رزق بهذا الطفل بعد 19 سنة من الإنتظار المر، و عملية قيصرية عسيرة كلفته روح زوجته. مذ ذلك الوقت نذر نفسه لملازمته ماتبقى له من العمر.
وبطبيعة القدر إذا أراد أن يأخذ من الإنسان شيئاَ، فإنه يأخذ كل ما لديه. في ظهيرة أحد أيام العمل حين كان الأب شارد الذهن بجانب الآلة التي كانت تنزل وتصعد بسرعة رهيبة لتغرس أنيابها بكل قوة وسط الخشب لتنشئ النقوش، وكنوع من اللهو البريء مد الطفل يديه بسرعة تحت الآلة ليختبر مدى سرعته في سحبها، لكنها كانت الأسرع ولم تغرس أنيابها بأصابعه العشر فحسب.. بل اقتلعتها من من الجذور. وقت طويل مضى والأب مصاب بحالة هستيرية عصيبة بعد أن صارت يدي ابنه كمضرب كرة التنس، دائرية الشكل. أما الأبن، فيبتسم بقلب أعتاد على أحزانه.
تحدث الأب لمستشفى بنك الأعضاء البشرية عن إمكانية زرع أصابع في كفوف إبنه عوضا عن تلك التي اغتصبتها الآلة، أخبروه أنه من الصعب إيجاد 10 أنسجة تناسب أنسجة ابنه، حتى وإن وجدت كإحتمال واحد بالمئة، فأنهم يستطيعون زرعها.. لكنهم غير قادرين على أن يتمكن الابن من التحكم بها أو الاستجابة عن طريقها. كان قلب الأب يتفطر حزناً وإلماً، غير أن ذلك لم يمنعه من المحاولة بل منعه من اليأس. توجه لمتحف الشمع، أخبرهم بأن يصنعوا لابنه أصابع شمعية ويكفيه أن تستعيد كف ابنه شكلها حتى وإن لم تتحرك، لكنهم أبلغوه بأنهم لا يملكون الضمان باستمرارية بقاء هذه الأصابع لأنهم لم يصنعوا بعد مادة مقاومة للعوامل الخارجية. كان هذا الرجل رغم قوة بأسه إلا أن نظرة واحدة نحو اليد ذات شكل المضرب، كفيلة بأن تكون في نفسه مادة قاتلة تنتشر في خلاياه انتشار السرطان. كحل أخير، توجه لمصنع الدمى، كان شكله مكركباً وتعابير وجهه خالية وهو يطلب من مدير المصنع أن يصنع له قفازاً محشوة أصابعه بالقطن لأجل أن يرتديها ولده الذي فقد أصابعه، ربت المدير على كتفه ونصحه بأن لايجعل حزنه يفقده صوابه ولا يزيحه عن التفكير الطبيعي.
هو يكره الظهر، لأنه الوقت المحدد للأحزان، وهو الوقت الذي حدثت فيه جميع أحزانه. في هذا الظهر دخل على ابنه، واحتضنه بقوة، بحب وبحنان أشد مما كان عليه، دفن الابن نفسه في صدر ابيه، مكث لبرهة، ثم أصابته القشعريرة لأنه لم يستشعر أصابع ابيه تحتضن ظهره، فتراجع للخلف ونزل ببصره نحو كفوف أبيه، ثم رفعه مرة أخرى ليشاهد هذه الغرفة التي تحتوي الآن على أربع كفوف بشكل المضرب......
التعليقات (0)