ربّوا أولادكم على مصطلحات أكثر واقعيّة ربّوهم على سماع مصطلحات أعمق جذوراًً في بلدهم , سمّعوا عليهم كل يوم (الواسطة) , (الفساد) , (القمع) , (الكساد) , (البطالة) , (الفقر)... أخبروهم أنّهم سيعيشون أيّاماً مملّة جداً , لا تصدموهم بالواقع و ترسمون لهم المستقبل بريشة من الخيال , التفاؤل جميل لكن الكذب أقبح ! أخبروهم بما سيلاقونه في مجتمعهم كونوا أكثر مصداقية معهم , أخبروهم أنّ فئتين من الشعب يتناوبون على حقوق ليس لهم علاقة فيها ! أخبروهم أنّ الإسلاميين يريدونها في بيتها كـ(الملكة) , و أن الليبراليين يريدونها كيفما (تشاء) وأينما (تشاء) , أخبروهم أن لا يشاركوا في هذا الجدل لأنّهم سيواجهون إمّا (التكفير) أو (الرجعيّة) !.
حفّظوهم (وأطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) و لا تكرروا عليهم (وأمرهم شورى بينهم) أخبروهم أيضاً أنهم حينما يصادفون مجلسا ً يدعى (بالشورى) لا يلتفتون له كثيراً فـ قراراته توضع ضمن جدول أعماله مسبقا ً , لا جديد لذلك لا يؤمّلون عليه كثيراً و يلتزمون الصمت على الأقل من مقتضى الباب اللي يجي منه ريح !
أخبروهم أن لا يسألوا عن سبب أن وزيراً ما مسك الوزارة أكثر من عشر سنوات أو أكثر ! لا تدربوهم على هذه الأسئلة السخيفة التي تقودهم إلى الظلام في ساعة ما بين أربع جدران ! آهـ .. لا تنسوا أن تتلوا عليهم بعد الآيات و الأحاديث فتاوى العلماء السياسيّة منها على الأقل , أخبروهم بفتوى (تحريم) عمل المرأة (كاشيرة) في سوق عام وليس في شقق دعارة ! أخبروهم أيضا ً بـ الصمت الحكيم لـ علماء الدين جرّاء زواج القاصرات ! و زواج المسيار ! لا تجعلوا أولادكم يستخدمون ذكاءهم و فطنتهم و يقولوا لكم بكل بجاحة : لماذا يؤيد رجال الدين المتعة بالمرأة تحت ظلال التحليل كالمسيار مثلا! ! و يحرمون خروجها لاكتساب رزقها ! بل اقمعوا أفكارهم قبل أن تكبر معهم ! و قولوا لهم بحزم (هل أنتم ضد الدين يا فسقة ! استغفروا ربكم أو سوف تعذبون في قبوركم وتدخلون النار ! ) لا مانع أن تؤيدوا موقفكم في قمع أولادكم وتقولون لهم العبارة التي يجب عليكم تكرارها دائما عليهم ( لحوم العلماء مسمومة ! )
لا تجعلوهم ينتقدون الهيئة حتى لا ينضمون إلى حزب التحرر من الدين و القيم و المبادئ و أطلقوا عليهم تصريحاً يجب عليهم أن يضعوه حلقة في آذانهم (الكل يخطئ ليس الهيئة انقد المباحث إن كنت ديموقراطيا ً يا هذا ) ! أخبروهم أن الهيئة هم (حماة الفضيلة) و (رجال الدين) و (الأسود) و (الأشاوس) و من دونهم الفرد منّا لا يأمن على عرضه أو عرض أهله ! لا تخبروهم بحادثة النعناع و الهيئة التي وقعت في زمن ما كان أحد الليبراليين خلفها ! أيضأً اصمتوا عن جميع المطاردات التي راح ضحيّتها نزر في نظر الهيئة بسيط ! كل شيء مباح في الدفاع عن الفضيلة يا حماة الفضيلة ! لا تسوقوا معهم الحديث عن الهيئة إلى الحديث عن مؤهّلاتهم و لا تجعلوهم يخوضوا معكم في هذا الأمر ! اقمعوهم بـ(لاتجادل) (لا تخوض في هذا) (هيئتهم الدينيّة أعز و أكرم منك يا حليق يا مسبل )!
أكثروا عليهم من الردود الملجمة و أحرصوا على تعليم أولادكم الكثير منها حتى يوقنوا الرد على منتقديهم , مثلا أخبروهم بالرد الملجم (كل تبن) أو الرد الصارم (توكل على الله) ! و يفضّل أيضاً تعليمهم أنه (لا يوجد لدينا فقر) ! وحذّروهم من أن يرددوا (ملعوب علينا) لأن من أطلقها في حديثه عن الفقر عوقب بالسجن لفترة ليست قصيرة ! و احرصوا على أن تخبروهم بأن الحق مع من سجنه لأنه شاب استهتر بـ(الخطط العلمية المدروسة) التي وضعت لكبح القفر ! و أنّ الضمان الاجتماعي يغطّي كل احتياجات الفقراء إن ( وُجِدُوا في بلادنا) !
احرصوا قدر الامكان على تجنيب أولادكم الخوض في مشاكل التعليم أو وزارة العمل أو الخدمة المدنية أخبروهم أنّ كل شيء يمشي على ما يرام واللي فوق هم أبخص يا " عيال " ! لا تذكروا لهم الفيلم القصير الذي أطلق عليه (مونوبولي) لأن من خلفه كشفهم لنا أحد رجال الدين الثقاة الذي أخبرنا أنّ الفيلم عرض في قنوات أجنبية و يهوديّة و رافضيّة !! و أنّ فضيلته يشك في أن إيران و إسرائيل هم خلف هذا الفيلم الذي يسيء للبلد و يظهرها على ( غير حقيقتها ) كما أنه لا يجب أبداً فرض رسوم أو ضرائب على الأراضي البيضاء !
اذكروا لهم " نجاح " الانتخابات البلدية و أخبروهم أيضاً بالصلاحيات التي يملكونها ! لا تجعلوهم يفتشون في التاريخ ويقرأون كيف نشأت الانتخابات البلديّة وكيف سارت ولمن سارت ؟! حبّهم للرياضة انتبهوا أن يقودهم للسؤال عن إنجازات الاتحاد السعودي لكرة القدم خلال الفترات الماضية ! قولوا لهم إن أردتم الخوض في هذا الأمر فـ(انقدوا نقداً محبباً للنفس) ولا تخوضوا في شيء لا تدركونه ! أو تعرفونه ! و يفضّل أن تعبّروا عن كل هذا بعبارة المسؤول الشهيرة (عطني) أو (تبربرون) هذا منطلق قوي جداً لإلجام الخصوم !
أخبروهم بضرورة فرز (كتّاب) المقالات (قبل) القراءة لهم ! ربّما يكون أحدهم من (زوّار السفارات) أو أنّ أحداً منهم تلقّى مقاله من مكتب (الإخوان المسلمين) أو ربّما (حزب الله) أو (إيران) ! علّموهم طريقة الفرز جيّداً , وكيف يحكمون على الكاتب من أوّل كلمة يكتبها ثم أدلِجُوه في قالب لا يخرج منه أبداً لو انطبقت السماء على الأرض و ارفضوا أواقبلوا من الكاتب أي شيء بناء على هذا القالب اللعين الذي أدخلناه فيه !
قولوا لهم بفخر عن حريّة إعلامنا و كيف ينقل لنا الأخبار المحليّة بكل واقعيّة , استشهدوا بذلك بمثال رائع و قريب قولوا لهم كيف نقلت الأخبار في إعلامنا السمعي و المرئي و المقروء وكيف غطّت كارثتي جدّة ! و كيف أن بعضهم قال حينها ( خرج أهل جدّة للاستمتاع بالأجواء الجميلة ذلك اليوم ) ! أخبروهم بأنّه في الوقت ذاته كان الإعلام الجديد من الشباب المتحمّس (الغير واعي) والمراهق حينها كانوا (يتوترون) و (يفيسبكون) و ينشرون المقاطع تلو المقاطع التي لا أدلجة فيها و لا تحريف ! أخبروهم أنّه كانت رؤيتهم لـ جدّة حينها متشائمة و أن من يريد الأخبار الصحيحة غير المفبركة عليه بالقنوات السعودية , و لا ضير أن يتابع (قناة العربية) لـ(يعرف أكثر) !
أخبروهم أخيراً أن ( الشق أكبر من الرقعة ) و لكن أردفوا هذا المثل بكلام تعوّدنا عليه (لا يوجد في بلدنا شقوق) حتى الشوارع و الطرق أكثر سلاسة و أمانا ً !
التعليقات (0)