صعّدت القوى السياسية العراقية من لهجتها الاتهامية تجاه أولئك الذين توجهوا نحو دول الجوار أو المحيط الإقليمي سواء قبل الانتخابات أو ما بعدها وبرزت هذه الاتهامات على أشدها عندما توجه رئيس الجمهورية جلال الطالباني ونائبه الأول عادل عبد المهدي إلى إيران تلبية لدعوة رسمية لحضور احتفالات أعياد النوروز التي دأبت إيران على إقامتها ودعوة الشخصيات السياسية وغيرها للمشاركة في احتفالاتها بمناسبة أعياد راس السنة الهجرية الشمسية، ومن الطبيعي أن يقوم الضيوف بإجراء اللقاءات والمشاورات كل حسب اختصاصه، لكن المثير في الأمر أن الزيارة تزامنت مع إعلان نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في السابع من آذار المنصرم، مما أوحى لبعض المتصيدين في الماء العكر أن يعطوا لتلك الزيارة تفسيرا خارج الأطر المنطقية والآداب السياسية.
إلا أن النتائج النهائية للتصويت ومعرفة الكيانات السياسية لحجومها الحقيقية فتحت الباب واسعا أمام الفائزين للسفر إلى الدول المحيطة التي كانت بالأمس القريب خطا احمرا فنراهم يذهبون ويجيئون زرافات ووحدانا إلى هذه الدولة أو تلك، لكن الأمر في هذه المرة مختلف تماما لأنهم يعيشون مرحلة تشكيل الحكومة وهذه بنفسها تتطلب توافقات داخلية وأكثر منها خارجية كون العراق لم يزل بعد داخل محيطه العربي والإقليمي ولم ولن ينفصل في يوم من الأيام عنه، لذا فمن الضروري والمنطقي جدا أن تقوم القوى السياسية الفائزة بالانتخابات بالتفاهم مع دول المحيط العربي منها أو غيره مدركة أن المزايدات الفارغة في هذه المرحلة لا تعني شيئا لأنهم جميعا أمام مهمة صعبة وشاقة خصوصا وان العامل الإقليمي مهم جدا ولاعب أساسي لا يمكن تجاهله لمن أراد أن يشكل حكومة بعيدة عن المشاكل والمنغصات المستقبلية، الصعوبة تكمن في أن هذا المحيط ليس على شاكلة واحدة فهو متعدد التصورات والآراء والكل يرى أحقيته وأسبقيته لان يكون المؤثر الأول في رسم الصورة الجديدة للعراق الجديد, هذا إذا ما احسنّا الظن بالجميع ولم ندخل إلى عمق المواقف للكشف عما تستبطنه.
إلا أن ما ترشح من مواقف بعض هذه الدول في الفترة السابقة يلزمنا التمييز بين دعواتها لأصحاب القرار العراقي فمنها ما يندرج ضمن برامجها الستراتيجية المتبعة تجاه العراق ومنها لا يتعدى الأعراف الدبلوماسية في الموازنة بدعواتها بين الأطياف المكونة للموقف السياسي العراقي.
أن الدافع الوطني لدى بعض القوى السياسية هو الذي حملها على السفر إلى هنا أو هناك من اجل توضيح ما يستلزم توضيحه إلى الذين لا زالوا يعيشون تصورات بعيدة عن رؤية الحقيقة الديمقراطية في العراق طيلة سنوات ما بعد السقوط والتأكيد على أن العراق يمر بمرحلة التحول نحو الديمقراطية والتعددية التي طالما ظل يخشاها كل المحيطين بالعراق من أنظمة دكتاتورية، ولابد من بيان بعض السياسات المتعلقة بالرؤية العراقية الوطنية الجديدة تجاه الآخرين والمبنية على التكافؤ وحسن الجوار وعدم التدخل بشؤون الآخرين بل العمل معهم وإشراكهم في بناء ما هدم في الفترة السابقة، وان فرص بناء العلاقات على أساس مصالح المنطقة اكبر بكثير من فرص الاختلاف والتباعد لاسيما مع المحيط العربي الذي ننتمي إليه بكل فخر واعتزاز، كما لابد للفائزين بالانتخابات والذين ستقع على عاتقهم بناء الدولة المستقبلية من شرح وبيان للسياسات المستقبلية والبرنامج الوطني الذي يخدم الآخرين ويحفظ وجودهم داخل العراق كما يخدم الشعب العراقي ويحفظ وجوده وكرامته وبيان الخطوط العامة للسياسة الخارجية العراقية في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة.
وعلى هذا الأساس فليس كل من زار ودار يدخل في دائرة الاتهام بالعمالة للآخرين وإذا ما تعاملنا على أساس هذا المبدأ فلابد لنا من إدخال كل الأطراف التي قامت بالزيارات إلى هذه الدائرة المشبوهة، وبالتالي لا تبقي لنا وطنيا واحدا يمكن الاعتماد عليه في مسك الأمور وهذا هو المراد من إطلاق هذه الاتهامات التي تضع الكل في دائرة الاتهام وتسقيط الرموز الوطنية وبالتالي إسقاط المشروع الوطني والرجوع إلى الوراء وهذا هو ما يريده أعداء العراق.
التعليقات (0)