أخشى أن يشغلنا المزاح والنكت والسخرية والرسوم الكاريكاتيرية عن الديكتاتور الجديد محمد مرسي فيسرق مصرَنا في غمرة انشغالنا تماما كما فعل العقيد مع الليبيين فداس عليهم أكثر من أربعين عاما وهم يلقون النكات ، ويظنون أنهم يضحكون عليه.
حرب التهكم قد يكون لها مردود عكسي، فنحن أمام رئيس ديكتاتور تقف فوق كتفيه رأس من حديد صلب وزئبق .
عندما رأى أن تسعين بالمئة من قضاة مصر ومستشاريها يرفضون استفتاءه الهزيل قام بتقسيم مؤيديه على مرتين لكي يجعل الثمانية بالمئة مساويا للباقي.
مشكلتنا الآن، هي اقناع المصريين أن الإسلام لم يأت به الاخوان والسلفيون، وأن المرشد ليس نبيَّ العصر، وأن الرئيس مرسي مثله مثل أي إنسان يأكل، ويشرب، وينام، ويصدر شخيراً مزعجاً وهو نائم، وتخرج منه في الحمام رائحة كريهة، مثل كل الناس، ويصيبه الاسهال، وتضعف ذاكرته، وتنقصه ملايين المعلومات، ويضطرب أمام المرشد، وينزعج إذا عاتبه الشاطر، ويتشاجر في البيت، وهو ككل رجال الدنيا، المتقين منهم وأشباه الأنبياء، يؤرق ليله خيالُ فتاة جميلة شاهدها مصادفة صباح اليوم السابق.
والرئيس مرسي لم يخرج من صدمة الرئاسة، ويصيبه لمعان السجاد الأحمر بالحَوَل، فأحلامه منذ عام مضى كانت المرور بجانب القصر، فإذا به بين عشية وضحاها يصبح سيدَه وسيــّـد المصريين والقضاة والجامعيين والإعلاميين وكل الكائنات الحيــّـة، الموافقة والمعارضة في مصر العريقة.
قداسة الأفراد صورة من صور الشرك بالله، أما تقديس الزعيم أو الرئيس أو الأمير فهي تجسيد للعبودية الطوّعية والسماح للحاكم أن يجعل حياة الرعية نسخة مــُـصغرة من جحيم الآخرة.
يمكننا جعل الملايين من أتباع الرئيس مئاتٍ إذا أقنعناهم أن التأييد الهوَسي، والخروج إلى الشارع دفاعاً عن رجل أو جماعة لا يختلف عن استعذاب الرقيق للضرب على الظهر.
أمــّـا لو استطعنا اقناعهم أن الإسلام دين من عند الله، وأن كثيرا من المدافعين عنه لصوص ونصّابون ونهــَّـابون وشراذمة من الأفــَّـاقين فأنت هنا تحمي وطنك ودينك وسمو الرسالة السماوية ونقاء إيمانك.
إذا لم تر في الاخوان والسلفية والتيارات الطائفية والدينية والمذهبية صوراً من الفاشية والارهاب والديكتاتورية والنازية فأنت قاتل حتى لو لم تقم بفعص بقّة، أو قتل ذبابة أو ايذاء حمامة أو .. مطاردة قطة.
حيرة المصريين في معرفة القاتل تتوزع بين أفراد كثيرين، فيختفي القاتل الحقيقي وتتحرك أمام المرايا المقعرة خيالات تتبادل أماكنها بأسرع من التوكتوك.
لو استمر الاخوان المسلمون والسلفيون وحواريوهم في حُكم مصر لعامين قادمين فسندفع ثمنا لم ندفعه من قبل في كل الحروب وعهود الاستعمار.
جريمة الكذب العلني بتفسير كلمة علمانيين أو ليبراليين أنها مرادف للكفر والكراهية للدين سيدفع ثمنها المجتمعُ كله الذي صدَّق بسذاجة منقطعة النظير تفسير التيارات الدينية لمعنى الكـُـفر، فوصــَـموا به مخالفيهم.
كل يوم يمرّ أتأكد أنَّ الرئيسَ مرسي يضع بين شفتيه مــُـلــَـقـِناً،وتحت عضلات لسانه صورة المرشد، وفي عمق جمجمته قواعد الاخوان المسلمين بديلا للوطن الكبير .. مصر.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 12 ديسمبر 2012
التعليقات (0)