مواضيع اليوم

اغبى صنفين من البشر

روح البدر

2009-05-17 10:19:36

0

  
  أغبى صنفين من البشر!
  
الشيخ عبد السلام البسيوني
أغبى من قرأت عنهم من البشر؛ صنفان أنعم الله عليهما، ورزقهما منه رزقًا حسنًا، فرفضا هذا الرزق، ورفسا نعمة الله تعالى، وطلبا أشياء تدخل في باب "الرمْرمة، وقلة الذوق" واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ورغبا في بدائل هي أقل قيمة، وأوخم عاقبة، وأهون على ذي العقل البصير، والقلب المنير:

الصنف الأول: بنو إسرائيل -عاملهم الله بما يستحقون– الذين أنـزل ربهم عليهم المنّ والسلوى، وهم في سنين التيه -رحمة بهم، وترقيقًا لأفئدتهم– قال لهم الله: قولوا حطة أغفر لكم ذنوبكم.. قولوا حطة -أي حطّ عنا ذنوبنا يا واحد يا أحد– فقالوا: حنطة، لا حِطة، وحرفوا الكلم عن مواضعه!

المن والسلوى

أنزل عليهم الرحمن الرحيم المنّ والسلوى فقالوا: لا يا رب، لا نريد منك منًّا ولا سلوى.. لا نريد رحمتك.. أكُلّ يوم منّ وسلوى؟! لا بد من التغيير.. لن نصبر على المنّ والسلوى وحدهما.. عايزين طعامًا مالحًا.. حريفًا.. حامضًا.. عايزين بصل.. توم.. فول مدمس.. عايزين عدس وكيمة و..! وبظلم من الذين هادوا، وبهذا التفكير الغبي ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله.


وتكرر الموقف الكَنود والجَحود من الأغبياء اليهود المرة بعد المرة، وكانوا في الغباء مثالا، حتى جاء من يحاول مسابقتهم في البلاهة وقلة العقل، وكان المنافسون في هذه المرة من أجدادنا العرب النشامى في سبأ باليمن، الذين أنعم الله تعالى عليهم بالبساتين الغنّاء، والأشجار الباسقة، والأرض المعطاء، المكسوة ببساط سندسيّ أخضر من العشب الريان البهيج..
وكان المسافر من اليمن إلى الشام ينتقل من جمال إلى جمال، ومن خضرة إلى خضرة، ومن بستان إلى بستان.. لا ينقطع الجمال، ولا يغيض الخير..

ولم يصبر أجدادنا على الجَمال والألوان والنعيم ولم يصونوها، بل اشتهت بعض النفوس "الخايسة" منظر الصحراء والرمل، والشجر الشوكي القصير الذي لا يطعمه إلا الحيوانات ذوات المشافر المشقوقة من الإبل والمعيز... فلا ظل، ولا ثمر، ولا راحة للعين، ولا متعة كبيرة للنفس الشاعرة المتحضرة.. قال أجدادنا المتبطرون: يا رب.. مللنا النعمة.. سئمنا الخضرة.. عِفنا البساتين والحدائق، يا رب شوية كثبان رملية، على شوية خنافس وضباب، على مزيد من الحر والرطوبة، نوّع لنا يا رب.. مزيدًا من اللون الأصفر والشمس اللاهبة!!

وتحطم سد مأرب

وبظلم منهم، وبجملة من أخطائهم وخطاياهم تحطم سد مأرب، وتهدمت قصورهم، وباعد العزيز الحكيم بين أسفارهم، وجعلهم أحاديث، ومزقهم كل ممزق، فتفرقوا هنا وهناك حتى ضربت العرب بهم المثل في الفرقة والتمزق (تفرقوا أيادي سبأ)، وإنك لواجدٌ من أولئك الأجداد من نشأ أحفاده في مصر أو الشام أو المغرب.. أو حتى في السند والهند والبلاد التي تركب الأفيال، بعد أن ضربتهم يد البطر وقلة العقل.

• هل هناك من يشبهون اليهود والسبئيين في الغباء والبطر؟

• هل ثمة من يسير سيرتهم، وينسج على منوالهم؟!

نعم.. وهم كثيرون.. إنهم كل متبطر فردًا كان أو جماعة أو أمة.. فلكم حكى القرآن الكريم عن أمم أعطيت من فضل الله الشيء الكثير، فتفرعنت، واستكبرت في الأرض بغير الحق، وقال قائلها: {لا أريكم إلا ما أرى}، وظن أن نعم الله عليه من الأنهار والخيرات والبركات بسبب منه هو فقال في بلاهة يحسد عليها: {أنا ربكم الأعلى}، فأخذه الله الأعلى أخذ عزيز مقتدر، فأهلكه وأشياعه وملأه {فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا}، وكان من أسباب هلاكه الكبر والأشر والبطر؟!

تاريخ المتبطرين

ولو ذهبت لأستقرئ تاريخ المتبطرين لاتسع الأمر، ولكن إن أنس فلا أنسى ما كان من هند بنت النعمان بن المنذر ابن ماء السماء –وكانت عاقلة حكيمة– وهي بنت سيد العرب في زمنه.. وكانت –بعد العزّ والسؤدد والمنجهة– قد صارت فقيرة دقة، وانتهت إلى دير ترهبنت به لتعيش على الفتات.. فلما سئلت عن حالها قالت: ما طلعت الشمس بين الخورنق والسدير إلا على ما هو تحت حكمنا، فما أمسى المساء حتى صرنا خَوَلا لغيرنا. أي رعية وخدمًا.

وسئلت ذات مرة : ما لك تبكين؟ فقالت لم تمتلئ دار قط فرحًا إلا امتلأت حزنًا، كنا مغبوطين فأصبحنا مرحومين!!

(وَهَفَّها) سلطان الشعر مرة فأنشدت:
فبينا نسوسُ الناسَ والأمرُ أمرنا     إذا نحن فيهم سوقةٌ نتنصّفُ
فأفٍّ لدنيا لا يـدوم نعيمُـها      تـَقلّبُ تاراتٍ بنا وتصرّفُ

وإن أنس فلا أنسى المعتمد بن عباد وكان من الذين توسعوا في الدنيا.. ولد له -في العزّ– مائة وثلاثة وسبعون ولدًا (!!) ثم انتهى به الحال إلى أن نهبت قصوره، وسجن عامين وزيادة، حتى مات في قلة وذلة...

وكان للمعتمد بنات اشتغلن –بعد العز– خدّامات، وكن يغزلن بالأجرة.. جئنه ذات عيد لزيارته في السجن، فرآهن في أطمار رثّة، فصدعن قلبه، فانطلق لسانه متحسرًا على حالهن:
ترى بناتك في الأطمـار جائعة   يغزلن للناس ما يملكن قطـميرًا
برزن نحوك للتسلـيم خاشعةً     أبصارُهن حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية   كأنها لم تطأ مســكًا وكافورًا
وعلى كثرة أبنائه، فقد افتقروا بالمرة –كما قال الحافظ الذهبي– وتعلموا صنائع يتأكلون منها.. وكذلك الدهر: لا تدوم لأحدٍ من يده منّة، ولا تطّرد له مع أحد سنّة.

والبطر هو ابن شرعي للترف والثراء الفاحش الذي لا يصادف عقلا ملجمًا، ولا دينًا عاصمًا.. وله أخ شقيق هو الفسق؛ بالتوسّع في الشهوات والملاذ، لتتحقق سنة الله تعالى في الأمم إذا أراد أن يقوّض بنينانها، ويجتث طغيانها: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمّرناها تدميرًا}، فالمترف مغرور بما هو فيه، مخدوع بتوسعة الله عليه؛ حتى إنه –لفرط انخداعه– قد يظن غناه آية من آيات رضا الله، وأنه ما دام من أهل السعادة في العاجلة، فهو –بلا ريب– من أهل الفردوس الأعلى في الآجلة {ولئن رددت إلى ربي} لئن! {لأجدن خيرًا منها منقلبا}.

ويملي له إبليس: يا فلان هَيص، خبّص، توسّع، امرح، ليندفع عبد الله في المعصية، ويقضي نهاره في (التهييص والتخبيص)، ويجرّ أقرانه ليفسدوا مثله، ليكثر القبح، ويعم الشر، فيقضي المنتقم الجبار أمرًا كان مفعولا؛ أمر الهلاك الذي يجره البطر وجحد النعمة..

إن كل عاقل يعلم أنه لا يصون النعمة إلا حياطتها بالشكر:

الشكر باللسان [الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات]. والشكر بالقلب باعتقاد أنه {ما بكم من نعمة فمن الله}. والشكر بالعمل والسلوك {اعملوا آل داود شكرًا}.
فإذا وقع الشكر صينت النعمة، وتحققت فيها الزيادة {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
لكن منطق الذين يحرقون –مجازًا– ألوفًا وألوفًا بإلقاء خير الله في المزابل هو منطق المتبطرين الجاهلين.

لكن منطق باشوات زمان الذين كان أحدهم يشعل السيجارة للرقّاصة بورقة مائة جنيه.. أيام كانت المائة جنيه ثروة تشتري خمسمائة متر من الأرض أو يزيد؛ ليثبت لها أنه (رجل مليان... والخير كثير) هو منطق فاشل غبي!!


لكن منطق تربية الأولاد على احتقار الفلوس فيستكبر أحدهم أن ينحني ليلتقط ورقة بعشرة ريالات سقطت منه، أو منطق شراء طفل لعدة علب بيبسي ليشرب شيئًا من واحدة، يفوّر الباقي أو (يقطّه) في الزبالة.. هو منطق من لا يشكر نعمة الله تعالى، ولا يريد حياطتها ولا صيانتها.

فيروسات البطر

كم يشغلنا التباهي، والتكاثر الذي ألهى الناس، وشغلهم عن غايتهم الحقيقية، فجعلهم يدخلون في سباق مع أنفسهم، وتنافس على موديل السيارة، وفرش الفيلا، وتصميم المبنى، ورحلات الشتاء والصيف، لنتحول إلى مرضى بفيروسات وبائية اسمها البطر، والتكاثر، والسرف، والتظاهر، والـ... .

وكلها مهلكات للأعمار، خاربات للديار، ماحقات للبركات، جالبات للفقر، مدمّرات للأمم والنعم.


لكم تباهت المرأة بين صاحباتها، وتشبعت بما لم تعط، وادعت ما لا يُدّعى..
ولكم أخطأنا في تربية أبنائنا لا على الشكر والصيانة؛ بل على البطر والإهدار.

لماذا لا نتدبر وعيد الله للمتبطرين، ولا بفعل الله في المتكبرين {وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال}؟‍
أفلا نتذكر غباء الذين اشتهوا العدس والثوم والبصل، و(خيابة) الذين قالوا ربنا باعد بين أسفارنا؟!

اللهم لا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.. واجعلنا من أهل الرضا والرضوان..
يا رب العالمين
 
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !