اكذوبة اليسار الاسرائيلي
فايز رشيد
ارتفعت وتيرة إطلاق وصف اليسار “الإسرائيلي” على حزبي العمل وكاديما، وبخاصة بعد نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة. والحقيقة أنه ظلم كبير لليسار أن يتم اعتبار هذين الحزبين يساريين، فاليسار ليس كلمة شكلية بسيطة يمكن إطلاقها بسطحية كبيرة على هذا الحزب أو ذاك، بقدر ما هي مضمون أيديولوجي فكري وسياسي وممارسة عملية على أرض الواقع، أي باختصار شديد، مزاوجة بين الإيمان النظري الحقيقي وليس المزيف وبين سياسات الحزب بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي، وتعامله بعدالة مع الأحزاب والقوى اليسارية والتشكيلات الاجتماعية الشبيهة في الدول الأخرى.
في التاريخ، وبخاصة في الحربين العالميتين القرن الماضي، مارست الكثير من الأحزاب اليسارية (ومن بينها أحزاب شيوعية) انتهازية يسارية حين خاضت دولها المعتدية حروباً ظالمة ضد الشعوب والدول الأخرى في أوروبا والعالم، وأيدت تلك الأحزاب أنظمتها البورجوازية (وفقاً للتقسيم الاجتماعي) ضد الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة، في الحروب العدوانية التي شنتها دولها المعتدية.
كان الموقف الواضح والصريح آنذاك لمفكري وأيديولوجيي وحركات اليسار الحقيقية، بالنسبة لتلك الأحزاب التي تدّعي اليسارية أنها تمارس تضليلاً ديماغوجياً بين الإيمان النظري والتطبيق العملي، ولذلك لم يكن من الصحة بمكان إطلاق وصف (اليسارية) على تلك الأحزاب، أي إنها أحزاب يمينية، بل الأدق أن توصف بالأحزاب اليمينية المتطرفة (غلاة اليمين).
في الحالة المحددة، فإن حزب العمل “الإسرائيلي”، وكذلك حزب كاديما، هما حزبان صهيونيان حتى العظم، وحزب كاديما خرج من رحم الليكود اليميني المتطرف، وفي تبنيهما للقضايا الاجتماعية الداخلية يحملان شعارات لا يعملان على تطبيقها، وهما يساومان على هذه الشعارات في أغلب الأحيان، وفي ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية، فهما ينكرانها، وغالبية الحروب الظالمة التي خاضتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين والعرب كانت بقيادة حزب العمل، الذي اقترف مجازر ومحارق عديدة، ومحرقة غزة الأخيرة اقتُرفت باسم حزبي كاديما والعمل المشكلين للائتلاف الحكومي المنتهي الصلاحية بسبب الانتخابات، وهما كانا في الحكم لفترة طويلة، وخاضا مع الفلسطينيين مفاوضات طويلة، لم تسفر عن شيء حقيقي بقدر ما استعملت من قبلهما كتكتيك سياسي، هدفه أولاً وأخيراً الإيحاء للعالم بأن هناك في “إسرائيل” قوى تدعو إلى السلام.
نقول ذلك، لأن هناك في العالم العربي ما يشبه (الرعب)، وخاصة في أذهان كثيرين من الكتّاب والصحافيين والمحللين السياسيين من المرحلة القادمة، واحتمال تشكيل اليمين “الإسرائيلي” بقيادة الليكود بزعامة نتنياهو، للحكومة “الإسرائيلية”، في محاولة مقصودة أو غير مقصودة، مباشرةً أو بطريق غير مباشر لتسويق ائتلاف حكومي “إسرائيلي” بمشاركة ليفني وباراك، وحركة ميريتس (وسنتطرق إلى تقييمها لاحقاً)، وكأن مثل هذا الائتلاف سيعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وسيكون قادراً على صنع السلام مع العرب.
نقول، لا يمكن الجمع بين تبني الصهيونية ونظرية اليسار، فإما أن يكون الحزب صهيونياً أو يسارياً، فالتناقض قائم وحتمي وجذري بين الصهيونية واليسار، وإطلاق تعبير (اليسار الصهيوني) هو خطأ نظري فادح، ليس له ما يبرره، حتى وإن برّره البعض باستعمال (النسبية) في ما يتعلق بالتعريف بالفروقات بين الاتجاهات السياسية العديدة في الحركة الصهيونية، لأن الطابع الأيديولوجي الفكري لهذه الحركة هو واحد، بمعنى: كل متكامل لا ينفصم.
أما حركة “ميريتس”، فهي تتغنى بالسلام مع الفلسطينيين والعرب وتؤمن بحل الدولتين، لكنها بالمقابل لا تنكر صهيونيتها ولا تناضل ضد مفهوم (الدولة اليهودية)، الذي يتناقض جذرياً مع مفهوم اليسار، وهي تؤمن ببقاء القدس موحدة كعاصمة تاريخية وأبدية ل”إسرائيل”، وهي ضد حق العودة، وهي دخلت في ائتلاف حكومي مع حزبي كاديما والعمل الصهيونيين، ولم تقف موقفاً معارضاً جدياً لسياسات هذه الحكومة في ما يتعلق برفض الانسحاب من كل المناطق المحتلة عام ،67 ولا من إبقاء التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية.
ليس المقصود مما تقدم، إغماض الأعين عن وجود التمايزات أو حتى التناقضات بين الأحزاب “الإسرائيلية” تجاه هذه القضية السياسية أو تلك، لكن هذه إن وجدت فهي تتخذ مظهر الثانوية، وليس المقصود إغفال التناقضات القائمة في المجتمع “الإسرائيلي” (إن جاز لنا إطلاق كلمة المجتمع على الشارع “الإسرائيلي”)، أيضاً، فهي وإضافة إلى طبيعتها في مطلق مجتمع، لكنها تكتسب في “إسرائيل” أهمية خاصة بفعل فسيفسائية وموازييكية العناصر المشكلة له، بالتالي من الضرورة بمكان فلسطينياً وعربياً تنمية التناقضات القائمة في “إسرائيل”، غير أن ذلك لا يلغي أكذوبة وجود (اليسار) “الإسرائيلي”.
التعليقات (0)