شباب بعمر الورد يتراكضون باقدامهم الفتية في انحاء الملعب زاعقين غاضبين من ان الكرة أبت ان تدخل في المكان الذي كانوا يتمنوه..فتية قد يكون نزول اغلبهم مدفوعا برغبة تحسس الارضية المجد الغالي والتي لطالما اختزنت آمالهم واحلامهم ومنتهى طموحاتهم وشهدت وقائع خالدة في تاريخ الكرة المصرية..اوقد يكون الملمس الناعم لشباك بيضاء كان اهتزازها مبعث فخر وعلامة مجد ورضا عصي على النسيان او لتلمس متعة التواصل مع تجربة التواجد امام المدرجات وليس فوقها هو الدافع للجل الآخر في تراكضه على نجيل الملعب..وقد يكون فعلا هو الغضب لخسارة لم تكن ضمن حسابات الجمهور..ولكننا لا نستطيع تجاهل ان المشهد العام لا يخلو من ريح سوداء لافحة تريد ان تسود وجه الشباب المصري الثائر..
أتشبعا بنظرية المؤامرة..ام هي الخبرة الطويلة التي تحصلنا عليها من معايشتنا للانظمة القمعية الاستبدادية واساليبها الخبيثة في تصنيع واختلاق الازمات..هي ما يجعلنا نميل الى القناعة بالتقارير الاعلامية التي تحدثت عن انسحاب يبدو انه مبيت لقوى الامن المصرية المكلفة بحماية الملعب الذي جرت عليه المباراة..مما يجعلنا لا نحتاج ان نكون متواجدين في المدرجات لنتوصل الى ان هناك شيئا مريبا كان يعد له في نهاية المباراة التي جمعت بين فريقي الزمالك المصري والافريقي التونسي في اياب دوري الابطال الافريقي..
قد يكون لهوية الفريقين وتمثيلهما لرموز وطنية عريقة عزيزة على قلوب الشعبين الذين كانوا الشعاع والنبراس والامل في الحياة الحرة الكريمة لجميع شعوب المنطقة دورا في استهداف هذا اللقاء بالذات ..وقد تكون جزائرية الحكم هي السبب لما تمثله من اسقاط واستحضار لداحس وغبراء ام درمان ..التي قاد فيها اولاد الرئيس جمعهم المؤمن من الهتيفة والمصفقين وضاربي الدفوف والطنابير في خلاف اقرب الى الحرب مع الجزائر بقضها وقضيضها ظاهره الغيرة على الكرامة الوطنية التي اهدرها مشجعي الفريق الخصم وباطنها فقرة صاخبة في مسلسل الترويج للوريث المنتظر..
ان ما حصل هو استهداف واضح وصريح للشباب المصري..شباب الثورة والالتزام الذي ادهش العالم برمته..شباب الانتفاضة المصرية الابطال ومحاولة رقيعة لتشويه صورتهم من خلال طرح نموذج الشباب الطائش المنفلت المفتقر للشعور بالمسؤولية الوطنية والتي تتحكم به ردود الافعال الغريزية المتشنجة في احط دركاتها..ووضعه كمناظر للحراك الشعبي الذي قاده الجيل الواعي الصاعد المعلم الثوري المناضل في مصر..وقدم من خلاله دروسا ومآثر ستظل تنير الدرب للوطن والامة عبر الاجيال..
رسالة واحدة يمكن ان تتلقفها ايدينا من مثل هذه الممارسات ..هي ان الجماهير لا تستطيع ان تحكم نفسها بنفسها..وان الفوضى والضياع الاقرب الى فقد الوالدين هو النتيجة الحتمية لتسلم الرعاع المتآمرين زمام امرهم وهم الذين عضوا على الايادي البيضاء لاسيادهم وتطاولوا على عروش زعمائهم المتكلسين عتقا وجمودا.. وهذا ما يجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا خوفا وشفقة من ان نرى هذه التجربة الانسانية العظمى والثرة تجهض من قبل الخبائث التي تساقطت من بين ثنايا مكنسة الاحداث التي مسحت النظام السابق من على وجه الارض..واحالته الى اكثر مناطق التاريخ حلكة وعتمة..
على شباب الثورة ان يعوا ان الاوان لم يحن بعد لارخاء اليد عن سلاح القيم العظمى التي بنيت عليها الانتفاضة الشعبية المباركة..وان اعداء الحرية والشعوب ما زالوا يحتفظون ببعض القدرة على ايذاء التجربة المصرية التاريخية في انجاز حلم الانبياء في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية..وان اللجان الشعبية الثورية التي حمت الثورة وكانت رأس النفيضة ضد الثورة المضادة التي قادها ازلام وبلطجية النظام..والتي اسقطت فكرة الانفلات الامني المصاحب للحراك الشعبي..والتي قاومت اعمال السلب والنهب المنظمة التي اراد بها النظام حرف مسار الثورة عن اهدافها النبيلة..والتي استطاعت بانضباطها ونقاءها الثوري ان تفشل كل محاولات التأثير على شعارها الوطني الوحدوي الجامع الشامل..مطالبة اليوم بحماية روح الثورة وصورتها الناصعة والمسيرة التي خطتها بدماء الشهداء والهادفة الى ترميم ما هدمته الايام وممارسات النظام السابق من سمعة مصر ودورها القيادي..ولتقليل حجم الاسف الذي احس به كل مواطن عربي يشهد أمل الامة وفخرها وبناة غدها المرتجى وهم في هذا الوضع المنفر الشائه..
التعليقات (0)