للذكرى والتاريخ
هذه المادة كتبت قبل ثمان سنوات
لم تفق قرية قبلان، جنوب نابلس، بعد من هول الجريمة التي وقعت فيها ظهيرة الجمعة الماضي : صهريج وقود ضخم يغير على سيارة صغيرة صاعدة نحو المسجد ويسحقها على من فيها. يهرع خمسة قتلة نحو الجسدين المسحوقين داخل السيارة ويشرعان في إطلاق النار على رأسيهما من مسدسات. يتقدم بعضهم بأدوات حادة ويغرسها في اللحم الميت، وما أن يصل جمع من الناس كان احتشد لأداء صلاة الجمعة حتى تكون الجريمة قد اكتملت بأشنع ما تكون عليه الجرائم.
يصدم هول الجريمة أهالي القرية، وتصبح الصدمة أشد حينما يعلمون أن المستهدف هو الشيخ علي فرج وشقيقه حسام من قرية تلفيت المجاورة. فأهالي ريف هذه المنطقة يعرفون الشيخ علي فرج، منذ كان فتى يتنقل من قرية لأخرى مشاركاً في الأعمال التطوعية وإصلاح ذات البين، ثم يتنقل مطارداً من قبل قوات الاحتلال، يغيب سنوات طويلة في السجون ويعود كأن شيئاً لم يكن، تتناقل الألسن أنباء صموده في التحقيق حتى حمل بجدارة لقب "أمير الزنازين". ثم عرفوه أخيراً خطيباً وإماماً للمصلين ينتقل من مسجد لآخر.
تغلي الدماء في عروق شبان القرية فيهجمون على بيوت القتلة، وهم خمسة أشقاء، ويضرمون فيها النار.
ومع الكشف عن القتلة تتداعى الروايات والتفسيرات حول هذه الجريمة المنفلتة من كل معيار، وتثير كل رواية من الأسئلة أكثر وأكبر مما تثيره من أجوبه..
"هل يعقل أن تكون جريمة ثأر. وهل يكون الثأر بهذه الطريقة الشنيعة، ثم هل يأتي الثأر وبهذه الطريقة بعد أربعة عشر عاماً، يتساءل غير مواطن في هذه القرية التي تتسلق سفح جبل مرتفع؟".
فالقتلة هم أبناء رئيس المجلس القروي السابق المعين من قبل سلطات الاحتلال في عهد روابط القرى العميلة والذي جرى قتله من قبل مسلح من حركة فتح في نهاية الانتفاضة الأولى العام 91.
وفي ذلك العام اعتقلت السلطات الإسرائيلية الناشط الفتحاوي الذي قتله وحكمت عليه بالسجن المؤبد ثم أفرجت عنه لاحقاً في عمليات الإفراج التي أعقبت أتفاق أوسلو دون أن يذكر اسم الشيخ علي فرج في القضية.
لكن، فيما يبدو، لكون الشيخ علي فرج، مسؤولاً للحركة في القطاع الريفي من هذه الجزء من محافظة نابلس في تلك الفترة، فإن ثمة من أذكى في نفوس الأبناء أنه المسؤول عن مقتل أبيهم، يقول غير مواطن في هذه القرية.
تتناقل الألسن من بعيد أن الجريمة وقعت على خلفية الثأر وهو ما يثير حركة فتح والعائلة المؤلفة من سبعة أشقاء أمضوا في سجون الاحتلال مجتمعين أربعين عاماً من أعمارهم، فتقرر عدم دفن الضحيتين قبل اعتقال ومحاكمة قتلتهما.
"أي ثأر شخصي؟" يتساءل يوسف حرب، ممثل حركة فتح في لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس. "هذه جريمة بصمات المخابرات الإسرائيلية واضحة عليها، أربعة من القتلة الخمسة كانوا معتقلين لدى جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية قبل الانتفاضة، وجميعهم اعترفوا بارتباطهم مع المخابرات الإسرائيلية".
ويضيف:" في جميع الأوجه فإن هذه الجريمة ارتكبت ضد رجل وطني على خلفية دوره الوطني وبالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن أي معيار آخر".
والأمر ذاته يعتقده محافظ نابلس العميد محمود العالول، الذي يقول: "الشيخ علي فرج وشقيقه قتلا على خلفية دورهم الوطني. هو قائد معروف في حركة فتح وشقيقه أيضاً من النشطاء المعروفين".
وتطالب عائلة فرج وحركة فتح في محافظة نابلس بإيقاع عقوبة الإعدام على القتلة قبل دفن الشهيدين.
وقال يوسف حرب:" هذه قضية رأي عام. الرأي العام غاضب جداً وإذا لم تقم السلطة بمحاكمة القتلة بأسرع وقت وإيقاع أقسى عقوبة بحقهم، وهي عقوبة الإعدام فإن حركة فتح تعرف كيف تأخذ بثأر أبنائها".
ويؤكد محافظ نابلس العميد محمود العالول أن القتلة الأساسيين موجودون في قبضة السلطة وأنهم يخضعون للتحقيق، مشيراً إلى أنه سيتم تحويلهم للقضاء فور الانتهاء من التحقيق معهم. وقال: "القضاء مستقل، لكننا نطالب ونأمل بإيقاع أقصى عقوبة في القانون على القتلة وهي عقوبة الإعدام".
وقد فتحت جريمة اغتيال الشقيقين علي وحسام فرج، مجدداً ملفاً شائكاً لم يحظ بعد بالمعالجة وهو ملف قتل العملاء.
ويقول أكرم مسلم، أحد رفاق الشهيدين:" شكل الشيخ علي فرج حالة وطنية استثنائية في هذه المنطقة، فقد مثل النقيض لسياسات الاحتلال التي عملت على تخريب مجتمعنا، وقد جاء استشهاده على هذه الخلفية".
ويستذكر مسلم، مرحلة وقف فيها علي فرج على النقيض من ضابط المخابرات الإسرائيلي في المنطقة الذي كان يحمل اسم الكابتن يونس والذي يقف اليوم على رأس جهاز الشاباك باسم آخر هو يوفال ديسكن.
ويقول : "كان ديسكن، يعمل بدأب على تجنيد العملاء في هذه القرى ويوكل لهم المسؤوليات الحيوية من مجالس محلية ووظائف أخرى في مؤسسات خدماتية، وكان الشيخ علي، يقود حملة وطنية مضادة في الشارع أثمرت عن تجربة تنظيمية فريدة من نوعها".
وأضاف: "قضية الشيخ علي، هي قضية الحركة الوطنية التي وقفت في وجه روابط القرى وغيرها من المخططات، وكرست الشرعية الوطنية عبر تحويلها من فكرة الى برنامج، ومن برنامج الى مؤسسات، الامرالذي احتاج الى شجاعة خاصة امتلكها الشيخ وجيله.. فهل يكون نصيب هؤلاء الموت تحت ذرائع ثأر أهالي العملاء ؟؟؟.
التعليقات (0)