مواضيع اليوم

اشمعنى ....!

ممدوح الشيخ

2010-08-27 00:30:42

0


بقلم/ مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com



التلفيق والبعككة من سمات العقليات الكسول التي يريد أصحابها تحقيق الإحساس الكاذب بالاتساق والتواؤم بأقل مجهود، وبناء على أي أكذوبة أو عبارة براقة. والشخصية المريضة بالكسل العقلي تتغلب بـ "اللماضة" على التناقضات الكبيرة في حياتها بين ما يجب أن يكون وما يحدث فعلا. وبالمناسبة هناك نكتة شهيرة تشير إلى العقل العربي بأنه الأغلى سعرا لأنه "على الزيرو"!!
ومن معالم "البعككة الثقافية" التي نعيشها التعبير الشائع "اشمعنى"، وتقال غالبا لـ "تبرير الخطأ بالخطأ" وأحيانا لتبرير الخطايا بالأخطاء، وهذا التعبير من المؤشرات على أن معاييرنا الأخلاقية مختلة ومهتزة إلى حد الدوار، ومعيبة إلى حد العوار.
"اشمعنى" هو في الحقيقة شعار المخطئ عندما يريد "تطبيع" الخطأ وتسويغه، والتطبيع مع ما نرفض علم على موقف سياسي واضح، أما التطبيع مع ما يجب أن نرفض في حياتنا اليومية فلا يكاد يزعج أحدا حتى صرنا في عالم رمادي من الممنوعات المباحة والمباحات الممنوعة!
ولا يوجد مجتمع إنساني يخلو من الخطأ – هذه بدهية – لكن وجود الخطأ كحقيقة إنسانية لا يعني أبدا اختفاء النفور منه، ولا الانشغال بالدفاع عن المخطئ وبخاصة عندما يتسلح هذا الدفاع بديباجات دينية عن القدر والنصيب و.. .. فالعبرة الأهم من وجود الخطأ والموقف هو التذكير الدائم بوجود "الصواب"!
واللص الذي لا يجد عند القبض عليه إلا التشنيع على العدالة لأنها انتقائية هو لص متبجح يعنيه معاقبة الآخرين ولا يؤلمه أنه لص، وقس على هذا كل انتهاك لقانون أو قيمة أخلاقية من قانون المرور لقانون المباني للغش في الامتحانات.
وبفعل هذا المنطق التبريري ستتوسع دائرة "التطبيع" مع الأخطاء والخطايا حتى لا يكاد يكون هناك شيء تأباه فطرتنا أو تنكره قلوبنا. والمبدأ الثابت هو موطئ القدم الذي يمكن الوقوف عليه لمحاصرة طوفان الأخطاء التي تحاصرنا مهددة بسيف "اشمعنى". والمساواة أمام القاعدة الأخلاقية أو القانونية من أرفع وأرقى ما جاء به الإسلام في التنظيم الاجتماعي.
فعندما سرقت امرأة مخزومية من علية القوم واستكثر قومها أن يقام عليها الحد حاولوا إثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عن تطبيق الحد عليها بأن طلبوا من أحب الناس إلى قلبه – كما كان يلقب – ليشفع لها عند الرسول فغضب رسول الله غضبا شديدا وأنب الصحابي الجليل تأنيبا شديدا بعبارته الشهيرة: "أتشفع في حد من حدود الله"، ثم أتبع التأنيب بعبارة صارت قاعدة ذهبية، هي قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
والجديد الآن أن اللص الضعيف لا يندم على اللصوصية ولا يسعى لأن تكون العدالة شاملة لا تستثني القوي ولا الغني، بل يريد توسيع دائرة الإفلات من العقاب لتشمل الجميع، أي أننا – غالبا – نواجه الانتقائية المرفوضة بدعوة إلى سبهللة مهلكة!
ومن سمات العبقرية في السنن الكونية أنها متوافقة مع الفطرة فإذا دعوت أي أمة للاحتكام إليها فقلما تجد معارضة، لكن قبول السنن وسواء الفطرة وجهان لعملة واحدة، فرفض أمة ما الاحتكام للسنن الكونية لا يعني الشك في قيمة السنن الكونية أو صحتها بل ينبغي أن يقرع جرس إنذار بسبب ما آلت إليه حالة الفطرة في المجتمع الذي يرفض السنن الكونية أو يسعى للتحايل عليها أو إحداث ثقوب بها ليمرر منها مطامعه أو أهواءه.
والمجتمع يكون معفى بقدر ما يسعى لوضع قواعد لها صفة العموم لا تستثني ونحن أصبحنا "أمة الاستثناء"، وهو ما أشاع لدى كثيرين إحساسا بأن تطبيق القانون عليهم ينطوي على شيء من المهانة بحيث يصبح الخروج عن القانون علامة من علامات التباهي الاجتماعي وهو أخطر من الخروج عن القانون لتحقيق نفع ما، فالخضوع للقانون الآن في نظر بعض الشرائح علامة على الضعف وتواضع المكانة.....وما مستمرا مسلسل إنتاج الأوهام والتعلق بها والتبجح برفع شعاراتها.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !