اعدام مدونة في عالم افتراضي
تعرفت على تلك الفتاة و قد خلقت نفسها بصورة جميلة تزين صفحتها تنتقيها بتمعن تبحث عن اجمل
فنانات او عارضات ازياء و ملكات جمال , تنتقي اجمل صورة لهن ثم تزين بروفايلها لترفتفع لدى
عابري صفحتها تذوق الجمال الانساني .
اطلقت على نفسها اسما عربيا متداولا عصريا و سهل الحفظ له ايقاعا جميلا محببا على النفس . كانت
تتنقل بين المدونات ناثرة تعليقات هنا و هناك بادب جم دونما لهو في حماسة و تبادل مشاعر انسانية
كثر اصدقائها الوهميين و الفعليين كل يعرض عليها حبه و خدماته و وصل الامر الى عرض المال
لتكون صديقته المفضلة في عالم الوهم الالكتروني .
كتبت اشعارا و تغنت طربا بكلمات اصدقائها و زينت صفحاتهم بتشجيع و دعم معنوي و تقدم النصح
و الارشاد و تنتقد بلطف غير جاح للمشاعر عندما يتراءى لهاخلل في المبنى او المعنى و تقدم النصح
في تفعيلة او جرس موسيقي ليتناغم الايقاع مع المضمون و الموضع .
بداياتها كانت مع انطلاقة ربيع الثورات العربية , مع حرق بوعزيزي لنفسه و انطلاق التظاهرات التونسية
هي تعرف تونس و تحبها و تعشق ترابها و ارضها .. فلها ذكريات في تونس الحبيبة ارض الماء و الخضراء
و الوجه الحسن .
بكت كثيرا على بوعزيزي كما بكت و تالمت لسقوط المتظاهرين على ايدي قوات الامن . سمعت كلمات
كانها تنطق هي بها " هرمنا " في اعتصار قلبي و عصف ذهني حد الجنون .
ايعقل هذا ؟؟ ايعقل ان يقل الانسا بتلك البساطة , لانه يطالب بحقوقه المهضومة ؟؟
اقسمت ان تعمل مع الثورة , ان تساند كل مطلب لحر شريف ايا كان موقعه او موطنه , اليس العرب اخوة ؟
اليس كل من على هذه الارض ايا كانت لغته او عرقه او دينه او فكره او لونه اكة واحدة ؟؟ لم تحتمل ان تكون
من النظارة المتفرجين يلوون الشفاه و يحوقلون ضاربي الاكف حسرة و ندما في عجز و خوف و قلة حيلة .
وضعت نصب عينيها هدفا كما غيرها , اسقاط كل مستبد ظالم طاغية . مهما كان الثمن و نصرة ابناء امتها
المظلومين . قررت هذا و هي تعلم انها لن تكون شيئا و لا تفكر في ان تكون . الا ان تبين الحق و تعمل على
توضيح الصواب و محاربة الجهل و الخوف .
رغم انها تعمل و عليها التزامات و هذا العمل يعرضها لكثير من الظنون و الشك و الريبة و ان خلفها اشياء
من تلك الظنون اغلبية التي يمتاز فيها العقل العربي السخيف من نظرية المؤامرة . تلك النظرية التي يعرفون
انهم هم اساسها , هم الاصل فيها , هم اكثر الناس ابداعا في خلقها و تكوينها و لو من العدم .
قرأت الاخبار و تابعت النشرات الاخبارية و استمعت الى التحليلات السياسية و تعرفت على مطالب كل
مظاهرات تقوم على الساحة العربية , تنقلت بين المدونات و المواقع الصحفية الالكترونية . غيرت من اسمها
و من صورها , اضافت و حذفت مواضيع و تعليقات لتكون على افضل ما يصل الى عقل و قلب اصدقائها
و المتابعين لنشاطاتها , كانت تغيظ اجهزة امنية عربية . هددت كثيرا و اخترقوا خصوصياتها . تخفت تحت
كافة ما يمكنها من عالم الحماية .. و تعرضت لابشع القذف و الشتائم و احتملت و صبرت .
كانت تضحك في سرها , من هؤلاء المجنين لخدمة الظالمين لانهم هم انفسهم ضحايا للظالم المستبد , انهم
الات و ريبوتات صماء لا يفقهون .
ارهقها الصبر و ارهقتها المطالب و تعبت من عروض الحب و طلب يدها للزوج , اعجب بها امراء
و وزراء و فنانون و اصحاب مراكز قيادية في المجتمع العربي من محيطه الى خليجه .
بين التهديد بالاغتيال و الاساءة بالالفاظ و بين الوعود بالاعطيات و المنح ا لمراكز الوظيفية .
عرفت انها قدمت من عمرها و وقتها و فكرها و جهدها الكثير الكثير . فقد واصلت الليل بالنهار , قراءة
و كتابة و محاورة و تعليقا هنا و هناك و في تطييب خواطر و ارضاء شخص و الاصلاح بين الاحبة
في عالم الاوهام و الخيال . عاشت كل تلك الايام و الليالي في توتر و ارهاق و لم تعد تحتمل المزيد .
قررت الرحيل قبل اعدامها بيومين . لكنهم اغتالوها الكترونيا مسلمة روحها في أمان بعد ان وصلت
الى قمة العطاء في مغنم كسبته .
قلة هم ممن ادركوا فضلها و لكنهم جميعا يكررون كثيرا مما قالته لهم . , عليك السلام ايتها الروح الراحلة
في عالم افتراضي دخلته بارادتك ميلادا و اعدموك رميا بجهل .
التعليقات (0)