مواضيع اليوم

اعتبار القلب من يحب خطأ يرتكبه الجميع

خالد أوراز

2009-10-17 18:23:28

0

 

 

يعتبر الحب طاقة إنسانية ونعمة ربانية منحها الله لخلقه، فهو من صميم الحياة البشرية ركن أساسي تحتمي به كل العواطف الإنسانية. فلماذا إذن نتجاهل أو ننكر هذه الحقيقة التي بداخلنا؟

خلق الله الإنسان وهو ضمن تركيبته الإنسانية بحاجة إلى أن يكون محبوبا وأن يحب في آن واحد، لذلك فهو دائما يبحث عن الحب ويأمل أن يكون محبوبا ليس من قبل الجنس الآخر فحسب وإنما من قبل الآخرين كالأصدقاء والأقرباء والجيران والمعارف، والأروع من هذا أنه فعلا يكون محبوبا من قبلهم ليس ضمن السلوك الحسن فقط بل في أوقات الضعف أيضا، ونادرا ما نجد هذا في عالمنا. وكتاب الإنجيل يوضح ثلاث مفردات مختلفة تدل على الحب أو المحبة، التي يقوم الإنسان باستعمالها وهي في المستوى الأول الحب الجسدي والذي يعتبر محاولة لإشباع الغريزة الجسدية على حساب الآخر وهو ما يعرف – بالشهوة الجسدية- ثانيا الحب على مستوى المشاعر الإنسانية وهذا أرقى من النوع الأول، أما النوع الثالث فهو أسمى وأعظم أنواع الحب لأنه ثابت لا يتغير أو يتلون مع الصعوبات والمنغصات وقسوة الظروف ولا ينتظر المقابل فهو عطاء دائم من غير استسلام.

ونحن نسمع هذه الكلمة الصغيرة في حجمها والقليلة في حروفها والعملاقة في معناها، نقف مكتوفي الأيدي لما لها من تأثير على العواطف الإنسانية... فيما اعتقد أن كل إنسان يعرف هذه الكلمة ولكن من الصعب أن يجيد تفسيرها. الحب في حد ذاته مجموعة من المشاعر المتناثرة والتصرفات الحسنة ذات الطابع الجميل المقترن بالانفعالات الوجدانية التي تهيم بصاحبها وتبحر في وسط أعماق محيطات محبوبة... ولعل الكثير يفهم أن الحب مقره القلب وهذا طبعا غير صحيح، فالحب مقره المخ حيث يختزن الحب الذكريات سواء كانت حبا أو كرها، والعقل هو الذي يحب وليس القلب.

واعتبار القلب من يحب خطأ يرتكبه الجميع منذ الأزل، وبدوري كنت ممن يعتقدون أن القلب هو الذي يحب وذلك ربما لنقص معارفي بالإضافة إلى ما ورثناه عن الآخرين من أفكار تبرهن على مدى صحة ذلك. لكن رؤيتي حول عالم الحب اتضحت قليلا بفضل بحثي في هذا المجال، إذ أنني عثرت على بعض المراجع والتي تنفي علميا وجود أي علاقة حقيقية بين الحب والقلب بل عل العكس الحب له علاقة وثيقة بالعقل والمخ أكثر منه من أي شيء آخر – وهذا لا يعني إقصاء دور القلب في مسألة الحب-

إذ أن الحب يحدث عن طريق العين حيث أنها تتصل مباشرة بالمخ، ويستقبل المخ الصور عن طريق العين، وعندما ينفعل المخ بما رآه يبعث إشارات مختلفة إلى جميع أنحاء الجسم ولكن بدرجات متفاوتة، فمثلا يقوم بإرسال إشارات إلى العضلات أو اليد لتحية من يحب وإلى القلب حيث يزداد نبضه بقوة نوعية ويندفع الدم إلى الأوعية الدموية بالوجه ليقول لها أن هذا هو المحبوب وإشارات المخ المرسلة إلى عضلات الجسم أغلبها يذهب أوتوماتيكيا إلى الغدد الدرقية واللسان وباقي الأعضاء، دون القدرة على التحكم الكامل بهذه الإشارات، بحيث أن الفرد تكون له القدرة على أن لا يسلم على الحبيب لو مد يده إليه ولكنه لا يمكن له أن يقلل من نبضات قلبه إذا أوشكت على الارتفاع ...

ويمكن اعتبار أن القلب يهوى والعقل يحب، وهنا يقع الاختلاف الأكبر نظرا لكوننا لا نميز بين الحب والهوى لذلك فنحن لا نعرف لا الذي يحب ولا الذي يهوى، وهنا سننقسم إلى طائفتين طائفة تحب وأخرى تهوى... فالطائفة التي تهوى هي التي تعتقد بان القلب هو الذي يحب مع تجاهل دور العقل، أما الطائفة التي تحب فهي التي تعتبر أن العقل هو الذي يحب دون إقصاء دور القلب.

فلماذا إذن يعتبر العقل من يحب؟

بكل بساطة كما نعرف جميعا، الحب يبدأ من النظرة الأولى حيث تلتقط العين صورة عن الحبيب وتقوم بإرسالها إلى المخ، هذا الأخير الذي يحتفظ بهذه الصورة ويشرع في تحليلها والتفكير فيها، وهذا التفكير بالضبط يحدث حبا وكلما ازداد التفكير في الحبيب يزداد الحب أيضا. إذن دور العقل في موضوع الحب أكبر مما نتصور ودور القلب أقل بكثير مما نعتقد، إذ أن القلب إذا أحب بدون عقل يسقط في الهوى وليس الحب، كما لا يمكن للعقل أن يحب وحده بدون وجود القلب الذي هو طرف للمسالة.

فالحب عالم بلا حدود، وطاقة إنسانية لابد من تصريفها إذ أنه لا يمكن لنا أن نجد إنسانا لا يحب، كل الناس تحب وما نختلف فيه هو درجات الحب فقط، وهذا يعتبر طبيعيا ربما لأن الناس يختلفون أيضا.

غير أن المشكلة هي عندما نجد أناسا يعتقدون أنهم يحبون، لكنهم يهوون فقط لأن هدفهم الرئيس هو إشباع غريزتهم الجنسية لا غير... هنا يفقد الحب قيمته. ليس كل من يحس بارتفاع نبضات قلبه محبا، نبضات القلب ترتفع أيضا عندما يكون الإنسان خائفا أو في حالة غير طبيعية.

لو كان القلب هو الذي يحب لسمعنا بأن العشاق يموتون بسكتات قلبية أثناء فشل علاقتهم مع من يحبون، لكن سماعنا بأنهم يلجأون إلى الانتحار فهذا يعني أن الحب ذو علاقة وثيقة بالعقل أكثر منه من القلب، لأن العاشق الذي لجأ إلى الانتحار عقله هو الذي أمره بفعل ذلك وليس قلبه؛ باعتبار أن العقل هو من يسير الجسد وله سلطة عليه كما يعلم الجميع وهذا ايجابي فعلا. لأن الإنسان الذي لا يتحكم في تصرفاته بعقله سيسير على حسب هوى نفسه، وسيعيش من أجل تحقيق شهوته وإشباع غرائزه، والأمر هنا يتعلق بالهوى فقط وليس الحب.

إذن كل إنسان تتغلب شهوته على عقله فهو إنسان هاو – هاو أي أنه يهوى - وكل إنسان يتغلب بعقله على شهوته فهو إنسان محب. والحب ليس ظاهرة بيولوجية جسمانية فحسب، بل هو ظاهرة روحية وثقافية أيضا.

الحب نشاط، وليس عاطفة سلبية، إنه الصمود وليس - السقوط من أجل...-. عامة يمكن وصف الطابع الايجابي للحب بإقرار أن الحب في المقام الأول عطاء، وليس تلقيا. وكل من يسيء فهم العطاء ويفترض أنه _التخلي _ عن شيء، الحرمان منه، التضحية. والذي لم يتطور طبعه إلى ما وراء هذا المستوى يتعامل مع العطاء بهذا الشكل، من يتصرف على نحو تسويقي على استعداد للعطاء، لكن فقط بشرط أن يكون هناك مقابل يتلقاه، بالنسبة له العطاء دون تلقي يعد خداعا. الناس الذين يكون توجههم الأساسي غير منتج، يشعرون بأن العطاء إفقار لهم. معظم الأفراد من هذا النوع يرفضون لذلك أن يعطوا. إنهم يشعرون بأن عليهم أن يعطوا فقط، لأن العطاء مؤلم.

وبما أن الحب عطاء فالحب مؤلم هو الآخر، وكي تحب يجب أن تتألم وتعطي لمن تحب نصيبا مما تملك؛ هذا لا يعني أن تعطيه مالك بل أعطيه معرفتك وأفكار ووقتك فكر من أجله. إن الإنسان الذي يحب يكون شمعة تضيء للناس وتحرق نفسها وهذا هو العطاء الحقيقي.

الحب معرفة أيضا والذي لا يعرف نفسه لن يحبها، إن قول سقراط اعرف نفسك لم يكن عفويا بل يحمل من الدلالة ما له أكثر من معنى، اعرف نفسك كي تحبها وحاول أن تحب الآخرين كي تنعم بمعرفتهم، فالحب لا يؤمن بالعزلة ولا يحب الفراق لأن الفراق يفقده قيمته. والآخر لن تحبه إذا لم تكن لك معرفة مسبقة عنه.

والله دعانا إلى المعرفة بدل الجهل لأن الإنسان الذي لا يعرف الله لن يحبه، فلا تسيروا ضحية مشاعركم وشهواتكم، بل عقلنوا تصرفاتكم وقلوبكم حتى لا تسقطوا في نفس الخطأ.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !