ماهر حسين.
ليس من السهـــل على أي كاتب التعاطي مع قرار خالد مشعل بعدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي لحركة حمـــاس فلقد كتب الأستاذ الأخ الكبير بكر أبو بكر موضوعا" كاملا" بعنوان (حماس بعد مشعــل)- انصح بقراءة المقـــال - بالطبع شرح الأخ بكر وحلل العديد من التفاصيل المحيطة بالموضوع وتأثير هذا القرار على حركة حمــــاس .
ما دفعني لكتابة هذا المقـــال هو التقرير الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم الأربعاء الموافق 10 /10/2012 حيث جاء عنوان الصحيفة بالصفحة الأولى ( تجربة حماس بالحكم ليست نموذجا") .
نعم تجربة حماس بالحكم ليست نموذجا" لأي حزب فلسطيني أو لأي حزب إسلامي يسعى للحكم في بلده وهذا الإقرار من مشعــــل تأكيد على حقيقة عشنــــاها نحن أبناء فلسطين .
فالانقســــام الحاصل في فلسطين والناتج عن الانقلاب على الشرعية بغزة هو بداية تجربة حماس في الحكم ،هذا الحكم جاء على خلفية انقلاب دموي مارست حماس خلاله القتل وقد سمى مشعل (سابقا" ) هذا الانقلاب بالحسم العسكري ومن ثم عاد واعتبره (شرا" ) .
هذا الشر ..الانقلاب ...هو الذي جعل حماس تمارس سيطرتها المطلقة على كل مناحي الحياة بغزة ...هذا الشر الانقلابي هو مقدمة الدولة الأولى للإخوان المسلمين بفلسطين ..فأي خيرٍ قد يأتي به انقلاب وأي خيرٍ قد يأتي به شر .
قلنا" مرارا" بأن حماس أخطأت بانقلابها وها هو قائد حماس وأحد ابرز واهم مؤسسيها يعترف بأن نتائج الانقلاب شر ..وها هو مشعل يعترف بصعوبة المزاوجة بين المقاومة والسلطة ...ولقد عشنا سابقا" صعوبة المزاوجة بين السلطة والفوضى التي كانت تسميها حماس مقاومة وعشنا صعوبة المزاوجة بين العمل السياسي والمراهقة السياسية والارتهان للغير ولقد عاشت السلطة صعوبات جمَة بسبب ممارسات حماس حيث عملت حماس على تقويض هذه السلطة داخليا" وبل أنهم تجاوزا أي حد وطني من خلال العمل على إضعاف السلطة من خلال استفزاز العدو القابع على الحدود في غزة تحديدا" من خلال القيام بإعمال استفزازية للاحتلال هدفهــــا ضرب السلطة على يد الاحتلال وتمثلت هذه الأعمال التخريبية بذروتها بإطلاق الصواريخ (الكرتونية) التي عادت على شعبنا وعلى غزة كلها بالويل.
اعترافات مشــــعل ليست مفاجئه بالنسبة لنـــــا وقد تٌحدث هذه الاعترافات صدمه في صفوف حماس وأنصارها فقط .
ويظن البعض من الغير متابعين بأن اعترافات مشعل مفاجئه ...ولكنها وبكل صدق اعترافات منطقية بظل المراجعات التي قام بها مشعل للعديد من الأمور والمواقف ..فمشعل أول من تحدث عن جدوى المقاومة الشعبية في حماس وأعتبر بأن لها قوة (تسونامي) ومشعل أول من تحدث عن الدولة المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 ومشعل أول من رأى ضرورة تجاوز الانقسام حيث استجاب لمبادرة الرئيس أبو مازن في الدوحة ووقع اتفاق سارعت قيادة حمـــاس بغزة للعمل على إفشـــاله وبكل الطرق .
اعترافات مشعـــل تعبير حقيقي عن التغيير الذي حدث برؤية مشعـــل للواقع الفلسطيني وهذا التغيير لم يكن ليحدث بدون الاحتكاك العربي والإسلامي والدولي لمشعــــل ..حيث ساهم هذا الاحتكاك بجعل رؤية مشـــعل أكثر واقعية وحيث أنني مازلت مؤمنا" بان تغيير مواقف مشعل نابعا" من حرص على المصلحة الوطنية ومن هنا وبسبب كل ما سبق لاحظ البعض التقارب بين مشعل والرئيس أبو مازن .
وقد ساهم الربيع العربي والتغيير في مصر والثورة الباسلة للشعب السوري في جعـــل مشعل يرى الأمور على حقيقتهـــا فشعب مصر لم يثر على النظام بسبب اتفاق كامب ديفيد أو بسبب أنبوب الغاز لإسرائيل وإنما ثار الشعب على خلفية بحثه عن الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفلسطين كانت بعيدة عن أسباب الثورة الشعبية العارمة بمصر وها هو الرئيس مرسي يتعامل مع قضية فلسطين بمنطق الدولة و من نفس المرتكزات (تقريبا) التي كان يتعامل بها النظام السابق و الرئيس مبـــارك ....فلم يتم إلغاء اتفاق كامب ديفيد وبل تم إغلاق أنفاق غزة التي تشكل خطرا" على مصر وتشكل أساسا" لدخل حكومة حماس الانقلابية بغزة .
ولقد ساهمت ثورة الشعب السوري البطل بخلق وعي جديد لمشـــعل جعله يخرج من عباءة سوريا الممانعة كلاما" حيث ظهر وبوضوح مدى وحشية هذا النظام ومدى فساده ومدى سوء إدارته لشعبه فكيف نتوقع من هذا النظام أن يكون أساسا" لتحرير فلسطين .
اعترافات مشعـــل ليست مفاجئه ولكم المفاجئة هي عدم وعي حماس للواقع الحالي ...المفاجئة هي إصرار بعض قيادات حماس على الانقلاب مره أخرى على وعي مشعل الواقعي .
إن ممارسة حماس للسلطة أظهرت فسادا" غير مسبوق وأخرجت حماس من صفوف المقاومة بلا تحقيق أي هدف وبلا أظهار لأي برنامج حقيقي للتعامل مع قضية فلسطين وواقعهــــا مما جعل غزة كلها تخرج من الحدث الفلسطيني والعربي إلا باعتبارهــــا قضية إنسانية لقطـــاع كامل سيصبح مكانا" غير صالح للحياة الإنسانية بعـــام 2020 .
اعترافات مشعــــل ليست سوى نقد عالي الصوت لتجربة حماس ولقيادة حماس بغزة وهي للأسف تأتي على طريقة التصريحات التي يطلقها الرؤساء الأمريكان حول عدالة قضية فلسطين ولكن بعد مغادرتهم للبيت الأبيض .
نعم ...لقد غادر مشعل القرار السياسي لحماس منذ الانقلاب على اتفاق الدوحة حيث قام الزهار بمهاجمة المصالحة واعتبر بان مشعل لا يمثل حماس ...فالانقلاب أصبح هواية قيادات حماس بغزة واعتقد بأنهم مستعدين للانقلاب على كل شيء يخالف مصالحهم.
اعترافات أبو الوليد هي مراجعه تخصه فقط وللأسف فحماس ما زالت بعيدة عن وعي وفهم معنى وفحوى اعترافات مشعل وحماس مازلت مُصره على التلاعب بقضيتنا وحماس ما زلت مُصره على انقلابهـــا البائس وحماس ما زلت مُصره على الاستفادة من الانقلاب حتى أخر قطرة من الدم والمال الفلسطيني .
أنا مؤمن بأن اعترافات مشعل تعبير حقيقي عن عدم فاعليته بحمــــاس الآن ...فحماس وقيادتها بغزة انقلبت على المؤسس خالد مشعــــل و سنرى انقلابات أخرى بحمــــاس وقد يدفع ثمن مواقف حماس وقيادتها القادمة وانقلاباتها المتوقعة شعبنا كله .
بانتظار القـــادم أنا على ثقة بان مشعل يستعد لكتابة مذكراته .
التعليقات (0)