انتشرت كتب تطوير الذات بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة التي اعقبت الحرب على العراق ، حيث تمتلى المكتبات وارصفة بيع الكتب بالمئات من العناوين المختلفة التي تبحث جميعها في تطوير شخصية الانسان وتنمية مهاراته وتنظيم الامور الحياتية وما الى ذلك .
فمن بين عنوان سياسي او اجتماعي تجد اربعة او خمسة عناوين خاصة بمفاهيم تطوير الشخصية ، وقبل الحرب الاخيرة على العراق كانت المكتبات العراقية تخلو تقريبا من هذه العناوين الا القليل منها .
اما نسبة اقتناء كتب تطوير الذات فهي في ارتفاع مستمر ، حسب مأكده احد باعة الكتب ، خصوصا من قبل الشباب وبمختلف الاعمار .
خلال تجوالي في مدينة اربيل وتحديدا في احدى الاسواق الخاصة ببيع الكتب لاحظت العشرات من كتب تطوير الذات التي شدتني من خلال قراءة عناوينها : أكتشف نفسك من جديد ، أحبب عملك لاتتركه ، تغلب على الفشل ، طور حياتك الزوجية ، كيف تتحدث من القلب ، لاتقع فريسة لزلة لسانك ، والعشرات من العناوين التي يتهافت عليها الناس بمختلف الاعمار لاقتناء كل ماهو جديد .
احد باعة الكتب حدثني قائلاً ، بعد سؤالي له عن سبب رواج واقتناء كتب تطوير الذات اكثر من الكتب الادبية والدينية والسياسية والتاريخية ، فقال ان "" مفهوم تطوير الذات مازال حديث العهد في المجتمع العراقي على الرغم من انتشاره في باقي المجتمعات العربية وهو مفهوم وصل الى المستلم العراقي عن طريق الكتب فقط ، ففي الدول العربية هناك دورات وبرامج اذاعية وتلفزيونة تتحدث عن تطوير الشخصية يديرها خبراء متخصصون في ذلك المجال ، وهي غير متوفرة في العراق"" .
""بالاضافة الى ذلك ان معارض الكتاب المحلية الدولية التي اقيمت في اربيل وباقي المحافظات العراقية ساهمت وبشكل فعال في اغناء المكتبة العراقية التي كانت سابقا تفتقر لمثل هكذا عناوين تدخل في حيز اهتمام جميع ابناء المجتمع ، حيث ان نسب اقبال القراء على كتب تطوير الذات فاقت نسب اقبالهم على الكتب الادبية من قصص وروايات وسير ذاتية وشعر"".
محمد كريم ، صاحب "مكتبة التعليم" قال "قديما كنا نبيع الكتب بمختلف عناوينها من تاريخية وادبية وسياسية واجتماعية وعلمية اما الان فقد ارتينا ان نعرض الكتب الخاصة بالنجاح وتنمية المهارات والسلوك الشخصي وتنظيم الاسرة والابناء فقط لان ماكان يعرض من كتب ادبية وتاريخية وسياسية لم تحظى بذلك الاهتمام الواضح وكان الشراء عليها ضعيفا من قبل قراء الجيل الجديد الذي يبحث دائما عن كل ماهو جديد ومثير من العناوين خصوصا ان كانت العناوين تحاكي القراء مباشرة وتعرض عليهم حلولاً مصحوبة بتجارب الاشخاص الاخرين ، للمشاكل والعقبات التي تعترض طريقهم نحو النجاح .
احسان علي ، طالب في المرحلة الثالثة كلية الاداب يرى ان كتب تطوير الشخصية ما هي الا موضة جديدة دخلت عالم الكتاب حديثاً ليس في العراق فحسب وانما في كافة دول العالم وان اقبال بعض القراء عليها لا يأتي من باب الافادة من التجارب والنصائح التي يقدمها المؤلفون في هذا المجال وانما للتسلية فقط .
اما مروة فاضل موظفة حكومية فتقول "بالنسبة لمواضيع تطوير الذات فهي مواضيع مسلية ومفيدة في آن واحد ، وعندما اشتري كتابا عن مفهوم تطوير المهارات البشرية فاني اجد المتعة وايضا اجد الفائدة لان اغلبها تتحدث عن تجارب اخرين مروا بنفس الظروف الصعبة التي يمر البعض بها احيانا ، لذلك ارى انه من الضروري ان نقرأ وبأنتظام هذه الكتب ".
ويؤكد الاعلامي فضل الله حسن ان "اغلب مؤلفي كتب تطوير الذات ليست لهم معرفة سابقة عن مفهوم الذات وتطويرها وهم لايذكرون شيئا جديدا في كتبهم سوى تجارب مروا بها او سمعوا عنها عن طريق الصدفة محاولين تحقيق ارباح مادية فقط".
ويؤكد محمد عباس بائع كتب متجول ، ان سبب اقبال الشباب ،خصوصا، على شراء كتب النجاح والشخصية يعود الى حاجتهم الماسة الى النصائح والدعم المعنوي للقيام بمشاريعهم المختلفة سواء ان كان ذلك على صعيد العمل او الدراسة او تكوين الاسرة".
ويضيف "نسبة الشباب الذين يشترون هذه الكتب مرتفعة على الدوام فلا يكاد يصدر كتاب ما يتناول فكرة او موضوع معين عن تطوير الشخصية حتى تراهم يتهافتون لشرائه".
الباحث الاجتماعي داوود العلي يرى ان الافكار التي تتناولها كتب تطوير الذات ماهي الا تجارب ونصائح شخصية وهي لاتسلط الضوء مباشرة على تطوير الذات كمفهوم وانما تقحم القارىء بسلسلة من التجارب والنصائح التي لاتجدي نفعا وهدفها الربح المادي فقط .
ويقول "بعد سنوات الحرب الاخيرة على العراق وما اعقبها من اعمال عنف دامية ، تركت اثارا واضحة على نفسية المواطن العراقي منها الخوف الدائم من الفشل ، وماينتج من ردات فعل عكسية من عدم تحقيق النجاح في جميع الميادين ، وغيرها من الاسباب تدفعنا باستمرار الى قراءة الذات وكيفية تطويرها والسير بها نحو عوامل النجاح تجنبا للفشل".
ويضيف "البعض منا يعتقد انه بمجرد مايقراء من نصائح وتجارب شخصية عن تطوير الذات فأنه سيتغير تلقائيا ويسير نحو خطوات النجاح ، وهذا غير صحيح لانه مايتعلمه بحاجة الى تطبيق على ارض الواقع وهذا يحتاج الى جهود كبيرة ربما تطول لسنوات ، وذلك لان عملية تغير عادات وسلوك الشخص التي اعتاد عليها منذ الصغر ليس بالامر السهل واليسير.
ويؤكد العلي ان "المواطن العراقي بحاجة اليوم الى معرفة واسعة لمفهوم تطوير الذات ، وكيف يطور ذاته ، وماهي السبل المتاحة الى ذلك وهذا لايتم الا عن طريق اخصائيون لهم خبرة واسعة في هذا المجال ، وليس عن طريق النصائح والتجارب النظرية".
التعليقات (0)