مواضيع اليوم

افضل كتاب قرأه ادوارد سعيد ـ اسكات التاريخ الفلسطيني ـ اختلاق اسرائيل القديمة

اوس العربي

2009-03-30 21:19:14

0

 

اختلاق إسرائيل القديمة اسكات التاريخ الفلسطيني

تأليف: كيث وايتلام
ترجمة: د. سحر الهنيدي
مراجعة: د. فؤاد زكريا

عندما سئل إدوارد سعيد عن أفضل كتاب قرأه عام 1996, قال إنه كتاب كيث وايتلام "اختلاق إسرائيل القديمة" . وقال عن الكتاب إنه:
"عمل أكاديمي من الطراز الأول, وكاتبه يتمتع بجرأة كبيرة في نقده للعديد من الفرضيات حول تاريخ إسرائيل التوراتي".
ومن أهم النتائج التي يصل إليها الكتاب المهم أنه يقلب صورة العلاقة التاريخية بين اليهود والفلسطينيين القدماء رأسا على عقب.
فبعد أن كان الباحثون الذين زيفوا تاريخ تلك الفترة لخدمة مصالح سياسية تتعلق بأحداث التاريخ المعاصر, بعد أن كانوا يسكتون تماما عن التاريخ الفلسطيني القديم ولا يتناولونه إلا بقدر ارتباطه بدولة إسرائيل القديمة (التي اختلقوها) وتمهيده لها,

يؤكد وايتلام أن التاريخ اليهودي القديم هو مجرد جزء من التاريخ الكنعاني _ أو الفلسطيني القديم _ وينتهي إلى ضرورة إحياء هذا التاريخ ودراسته بوصفه موضوعا قائما بذاته, لا مجرد إطار للسياق الذي ظهرت فيه مملكة إسرائيل القديمة التي يشكك المؤلف في وجودها أصلا, ويراها مجرد اختلاف قام به باحثون مغرضون تحركهم دوافع سياسية ومصالح تتعلق بالأوضاع الحاضرة.

والكتاب يهم دارسي التاريخ والدراسات الدينية وعلماء الاجتماع والمهتمين بالسياسة المعاصرة في الشرق الأوسط, وكل المهتمين بالتاريخ القديم لفلسطين و( اسرائيل )
.........................................
العنوان الأصلي للكتاب:
The Invention of Ancient Israel,
The Silencing of Palestinian History
By
Keith Whitelam
Routledge, London & New York, 1996
……………………………………………….

القضية الفلسطينية..
هي ليست قضية العرب الأولى والرئيسية وحسب..
ولا يقتصر اهتمام المسلمين جميعا على موضوع حماية المسجد الأقصى وقبة الصخرة والأرض المباركة من حولهما..
ولن توصل النقاشات, التاريخية أو السياسية, العرب الفلسطينيين المسلمين إلى حقوقهم الوطنية الكبرى, في استعادة كامل أرض فلسطين التاريخية, والحقوق المشروعة والشرعية الإسلامية, وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس..
مع ما يتطلبه ذلك من حل الإشكالية البشرية السكانية في وعلى أرض فلسطين..
بمعنى..
عودة الشعب الفلسطيني من الشتات القسري إلى أرض وطنه, وسقوط التسوية القائلة بدفع التعويضات.
لأن الشعب لا يملك حق بيع الوطن, ولو أراد الشعب كلّه ذلك.
فالوطن هو أعمق بكثير من أرض جغرافية و"سكان معاصرون".
الوطن الفلسطيني..
هو كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر ومن الشمال إلى الجنوب..
والوطن الفلسطيني..
هو كامل الزمن الفلسطيني من الماضي إلى المستقبل..
ولا تستطيع أي سلطة فلسطينية ولو حازت على إجماع الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات..
من بيع بعض الأرض وبعض التاريخ وبعض المستقبل , وبعض القبور..
ولا يستطيع أي نص قانوني, سماويا كان أو أرضيا, أن يشرع هكذا عملية بيع..
سيعود من يرغب من الفلسطينيين إلى وطنه, وسيحمل جميع الفلسطينيين الهوية الفلسطينية للدولة المستقلة ذات السيادة, وسيبقى الحد الأدنى من اليهود من أصول عربية وجغرافية مواطنين في الدولة الفلسطينية,

وسيعود بقية يهود العالم الذين تركوا "أوطانهم الأصلية", وتجمعوا في ارض "الشتات اليهودي" في فلسطين, إلى بلادهم الأم..

ان الدول التي تريد التعويض على الفلسطينيين ومنحهم الجنسية..
هي الدول عينها التي "ستعوض" على يهود الشتات على أرض فلسطين العربية, وتمنحهم الجنسية.

ارغب في تقديم الخط العام لهذا الكتاب في سلسلة..
"اختلاق إسرائيل القديمة"
وإسقاط ما يلزم من كتابات موازية, على النصوص والأحداث والأفكار والاستنتاجات و "المرامي"..
وارغب في التزامن مع هذه السلسلة..

تقديم سلسلة أخرى تتعلق بتاريخ المدينة التونسية التاريخية قرطاجة وبشكل أدق تاريخ القائد التونسي "هنيبعل"..
وإسقاط ما يلزم من كتابات موازية, على النص, من أفكار معاصرة "قومية" و "سياسية", تستند إلى تاريخ يعاد كل يوم "صياغته" من جديد وتشويهه, وتوظيفه في صراعات إنسانية, ذات أبعاد دينية وأهداف استعمارية..
بمعنى..

لو استطاع الحزب السوري القومي.. الذي يقول بوحدة بلاد الشام التاريخية والكويت وقبرص..
أن يقيم دولته تلك..
ما هي الحقوق "القومية" و "التاريخية" للدولة السورية.. في أرض تونس.. اليوم.
على خلفية القول بوجود "فينيقي" دائم ومستمر لحوالي (800 ) عام في مدينة قرطاجة والسواحل التونسية والليبية..

ما أريد قوله عبر..السلسلتين..
الوجود اليهودي في إسرائيل.. طاريء وزائل..
ولكن التحدي سيبقى هو نفسه..
قبل إسرائيل .. وبوجود إسرائيل .. وبعد إسرائيل..
أي مستقبل عربي نريد.. وأي دولة عربية نريد.. وأي تاريخ يجب أن يكتب..
وأي إنسان "عربي" يجب أن يصنع..

على طريق القدس..


قراءة نقدية في كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة - إسكات التاريخ الفلسطيني"
بقلم: جميل كتانة.

ينطوي هذا الكتاب على أهمية بالغة بالنسبة لتاريخ إسرائيل/ فلسطين القديم؛ فهو يتحدث عن هيمنة "الدراسات التوراتية" بكل ما يتعلق بماضي وحاضر فلسطين، ويدعو إلى كتابة التاريخ الفلسطيني بأقلام الفلسطينيين أنفسهم، والانعتاق من سطوة الخطاب التوراتي. صدر الكتاب عام 1996 بالإنجليزية تحت عنوان "The Invention of Ancient Israel, The Silencing of Palestinian History". وهو صادر، في ترجمته العربية، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت (سلسلة عالم المعرفة) عام 1999. أما مترجمته فهي الدكتورة سحر الهنيدي. يقع الكتاب في 415 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على ستة فصول، ومقدمة توضيحية مطولة للمترجمة.

يتمحور الكتاب حول مخالفة المؤلف للتيارات السائدة المنحازة للخطاب التوراتي/ الإسرائيلي. هذه التيارات متمثلة بالمدرسة التوراتية، أو الباحثين التوراتيين (Biblical Scholars)، وهو اتجاه بدأ بين المؤرخين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وقت ظهور الفكرة الصهيونية، وبداية البحث عن وطن قومي لليهود.

يركّز المؤلف على نقطة جوهرية مفادها أنّ عدة حضارات تعاقبت على فلسطين القديمة، وأنّ إسرائيل القديمة لم تكن إلاّ خيطًا رفيعًا في نسيج التاريخ الفلسطيني الغني. كما أنّ خطاب الدراسات التوراتية متّهم بتجريد الفلسطينيين من ماضيهم، وذلك من خلال البحث المتواصل لهذه الدراسات عن إسرائيل القديمة، بغرض ربط الماضي بالحاضر، خدمة لمكاسب سياسية، وتجاهلها للمعلومات الأثرية الجديدة التي تُعطي صوتًا للتاريخ الفلسطيني.

يؤكد المؤلف على أنّ الخطاب التوراتي قد اختلق إسرائيل القديمة، من أجل عقد تواصل تاريخي بين مملكة إسرائيل القديمة في بداية العصر الحديدي، وبين دولة إسرائيل الحديثة. تنصّ الدراسات التوراتية على وجود لحظتين حاسمتين في تاريخ إسرائيل القديم: الأولى هي نشوء إسرائيل في فلسطين، وذلك في الفترة الزمنية التي تُعتبر فترة انتقال بين العصر البرونزي المتأخر وأوائل العصر الحديدي. والثانية هي تطور إسرائيل متمثلة في مملكة داود وسليمان باعتبارها، وفق الرواية التوراتية، قوة عظمى أو امبراطورية في العصر الحديدي. وقد تعززت المزاعم الصهيونية، كما يرى المؤلف، جرّاء ربط الدراسات التوراتية بين إسرائيل القديمة والحديثة، والتأكيد على الاستمرارية المباشرة بينهما. فما مكّن الصهيونية من الادّعاء بأنّ إسرائيل المعاصرة ما هي إلاّ إعادة بناء لما كان موجودًا في السابق. وهذا، بطبيعة الحال، كان له الدور الحاسم والخطير في طمس التاريخ الفلسطيني.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنّه في مقابل تهميش التاريخ الفلسطيني القديم، يمكن متابعة كيفية اختراع إسرائيل القديمة. فقد سيطرت على الدراسات التوراتية منذ نشأتها فكرة مؤداها أنّ فهم تاريخ إسرائيل القديم جوهري لفهم التوراة العبرية. وكانت محلّ الاهتمام الأول أيضًا بالنسبة للدراسات اللاّهوتية المسيحية بالنظر إلى أنّ المسيحية هي أيضًا دين يعتمد على الوحي في التاريخ.

يتطرق المؤلف في الفصل الأول إلى مسألة انحياز النصوص التاريخية، وإلى أنّ التاريخ يكتبه الأقوياء. من هنا، فإنّ تصوّر الماضي وتمثّله أمر تكتنفه الصعوبات، ليس لمجرد غموض المعلومات التاريخية وقلتها، ولكن لأنّ إعادة بناء التاريخ، الماضي أو الحاضر سواء أكان مكتوبًا أم شفاهيًا، هو عمل سياسي بالدرجة الأولى. بما يتعلق بإعادة بناء إسرائيل القديمة، فإنّ العناصر السياسية والثقافية والدينية قد لعبت دورًا محوريًا في هذا البناء. يقوم المؤلف بمناقشة العديد من الآراء والأفكار لمؤرخين ممن كتبوا عن إسرائيل القديمة، فجاءت كتاباتهم متأثرة بالخطاب التوراتي، بل منحازة إليه انحيازًا تامًّا. بعد دحضه لمواقف المؤرخين وانحيازهم للخطاب التوراتي يقول المؤلف مُجملاً:

"من الواضح إذن أنّ أخذ العوامل المهمة في محاولتنا لفهم إسرائيل القديم، وتواريخ الكيانات الأخرى، وإن كان هذا العامل غير مصرّح به دائمًا، هو أنّ كتابة التاريخ هو عمل سياسي، وكيف أنّ تلك المواقف والآراء السياسية تحدّد برنامج البحث وتؤثّر بشكل قوي في نتائج أبحاث المؤرخين، وأنّ هذا البرنامج يؤدي إلى كتابة نصوص منحازة".

بعد ذلك يضرب المؤلف عدة أمثلة للتأكيد على انحياز التاريخ وتسييسه. وأكبر مثال على ذلك ما قامت به الدول القومية الأوروبية، ابتداء من الثورة الصناعية فصاعدًا، من إنشاء تواريخ قومية لتبرير مكانتها في العالم، وجعلها مثالاً يُحتذى. وهذا ينطبق بشكل خاص على بريطانيا، حيث اتّخذ الماضي شكلاً أكثر تركيزًا، وذا مغزى حديث، كمصدر للرموز والمُثل السياسية. بالقابل، يضرب المؤلف أمثلة لدول وقعت تحت الاستعمار، ولم تنجح في فهم ماضيها وحاضرها من خلال إعادة صياغة تاريخها، كما حصل مع الهند. فهي، رغم رفضها للروايات الاستعمارية البريطانية حول تاريخها، قبلت في نهاية الأمر النماذج التي وضعتها اتجاهات البحث العلمي البريطانية، حتى أنها قبلت تقسيم التاريخ الهندي إلى الحقبة الهندوسية، والحقبة الإسلامية، والحقبة البريطانية. وهذه التقسيمات الزمنية أصبحت فيما بعد مرادفة للتاريخ القديم، وتاريخ القرون الوسطى، والتاريخ الحديث.

ومثلا الهند وبريطانيا اللذان ضربهما المؤلف يؤكدان على ما يرمي إليه من أنّ معظم الدول القومية الحديثة قد بذلت جهودًا كبيرة في سعيها لفهم ماضيها. والروايات الرسمية لأمّة من الأمم تؤكّد مظاهر معينة في الهوية القومية، وهي في الوقت نفسه تُنكر صوتًا مسموعًا لروايات بديلة. وإسرائيل شأنها شأن غيرها من الدول القومية الحديثة، قد بذلت الجهد والمال الهائلين في البحث عن تاريخها القديم.

لقد ركّزت الحركة الصهيونية، من خلال إعادة كتابة الماضي، على ذلك التاريخ الذي يتّخذ شكل الكيان القومي الموحّد الذي يبحث عن مساحة قومية من الأرض، وهو يكافح من أجل الإبقاء على هويته القومية وعلى الأرض من خلال الأزمات التاريخية. فالحركة الصهيونية التي نشأت في القرن التاسع عشر بعد صعود حركة القوميات الأوروبية، قد ادّعت باستمرار أنّ رسالتها التاريخية في العودة إلى أرض خالية، وصحارٍ قاحلة. تلك الأرض التي تنتظر وصول التكنولوجيا الأوروبية حتى تصبح قابلة للسكن والأزدهار. لذلك تمّ تصوير دولة إسرائيل الحديثة على أنها جزء لا يتجزأ من العالم المتحضر، وعلى أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. لذلك كله، يرى المؤلف أنّ اهتمامات الدراسات التوراتية، وخاصة ما يتعلق بطبيعة أبحاثها التاريخية، بحاجة إلى أن تُفهم ضمن السياق السياسي والثقافي الأوسع. كما أنّ خطاب الدراسات التوراتية يجب أن يوضع ضمن الخطاب الاستشراقي الأشمل.

في الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن إنكار المكان والزمان الفلسطينيين. فالدراسات التوراتية تلاعبت بالأسماء المختلفة للمكان حتى تخدم أغراضها السياسية، من خلال إضفاء شرعيتها وسلطتها على المكان. يشير المؤلف إلى علاقة الأحداث السياسية المعاصرة في فلسطين بالنزاع على المكان؛ فالاحتلال الإسرائيلي الطويل للضفة الغربية وغزة، والانتفاضة الفلسطينية، والكفاح الفلسطيني لتقرير المصير وللحصول على وطن خاص بهم، كل هذا يجعل من هذه المصطلحات شيئًا خلافيًّا. والتوترات التي حصلت بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 بين الطرفين أدّت إلى ازدياد أهمية ومغزى ومعضلة التعريف بالمكان. فمسألة فلسطين والتاريخ الفلسطيني في مقابل إسرائيل والتاريخ الإسرائيلي، لا يمكن فصلها عن الادعاءات المعاصرة وكذلك الادعاءات المضادة المتعلقة بالماضي. لقد وظفت الدراسات التوراتية عددًا مذهلاً من التعبيرات للدلالة على المنطقة مثل: الأرض المقدسة، أرض التوراة، أرض إسرائيل، يهودا، كنعان، شرق الأردن، فلسطين السورية، فلسطين، الشرق. وفيما يتعلق بالعديد من الأعمال الأساسية في التاريخ الجغرافي والدراسات التاريخية حول المنطقة، تبدو كل هذه التعبيرات للقارئ العادي مترادفة، بل وحتى حيادية. إلاّ أنّ تسمية الأرض تتضمن معاني السيطرة على هذه الأرض؛ فتعبيرات مثل: الشرق، الشرق الأوسط، الشرق الأدنى، تدلّ على فهم أوروبي ضيّق للعالم.

من خلال استعراضه للعديد من الدراسات التوراتية، يرى المؤلف أنّ فلسطين يتم اختزالها لمصلحة "أرض الميعاد"، للدلالة على وطن إسرائيل. فهي ليست وطن الفلسطينيين أو الشعوب الأصليّة. واختيار تعبير "الوطن" يأخذ مغزى مضاعفًا في ضوء استعمال هذا التعبير في وعد بلفور. كذلك، تُصوّر هذه الدراسات الأرض على أنها جرداء وخالية، ففلسطين تقدَّم للقارئ فقط على أنها "مشهد تاريخ إسرائيل". وتصبح مأهولة وذات أهمية في حالة واحدة فقط، وهي تحقيق الوعد ودخول إسرائيل إلى مسرح الأحداث.

أما بالنسبة للزمان، فهو تمامًا كالمكان. فهو مفهوم سياسي، وأداة القوة التي تستخدمها الأيديولوجيا. وقد تمّ استغلاله من قبل الدراسات التوراتية لإنكار أي حقيقة زمنية للتاريخ الفلسطيني. لقد تمّ بفعالية إنكار تاريخ فلسطين القديم وزمانها الخاص. بل إنه أصبح موضوعًا لطغيان الزمان التوراتي جرّاء تقسيم التوراة العبرية إلى فترات جامدة. وهذا التقسيم كان العامل الأساسي الذي حدّد مجرى خطاب الدراسات التوراتية. فتمّ تقسيم المنطقة بشكل متقن في خانات؛ فكانت هناك مرحلة الآباء، ثم الخروج والغزو والاستيطان، ثم تبعها مرحلة مملكتي داوود وسليمان الموحدتين، وممالك إسرائيل ويهودا المنقسمة، ثم المنفى وبعد ذلك الإصلاح. وعلى هذا الأساس يصبح تاريخ المنطقة هو تاريخ الشخصيات والأحداث الأساسية في التراث التوراتي. إنّه البحث التقليدي عن الشخصيات الكبرى والتاريخ الفريد. إنّ طغيان الزمان التوراتي هذا يُسكت بفعالية التاريخ الفلسطيني، وهذا ما دعمته وأكدته الدراسات الغربية.

ثم يُكمل المؤلف مفنّدًا هذه المزاعم بالقول: إنّ الدراسات التوراتية افترضت خلال معظم القرن العشرين أنّ المشروع التطوري يتجه من العهد القديم مارًّا بفترة ما بين العهد القديم والعهد الجديد، ليصل إلى الذروة في العهد الجديد. ولكن هذا التقسيم لا يمتّ بأي صلة إلى أي حقيقة تاريخية، وإنما إلى افتراضات دينية لاهوتية تدور حول الطبيعة التطورية للوحي. من هذا المنطلق، يرى المؤلف أنه لا ينبغي تصنيف تاريخ فلسطين تحت بند التاريخ الإسرائيلي أو الزمان التوراتي. إذ إنّ للتاريخ الفلسطيني إيقاعه ونمطه الخاصّين به، وهما جزءان أساسيان من تارخه الخاص، يكوّن بدوره جزءًا من التاريخ العالمي. يجب الاهتمام بالمجتمعات الصغيرة في فلسطين، وكذلك بالتنوع الكبير الذي يشكّل تلك الحالة الفريدة التي تُدعى فلسطين. لذلك كله، يرى المؤلف أنه قد حان الوقت للتاريخ الفلسطيني أن ينبذ بشكل رسمي البرنامج والقيود التي فرضها عليه التاريخ التوراتي.

في الفصل الثالث المعنون بـ "اختلاق إسرائيل القديمة"، يرى المؤلف أنّ الدراسات التوراتية قد اختلقت التاريخ وشوّهته من أجل خدمة إسرائيل، وأنها سخّرت الماضي من أجل خدمة الحاضر. يُجري المؤلف مقارنة بين الماضي والحاضر، من خلال مقارنة إعادة بناء تاريخ الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين مع الأحداث السياسية التي سادت في المنطقة في العشرينات من القرن العشرين. فالهجرة السلمية لليهود إلى أرض فلسطين تسببت في نهاية الأمر في إنشاء دولة، قضت على نظام دول محلية عديمة الكفاءة. ففي بداية العشرينات من القرن العشرين، عندما كانت الصهيونية، التي تتمتع بوعي قومي عالٍ، تبحث عن وطن قومي لها في فلسطين عن طريق الهجرة والاستيطان، كان من الشائع إنكار أي حسّ بالوعي القومي لدى عرب فلسطين. لقد انتشرت هذه الأفكار بشكل واسع رغم زيفها، فالشعور القومي كان آخذًا بالنهوض بين عرب فلسطين منذ 1880، وذلك بشكل متوازٍ مع الشعور بالنهوض القومي لدى اليهود. إنّ سوء الفهم فيما يتعلق بربط الوعي القومي والوحدة في المنطقة بالهجرة الصهيونية، وما رافقه من الحطّ من قدر التنظيمات السياسية المحلية، كان شيئًا واسع الانتشار في خطاب الدراسات التوراتية.

ويخلص المؤلف إلى نتيجة مفادها أنّ تاريخ إسرائيل، حسب الدراسات التوراتية، يبدأ بينما التاريخ الفلسطيني ينتهي. إنّ الماضي مُلك لإسرائيل. أما السكان الأصليون، سواء أكانوا قد اندمجوا في إسرائيل أو تمّت إبادتهم، فليس لهم حق في هذا التاريخ. لقد أدى البحث عن إسرائيل القديمة، في الدراسات العلمية الألمانية والأمريكية، إلى اختلاق هذا الكيان في فترة حرجة من تاريخ المنطقة، وهي فترة الانتقال من العصر البرونزي المتأخر وأوائل العصر الحديدي. وقد أسهمت هذه الاختلافات في إسكات التاريخ الفلسطيني القديم وإبعاده من التاريخ. ففي تلك اللحظة كانت إسرائيل هي فلسطين. أما فلسطين وتاريخها، والمكان والزمان الفلسطينيان، فكل هذا تمّ إخضاعه بشكل كامل من قبل إسرائيل وادّعاءاتها بالماضي، كما صوّرته الشخصيات الكبرى في الدراسات العلمية التوراتية في الغرب.

يخلص المؤلف إلى القول، في نهاية الفصل، بأنّ الدراسات الجغرافية اختلقت جغرافيتها الخاصة، وذلك في محاولتها بناء روايات مختلفة للماضي، وهذه الروايات متأثرة بقوة بالعوامل الاجتماعية والسياسية والدينية التي شكّلت نظرة المؤرخ للماضي والحاضر. وتمامًا كما قبل المستوطنون الصهيونيون الأوائل، اعتقد الباحثون التوراتيون، أو على أقل تقدير، حاولوا بث الاعتقاد أنّ الدراسات التوراتية كانت تعمل في فراغ سياسي. فلا يزال خداع الذات في البحث عن الموضوعية مستمرا. كما أنّ محاولات إبعاد شبح العامل الذاتي، أو الدلالات السياسية للدراسات التوراتية بالنسبة إلى الصراع الحالي حول فلسطين لم تلق إلاّ استقبالاً عدائيًّا.

في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان "إنشاء دولة إسرائيلية"، يتحدث المؤلف عن الدعاية الصهيونية التي ربطت الماضي بالحاضر، من خلال تأكيدها على الأحقية في امتلاك الأرض على أساس السابقة التاريخية بوجود دولة إسرائيلية مستقلة وذات سيادة في المنطقة. هذه الدولة تدّعي الحق في الأرض باعتبار أنّ هذا هو التعبير النهائي عن التطور السياسي، وهو يلغي ويتجاوز كل نوع آخر من التنظيم السياسي في المنطقة، وهي التنظيمات التي يُنظر إليها في نهاية المطاف على أنها أحطّ. تتجسد هذه المزاعم في الإشارات المتكررة إلى أرض إسرائيل التاريخية في أيامنا هذه. كما أنّ إعلان الاستقلال الإسرائيلي لعام 1948 يشير إلى إعادة إنشاء الدولة اليهودية. وما هذا التعبير إلاّ إعادة صياغة لوعد بلفور الذي أُعلن قبل واحد وثلاثين عامًا من إنشاء الدولة. ذلك الوعد الذي تحدث عن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وعليه، فإنّ دولة إسرائيل المعاصرة ما هي إلاّ إعادة بناء لما كان موجودًا في الماضي. إنّ الباحثين التوراتيين وعلماء الآثار، كما يؤكد المؤلف، قد بحثوا عن دولة كبرى في العصر الحديدي، قوية وذات سيادة مستقلة، ومؤسسها الملك داوود. وتصوّروا أنّ هذه الدولة قد وُجدت بالفعل. وقد هيمنت تلك "الحقيقة" المزعومة على خطاب الدراسات التوراتية خلال معظم القرن العشرين، وأتاحت مجالاً لتطوير كثير من فرضيات التراث التوراتي. وهذه الحقيقة المزعومة أسهمت أكثر من أي شيئ آخر في إسكات التاريخ الفلسطيني، وكانت عقبة في وجه أي روايات أخرى بديلة للماضي.

إنّ اختلاق إسرائيل القديمة قد شجّع الزعماء الإسرائيليين، أمثال دافيد بن غوريون ومناحيم بيغين، على التصريحات في مناسبات مختلفة حول شرعية قيام دولة إسرائيل، وأحقيتها في امتلاك الأرض. ليس ذلك فحسب، بل أحقيتها أيضًا في التوسع على حساب جيرانها الفلسطينيين والعرب. بمعنى آخر، المطالبة بإسرائيل التوراتية الممتدة من النيل إلى الفرات حسب مزاعمهم. كذلك دأب القادة الإسرائيليون على ربط الماضي بالحاضر من خلال تأكيدهم على أنّ إسرائيل أقيمت لأغراض دفاعية بحتة، تمامًا كما أنشئت إمبراطورية داوود القديمة للدفاع عن أرض إسرائيل ضد الفلسطينيين الغزاة. فإسرائيل في حربها مع الدول العربية إنما تفعل ذلك من أجل الدفاع عن نفسها وهويتها وبقائها. بعد ذلك، ينتقل المؤلف إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي إنكاره التام لوجود ما يسمى "مملكة داوود". فبرأيه أنّ دولة كبرى إلى هذا الحدّ لا بدّ أن تُحدث تغييرات كبرى في التنظيم الاجتماعي والسياسي، وأن تترك بعض الأثر في الوثائق الأثرية على الأقل. إنّ "إمبراطورية" داوود المزعومة، كما يؤكد المؤلف، لم تترك أي آثار مادية تُذكر، نقّب عنها وحدّد مواقعها علماء آثار محترفون.

ويخلص المؤلف إلى القول إنّ الخطاب المهيمن للدراسات التوراتية متورط في عملية تجريد الفلسطينيين من ماضيهم وأرضهم بتكراره المستمر لعدد من الادّعاءات التي تربط الماضي بالحاضر؛ كالادّعاء بامتلاك الأرض والتركيز على فساد، وعدم كفاءة، وفشل الأنظمة السياسية المحلية في الوصول إلى ذروة الحضارة، وتأكيد الحاجة إلى مهاجرين قادمين من خارج فلسطين لتحقيق إمكانيات الأرض، ومفهوم الامبراطورية الدفاعية، وكذلك فكرة إسرائيل الكبرى. إنّ الإصرار على الاستمرارية بين الماضي والحاضر لا يُنظر إليه إلاّ في إطار الاستمرارية بين إسرائيل التي حكمها داوود ودولة إسرائيل المعاصرة. أما الشعب الفلسطيني فليس هناك أي مفهوم مماثل لأي استمرارية له بين الماضي والحاضر.

في الفصل الخامس يسلّط المؤلف الضوء على الكتابات الجديدة، أو البحث الجديد (New Search) عن إسرائيل القديمة. يستعرض المؤلف عدة أبحاث لمؤرخين مختلفين، والتي اعتُبرت على أنها تحدّ رئيسي للتصورات المهيمنة السابقة، مما أسهم في تحول مهم لرؤيتنا وفهمنا لطبيعة إسرائيل القديمة أو وجودها فترة الانتقال بين العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي. لقد أسهم الجدل الذي أثارته هذه الأعمال في إعادة تقييم الفترات المبكرة من التاريخ الإسرائيلي. أما التحدي الأكبر فكان تحديًا للرواية المهيمنة والمستمرة منذ زمن بعيد، والتي مفادها أنّ الدراسات التوراتية هي المرجع الأفضل والوحيد لدراسة التاريخ الإسرائيلي في تلك الفترة. فمعظم الأعمال الحديثة، التي يذكرها المؤلف، تثير الأسئلة حول فائدة التراث التوراتي فيما يتعلق بفهم نشوء أو جذور إسرائيل، وتركّز على أنّ هذا التراث، في شكله الحالي، يفسّر أحداثًا لاحقة، ويساعد بشكل أفضل على فهم فترة الهيكل الثاني في المملكة أكثر من فائدته في فهم إسرائيل في فترة الانتقال بين العصر البرونزي المتأخر وأوائل العصر الحديدي. لكن هذه الدراسات الحديثة، رغم محاولة ترويجها لفكرة وجود تاريخ فلسطيني كموضوع قائم بذاته، لكنها في الوقت نفسه، ظلّت دومًا مقيدة بخطاب الدراسات التوراتية الذي أصرّ على ادّعاءات إسرائيل بحقها في الماضي.

ثم ينتقل المؤلف ليتحدث عن الدّور الذي لعبه المؤرخون والسّاسة الإسرائيليون في إطلاق الأسماء التوراتية على الأماكن المختلفة في فلسطين، خاصة في الضفة الغربية التي تشكّل إحدى بؤر النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

يُجمل المؤلف الفصل الخامس بالقول إنّ الدراسات التوراتية رفضت الاعتراف بمشكلة الصراع الفلسطيني من أجل تقرير المصير أو مواجهتها. فمسألة دولة إسرائيل المعاصرة ومعاملتها للفلسطينيين ظلّت مسألة حساسة للغاية، لم يثرها خطاب الدراسات التوراتية. وتهدّد هذه المشكلة في بعض الأحيان بالظهور على السطح، ولكن في كل مرة تُمنع بنجاح. لهذا، فالدراسات التوراتي متورطة في عملية سلب حقوق الآخر، وطمس تاريخه، وإسكات صوته.

في الفصل السادس الذي سمّاه المؤلف "ردّ الاعتبار للتاريخ الفلسطيني"، يؤكّد أنّ النضال من أجل السماح بسرد التاريخ الفلسطيني، متمثّلاً بوليد الخالدي وإدوارد سعيد وغيرهما، قد أخفق في استعادة الماضي القديم من قبضة الغرب وإسرائيل. على أنّ ذلك لا ينبغي له أن يثبّط من عزيمة هذه الدراسات التي تحاول إعادة الحق للفلسطينيين. إنّ السمة الأساسية في دراسة التاريخ الفلسطيني لهذه الفترة ينبغي أن تكون التحقيق في السمات الاجتماعية البيئية، والاقتصادية للمستوطنات في المنطقة ككل. فظهور واستعمال المباني ذات الأعمدة، ومخازن الغلال، وخزانات المياه، وسلسلة الأراضي المرتفعة، وأشكال الأواني الخزفية، من شأنها أن تخالف النظريات التي تدّعي أنّ سكان هذه المواقع كانوا بدوًا رحّلاً في طريقهم إلى الاستقرار. كما يجب تكثيف التحريات الميدانية، والبحث عن الآثار المتعلقة بالمجتمع الفلسطيني القديم لكي يتحرر من قبضة التاريخ التوراتي. إنّ ذلك من شأنه إعلاء الخطاب الفلسطيني، وهذا الأخير يوفّر فهمًا أكثر إيجابية للمنجزات المادية والحضارية لسكان هذه المنطقة ككل. فالنظرة التطورية التي افترضت حلول الحضارة الإسرائيلية محلّ الحضارة الكنعانية هي مكيدة تؤدي إلى الحطّ من قدر المميزات الجمالية والثقافية في الآثار الفنية للأواني الفخارية والخزف المزخرف والزجاجيات والحليّ وغيرها، مما نراه في آثار فلسطين.

ويخلص المؤلف إلى القول بأنه يجب السماح بسرد رواية التاريخ من وجهة نظر مختلفة. وحتى نتمكّن من تحقيق هذه الفكرة، سيكون من المحتّم التحرر من قبضة وقيود الدراسات التوراتية، ومن ثمّ المطالبة بموقع للتاريخ الفلسطيني ضمن الخطاب الأكاديمي في أقسام التاريخ، والذي تجاهله هذا التاريخ على أساس أنه جزء من تارخ إسرائيل القديمة، المستند إلى التوراة.

وختامًا، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب بحث متميّز ورياديّ في مضمونه وأسلوبه. وهو في نفس الوقت غني بالمعلومات والحقائق، من خلال ربط الماضي بالحاضر. كما أنه كتاب جريء لكونه يستعرض وجهة نظر أخرى مخالفة للدراسات التوراتية التي هيمنت على سواها بما يتعلق بتاريخ فلسطين وحاضرها.

 

حين سئل إدوارد سعيد عن أفضل كتاب قرأه عام 1996، كتب في مجلة Tines Literary Supplement اللندنية، في 29 نوفمبر 1996 يقول إنه كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني". وقال عن الكتاب إنه عمل أكاديمي من الطراز الأول، أسلوبه بالغ الدقة، وكاتبه يتمتع بجرأة كبيرة في نقده للعديد من الفرضيات حول تاريخ إسرائيل التوراتي.

المصدر: عرب48




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !