اعلام انتفاضات الجماهير والاعلام الرسمي. أجمعت كتب الإعلام المنهجية التي تدرس في الجامعات أن الإعلام يعد السلطة الرابعة في الدولة. بعد السلطات الثلاث ” التشريعية والتنفيذية والقضائية “.كان هذا الرأي عندما كانت وسائل الإعلام في حالتها المتخلفة قياسا على ما هو عليه الان, من تطور مذهل في وسائل الاتصال. ويبدو أننا سنشهد في قابل الأيام معارك شرسة بين وسائل الإعلام, وبين الجهات الرسمية التي تمثلها, أو تعبر عن سياستها.إذ صارت وسائل الإعلام طرفا مباشرا في أحداث المنطقة العربية, وأحدى القوى المؤثرة في مسارها, فقد دخلت في الصراع بقوة لصالح طرف ضد طرف أخر ,وأحرزت نجاحات كبيرة. وشكلت هذه الظاهرة عودة إلى مرحلة الصراع العقائدي الذي ساد مرحلة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين.إذ كانت وسائل الإعلام في كلا الطرفين تخوض حربا شرسة دفاعا عن عقيدة الطرف الذي تمثله. وفي الوقت نفسه تحطيم معتقدات الطرف المقابل, فالرأسمالية ضد الاشتراكية, والعكس كذلك.وكان إعلام الدول الصغيرة التابعة لهذا المعسكر أو ذاك صورة طبق الأصل عن إعلام معسكري الصراع.اليوم نشهد صورة مشابهة لتلك الصورة السابقة التي صارت درسا مضى وليس له مكان إلا في الكتب المنهجية. الإعلام الرسمي يدافع بحرارة عن النظام الحاكم بكل عيوبه ومساوئه. وإعلام المعارضة الذي يعتمد وسائل شعبية متاحة بين أيدي العامة مثل أجهزة الهاتف النقا ل والانترنت وكل وسائل الاتصال الأخرى,¯ هو ضد النظام الحاكم بالمطلق دونما أي ذكر لمنجز حققه في سنوات حكمه. لم يقتصر الصراع الإعلامي على هذين الطرفين. أي الإعلام الرسمي, والمعارض. بل دخل على الخط إعلام أوحى للمشاهدين أنه إعلام مهني ومحايد. ولكنه يتبع دولا في المنطقة ويعبر عن توجهاتها, التي تعبر بالتالي عن سياسة دول عظمى, لها رؤيتها الخاصة في أحداث المنطقة, أو ما يسمى ” الربيع العربي “. لقد برعت وسائل الإعلام هذه في تغيير قناعات المشاهدين, من خلال تكرار الصور النمطية المؤثرة, فمشهد الرجل العجوز التونسي الذي أطلق مقولته الشهيرة ” لقد هرمنا.. لقد هرمنا ” وغيرها من المشاهد التي تظهر العقيد القذافي, وهو يبلع ريقه بحسرة, وهو يلاحق أبناء شعبه من بيت لبيت ومن زنقة لزنقة..وهكذا..كلها تعبيرات إعلامية نفسية لترسيخ فكرة معينة في أذهان الناس, وتدخل في إطار الحرب النفسية. لقد برز الصراع الإعلامي على أشده بين القنوات الفضائية العربية, وهو صراع بين مصالح الدول التي تنطق باسمها تلك الفضائيات. وفي الحقيقة هو صراع بين الدول الغربية, وبين الجماهير العربية التي أخذت تتلمس طريقها نحو الحرية والمشاركة السياسية. لقد ركبت الدول الغربية موجة الانتفاضات العربية برجالاتها, الذين خدموا المصالح الغربية بأحس ما تكون الخدمة ” زين العابدين بن علي وحسني مبارك “. وفي الوقت نفسه دست أنفها بين صفوف الشباب المنتفضين, وشجعت بعض الأحزاب على ركوب الموجة لاقتناص الفرصة المواتية للاشتراك في الحكم, وزرعت الفرقة بين الأطراف المعارضة, كما هو الحال في مصر وتونس ألان. ما يؤكد صحة أن الإعلام أصبح سلطة أولى وسلطة قوية ومؤثرة, أن حلف الناتو قصف مرسلات البث في ليبيا, بعد أشهر من إعلان الحرب على ليبيا, بدعوى أن الفضائيات الليبية تؤثر على مسار عمليات الحلف العسكرية.ويبدو أن فكرة قصف المرسلات هي فكرة المعارضة الليبية في بنغازي, لكي يتخلصوا من بث نظام ألقذافي, في حين أن البث الليبي الرسمي ضر بالنظام نفسه, لان برامجه لا تخاطب العقل, بل تخاطب المشاعر القبلية. ما يثير الانتباه هو التسابق في إطلاق الفضائيات الدينية, ضمن موجة ركوب شعارات الأحزاب الدينية. رغم أن حملات الأحزاب الدينية السياسية باتت معروفة الأهداف. فالأحزاب السياسية الدينية, تلتحف بثوب الدين, على اعتبار أن الدين هو الحل لكل مشكلات الجماهير.في الوقت نفسه تتنافس مع الأحزاب الأخرى من اجل الحكم ,وهوما ظهر جليا في تونس , وسيظهر في مصر قريبا. إن الأوساط الحاكمة باتت معروفة التوجهات, يحركها الأجنبي على الأغلب, وتدرك بأنها غير قادرة على كسب الناس, فأخذت تفكر في تأسيس أحزاب سياسية تنافس الأحزاب القائمة, وتعتمد على قدراتها المادية, وصارت أحزاب السلطة تملك ممكنات القوة المالية والأمنية, فسيطرت على مؤسسات الدولة والمجتمع ,ولكن هذه الاحزاب لم تكسب من الجماهير غير الانتهازيين والوصوليين. أما الأحزاب التي تتغطى بخيمة الدين فإنها تتوجه إلى الناس لجرهم نحو ممارسات وطقوس, تتحول بالتدريج إلى ولاءات طائفية أو جهوية أو فردية, مهمتها الأولى رصد أخطاء السلطة والتصدي لها بهدف إسقاطها. قبل أيام خرجت إلى العالم فضائية دينية جديدة باسم ( أنوار الشام ), تنطق باسم النظام السوري بعد خمسة عقود كان النظام يتسم بالعلمانية, في حين يمارس التفرقة المذهبية كما يعتقد غالبية السوريين. وهذا مؤشر على عدم فهم مبادئ البعث الذي يحكم في سوريا. فهو حزب مؤمن ولكنه ليس حزبا دينيا, ويعتقد أن تدخل الدولة لوضع سياسة معبرة عن الدين في منهجها التفصيلي الدنيوي يجعل الشعب ينقسم وفقا للانتماء الديني والطائفي.والدولة إذا ما تبنت سياسة للدين بما يجعلها تتدخل في طقوسه العادية, منعا أو سماحا, فإنها ستضيع الناس وتقسمهم, وذلك يصب في خانة أعداء الأمة وليس قي صالح البلد وشعبه. إن بعض القوى المضادة صارت تستخدم الدين لأهداف سياسية, هدفها إشغال الناس في طقوس لا تقدم نفعا لهم, بل تجلب عليهم المشكلات والانقسام.وأي محاولة لاستغلال الدين لأغراض السياسة إنما هو استغلال للدين وتشويه صورته أمام الأعداء. هذا الرأي لا يعني رفض الإرشاد الديني عبر الفضائيات, أو انتشار الفضائيات بالعدد الذي نراه الان, بل الخوف من تأثيراتها الطائفية ومخاطرها على وحدة الأمة العربية ولو باللفظ والمشاعر. ولا بد من الحذر من توجهات الأحزاب السياسية الدينية والقوى الطائفية, الرامية إلى الكسب غير المشروع من الناس على حساب وحدتهم وتضامنهم.فما نراه من تسابق على كسب الناس من كل القوى, هو مشروع إذا التزم الوحدة الشعبية وعدم التفرقة, ومن أنماط الكسب غير المشروع استغلال الدين لتأليب الناس ضد الحكم وعدم منحة فرصة للإصلاح السياسي والاقتصادي, لان الإصلاح لا يكون بجرة قلم, بل يحتاج إلى وقت زمني, ونية صادقة وهمة في العمل, تظهر بعض نتائجها أولا بأول. والإعلام يلعب دورا أساسيا في الحفاظ على ديمومة الأمن وعدم جر البلاد إلى منزلقات الفوضى والخراب.0 0
التعليقات (0)