" فكلنا عمر..." هكذا كان جواب الشباب المغربي
عمر إنسان اختار صف الشعب وقواه الحيّة. لذلك كان على الدوام هدفاً لأجهزة القمع وآليات الإرهاب والترهيب. وهذا ما أذكى إصرار استمراره على الدرب مرتفع الرأس شامخ الهامة
عمر
عمر..رجل مفكر وقائد نقابي وسياسي وصحفي متميز، ربط دوماً القول بالفعل
عمر... الصمود
بالرغم من القمع والتنكيل والإرهاب والترهيب ظل صامداً على الدرب يسير
تعرض للخطر والموت والاغتيال أكثر من مرّة، ولم يزده ذلك إلا إصراراً على السير قدماً في الدرب
حُكم عليه بالإعدام رفقة الفقيه البصري سنة 1963، وكانت محاولة الاغتيال بالطرد الملغوم سنة 1973. أما الاعتقالات، فهي كثيرة... لقد عاين عمر جل معتقلات زمانه واستضافته الكثير من زنازين السجون
عمر... والموت
كم من مرّة صاحب الموت الشهيد عمر بنجلون،
وكم من المكائد هُيئت ضده، لكنه ظل على الدرب سائراً
عمر... أحرج رفاق الأمس
عمر بنجلون كان مثله مثل المهدي بنبركة في جملة من الجوانب والصفات فقد لقي ذات النهاية، وكان يتوفر هو كذلك على القوّة والقدرة المتميزتين والتنظير والإيمان الراسخ بحتمية التغيير وضرورة تفعيله وإعمال آلياته.
عمر... رمز النضال الديمقراطي الذي لا يهادن
عمر... ضحية من ضحايا الغذر بهذا الوطن
عمر... شهيد صحافة الإتحاد الاشتراكي، الأب الروحي لك. د.ش، رأس الحربة في مقاومة البيروقراطية النقابية ومهندس نقابة البريد خارج الإتحاد المغربي للشغل، ومن ثمة كانت بداية أخرى أضيفت إلى البدايات الماضية واللاحقة
عمر... الرجل الهائم في حبّ وطنه وشعبه حتى الموت وهذا ما كان عندما صاح الشباب المغربي آنذاك وبصوت واحد: خذوا تيجان العالم وأعيدوا لنا عمر.
عمربنجلون... سيظل الشهيد ـ الرمز.
لقطة حادثة الاغتيال
يوم الخميس 18 دجنبر1975 حوالي الساعة الثالثة والنصف زوالاً يعود عمر بنجلون من مقر الجريدة... تقف سيارته رونو 16 البيضاء غير بعيد من منزله الكائن برقم 19 زنقة كامي دي مولان (شارع المسيرة الخضراء الآن) بالدار البيضاء. لقد أتى خصيصاً لمرافقة والدته لقضاء إحدى المآرب . نزل عمر بنجلون من سيارته... اقترب منه شخص... مدّ له عمر يده للمصافحة... لكن شخص آخر ينهال عليه من الخلف بقضيب حديدي سميك على رأسه... ثم يباغته مصافحه بطعنة خنجر غاذرة في اتجاه القلب... سقط الشهيد عمر قرب سيارته البيضاء والدم ينزف من صدره.
في تلك الأثناء كان يمر بالمكان رجل أمن ممتطياً دراجته النارية... تعرف على الشهيد عمر ملقياً على الأرض والدم ينزف من صدره... وقبل ذلك وهو آت عاين الجريمة النكراء كما عاينها بعض المارة...
انطلق الجناة فارين فلحق بهم بعض المارّة... وزاد رجل الأمن من سرعة دراجته لملاحقة أحد المنفذين... وتمكّن من إلقاء القبض عليه على بعد مسافة قليلة من مكان الجريمة النكراء
هكذا... وفي رمشة عين خسر الشعب المغربي المناضل الكبير عمر بنجلون صاحب المواقف الجذرية فيما تعلق بالنقاش الديمقراطي والحريات والغد الأفضل
ويحضر إلى عين المكان مفتش الشرطة سعيد مصطفى من المقاطعة الثانية للأمن رفقة نائبه نحرجاوي ووضعا يدهما على أحد المنفذين الذي حاصره رجل الأمن صاحب الدراجة النارية بمعية بعض المواطنين
التحق الشهيد عمر بنجلون بالرفيق الأعلى على إثر طعنة قاتلة في قلبه بالشارع العام وفي عز الظهيرة.
… على التو انتشر الخبر.
" تعرضت جماعة من المجرمين إلى تعبئة نفسية ودينية ضد الشهيد، وتم تحديد خطة لتنفيذ العملية. تتبعت تحركا ته مدّة ليست بالقصيرة قبل القدوم على اغتياله".
وظلت الحقيقة في هذه القضية رغم مرور ما يناهز 3 عقود على حادثة الاغتيال الشنيع غامضة. وظلت الحقيقة الوحيدة التي لم تستطع أي جهة نكرانها، حتى قبل صدور الأحكام، هي أن المعتقلين الماثلين أمام العدالة هم مجرد منفذين. وظل السؤال ملحاً: من قتل عمر؟؟؟؟؟
انكشاف الأمر منذ البداية
في ذات اليوم الخميس 18 دجنبر 1975 انتشر الخبر كالهشيم في مختلف أرجاء البلاد وخارج حدودها ومنذ الوهلة الأولى كان الرأي الغالب هو ذلك الرأي الذي يوجه أصابع الاتهام لأجهزة الدولة ورغم الإعلان عن اعتقال أحد منفذي الجريمة ظل هذا الرأي هو الغالب
أياد ملطخة بدماء أبناء هذا الوطن الأبرار عبأت و جهزت عاطلا واسكافيا وخياطا للنيل من الشهيد عمر بنجلون بضربة غاذرة قاضية
ومما يؤكد أن المعتقلين كانوا مجرد أداة تنفيذ تم العثور على لائحة تضم عشرات الأسماء المرشحة لنفس المصير الذي لقاه الشهيد عمر ومن ضمنهم 70 إطارا سياسيا في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
وفي الحصص الأولى للتحقيق وردت أسماء عدة شخصيات وأشير إلى ضلوعها في جريمة الاغتيال إلا أن هذه المحاضر كلها اختفت بقدرة قادر ودفعة واحدة من ملف المحكمة
وبجانب كل من تربطهم صلة واضحة بالشعبة الإسلامية أثيرت وذكرت وكشف أسماء أخرى لشخصيات وازنة لها يد في عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون
لذلك ستظل القضية مؤجلة إلى أن تحضر الإرادة والشجاعة للكشف عن الحقيقة كل الحقيقة ولاشيء إلا الحقيقة . ولن يقفل الملف طال الزمن أم قصر إلا بكشف الحقيقة وتقديم المجرمين المتستر عليهم للمساءلة ومساءلة بعضهم قد بدأت فعلا لكن من طرف أبنائهم ودويهم
عناوين صحافية ظلت عالقة في الأذهان
لقد تابع الشعب المغربي خبر اغتيال الشهيد عمر بنجلون ومراحل التحقيق والمحاكمة ومختلف الآراء المعبر عنها في هذا الصدد عبر وسائل الإعلام، لاسيما الصحافة.
كانت كل الصحف الجادة، غير العميلة ولا الموالية، جعلت من قضية اغتيال الشهيد عمر بنجلون موضوعها المحوري والأساسي على امتداد ردح من الزمن.
وقد عنونت مقالاتها بعناوين ظلت عالقة في الأذهان نسوق منها هذه العينة :
ـ من قتل عمر؟... القضية لم تُغلق
ـ عمر بنجلون كان زعيماً قادماً بخطوات ثابتة، لا يُساوِم فتمت تصفيته
ـ شهيد... رحل قبل أوانه
ـ رغم بداية المحاكمة... الجريمة ثابتة... والتحقيق لم يكتمل
ـ ملف اغتيال عمر بنجلون مازال مفتوحاً
ـ المحاكمة الحقيقية ستجرى في وقت آخر
وما هذه إلا عيّنة... وكل هذه العناوين انكشف مدلولها الآن بشكل مفضوح، وليس بعد الوضوح إلا الإقرار بالحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء إلا الحقيقة
ماذا قالوا عن عمر؟
الفقيه البصري
في حديثه مع جريدة كازابلانكا –العدد 18 -22-29 مارس 2002- تحدث الفقيه البصري عن الشهيد عمر بنجلون وصرح بما يفيد أن حياته في خطر ورغم ذلك ظل وفيا لمبادئه سائرا على الدرب بثبات
لقد قال الفقيه البصري أنه كان دائما يعتبر أن سبعينات القرن الماضي لابد وأن تنال نصيبها من الضحايا وآنذاك بعث بإشارة إلى الشهيد عمر بنجلون يقول عبرها إن تلك المرحلة ليست بمرحلته
واقترح عليه مغادرة المغرب أو على الأقل المكوث في الظل والاختفاء من الصفوف الأمامية ومن خط المواجهة
وبعد هذه الإشارة توجه الشهيد عمر للالتقاء بالفقيه البصري لكن هذا الأخير رفض اللقاء بدعوى أن لقاءه به سيكون سببا لتصفيته جسديا
وقد أكد الفقيه البصري أنه كان على يقين بأن أعداءه يرغبون حثيثا في تصفيته والتخلص منه لهذا نصحه بالابتعاد عن جريدة المحرر وقد كلف كل من اليازغي والمهدي العلوي وآيت قدور والخصاصي بتبليغه هذه الرسالة وذلك باعتبار أن المرحلة ليست مرحلته وأنه رجل المرحلة الموالية مادام ما كان يجري ويدور آنذاك بالمغرب بعد المحولتين الانقلابيتين الفاشلتين كان مجرد تكتيكا مكشوفا ومحاولة لربح الوقت فقط أي أنه كان أبعد ما يكون عن نية حقيقية أكيدة وصادقة لتحقيق الديمقراطية والإقرار بالمؤسسات وسيادة الشعب
عبد الرحمان بنعمرو
لقد اعتبر عبد الرحمان بنعمرو أن العفو على منفذي عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون لم يكن موضوعيا باعتبار أنه شمل بعض المحكوم علهم في جرائم اغتيال وإن كانت جرائم اغتيال سياسية بامتياز ولم يشمل معتقلين آخرين اتهموا وحوكموا بنفس طبيعة الجرائم
وبخصوص اغتيال الشهيد عمر مازال الملف لم يفتح بعد ولازالت حقيقته غائبة ولامناص من فتحه
محمد عابد الجابري
يؤكد محمد الجابري أن أولى إرهاصات الإرهاب هي تلك التي انطلقت في الثالثة من زوال يوم 18 دجنبر 1975 أي يوم اغتيال الشهيد عمر بنجلون وهو اغتيال استهدف من خلال الشهيد عمر الاتحاديين بعد المؤتمر الاستثنائي 1975
عبد الحميد جماهري
لقد قال في حقه عبد الحميد جماهري كان عمر خارجا من زمن من حديد من اعتقالات لم تكف ولم تهن لكنه كان شجرة تطول في الوضوح وتفعيل اليقين النضالي والاقتناع بالتربية السياسية ليصوغها في خطة عمدها دمه لحظة لاستراتيجية النضال الديمقراطي في جسده وفكره انتهى زمن ومنها انبثق زمن آخر
الأجهزة الأمنية واغتيال الشهيد عمر بنجلون
إذا كان أحمد سعد ومصطفى خزار قد أكدا أن عناصر المجموعة ذات العلاقة بتنفيذ تصفية عمر بنجلون تلقت التعليمات من عبد عبد العزيز النعماني فإن أحمد البوخاري، أحد أعضاء "الكاب"، صرح بصريح العبارة، دون لف ولا دوران، أن حادث اغتيال عمر ينجلون كان من تخطيط "الكاب" ومن تنفيذ من الشبيبة الإسلامية.
وقد أكد البوخاري أن المخطط الأصلي هو تصفية الشهيد عمر دون ظهور أي مسؤول أمني في الصورة طيلة إعداد العملية. كما أوضح أن القار اتخذ سنة 1975.
فحسب تصريحات البوخاري، كانت عناصر أمنية على اتصال مباشر بمنفذي عملية الاغتيال الذين وعدهم مسؤول من مديرية المحافظة على التراب الوطني "الديسطي" بالحماية الكاملة، كما أنهم تلقوا التعويض المالي المتفق عليه مع قيادتهم. وبعد تنفيذ العملية ظل التحكم في الملف في مختلف مراحله بداية من تحقيق الشرطة القضائية وقاضي التحقيق والمحاكمة. وداخل السجن استفاد المعتقلين في إطار ملف الاغتيال جملة من التسهيلات
وأضاف أحمد البوخاري أن ملف "الكاب" الخاص بالشهيد يعتبر من القضايا الكبيرة والكبيرة جداً. إلا أنه مازال لم يبح بأي شيء بخصوصه مدعياً أنّه بصدد إعداد كتاب بصدده للنشر. ولم يكشف إلا معلومة جزئية مفادها أن محمد العشعاشي كان في مركز هذا الملف وكذلك صاكا والمسناوي وآخرون.
إن ما توصل إليه "الكاب" هو أن الشهيد عمر بنجلون هو زعيم المستقبل. وكان يليه في تحليل "الكاب" محمد اليازغي. آنذاك في ظهرت تيارات إسلامية أصولية أبرزها الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع الذي توطدت العلاقة بينه وبين "الكاب". وباعتبار أن هذا الأخير اقتنع أن عمر بنجلون بدأ يراكم بجلاء ملامح القائد والزعيم من عيّار المهدي بنبركة تقررت تصفيته الجسدية، وهو قرار نفذ من طرف "الكاب" بواسطة قيادات التيار الأصولي آنذاك.
فحسب أحمد البوخاري هناك ملف خاص بقضية الشهيد عمر بنجلون كان في حوزة "الكاب" وإلى حدود 1967 كانت كل الأرشيفيات بمقره. وهي الأرشيفيات الخاصة بمكافحة التخريب ومكافحة التجسس وأرشيف الشؤون العامة وخزانة حديدية خاصة بأفقير وأخرى خاصة بالدليمي وثالثة خاصة بمحمد العشعاشي. إلا أنه في غضون سنة 1967 تقرر تغيير مقر "الكاب: بشكل مفاجئ وعلى وجه السرعة، وترحيله بفيلا بحي السويسي والتي أصبحت مقر مديرية المحافظة على التراب الوطني. وخلال عملية الترحيل استحوذ محمد العشعاشي وفريقه على كل أرشيف "الكاب" وتم نقله إلى الفيلا المذكورة حيث ظل هناك إلى غاية 1973 حيث تم تحويله بالكامل وجملة إلى مديرية مراقبة التراب الوطني. وللإشارة فمنذ مدّة تم إحراق أرشيف هذه المديرية بفعل فاعل.
وهو الحدث الذي أقام ضجة كبيرة على صفحات مختلف الجرائد الوطنية وجملة من وسائل الإعلام الأجنبية.
ودفاعاً على صحة تصريحاته طالب أحمد البوخاري بالحق في الشهادة حتى ولو أدى الأمر لمحاكمته بخصوص المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الجرائم السياسية الجسيمة والتي يعتبر نفسه شاهد عيان بصددها.
وبهذا الخصوص صرح أكثر من مرّة انه على علم بتفاصيل دقيقة حول اغتيال الشهيد عمر بنجلون إلا أنّه حجم على ذكرها وذكر المخططين لها أو الذين أصدروا الأمر بالتخطيط وإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، معتبراً أن وقت الكشف عنها لم يحن بعد. وهذا ما صرح به كذلك، وبنفس الصيغة تقريباً، كل من أحمد سعد ومصطفى خزار بعد الإفراج عنهما. وفي هذا ما يدعو إلى أكثر من تساؤل؟
قيل أنها المحاكمة...
"مسرحية بإخراج وسيناريو رديئين جداً"
قبل البدء
من الأمور التي دعت إلى جملة من التساؤلات قبل بداية المحاكمة، كون التحقيق التفصيلي توقف لمدّة سنتين تقريباً، كما تم تغيير قضاة التحقيق ثلاث مرّات .
وانطلقت المحاكمة بالرغم من أن إجراءات التحقيق الفعلية للكشف عن الحقيقة لم تكن قد بدأت بعد .
مسرحية من ثلاثة فصول...
انطلقت المحاكمة في 22 يونيو 1979، وذلك بعد أن تعاقب على التحقيق في ملف النازلة ثلاثة قضاة: محمد الأنصاري الفيلالي ومحمد الهرابلي وأحمد الكسيمي
وكان الجميع ينتظر من المحاكمة كشف النقاب على حل ملابسات جريمة الاغتيال. إلاّ أن القائمين على الأمور اعتمدوا خطة رامت حصر عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون في إطار جريمة عادية بغية إسقاط البعد السياسي والتآمري للجريمة
وبذلك قُدِّم المعتقلون للعدالة دون أدنى إشارة للشخصيات التي دبّرت الاغتيال والتي وردت أسماؤها خلال مجريات التحقيق سواء عند الشرطة القضائية أو أمام قاضي التحقيق. ومنذ تلك اللحظة أجمع رفاق الشهيد عمر بنجلون على أن الذين قُدموا للمحاكمة ما هم في واقع الأمر إلا كباش فداء لإسدال الستار وبسرعة على إحدى أكبر عمليات الاغتيال السياسي التي عرفتها البلاد .
وكل المحامين، فريق الدفاع المدني، وكل متتبعي القضية أجمعوا على أن المدبرين الحقيقيين للاغتيال لن تطالهم العدالة آنذاك وسرعان ما بدأت الأحداث تؤكد هذا التوجه. علماً أنه سبق للشهيد عمر بنجلون في غضون شهر يناير 1973 أن توصل عبر البريد بطرد ملغوم بغية النيل منه، لولا أنّه فطن إلى الأمر. ولا داعي للتأكيد أنّه من تحصيل حاصل القول بأن التقنية المعتمدة في إعداد الطرود الملغومة هي تقنية دقيقة آنذاك وتحتاج لخبرة ومواد لم تكن متوفرة في ذلك الوقت إلا عند جهات معلومة ومعروفة. وهذا ما كشفته بالواضح تصريحات أحمد البوخاري .
انعقدت الجلسة الأولى يوم 22 يونيو1979 وترأسها يحيى الصقلي ودامت ساعتان وانتهت بتأجيل النظر في القضية. وخلالها كشف الأستاذ محمد الناصري عن اختفاء وثائق أساسية ومستندات هامة ومصيرية من ملف النازلة الذي هو بحوزة المحكمة وتحت مسؤوليتها .
وبتاريخ 10 دجنبر1973 انعقدت الجلسة الثانية التي أبانت بجلاء أن مسار التحقيق التفصيلي كان في واد وحقائق عملية الاغتيال في واد آخر، ولا مجال للالتقاء بينهما بحكم أنهما خطان موازيان لا يلتقيان. وهكذا انكشف بجلاء أن المحاكمة انطلقت بدون تحقيق فعلي في النازلة. هذا التحقيق لم يكن قد بدأ بعد. وقد قدّم الأستاذ عبد الرحيم برادة ملتمساً واضحاً وشافياً في هذا الصدد أحرج بشدة القضاء الجالس ,
المتهمون...حضور للديكور فقط
عرف الجميع أن منفذي عملية الاغتيال تم إلقاء القبض عليهم. لكن الجميع كذلك عرف أن مدبري الجريمة تم التستر عليهم. وهذا ما عبّر عنه وضوح بيان المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي في الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد عمر بنجلون،إذ جاء فيه: ".... إن الحقيقة في قضية اغتيال عمر بنجلون لا يمكن أن تظهر إلاّ إذا وضعت القضية في إطارها الحقيقي، إطار الجرائم السياسية. فما دامت القضية لم توضع في هذا الإطار، فإن الحقيقة ستُعد مبتورة“."
ولعلّ يكفي القول، كما أكدت على ذلك جريدة "المحرر" في أحد أعدادها، " أن عدم مثول عبد العزيز النعماني أمام المحكمة يشكل عرقلة ويجعل من هذه المحاكمة في شكلها الحالي محاكمة صورية" وبامتياز .
الوثائق المختلسة من الملف... دليل للتواطؤ المفضوح
لقد تم السطو على وثائق أساسية ومستندات مركزية من ملف القضية وهو بحوزة المحكمة. وهذا أمر لم يكن ليحدث إلا بتواطؤ مكشوف من طرف كل الأطراف المتورطة لمنعها للبث في النازلة. لأن تلك الوثائق والمستندات المختلسة كفيلة بتوريط بعض الشخصيات الوازنة والبارزة في تدبير الجريمة. وكان من الطبيعي أن ترفض هيئة المحكمة ملتمس دفاع الحق المدني والذي طالب بإعادة إحضار الوثائق والمستندات المختلسة. وطبعاً لم يكن من المستحيل إحضارها مادام أن أغلبها يتعلق بمحاضر أعدّتها الشرطة القضائية وتحتفظ بنسخ منها. ويتعلق الأمر بالخصوص بمحضر التفتيش والحجز ومحضر الاستماع الخاصين بإبراهيم كمال. علماً أن قاضي التحقيق تسلّمهما في 7 يناير1979. ورغم مطالبة هيئة الدفاع المدني الحثيثة بإحضار تلك الوثائق من لذن الضابطة القضائية التي أجرت البحث والتفتيش وأشرفت على الاستنطاق، رفضت هيئة المحكمة إحضارالمستندات المطلوبة، وهذا تصرف غني عن أي تعليق.
شهود رفضت المحكمة استدعائهم
لقد طالب الدفاع المدني باستدعاء:
ـ مدير الأمن الوطني ورجال الشرطة المكلفين بالبحث والاستنطاق في ملف النازلة
ـ الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف
ـ قاضي التحقيق الأول
ـ وزير الداخلية
ـ وزير العدل
ـ الوزير الأول. وذلك كشهود. لماذا؟
بخصوص مدير الأمن الوطني لاستفساره عن كيفية تمكن عبد الكريم مطيع من مغادرة البلاد رفقة إبراهيم كمال بكل اطمئنان بعد ثلاثة أيام فقط من ارتكاب الجريمة (وهذا ما أكدّه إبراهيم كمال نفسه). علماً أن الشرطة كانت تعلم منذ 18 دجنبر1975 صرح به المتهم أوزوكلا.
وكذلك لاستفساره حول سبب عدم تقديم عبد العزيز النعماني للعدالة رغم إلقاء القبض عليه. أما فيما يتعلق برجال الشرطة المكلفين بالتحقيق، فقد تمت المطالبة بإحضارهم كشهود لاستفسارهم عن سبب عدم تقديمهم لنسخ المحاضر وهي ذات المحاضر التي اختفت من ملف القضية الموضوع على أنظار المحكمة.
وبخصوص الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف لاستفساره حول اختفاء الوثائق المتعلقة بإبراهيم كمال منذ تاريخ 7 يناير1976. وعن سبب عدم الاستجابة لطلب قاضي التحقيق المؤرخ في 13 أكتوبر1978 الرامي إلى تسليمه نسخاً من محاضر الشرطة المختفية من ملف القضية.
وبالنسبة لقاضي التحقيق الذي تكلّف بالملف في المرّة الأولى لاستفساره عن سبب اختفاء تلك الوثائق وعن فحواها وعن الدوافع التي جعلته يخرق مقتضيات الفصل 167 من قانون المسطرة الجنائية الذي يمنع على قاضي التحقيق أن يسند للشرطة مهمة استنطاق منفذي الجريمة الملقى عليهم القبض في حالة تلبس، وبعد أن وجّه لهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لم يأمر بإيداعهم في السجن كما ينص القانون على ذلك ليقوم هو بنفسه بمتابعة التحقيق التفصيلي، وإنما أرجعهم للشرطة بعد إعطائها انتدابا عاماً لمتابعة عمليات التحقيق التي شرع فيها.
وبخصوص وزير الداخلية لاستفساره عن أسباب عدم تقديم عبد العزيز النعماني حين كان في حالة اعتقال، وكذلك عن كيفية تمكين كل من عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال من مغادرة البلاد .
وبخصوص وزير العدل لاستفساره حول سبب عدم الأمر بإجراء تحقيق حول إخفاء عبد العزيز النعماني وعدم تقديمه للعدالة، وكذلك عن عدم الأمر بإجراء تحقيق بشأن اختفاء المحاضر المتعلقة بإبراهيم كمال من ملف القضية.
وبخصوص الوزير الأول لاستفساره عن سبب عدم طلب الحكومة المغربية من الحكومة السعودية تسليم المتهم عبد الكريم مطيع للقضاء قصد محاكمته. وطبعاً، فإن غرفة الجنايات برئاسة محمد بوعسرية آنذاك، رفضت رفضاً قاطعاً استدعاء هؤلاء الشهود.
إذن لم تعر هيئة المحكمة أي اهتمام لمطالب وملتمسات الدفاع المدني ورفضتها كلها جملة و تفصيلاً. وكانت تلك الهيئة مشكلة كالتالي: بوعسرية رئيساً وبن عمر والعبدلاوي وواعزيزي وزاكو والحمزاوي، النيابة العامة
و في يوم 18 شتنبر1980 أصدرت أحكامها وكانت كالتالي: سعد أحمد ومصطفى خزار، الإعدام، وخشان عبد المجيد وحليم عمر وجابر حسن وكندي حسن وعمر أوزوكلا وشعيب أحمد ومستقيم وكلهم في حالة اعتقال وعبد الكريم مطيع وعبد العزيز النعماني.
وحكمت بالبراءة على إبراهيم كمال والعمري أحمد وشوقي محمد ,
إبراهيم كمال
اعتبره البعض انسل من القضية كالشعرة من العجين
إبراهيم كمال هو من مواليد الدار البيضاء سنة 1931 متزوج بامرأتين وكان يمارس مهنة التدريس ألقي عليه القبض بعد عودته من الديار الأسبانية في إطار رحلة قام بها بمعية عبد الكريم مطيع
ومن خلال التحقيق معه تبين للشرطة القضائية أنه بمعية عبد الكريم مطيع قررا استعمال جمعية الشبيبة الإسلامية لمواجهة شخصيات سياسية يتهمانها بالترويج لمشاعر غير إسلامية وتغذيتها
وأدى حادث اغتيال الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 إلى اعتقال إبراهيم كمال وكان نائبا لرئيس تنظيم الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع الذي تمكن من مغادرة البلاد
وبعد ذلك بخمس سنوات أدانت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء عبد الكريم مطيع وحكمت عليه غيابيا بالسجن المؤبد وبرأت نائبه إبراهيم كمال
وهكذا حسب الكثيرين اعتبارا لتورط شخصيات وازنة والأجهزة الأمنية في عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون تمكن إبراهيم كمال بفضل التواطؤ الانسلال من القضية كما تنسل الشعرة من العجين
انسحاب هيئة دفاع الحق المدني بعد انكشاف اللعبة
لما انسدت مختلف الأبواب أمام دفاع الحق المدني وبعدما ووجهت كل ملتمساته الرامية للكشف عن الحقيقة برفض هيئة المحكمة جملة وتفصيلاً، اضطر إلى الانسحاب احتجاجا على المسار الذي أُريد أن تسير فيه المحاكمة الصورية وأصدر بلاغاً. وقد بيّن هذا البلاغ أن الجريمة في حق الشهيد عمر بنجلون ارتكبت لإسكات صوته كمدافع عن الديمقراطية والاشتراكية في العالم الثالث. وهي جريمة نُفذت من طرف مجرمين مسخرين من طرف من لهم مصلحة في ألاّ يسلك المغرب أبداً طريق الديمقراطية؟
وأضاف البلاغ أنّه كان من الممكن أن تبرز المحاكمة حقائق الأمور إلاّ أن سلوك المسؤولين عرقل بصفة دائمة السير نحو كشف الحقيقة، كل الحقيقة. فالسلطات الحكومية المختصة لم تقم بتقديم متهمين أساسيين للعدالة. كما رفضت إرجاع الوثائق والمستندات المختلسة من ملف النازلة رغم إمكانية ذلك باعتبار أنها تتضمن اتهامات خطيرة ضد شخصيات بارزة ووازنة.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فقد رأى البلاغ أنها كرّست هذا المسار تكريساً وبذلك ساهمت بقوّة في تفويت الفرصة لإقامة محاكمة عادلة تكشف الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة. وبالتالي خلص البلاغ إلى أن المحاكمة صورية بكامل المواصفات والمعايير ولا يمكن للدفاع المدني أن يذكيها بحضوره، مادام أن الرغبة الأكيدة هي عدم محاكمة المدبرين الحقيقيين لهذه الجريمة. وانتهى البلاغ كالتالي:
"... فإنّه من المؤكد أنكم لن تحاكموا المدبرين الحقيقيين لهذه الجريمة فإنها ستجري في وقت آخر وسنلتقي يومئذ بالمسؤولين الحقيقيين عن ارتكابها. لكل هذا فإن الطرف المدني يعتبر بأن الملف الحقيقي لقضية الشهيد عمر بنجلون لم يفتح بعد ” .
الدكتور الخطيب والقضية
حسب بعض مصادر الشبيبة الإسلامية حاول الدكتور الخطيب بإيعاز من جهات وازنة استيعاب عبد الكريم مطيع والشبيبة الإسلامية غير أنه لم يفلح في ذلك
وفي سنة 1999 نشرت جريدة الحياة اليومية التي كان يصدرها المحامي زيان وزير حقوق الإنسان السابق مقالا تحت عنوان "التاريخ المعاصر للمغرب بدأ ينكشف... حقائق اغتيال عمر بنجلون –قادة الشبيبة الإسلامية في محاولة للرجوع إلى المغرب –إدريس البصري كان ينسق عملياته مع الدكتور الخطيب"( الحياة اليومية عدد143 بتاريخ 8 أكتوبر 1999 )
و قد قام الدكتور عبد الكريم الخطيب بمتابعة هذه الجريدة بالقذف في حقه
وفي واقع الأمر لم تفعل جريدة الحياة اليومية إلا بنشر بلاغ صادر عن محسن بناصر الأمين العام بالنيابة للشبيبة الإسلامية والذي جاء فيه أن الدكتور الخطيب سبق له وأن استضاف لمدة سنة تقريبا عبد العزيز النعماني المتورط في ملف اغتيال الشهيد عمر وذلك بمزرعته الكائنة بين الدار البيضاء والمحمدية وقد اعتبر الدكتور الخطيب ما نشر مجرد ادعاء يمس بسمعته وشرفه وتاريخه النضالي والكفاحي ولا أساس له من الصحة
علما أن المحامي أحمد بنجلون –شقيق الشهيد عمر بنجلون الأصغر –سبق له أن صرح أمام الملأ أن الدكتور الخطيب وصف قتلة عمر بنجلون بالمجاهدين غداة الحادث وأن الحقيقة لم تنجل في المحاكمة رغم صدور الحكم في 18 شتنبر 1980 على المتورطين في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وتكوين عصابة إجرامية بعقوبات متفاوتة بين الإعدام والسجن المؤبد في حق المعتقلين والغائبين وبراءة بعضهم أمثال كمال إبراهيم
كما سبق لشقيق عمر هذا أن صرح أكثر من مرة أن ملف القضية وهو بين يدي القضاء تعرض لعملية سطو واختفاء وثائق هامة وحيوية وهي عملية كانت ترمي إلى التستر على بعض الجهات الخفية الكامنة وراء تدبير هذا الاغتيال السياسي بامتياز وبكل المواصفات والتداعيات
أحمد بنجلون و حرقة فقدان شقيقه الأكبر
سبق لأحمد بنجلون الشقيق الأصغر للشهيد عمر أن صرح أن الشهيد استقبله يوم الجمعة 12 دجنبر 1975 أمام باب السجن المركزي بالقنيطرة بعد قضاء 6 سنوات به تنفيذا لنصيبه من العقوبات التي وزعتها شمالا ويمينا محاكمة مراكش الكبرى على المتهمين ورافقه بمعية ثلة من المناضلين إلى منزل جواد العراقي بالقنيطرة ثم إلى مقر سكنى عبد الرحيم بوعبيد بالرباط وبعد ذلك مكث أحمد بنجلون مع شقيقه عمر بالدار البيضاء ثلاثة أيام ليعود إلى الرباط يوم الاثنين وتبادلا الشقيقان المناضلان نقاشات طويلة خلال هذه الأيام الثلاث همت طبيعة المرحلة وعمل الحزب وتطور آلياته وتنظيماته وموافق أشخاص ومساراتهم
فبعد 6 سنوات وراء الأسوار العالية وخلف القضبان الحديدية السميكة للسجن المركزي بالقنيطرة قضى أحمد ثلاثة أيام فقط مع شقيقه عمر ليفاجأ يوم الخميس 18 دجنبر 1975 بالفاجعة الكبرى وبالخبر الصاعقة اغتيال عمر
وبعد العفو الملكي صرح أحمد بنجلون قائلا إن أحمد سعد ومصطفى خزار كانا مجرد أدوات استعملت لاغتيال عمر وتصفيته ، نحن لسنا انتقاميين ولا نريد لهما أن يقبعا مدى الحياة في السجن ...إن القتلة الحقيقيين لازالوا في حالة فرار وعلى قيد الحياة فإن التاريخ سيحاكمهم وسيسميهم
ومنذ البداية ظل أحمد بنجلون شقيق عمر يعتبر أن الشخصين المعفى عنهما لم يكونا إلا مجرد أداة لتنفيذ مؤامرة سياسية كبرى في حق أبناء المغرب الأحرار وأجياله وهي مؤامرة دبرها وشارك فيها شخصيات وازنة في جهاز الدولة
وهذه الجهات والأشخاص ذكرت في محاضر التحقيق عند الشرطة قبل السطو عليها واختلاسها من ملف المحكمة
واعتبر أحمد بنجلون أن العفو على منفذي عملية الاغتيال يقوي أكثر القناعة القائمة مند البدء وهي أن المحاكمين كانوا مجرد أدوات لا أقل ولا أكثر
كما يعتبر أحمد بنجلون أن قضية الشهيد عمر هي أكبر من هيئة الإنصاف والمصالحة وتتجاوزها علما أن الأشخاص الذين شاركوا بشكل أو بآخر في المؤامرة معروفون ومعلومون وملف القضية لازال قائما ولن ينتهي إلا بإجلاء الحقيقة كل الحقيقة لاشيء إلا الحقيقة
ومن المعروف أن أسماء هؤلاء الشخصيات المتورطة في المؤامرة ذكرت أفي المحاضر المختفية التي بقدرة قادر اختفت كما أن الدفاع المدني عرضها على المسؤولين ولكن بدون نتيجة
ورغم كل ما يقال فإن أحمد شقيق الشهيد عمر بنجلون لا يظن أن ما ستفعله اللجنة الإدارية للإتحاد الاشتراكي بالنسبة لهذه القضية سيكشف الحقيقة كل الحقيقة باعتبار أنها قضية كبيرة و كبيرة جدا خصوصا وأن المسؤولين على المآسي التي عرفها أبناء الشعب المغربي الأحرار مازالوا يصولون ويجولون كأن شيئا لم يحدث وهذا أمر لا يمكن أن يقبله أمرؤ أبي
في انتظار الخلاصة...
كانت المحاكمة سريعة، ولم تعرف إلا ثلاث جلسات الأولى في 1979/6/22 والثانية 1979/12/10 و1980/8/15.
وعلى امتداد الجلسات الثلاث قوبلت كل طلبات الدفاع المدني بالرفض من طرف هيئة المحكمة، الشيء الذي أدى به إلى إصدار بيان وضح فيه الخروقات التي لازمت المسطرة القانونية ثم انسحب من القاعة.
وكانت الخلاصة التي أجمع عليها الرأي العام على أن الشهيد عمر بنجلون أُغتيل على يد مَنْ لم تتم محاكمتهم بعد، ولازالت هذه القضية قائمة إلى إشعار آخر .
جريدة " فلسطين"
أسس الشهيد عمر بنجلون جريدة فلسطين في أكتوبر 1968 واستمر صدورها إلى غاية مايو1971، وكان الشاعر محمد الوديع الأسفي مديرها.
وقد أصدر هذا الأخير سنة 1992 كتاباً تحت عنوان: "عمر بنجلون... الإنسان المتفتح كما عرفته“ .
الشهيد عمر بنجلون....
لابد من جلاء الحقيقة
حوار مع الأستاذ محمد خطاب
في ليلة باردة قصدت الأستاذ محمد خطاب بمكتبه لاختطافه وإبعاده عن ملفاته لاستنطاقه حول قضية تهمه، رغماً عنه، كمواطن وكمناضل حزبي وكمناضل حقوقي وكرجل قانون، وأساساً كإنسان يحمل همّ الغد الأفضل منذ ردح من الزمن، إنها قضية الشهيد عمر بنجلون التي ظلت حاضرة بامتياز منذ زوال 18 دجنبر1975.
والأستاذ محمد الخطاب، محامي ومناضل في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
ماذا يشكل بالنسبة إليكم اسم "عمر بنجلون“ ؟
أولا بالنسبة للشهيد عمر بنجلون، بمجرد إثارة هذا الاسم كمناضل يثار عمر الإنسان، عمر المناضل، عمر المنظم، عمر المفكر، عمر الصحفي، عمر الحقوقي، عمر النقابي... وهذه العناوين كلها في نهاية المطاف هي رمز لشيء واحد وهو المثقف المنخرط في عملية التغيير لبنية المجتمع وهياكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. فعمر بالفعل، وبشكل عام، بالرجوع إلى حياته، سنجد أن الشهيد عمر قد رفع فعلاً من شأن الفكر والنظرية والوعي في أية ممارسة سياسية أو حزبية تبتغي هدم المفاهيم المتكلسة والذهنية التقليدية المتحجرة. وعمر بنجلون بمجرد إثارته تثار بطبيعة الحال مرحلة الغموض التي كان يعيشها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، مرحلة سياسية الخبز داخل الإتحاد المغربي للشغل، مرحلة الاعتقالات والمحاكمات والاختطافات والتصفيات الجسدية.عمر بنجلون فعلاً مارس سياسة القرب داخل الحزب، عمر لم يكن يقتصر على تنظيم البرجوازية الصغيرة بقدر ما كان يركز في التنظيم الحزبي على العمال والفلاحين الصغار، على الفقراء على المواطنين المهمشين. بهذا التنظيم استطاع عمر بنجلون أوّلاً أن يعطي زحماً تنظيمياً وأن يساهم بشكل كبير في الوضوح الفكري وكذلك في إرساء أسس التنظيمية لكل عمل حزبي يساري ولا أدل على ذلك مذكرته التنظيمية سنة 1965 التي وضعت أسس التنظيم العلمي. وجعلت أن التنظيم الحزبي ليست مجرد عملية تقنية فقط بقدر ما هو عملية تقنية تروم إيصال الوعي لمختلف الفئات التي ليس من مصلحتها البحث فقط على المناصب. فبشكل عام هذا هو الشهيد عمر بنجلون. وطبعاً تكوينه الفكري وأصوله من المنطقة التي ترعرع فيها، والتي هي منطقة مهمشة والتي لا يمكن أن تنتج إلا مناضلين من طينة عمر بنجلون، لا من حيث فكره، لا من حيث تجدره، لا من حيث مقاومته جميع وسائل الإرهاب. وبالتالي الشهيد عمر بنجلون يشكل نقطة مضيئة في تاريخ العمل السياسي والحزبي المعاصر، سواء كمثقف، كمنظر، أي كمثقف عضوي مارس قناعاته ودوّب الفارق المختلف بين المثقف السياسي والمناضل القاعدي .
أنتم كمحامي وملتزم تحملون قضية ويسكنكم هم حقوق الإنسان والتغيير من أجل غد أفضل. وقلائل الناس هم الذين جمعوا بين صفة المحامي والصحفي وكلاهما و مهنة المتاعب، فهل في نظركم جمعهما من المؤشرات لزعماء المراحل التاريخية الحاسمة؟
الصفتان هما نتيجة التكوين، نتيجة اختيار، نتيجة قناعة، التكوين القانوني، التكوين الحقوقي، التكوين السياسي، وكل هذا تحت إمرة صفة المناضل الحزبي. فبالنسبة للمحامي ملزم بالسر المهني، الصحفي ملزم باحترام مصادر الخبر ولا يمكنه الكشف عنها مهما كانت الظروف والقائد السياسي والحزبي ملزم طبعاً بأمانة القيادة نحو غد أفضل. ولربما هذه الصفات الثلاثة تعطي جانباً من شخصية عمر بنجلون. وهذا علاوة على الصفات الأخرى التي تميز بها من تضحية ونكران الذات والصمود المستميت على الدرب. وعمر بنجلون كان دائماً يقول أنه يبحث عن الوضوح وأن التضليل هو أخطر أشكال التعذيب. وبالتالي، فإن كل هذه المعطيات ساهمت في أن يكون عمر بنجلون فعلاً مناضلاً بذلك المستوى، وأن اغتياله ترك فراغاً كبيراً، رغم أن المناضلين المتشبثين بالفكر الاشتراكي ظلوا يستنيرون بأفكاره وممارساته وكتاباته وإسهاماته المتعددة.
وعمر بنجلون كصحفي، أعطى لجريدة المحرر مصداقية وأصبحت بفضله تلعب دور المنشور الحزبي (بمثابة منار ومصباح) في تمرير التوجيهات الحزبية وتوحيد المواقف .
الفقيه البصري سبق أن نصحه بالدخول في الظل باعتبار أن المرحلة ليست مرحلته، كيف تنظرون إلى ذلك؟
أوّلاً كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقاً، في تلك المرحلة كان هناك غموض في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية .
وبالتالي كانت هناك العديد من التنظيمات، وأقول التنظيمات وليس التيارات داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. كان كل من يختار توجها معيناً إلا وله أهدافاً معينة. بطبيعة الحال كانت للفقيه توجهاته داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول أنه كان خارج هذا الحزب. والشهيد عمر كان له توجهه وفكره وقناعات معينة، وبالتالي الخروج من مرحلة الغموض كانت ستشكل ضربة للعديد مِن مَن كانوا يبحثون عن التحكم في زمام الحزب، وعن الحديث باسم الحزب مع ملاحظة وهي أنه دائما الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يعرف صراعات، وكانت الشبيبة الاتحادية تلعب دوراً أساسياً في فرض جملة من المواقف المتقدمة، في فرض جملة من التحليلات، في طرح الفكر العلمي داخل الحزب، وبالتالي في هذا الإطار كان اختيار عمر بنجلون هو الاستمرار في خط الوضوح.
وهذه أكبر هدية قدمها لمناضلي هذا الحزب. وهكذا يتبين أن تلك المرحلة لم تكن سهلة، باعتبار أنها كانت مرحلة غموض ومرحلة مخاض (أحداث 23 مارس 1965، فهذه المرحلة كانت تحمل كل المتناقضات والشهيد عمر استطاع بفكره وبوضوحه وبقدرته على التنظيم وعلى المواجهة أن يساهم في وضع الإتحاد الوطني للقوات الشعبية على الطريق الصحيح .
من المعروف، وهذه القضية تأكدت أكثر من مرّة، وحولها إجماع على أن الشهيد عمر كان دائماً يربط فكره وتفكيره بالممارسة العملية على أرض الواقع، هل هذه العلاقة بين الفكر والممارسة هي التي تشكل قوّته وجعلته يتميز بين الذين حاولوا التنظير في تلك المرحلة؟
إن الشهيد عمر كسر الحجاب المصنع ما بين المثقف والسياسي من جهة والجماهير من جهة أخرى. إنه لم يكن يقول سننزل إلى المواطنين والمناضلين بل كان يمارس من داخلهم (طلبة، عمال، فلاحين...) والمنطقة التي ترعرع فيها جعلته ابن هذا الواقع وينطلق منه، وقد كان ممتلكاً لأدوات التحليل كمنهج ووسيلة لمعرفة الواقع من أجل تغييره. وهذا في وقت كان البعض يحفظون عن ظهر قلب مقولات ماركس وانجلز ولينين وغيرهم ولكن موقعهم كان يتحكم في تحليلهم. وبالتالي الموقع والقناعة وهَمُّ تغيير هذا الواقع هي التي تتحكم وبالتالي الشهيد عمر كان أميناً وصادقاً مع قناعاته التي أصلته إلى ما أوصلته من تحليل ملموس للواقع الملموس
"مات عمر... نحن كلنا عمر..." ماذا تعني بالنسبة إليكم؟
بالفعل بعد اغتيال الشهيد في 1975 بعد المؤتمر الاستثنائي، تجب الإشارة إلى التقديم الذي قدّم به عمر التقرير الإيديولوجي في هذا المؤتمر كان تقديماً متقدماً عن التقرير. من هنا جاء شعار القواعد الحزبية على أننا كلنا عمر، يعني كلنا فكر عمر، كلنا استمرار لفكر عمر، وفِعلا استطاع المناضلون أن يجسدوا هذا الشعار ولا داعي للتذكير بما حدث في الإتحاد الاشتراكي من 8 مايو وتأسيس حزب الطليعة الذي لازال يرفع هذا الشعار اقتناعاً على أن فكر عمر لازال حاضراً في التحليل سواء على المستوى الإيديولوجي والمستوى النظري أو التحليل السياسي للظرف وبالتالي مناضلو حزب الطليعة يعتبرون أنفسهم كلهم عمر .
عمر الغائب...
لازال حاضرا و بقوة
لقاء مع لحسن خطار الكاتب الإقليمي السابق لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي
لحسن خطار من الفعاليات السياسية بمدينة القنيطرة عايش مرحلة المخاض التي تألق خلالها الشهيد عمر بنجلون، الإنسان، المناضل السياسي و النقابي، المفكر الموجه، المؤطر و القائد المحنك... الحامل لهم التغيير نحو غد أفصل. و لحس أخطار هو الكاتب الإقليمي السابق لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي بالقنيطرة، فاعل حقوقي مند سنوات و عضو الهيئة المحلية لتجمع اليسار الديمقراطي
ماذا يشكل بالنسبة إليكم اسم عمر بنجلون؟
في الواقع اسم عمر بنجلون يشكل بالنسبة لمناضلي حزب الطليعة الشيء الكثير. يعني بالنسبة إلينا رجل المواقف، و رجل المبادئ، و رجل إصلاح الذات الحزبية. و يعني لنا الفكر الثاقب و النظرة الواسعة و الشمولية لمجموعة من القضايا الحيوية، إنه يعني بالنسبة إلينا مرجعية سياسية و نقابية و فكرية لازلنا نغترف من ينابيعها. إنه بكلمة مناضل الميدان و ليس منظرا فقط
لماذا رفع الشباب شعار إذا مات عمر... نحن كلنا عمر ؟
عندما اغتيل عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975، كنا آنذاك تلاميذ في الشبيبة الاتحادية، و مباشرة بعد اغتياله انعقد المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية و آنذاك رفع شعار إذا مات عمر... فكلنا عمر. وقتئذ كان يشكل عمر بنجلون بالنسبة للشباب المناضل المتميز داخل قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
خصوصا بعد ما حصل في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي و دور الشبيبة الاتحادية الحاسم في جملة من القضايا. و لولا الشهيد عمر بنجلون لما تم التغلب على الفكر الإصلاحي بخصوص جملة من القضايا الأساسية، خصوصا و أن الفكر الإصلاحي كان سائدا في الحزب. و بذلك استطاع المؤتمر أن يخرج بمجموعة من المواقف المتقدمة و الفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى الشهيد عمر بنجلون الذي كنا نرى فيه الرمز و المثال، و بالتالي كنا كشباب كلنا عمر، نسير في الخط الذي رسمه و الذي ناضل بمرارة من أجله داخل الحزب و في الهيكل النقابي، الاتحاد المغربي للشغل آنذاك و الذي عانى فيه الشهيد الكثير، و هو ذات الخط و التصور الذي ناضل من أجلهما الشهيد في المجتمع المغربي
و كان رفع شعار إذا مات عمر فكنا عمر من أجل استمرار فكر الشهيد عمر بنجلون رغم غيابه جسديا
هل أفكار الشهيد و تصوراته المرتبطة بإشكالية التغيير و من أجل مجتمع أو غد أفضل مازالت حاضرة الآن؟
فعلا، الشهيد عمر بنجلون كان يناضل داخل الحزب و بشكل كبير من أجل تثبيت تبني الحزب للاشتراكية العلمية كمنهجية للتحليل. و بالتالي الآن بالنسبة لهذه القضية بالذات ثبت و رغم ما حصل بالمعسكر الشرقي و انهياره و التلويح بالعولمة و تخريجات فوكوياما، أقول ثبت أنه لابد من الرجوع إلى الفكر الاشتراكي. و الآن بدأ التفكير في تجديد الفكر الاشتراكي و في تجديد التعامل مع هذا الفكر لجعله يتماشى مع تطورات العصر
كما ناضل الشهيد عمر بنجلون من أجل إصلاح الذات الحزبية، و كان قد تبين له أن داخل الحزب هناك أناس سكتوا في المؤتمر رغم الإقرار بتبني الاشتراكية العلمية كمنهج للتحليل و لم يكونوا يؤمنون بهذه المسألة. و كان الشهيد في صراع شديد مع هؤلاء و هذا و ما أكدته بجلاء المسيرة إلى حد الآن. و هذا ما حصل كذلك في المجال النقابي. فكان الشهيد عمر بنجلون يصارع الفكر البرصوي داخل الاتحاد المغربي للشغل. و فعلا عانى الشهيد الكثير منه. حيث كما اعتقله و اختطفه المخزن كذلك فعل في حقه القائمون آنذاك على الاتحاد المغربي للشغل حيت اعتقلوه و احتجزوه في قبو البرصة بالدار البيضاء و مارسوا عليه التعذيب و التاريخ لازال شاهدا و بامتياز على ذلك. كما أثبت التاريخ الصراعات القائمة داخل ا.م.ش و جاءت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل كتصحيح لمسار العمل النقابي بالبلاد. و هذا يرجع فضله للبنات النضالية التي أرساها الشهيد عمر مهندس الثورة على الاتحاد المغربي للشغل إذ كانت نقابة البريد تحت قيادته أول من ثارت على الجهاز البرصوي
و فيما يخص العمل الشبيبي، كان الشباب متعلقين بالشهيد عمر بنجلون و بفكره و نهجه و نضاله و استماتته فيه
و بخصوص جملة من القضايا، من ضمنها قضية الصحراء، كان الشهيد عمر بنجلون قد بلور موقفا بصددها و قد أكد التاريخ مرة أخرى تقدم موقفه. و كناك قضايا متعددة تثبت و بجلاء أن الشهيد عمر بنجلون لازال حاضرا
لماذا اغتيل الشهيد عمر بنجلون؟
بخصوص هذا السؤال لابد من الإشارة إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد الآن بخصوص ما يسمى بطي صفحة الماضي. الآن تحبك مسرحية إعطاء مهمة طي صفحة الماضي لهيأة الإنصاف و المصالحة. لكن من الملفات التي يجب البحث عن الحقيقة بصددها و التي لا يطرحها إلا القليل جدا، هو ملف اغتيال الشهيد عمر بنجلون
و هناك مفارقة غريبة جدا، فرغم أن عميل المخابرات أحمد البخاري كشف على بعض جوانب الجريمة البشعة لم يبادر الاتحاد الاشتراكي بطرح ملف الشهيد عمر بنجلون و رغم أنه يسميه شهيد الصحافة الاتحادية في حين كان شهيد الشعب المغربي بالدرجة الأولى و شهيد الصحافة من طينة جريدة المحرر. و لم يطالب الاتحاد الاشتراكي بالحقيقة رغم انكشاف الإقرار بجملة من الحقائق التي كانت معروفة سلفا،
لماذا؟
الحقيقة لم يرد لها أن تعرف و محاكمة منفذي الاغتيال سارت في مسار خاطئ مما جعل الدفاع ينسحب و ظلت تلك الحقيقة عند المدبرين الحقيقيين للجريمة البشعة في حق الشعب المغربي قاطبة. فحتى الأسماء المذكورة من طرف المنفذين، عبد الكريم مطيع و إبراهيم كمال و عبد العزيز النعماني، لم يكونوا إلا مجرد وسيطة. و من الأكيد أن هناك أطراف كثيرة ساهمت بشكل أو بآخر في التخطيط للجريمة الشنعاء و لامناص من أن التاريخ سيكشفهم مهما كان موقعهم الحالي. و قد تكلم البعض عن هذه الأطراف و قد أثار عابد الجابري أكثر من إشارة بصددها كما تكلم عنها الصحفي محمد باهي و كذلك الفقيه البصري و غيرهم. هؤلاء بشكل أو بآخر وجهوا أصابع الاتهام بالدرجة الأولى للمخزن الذي كان يعتبر الشهيد عمر بنجلون سيصبح زعيما لقوة سياسية سيخلف الزعامة التي ذهبت مع اغتيال الشهيد المهدي بنبركة. و في الدرجة الثانية أعداء عمر حتى داخل الحزب و الذين صمتوا لفترة طويلة و لم يحركوا ساكنا، و هذا طرف ثاني له يد في النازلة. و هناك طرف ثالث و هو الفكر الظلامي آنذاك الذي سخر لتنفيذ عملية الاغتيال. و فوق كل هذا هناك الإمبريالية الأمريكية التي كانت تشجع الحركات الظلامية من أجل محاربة المد الشيوعي و الاشتراكي و التحرري. كل هذه الأطراف لها يد بشكل أو بآخر في اغتيال الشهيد عمر بنجلون
و رغم أن هيأة الإنصاف و المصالحة ظلت ساكتة على ملف الشهيد، فهذا لا يعني النهاية، لأن ملف الحقيقة و الإنصاف سيظل مفتوحا إلى أن تنجلي كل الحقيقة و يقدم الجناة للعدالة أراد من أراد و كره من كره، و تسن قوانين حتى لا يتكرر مثل هذا الفعل. و لا يمكن كشف كل الحقيقة إلا باللجوء إلى العدالة النزيهة و المستقلة فهي الكفيلة بتكميل الكشف عن الحقيقة
عمل الفقيه البصري جاهدا على إيصال إلى الشهيد عمر بنجلون رسالة مفادها أن عليه أن يدخل في الظل لأن المرحلة ليست مرحلته، فهل تعتبرون أن تلك المرحلة لم تكن مرحلة الشهيد عمر بنجلون؟
ورد فيما كشفه الفقيه البصري جملة من القضايا همت مصير الشعب المغربي، و عموما بخصوص سؤالكم، فالفترة التي جاء فيها الشهيد عمر بنجلون كانت مرحلته بامتياز إلا أن الظرف كان صعبا للغاية و كان العديد من المناضلين المخلصين في غياهب السجون آنذاك. مما جعل المؤتمر ينعقد في غياب المساندين للشهيد عمر بنجلون و بالتالي كانت أجنحته مقصوصة شيئا ما ( فهناك منهم من كانوا رهن الاعتقال أو مختطفين و منهم من لم يسمح لهم بالمشاركة في المؤتمر) و مع ذلك قبل الشهيد عمر بعقد المؤتمر على أساس تصحيح المسار من داخل الحزب. و هذا ما يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل و أكثر من علامة استفهام
و رغم أن الفترة كانت قصيرة عندما تشكل المكتب السياسي، و كان الشهيد عمر بنجلون عضوا فيه، وكان أصغر أعضائه سنا و أكثرهم إنتاجا و كتابة و حركية و أكثرهم سيولة في الفكر و الاجتهاد و أكثرهم إلقاء للعروض و اتصالا بالقواعد الحزبية و تأطيرها، و أكثرهم تحركا و بروزا على مستوى الممارسة في الميدان، فكنت تجده بوجدة و طانطان و فكيك و الرباط... الشيء الذي بدأ يزعج خصومه في جميع الاتجاهات و على مختلف المستويات. لا سيما و آنذاك كان في طور التأسيس لجملة من القضايا المستقبلية للحزب، و التي استقاها منه الشباب (الذين نعتوا أنفسهم نحن كلنا عمر بعد اغتياله). إنها لبنات ساهمت في حسم الصراع داخل الحزب في مجموعة من القضايا السياسية الحيوية و الأساسية
ما هي علاقة الشهيد عمر بنجلون بالقضية الفلسطينية؟
هذه السنة تزامنت الوقفة التضامنية مع الشعب الفلسطيني و العراقي بمناسبة الذكرى الأربعينية للفقيد ياسر عرفات مع الذكرى 29 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون الذي كان من الأوائل الذين اعتبروا القضية الفلسطينية قضية وطنية. و كان يخصص لها حيزا كبيرا من كتاباته (المحرر، جريدة فلسطين، مجلة أنفاس...) و قد اعتبرته الحركة الفلسطينية شهيد القضية الفلسطينية و عمل الفلسطينيون على إحياء ذكراه لسنوات عديدة. و كان الشهيد عمر بنجلون دعامة كبيرة للقضية الفلسطينية في وقت كان الحكام العرب يحيطونها بالتعتيم
لقد أدرك الشهيد عمر بنجلون مبكرا أن ما يجري في الشرق الأوسط هو بفعل التحركات الصهيونية كحركة عنصرية و تهدف القضاء على الثورة الفلسطينية. كما أكد على أن الحركة الفلسطينية جزء من الحركات التحررية العالمية و هنا يلتقي الشهيد عمر بالشهيد المهدي بنبركة. علما أن عدم ذهاب الأنظمة العربية و حكامها إلى أقصى الحدود في دعم الشعب الفلسطيني كما كانت تطمح الشعوب العربية قاطبة لأن تلك الأنظمة و حكامها كانت محرجة لم تكن ترد للثورة الفلسطينية النجاح و الانتصار لأنها كانت ستؤدي إلى قيام دولة ديمقراطية و متحررة
الدعم المغربي للقضية الفلسطينية
أي دور لعمر بن جلون؟
عمربن جلون سخر كل إمكانياته من أجل محاصرة النشاط الصهيوني داخل قوى اليسار الأروبي
إصدار جريدة دليل على إيمان عمر بن جلون القوي بعدالة القضية الفلسطينية
لا يمكن أن نتحدث عن الدعم المغربي للقضية الفلسطسنسة خصوصا على المستوى الشعبي دون الحديث عن ما قام به لفائدة هذه القضية عدد من المناضلين المغاربة وعلى رأسهم كل من المهدي بن بركة وعمر بن جلون. فالأول بفضل موقعه داخل السكرتارية الدائمة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الأسيوية وكذا بحكم تواجده على رأس اللجنة الدولية التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاث: إفريقيا ـ آسيا وأمريكا اللاتينية، تمكن من التصدي لكل أشكال التغلغل الصهيوني داخل هذه القارات الثلاث، وعمل على فضح مختلف الأساليب التي كان يعتمدها العدو الصهيوني بهدف تركيز نفوذه بهذه القارات. أما عمر بن جلون فإن إهتمامه بالقضية الفلسطينية وإيمانه القوي بعدالتها يبرز من خلال كتاباته داخل صحافة الإتحاد الإشتراكي (المحرر، الإتحاد الإشتراكي) ومن خلال إفتتاحيات جريدة فلسطسن التي كان يتولى إعدادها بنفسه.
ونظرا لأن الحديث يتعلق برمز من رموز الحركة الوطنية، ونعني به عمر بن جلون، فإننا سنقتصر على رصد بعض الجوانب التي ركز فيها دعمه للقضية الفلسطينية علما أن المجال لا يسمح من جهة بدراسة كل الجوانب الثقافية والفكرية للرجل خلال مسيرته النضالية، ومن جهة ثانية فهذه المساهمة هي جزء من عمل تطلب منا سنوات من البحث والتنقيب في موضوع شكل على الدوام أحد الإهتمامات الرئيسية للمغاربة. ويتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والتي خصصنا جزءا كبيرا من هذا الموضوع لمظاهر الدعم المغربي لهذه القضية خصوصا على المستوى الشعبي والذي نتمنى أن تتاح لنا الفرصة لنشر بعض فصول هذا العمل حتى يتسنى لجمهور القراء الإضطلاع عليه.
ولهذا وإذا كان بالإمكان حصر إسهامات عمر بن جلون في دعم القضية الفلسطينية على كتاباته على أعمدة صحف حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية مثل جريدتي المحرر والإتحاد الإشتراكي حيث كان يشغل منصب المدير المسؤول عنهما وكذا جريدة فلسطين فإنه من الصعب تحديد المواضيع التي تناولها بالدرس والتحليل نظرا لتنوعهما وتشعبهما. لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن هذه الإسهامات رغم إختلاف مواضيعها وتباين تحليلاتها، فإنها كانت كلها تصب في إتجاه واحد، وهو التعريف بالقضية الفلسطينية والتصدي للدعاية الصهيونية خصوصا تلك التي كانت تجد صداها داخل أوساط اليسار في أوروبا. فمختلف الإفتتاحيات الصادرة بجريدة فلسطين على الخصوص حاولت في مجملها التعريف بالقضية الفلسطينية بكل من الإتحاد السوفياتي والقوى اليسارية بأوروبا، في الوقت الذي كانت إهتمامات زميله ورفيقه في الكفاح المهدي بن بركة تركز على محاصرة النشاط الصهيوني داخل دول القارات الثلاث: إفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية. وكان إسهامات الأول التي كانت تركز على الغرب جاءت لتكتمل مساعي ومجهودات الثاني داخل العالم الثالث. إلا أن ملاحظتنا هذه لا ندعي من وراءها أن كلا من عمر بن جلون والمهدي بن بركة قد قسما فيما بينهما الأدوار. فكتابات عمر كما أشرنا من قبل كانت متنوعة المواضيع وتناولت قضايا أرتبط بعضها بالوضع الداخلي للثورة الفلسطينية، والبعض الآخر حاول من خلاله إبراز علاقة هذه الثورة بالأنظمة العربية، لكن أغلبية كتاباته خصوصا داخل جريدة فلسطسن كانت تميل إلى فتح الحوار وتعميق النقاش مع قوى اليسار في الغرب وعلى راسها الإتحاد السوفياتي. أما المهدي بن بركة ورغم العلاقات القوية التي كانت تربطه بقوى اليسار في أوروبا، فإن جل إهتماماته كانت تصب على وضعية العالم الثالث وما تتعرض إليع خيراته وثرواته من إستغلال فضيع من جانب قوى الإستعمار والتي سعى إلى محاصرتها عن طريق المنظمة الإفريقية الأسيوية والمؤتمر العالمي للقارات الثلاث الذي كان يتولى التحضير له.
لقد ركز عمر بن جلون في تحليلاته ومناقشاته على فتح إيديولوجية حاول من خلاله إبراز التناقضات التي سقطت فيها سواء القيادة السوفياتية أو بعض قوى اليسار في أوروبا وداخل الثورة الفلسطينية نفسها.
فالبنسبة للإتحاد السوفياتي إنصبت كتابات عمر بن جلون على تقويم وتوجيه الموقف السوفياتي من المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني. فإنشاء الدولة الصهيوينة لم يكن بدعم الإستعمار الغربي والأمبريالية الأمريكية وحدهما، بل بفضل المساندة السوفياتية التي إنساقت مع الدعاية الصهيونية. فالإتحاد السوفياتي لم يكن مع قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1947 وحسب، بل كان أيضا من الدول التي سارعت إلى الإعتراف بالكيان الصهيوني. وهو موقف كشف عن تناقضات الإتحاد السوفياتي كدولة ظلت تساند الشعوب المضطهدة والتي تتطلع إلى الحرية والإستقلال. فإلى غاية سنة 1967 لم تكن مواقف الإتحاد السوفياتي من القضية الفلسطينية إيجابية وفي مستوى تطلعات الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على الخصوص. وهذا واقع عبر عنه عمر بن جلون عندما لاحظ الصمت الذي فرضته وسائل الإعلام السوفياتية على المعارك البطولية التي كانت تخوضها المقاومة الفلسطينية قبل سنة 1967 (ضرورة إصلاح غلط تاريخي: إفتتاحية جريدة فلسطين عدد 70 بتاريخ 13 فبراير1970، وكذا رجوع إلى الوراء لقرار نوفمبر 1967 لمجلس الأمن: كتاب أوراق فلسطين ص 25)، وكيف كانت الوفود السوفياتية في المؤتمرات الدولية ترفض أي لقاء أو فتح أي حوار مع المقاومة الفلسطينية.
هذا الموقف السوفياتي المتخاذل الذي كان ينطلق من مصالح ضيقة يرجعه عمر بن جلون إلى كون القادة السوفيات أصبح همهم الإحتفاظ بالسلم والتعايش السلمي مع الأمبريالية حتى ولو إقتضى ذلك الحكم بالإعدام على شعب من الشعوب المستعمرة. فتراهم لا يسكتون عن المقاومة الفلسطينية وأهدافها الواضحة والواقعية فحسب، بل يعملون بنشاط على إيجاد حل عاجل قبل أن تخلق هذه المقاومة واقعا لا رجوع فيه. وبرنامجهم "السلمي" لا يختلف عن البرنامج الأمريكي أو الفرنسي في الجوهر، إذ أن أساسه هو الإعتراف بإسرائيل نهائيا، وهذه حقيقة لا علاقة لها بتاتا بالأهمية أو بأي مبدإ من مبادىء التحرر أو الإشتراكية. إنها تعبرعن خطة دولية كبرى لها مصالح إستراتيجية معينة معروفة يستلزم تطبيقها، مواقف ومبادرات مضادة لمصلحة شعب مشرد يحارب من أجل تحرير وإسترجاع وطنه (بمناسبة زيارة بودغورني للمغرب: إفتتاحية جريدة فلسطين. عدد 14. أبريل 1969).
فزرع الكيان الصهيوني داخل الأمة العربية من منظور عمر بن جلون لا يتحمل مسؤولياته الإستعمار الغربي وحده، بل للإتحاد السوفياتي بدوره نصيب فيما حدث بالشرق الأوسط الذي يطالبه بإصلاح خطإه الفادح. فهو الذي يقول: ".... فيما يتعلق بالحالة الخاصة للشعب الفلسطيني وعلاقة قضيته بالإتحاد السوفياتي، نستخلص موضوعة تقول بأن المقاومة الفلسطينية توجد في مركز لا تنتظر معه الإتحاد السوفياتي العون والمساندة في كفاحها فقط، فإذا كانت بقية حركات التحرير تقتصر على إلتماس هذا العون وهذه المساندة مرتكزة على مبادىء التضامن والأهمية البروليتارية، فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يطالب أولا بإصلاح الخطإ الذي عانى ومازال يعاني من عواقب إرتاكابه. ولا ينبغي أن يحول النضج ولا الواقعية دون المقاومة الفلسطينية والتذكير بذلك الخطإ الذي يعد أقدم خطإ وأظلمه، ارتكب على حسابه من طرف دبلوماسية القوة العظمى حتى قبل ظهور متطلبات ـ التعايش السلمي ـ. وقد وقع إرتكاب هذا الخطإ بإسم حزب ووطن لينيين" (ضرورة إصلاح غلط تاريخي: جريدة فلسطين بتاريخ 13 فبراير1970 عدد 70).أما بالنسبة لقوى اليسار في الغرب، ف
أما بالنسبة لقوى اليسار في الغرب، فإنه عندما سلبت من الشعب الفلسطيني أرضه وسلمت للكيان الصهيوني، حاول الأخير التظاهر بالإشترامية والثورية مع إبراز أن الصراع الدائر في الشرق الأوسط ما هو في الواقع إلا صراع بين دولة ديمقراطية، تسعى لبناء كيان إشتراكي من جهة وبين أنظمة عربية رجعية. ومن أجل تكريس هذه الحقيقة المزيفة تظاهرت إسرائيل بإستعمال بعض أنماط الإنتاج الإشتراكي مثل الأخذ بنظام الكيبوتزيم في الميدان الزراعي، أو من خلال تركيز اليسار الصهيوني في شخص منظمته النقابية ال ـ هستدروت ـ كل هذا لكسب عطف الأممية البروليتارية وجرها للوقوف بجانب إسرائيل في قمعها للمقاومة الفلسطينية. وقد كان من نتائج هذه الدعاية المزيفة أن أخذت بعض الأصوات التي لها حضور متميز داخل الساحتين الثقافية والسياسية في الغرب والتي عرفت بمساندتها ودعمها للحركات التحررية في العالم، في الفيتنام وفي جنوب إفريقيا العنصرية... والتي كان عليها أن تقف في صف الثورة الفلسطينة أن أخذت هذه الأوساط مواقف أقل ما يقال عنها أنها متجاهلة بشكل كلي لمشروعية وعدالة الكفاح الفلسطيني. ويكفي أن نذكر هنا بموقف الكاتب الفرنسي سارتر الذي رغم المذابح التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، ظل يتنكر لكفاح هذا الشعب، لأن سارتر ذهب ضحية فكر صهيوني مزيف. ونفس الشيء يتكرر مع الأممية البروليتارية التي حاولت النقابة العمالية ال ـ هستدروت ـ استغلالها لأغراض صهيونية محضة. فالغاية التي أسست من أجلها هذه المنظمة النقابية العمالية في سنة 1920 لم تكن إلا خدمة أغراض عنصرية، ولمؤازرة ما تقوم به الجماعات الإرهابية الصهيونية داخل فلسطين المحتلة.
أما داخل فلسطين، فقد تمت الإشارة إلى ما تقوم به النقابة العمالية الصهيونية فيما يتعلق بتزييف حقيقة الأوضاع العمالية المعاشة داخل الأرض المحتلة، وكيفية إستعمالها لوسائل دنيئة من أجل التأثير على البروليتاريا الأممية لكسب التأييد والدعم العمالي. هذا السلوك هو الذي عمل عمر بن جلون على فضحه والتعريف به من خلال الإفتتاحيات التي كان يكتبها بجريدة فلسطين. إلا أن محاولات التاثير على الرأي العام الغربي لم يكن محصورا على ما كانت تقوم به منظمة الهستدروت الصهيونية، وإنما حاولت فيها إستغلال المقترحات التي أوردها المناضل نايف حواتمة في مقال له نشرته جريدة "لوموند" الفرنسية في عددها المؤرخ في 27 يناير 1970 والذي ركز فيه على إمكانية إيجاد الحل المناسب للمشكل الفلسطيني الصهيوني في ظل النموذج الكلاسيكي للأممية البروليتارية. أي حل بروليتاري مطابق لمبادىء الإشتراكية العلمية والقائلة بأن شغيلة الجانبين سينتهي بهم المطاف إلى اللقاء في كفاح مشترك ضد المستغلين (بكسر الغين) سواء في هذا الجانب او ذاك. واإنطلاقا من هذا التحليل يصل نايف حواتمة إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية يمكنها أن تزود بهياكل تشكل منها إما فيدرالية أو كونفدرالية من نوع يوغزلافيا أو تشيكوسلوفاكيا (المواقف الطبقية المزعومة: إفتتاحية جريدة فلسطين: عدد 76 بتاريخ 27 مارس1970). هذا النوع من الحلول الذي يعتمد تطبيق النموذج العتيق للتضامن بين شغيلة البلدان الرأسمالية المتحاربة والذي بموجبه يتعين على كل عامل أن يعطي الأسبقية للتضامن مع شغيلة البلدان الأخرى على الإرتباط بوطنه المحكوم من طرف البورجوازية (جريدة فلسطين: مرجع سابق) أصبح هذا النوع الحلول متجاوزا لأن " المادية الجدلية والمادية التاريخية ـ يقول عمر بن جلون ـ ليست سلسلة من النماذج المسطرة لكل زمان ومكان". لهذا فما ذهب إليه نايف حواتمة وحاولت أن تستغله الصهيونية لنشر أفكارها المسمومة لم يكن من منظور عمر بن جلون إلا مفاهيم ونماذج بالية تخدم مصالح إسرائيل.
روابط
التعليقات (0)