مواضيع اليوم

اعادة اعمار الانسان...

جمال الهنداوي

2009-07-18 05:50:40

0

  أزلياً..ومنذ بدء الخليقة.. والانسان واقع تحت سوط التهديد والوعيد.. بل قد لا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان الضغوط التي يتعرض لها المرء قد سبقت وجوده حتى، فقد توعده الشيطان بالغواية والانحراف عن الصراط.. ولم ينفخ الله سبحانه وتعالى من روحه فيه بعد.. قال عز من قائل:

بسم الله الرحمن الرحيم "قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم" الاعراف 16.

والضغوط قد تكون انية او مرحلية قصيرة الاجل ننحني لها فتمر سراعا خفافا.. ومنها ما قد تكون ثقيلة متباطئة لا تتركنا الا وقد انثلم منا شيء ما.. وكثيرا ما يقضي الانسان نحبه دون ان يستطيع فك التعارض المؤلم القائم بينه وبين الحياة التي اجبر على مكابدتها..

 ومن البلايا ما قد تجد له حلا. ان كان بتدخل الرحمة الالهية او بسعي انساني مجهد ..ولو بعد لأي والتي والتيا.. ولكن هناك من الارزاء مالا فكاك منه الا بلقاء رب كريم..

وقد تجد من الرزايا ما يبتلى به فرد او جماعة او عشيرة على الاكثر..ولكن منها ما يصيب من الامم بشعوبها مقتلا.. ويخرج دولا عظيمة من الجغرافيا ويدخلها الى اوراق التاريخ العتيقة المصفرة ..

وان كان لنا ان نستذكر..فلقد كان للشعب العراقي النصيب الاعلى والحصة الاوفى من الابتلاء الالهي الذي نزل كالغيث المدرار على رؤوس العراقيين..ولقرون.. فمن غزو الى قحط الى سبي الى دمار الى طاعون الى مصائب لاتعد ولا تحصى الى حصار وجوع ونقص الثمرات والانفس والى احتلال والى احزاب وزعامات وجماعات مسلحة والى قاطعي رؤوس وتكفيريين وميليشيات والله اعلم بماذا بعد.

وان كان لهذا البلاء رأس، فتاجه الاسمى ودرته الكبرى هو النظام الدكتاتوري الذي جثم لعقود على رقاب العباد وكتم انفاس الشعب ولم يتركهم الا وقد اصبحت بلادهم يبابا وماؤهم غورا ..ولم يترك شبرا من ارض العراق الا زرعه بالموت والدمار.. واستدعي على الناس المبتلين به جيوش العالم تدك مدنهم وتدوس على جثثهم وهم راضون بهذا قربانا للخلاص من عبودية النظام البائد..

وكان العراقي طوال هذه القرون دائب السعي لابتكار واتباع مختلف الاساليب لدرء اخطار الضغوط والعقبات التي تعترضه وتعوق من سبله وكان يلوذ بمحاولاته المتواضعة للتملص من اغلاله الثقيلة ولكي يخفف من وطأة بعض مما ابتلي به، ولخلق نوع من الاتزان، وتحفيز الذات لاجترار الحياة وتزويقها وتحميلها شكل من اشكال الحياة.. والقيام بالكثير من المناورات النفسية غير الواعية للدفاع او التلطيف من الضغوط والكرب النفسي الذي يعانيه ,وان كانت نتائج كل ذلك هو اظهار القبول القدري المستسلم او باحسن الاحوال القلق المزمن لجسامة الخطب وضعف الامكانيات..

وان كان يحسب شيء لشعبنا هو انه استطاع عبر الدم والدموع وعلى مدى السنين ان يطورآليات يستطيع بواسطتها ترسيخ العوامل التي يمكنها ان تساعد على الابقاء على امكانية التكيف النفسي الاجتماعي خلال المواقف الضاغطة.. فلقد استخدم الانسان العراقي وبامتياز اسلوب اللامبالاة تجاه الالم حتى انه اصبح لا يكترث الى الضغوط قصيرة الاجل والعابرة لانه لا يرى فيها شيء يذكر قياسا الى الكوارث التي سبق له ان خبرها.. كما انه طور اسلوب السخرية من الحوادث وتحويلها بحذق الى وسيلة تندر وتفكه كاسلوب دفاعي باطني يمثل نوع من تحدي قوى غاشمة متسلطة..

والان وفي ظل نظامنا الديمقراطي الحر الجديد وتحت شعارات اعادة الاعمار نرى انه يجب الالتفات الى اعمار الانسان العراقي الشريف والكريم والطيب.. الذي اخذت منه الايام كل ماخذ.. والاهتمام بتنمية وصياغة الاساليب التي تعيد للعراقي قدرته على التفهم والتقبل.. وترسيم ما تهدم من بناءه النفسي ليكون قادرا على مواكبة الحياة الاجتماعية بصورة مرنة ومتفاعلة.. واطلاق سراح فكره من عالم اليقينيات المازوشية المطلقة وايمانه الخانع بحتمية ديمومة الكرب كعقوبة قدرية مسطرة في اللوح.. وتحويل عقله الى مرحلة العقل المتنور او الناقد الذي يراجع نفسه باستمرار من اجل تصويب طرقه وتسويتها اذا لزم الامر، اي عقل اكثر تواضعا واكثر صدقا او اكثر واقعية.. والسير في هذا الدرب بعناد ومثابرة حتى يتحقق الهدف الكبير بتنقية الذات العراقية الاصيلة من ادران التسلط والعهر السياسي الذي مورس ضدها طويلا، طريق طويل..نعم.. ولكنه صائب وموثوق به..وهو بالتاكيد سيكون خير من طرق مختصرة كثيرة متشابكة قد تضل بنا السبل...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !