطاني. فقد استطاع الحزبان الرئيسيان حاليا المحافظون والعمال, ان يغطيا بفاعلية المملكة كاملة. وكل حزب مبني حول زعيم يستطيع الاعتماد على ولاء هذا الحزب له.
يخضع الحزب خلال وجوده في السلطة للرقابة الدائمة للحزب المعارض الذي يستطيع مساءلته في كل وقت عن سياسته. نظام الاغلبية يسمح بالحياة للنظام .
عبر المثال البريطاني من نظام برلماني الى نظام ديمقراطي. فقد كان الناخبون في بداية القرن العشرين مجموعة قليلة جدا من السكان الاكثر رفاهية وثراء . لكن البرلمان عمل تدريجيا على توسيع قواعده الديمقراطية وتجنب الابتعاد عن الشعب. وعمل على المساهمة في تعزيز الاحزاب السياسية كحاملة للإرادة الشعبية وضامنة للثنائية التاريخية.
وعليه يُنظر للنظام السياسي البريطاني على انه غير قابل لان يكون نموذجا يمكن احتذاءه في اوروبا لسببين : لان هذا النظام المحافظ جدا الذي يحفظ السلطة لطبقة مغلقة هرمة مازالت قوية جدا في البلاد. ولأنه نظام لا يساعد في اقامة تنظيمات سياسية جديدة.
فالنظام السياسي البريطاني بني على ضرورات الاحتفاظ بالنظام القائم. والحركة الديمقراطية البريطانية لم تبن قواعدها على الابداعية مثلما جرى في فرنسا , ولا على ثورات اجتماعية, ولكن على ارادة سياسية للطبقات الحاكمة لشرعنة السلطة السياسية من قبل الشعب, او على الاقل من قبل الحزبين صاحبي الاكثرية.
الى جانب الحزبين الرئيسيين في بريطانيا, هناك احزاب يمين ويسار ووسط ,بالتقييم البريطاني. كحزب الاحرار الديمقراطيين الذين يعتبروا تقليديا حزب الوسط أو وسط اليسار. اتحاد اليسار الذي يقوده جورج كالوي. الحزب الشيوعي البريطاني, ينادي بالسلام والعدالة الاجتماعية. حزب اليسار المتطرف, والتروتسكيين. الحلف من أجل حرية العمال. أقصى اليسار التروتسكي.
ومن أحزاب اليمين . اضافة لحزب المحافظين, هناك الحزب من اجل استقلال المملكة المتحدة, وهو حزب يناضل من اجل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. الحزب القومي. اضافة الى أحزاب اقليمية régional مثل حزب Ecosse الذي يطالب بالاستقلال. حزب بلاد الغال يطاب بالاستقلال. أحزاب ايرلندا الشمالية : حزب الاتحاد, بروتستانتي محافظ. حزب الاتحاد الديمقراطي, قومي بريطاني بروتستانتي. حزب التحالف, ايرلندي شمالي, حزب وسط غير طائفي كاثوليكي. الحزب الجمهوري القومي الايرلندي, كاثوليكي.
القول ان النموذج (المثال) البريطاني يمكن ان يصلح في غير بريطانيا كنموذج, قول غير واقعي, لأنه نموذج يستند على التركيبة الداخلية البريطانية الخاصة جدا. والمعتمدة على خصوصية التاريخ السياسي البريطاني. وعلى التنظيم الحزبي الخاص. ولكن البعض يرى فيه امكانية الانتقال الطبيعي الهادئ الى الديمقراطية, دون ضرورة التغيير بالقوة على الطريقة الفرنسية. ولكن تجربة اقامة التوازن الذي يخلقه هذا النموذج غير قابلة للنقل للآخرين.
حسب تعبير دافيد س. بيل فان غياب الدستور المكتوب , والأصول الهرمة للعديد من المؤسسات, ومركزة السلطة, يجعل من البريطانيين أنفسهم مجرد رعايا ( الديمقراطيات الاوروبية. منشورات ارمون كولان. باريس 2008).
وعليه فان النظام السياسي البريطاني لا يمكنه ان يقدم لأوروبا , ولا لغيرها , حلا واقعيا في المسائل الدستورية لأنه هو دون دستور. ولان التوجه نحو تعزيز الدساتير وسموها لا يجد غايته في ذلك النموذج بطبيعته الغارقة في الخصوصية. ولا في بناء الديمقراطية , الا اذا كان بالإمكان اعادة استنساخ لوردات في كل مكان, وذهنية مغرقة في بريطانيتها. وتاج وإليزابيت .
يتبع.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات