مواضيع اليوم

اشكالية الموضوعية فـي تغطيـة القنـوات الفضـائية للاحـداث السيـاسيـة فـي العـالـم العـــربــــي

د.علي الجابري

2010-01-15 06:16:31

0

اشكالية الموضوعية فـي تغطيـة القنـوات الفضـائية للاحـداث السيـاسيـة فـي العـالـم العـــربــــي


الاعلام لعب دورا كبيرا في ضياع المشاهد العربي وزادت من انقسامه

د. علي الجابري / معد ومقدم للبرامج السياسية في تلفزيون ابوظبي

اطـلالـــــة
خلال قمة الكويت الاقتصادية طرح العاهل السعودي جلالة الملك عبدالله مبادرة للمصالحة العربية وطي صفحة الماضي لتوحيد الصف العربي .. هذه المبادرة بحاجة الى خطوات سياسية واجتماعية واعلامية داعمة لها لتؤسس لعلاقة جديدة مبنية في الاساس على المصلحة العليا للامة .. والاعلام العربي وفي مقدمته الفضائيات العربية كانت جزءا من المشكلة بالامس وعليها ان تكون جزء من الحل اليوم ، وقبل ذلك لابد من مراجعة حقيقة لدور الفضائيات في الفترة الماضية ، وكيف بامكانها الخروج من عنق الزجاجة لتؤدي دورها الايجابي لخلق مجتمع عربي متعاضد لا متناحر .. وهذه محاولة لتأشير ذلك..
ادى الانفلات الكبير في ظهور الفضائيات في العالم العربي الى بروز اشكاليات عديدة طرحت اكثر من علامة استفهام على واقع البث الفضائي العربي ومستقبله الذي يمكن ان يؤثر كثيرا سواء في رسم المشهد السياسي العربي او في زيادة حدة التوتر والصراع العرقي والطائفي والقومي في المنطقة .


وقد يعتبر البعض ان هذا التنوع قد يصب في مصلحة الحريات وتعددية الرأي ، ويشيع اجواء الديمقراطية التي مازالت بحاجة الى النمو والتعزيز عبر وسائل عدة ، ابرزها الاعلام العربي الذي حظي بفرصة نادرة من عقد ونصف من الزمن بظهور البث الفضائي في السماء العربي ، وبعد تلاشي قدرات الحكومات على السيطرة على الراي والمعلومات نتيجة الانفجار الهائل في تقنيات الاتصال ، بعد ظهور الانترنت كظاهرة عابرة للحدود والقارات والتي امكن من خلالها بث الرسائل المتبادلة سواء الصوتية او الصورية او المكتوبة ، عن طريق الوسائل الاعلامية الشهيرة مثل ((youtube)) و ((facebook)) بالاضافة الى المدونات ((blogs)) ، لكن المحطات الفضائية تبقى حتى الان الوسيلة الاشهر والاقرب والاسرع والاكثر تاثيرا على احداث اثار سياسية واجتماعية على النسبة الاكبر من المتلقين للرسائل الاعلامية عبر جميع تقنيات ووسائل الاتصال .


فضاء ارحب .. واخطر !!


لا مجال للشك في ان الفضائيات العربية لعبت دورا بارزا عزز من الحياة السياسية في العالم العربي ، بل وزادت من مساحتها ودورها وتاثيرها في نفوس الجماهير العربية ، حتى تمكنت ان تكسر القيود ، وتلغي الحدود الطبيعية بين كل بلدان الامة .. ولعل ابرز ما يمكن ان يقال عنها انها فتحت باب الحوار الدبلوماسي الذي كان حبيس الاروقة المغلقة في دوائر صنع القرار ، ليفتح امامها مجالا ارحب ، فتح معه وسائل اكثر نجاعة للتواصل والحوار الدبلوماسي وغيره بعيدا عن الطرق الروتيتنية المعروفة ، وهو ما اظهر مصطلحا يمكن ان يطلق عليه اصطلاح ((الدبلوماسية الشعبية )) ((public diplomacy)) التي تتم عبر التواصل عبر الفضائيات كأن يلقي اي زعيم في بلد ما خطابا متلفزا على الهواء مباشرة ، وما ان ينتهي حتى يأتيه الرد من الطرف الاخر سواء كان زعيما سياسيا في البلد نفسه او في بلد اخر عبر الوسيلة الاعلامية ذاتها .


لذلك فان الاهمية الكبرى التي اكتسبتها الفضائيات العربية والدور الذي باتت تلعبه فتح الباب اولا امام الحكومات ثم رجال النفوذ والمال الى استثمار هذه الوسيلة في الوصول الى الناس ، كل حسب ميوله ومزاجه وتوجهاته السياسية التي تقدم احيانا بطريقة غير مباشرة ، او ربما بطريقة "دس السم في العسل" .


الموضوعية .. الاشكالية الحقيقية


وبناءا على هذا التنوع والتعدد والانفلات في بعض الحالات فقد باتت الموضوعية في مهب الريح ، وخاصة في اثناء الاحداث الجسام التي مرت بها الامة خلال السنوات الماضية ، والتي لم تحسن الكثير من الفضائيات العربية ادارتها اعلاميا بطريقة تكون اقرب الى الموضوعية وليست الحيادية ، لان مفهوم الحياد يبقى غامضا او نسبيا في كثير من الاحيان.
واذا ما اردنا ان نؤشر مدى التخبط الذي عانت منه الكثير من الفضائيات العربية والتي هي اليوم بأمس الحاجة الى وقفة جادة مع الذات لاعادة استكشاف دورها السابق وتغطية الثغرات التي وقعت فيها ، املا في تفاديها مستقبلا اذا ما ارادت التواصل بجدارة مع جمهورها العام "بعيدا عن تحديد الجمهور المستهدف مسبقا" او بعيدا عن اقرارها المضي قدما في نهجها السابق حتى وان واصلت بثه برامجها واخبارها من دون فئة او شريحة مستهدفة ومهما كانت الخسائر . .. يمكن ان نؤشر ضمن اطار الاشكالية الاساسية التي تعترض طريق التلفزيونات العربية وهي " الموضوعية" بما يلي :
- ظهر جليا من خلال الازمات الكبيرة التي مرت بها العديد من الدول العربية "كالحرب على العراق وما تلاها من حرب طائفية وصراع على السلطة" وحرب تموز في لبنان وحرب غزة الاخيرة ، تخبط في اداء القنوات الفضائية العربية في انحيازها لصالح طرف معين ضد اخر ، خاصة اذا كان الصراع او المشكلة التي نحن في صددها مشكلة عربية وطنية داخلية ، او حتى فيما يتعلق بالصراع العربي- الاسرائيلي . فعندما اندلعت الحرب في غزة وقفت بعض الفضائيات بالمطلق مع حركة حماس باعتبارها حركة مقاومة اسلامية لابد من نصرتها والوقوف الى جانبها ، بل وصارت بالضد من السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها (( لم تكن بمستوى ما قامت به حركة حماس)) وبذلك خسرت طرفا عربيا مهما له جماهيره .. والكس ينطبق ايضا على الفضائيات التي وقفت الى جانب السلطة الفلسطينية ضد حركة حماس باعتبار ما قامت به حماس مغامرة سياسية غير محسوبة اهدرت المئات من ابناء الشعب الفلسطيني خارج اطار الدولة الشرعية . اي انها اتخذت قرار الحرب والسلام من دون العودة الى الطرف الشرعي الذي يفترض ان يمسك بهكذا قرار .. والحال نفسه ينطبق على ما حدث في لبنان ايضا.


وتاسيسا على هذا الانقسام انعكس الامر على جمهور المتلقين من الشعب العربي الذي تفتت هو الاخر وتعدد في توجهاته ومواقفه ، وحتى في اختياره الوسيلة الاعلامية التي يتلقى الاخبار والتحليلات ويتابع الاحداث من خلالها عن كثب.. وبالتالي فأن هذا التخبط الاعلامي سواء كان ممنهجا او غير ممنهج قد اسهم في ضياع المشاهد العربي وعزز من مظاهر الانقسام بين مختلف الطوائف الرافضة او المؤيدة لهذه القضية او تلك ، بل من المؤسف ان تجد ان الاعلام لعب احيانا دورا كبيرا في تأجيج الصراعات والفتن الداخلية في العالم العربي.
فضائيات تحارب بعضها ؟


وفي مراجعة للاحداث المذكورة نجد ان الخطورة احيانا تكمن في ان بعض الفضائيات اتخذت مكانها ومقفها من التغطية لحدث ما ، ليس انطلاقا من اهدافها وتوجهاتها او خطها العام ، بل من خلال موقف معاكس للقنوات المنافسة لها ، فطالما ان المنافس وقف الى جانب الطرف الاول من الصراع فلابد ان تكون هي مع الطرف الثاني ، وهو ما اوجد ظاهرة "الجمهور المؤدلج او المسيّر" .. اي انني اختار الشريحة التي تبحث عن هذا النوع من التغطية حتى وان كانت منحازة واقدم لها ما تريد من دون الاكتراث بجمهور اخر قد لا يرضى او يتقاطع مع هذا النوع او الطريقة في معالجة القضايا المثارة .
هذا الصراع بين الفضائيات بات غير مقبولا وربما يعاني منه حتى الذين يعملون في تلك المحطات ويحرصون على اداء عملهم بمهنية عالية بعيدا عن الانحياز ، او يسعون جاهدين لارضاء كل الجمهور العربي وليس جزء منه فقط.


وقد يقول قائل ان هذا التخبط الاعلامي ما هو الا انعكاس مباشر للواقع السياسي العربي الذي بات هو الاخر يعاني من القصور والتخبط في تحديد بوصلته من الاحداث ، حتى صار التاثير متبادلا بين الاعلام والسياسة .. لكن الاعلام يبقى يتحمل وزرا كبيرا كون الرسائل الاعلامية التي يرسها حول قضية ما هي التي تسهم في زيادة الانقسام بين جمهور المتلقين ، وليس الحل في الاستسلام بان ترضى كل محطة فضائية بنوع معين من جمهورها ينسجم معها في الافكار والتوجهات ، بل في لعب دور التاثير المتبادل على رجال السياسة وصناعها للتقريب فيما بينهم وبين المجتمع المنقسم الذي يحيط بهم .. فالاعلام يجب ان يكون المراة العاكسة لهموم ورغبات المجتمع ليشرك بها القادة لا ان يفرض رؤية قادته فقط من دون الاكتراث بهموم المجتمع .


اشكالية اختيار المراسلين


وكنتيجة منطقية لانحسار الموضوعية في تغطيات العديد من القنوات الضائية ، برزت ظاهرة اخرى في ناتقاء واختيار المراسلين لتلك القنوات في البلدان العربية لا تعتمد على الاسس والمعايير الاعلامية المعروفة بل تعتمد على اساس اختيار مراسلين حسب ((الطائفة او التوجه الفكري والسياسي )) حيث عمدت بعض الفضائيات الى اعتماد اكثر من مراسل في لبنان وفلسطين والعراق ، وكل مراسل معروف بقربه من تيار ديني او سياسي او فكري معين ما يسهل حصوله على المعلومات والاخبار .. الا ان ثمة تساؤلات تطرح حول مهنية هؤلاء المراسلين الذين ينبغي ان يقفوا على مسافة واحدة ومتساوية من جميع الاطراف السياسية المتناقضة في ذلك البلد ، واعتماد المهنية في التغطية التي ستكون وحدها الكفيلة بضمان اداء الاعلامي لواجباته من دون معوقات او ان تسجل عليه اية خروقات اعلامية او مهنية .


التدخـلات الاخطـر


لكن الاخطر من ذلك ليس ما تقوم به الفضائيات ذاتها ، وانما ما تقوم به اطراف الصراع السياسي او الديني في بعض الدول العربية التي عمدت الى اتباع طريقة جديدة تمكنت من فرضها على العديد من وسائل الاعلام التلفزيونية ، وهي ان تقوم تلك الجهات باختيار مراسلين مقربين منها او متعاطفين معها وترشيحهم للعمل في القنوات الفضائية ، وبالتالي فان المراسل سيبقى اسيرا للجهة التي دعمت وجوده في عمله ولن يتمكن من نقل الحقيقة الا من خلال وجهة نظر واحدة!! وهي في الغالب تكون خاضعة لرقابة صارمة من قبل اطراف سياسية نافذة في تلك البلاد ، وتلك النماذج حصلت كثيرا في العراق ولبنان وفلسطين خلال السنوات الاخيرة ، حيث لوحظ ان بعض القوى النافذة في مناطق الصراع كانت هي من تسمح لهذه القناة او تلك ان تتواجد في مسرح الاحداث او تكون بعيدة عنه .. وفي هذه الخطوة مغامرة كبيرة تنطوي على مساومات حقيقية بين وسائل الاعلام ورجال السياسة ((اي يسمح السياسيون للاعلاميين بالدخول الى عمق الاحداث بقدر ما تكون تغطياتهم مرضية لجهة ما )).
وهناك الكثير من القنوات العربية وخاصة الاخبارية ارتضت مرغمة بهذا الخيار ، وقبلت بمراسلين تم تحديدهم مسبقا من قبل جهات سياسية في بلدان عربية متعددة باعتبار ان لا خيار لديها غيره طالما ارادت البقاء في قلب الاحداث.


انتقاء الضيوف


المشكلة لم تتوقف عند اختيار المراسلين بل تعدتها الى الضيوف والسياسيين والمحليين وشهود العيان الذي يعلقون على الاحداث وتلك المشكلة لها وجهان : الاول يتمثل في ان سوء اختيار المراسلين والمعايير التي اوجدتهم فرضت واقعا اخر على الفضائيات ، وهو انهم كانوا يقدمون الاحداث من زاوية محددة ويدعمونها بسياسيين ومحللين وشهود عيان يكملون الصورة الاحادية ويعززونها في ذهن المتلقي ، وهو ما ادى الى اضعاف او تغييب او تلاشي الصوت الاخر او الوجة الثاني للحقيقة احيانا.


اما الوجه الاخر للمشكلة : فتمثل في ان العديد من الفضائيات العربية كانت هي التي تختار نوع محدد من السياسيين والمحللين والضيوف الذين يظهرون على شاشتها للتعليق على الاحداث باعتبار انها تعرف مسبقا توجهات ضيوفها وميولهم السياسية والفكرية وموقفهم من حدث ما . لذا ابتدعت بعض الفضائيات او رسخت مفهوما جديدا في الاعلام يتمثل في اختيار الضيوف وانتقائهم للقيام بتحليل او التعليق على الاحداث وفقا للخط العام للمحطة التلفزيونية وليس على اساس السعي للوصول الى الحقيقة . وتلك المشكلة ادت الى فقدان بعض الفضائيات الكثير من جمهورها الذي لم يجدها عادلة او متوازنة في التغطية .
شئ من الحل


السلبيات الكثيرة التي ذكرت لن تعود بالنفع على الاعلام العربي ، وطالما ان الفضاء مفتوح للجميع وان الحقيقة تصل من عدة منافذ اعلامية فيجب ان يعي الاعلام العربي ان تغييب الحقائق وتقديمها من زاوية واحدة لن يخدم الجهة التي تحاول فرض هذا الواقع لذا فخلق مزيد من التوازن ، والابتعاد عن الانحياز ، وعدم اغفال الراي الاخر كفيل بتعزيز مبدأ الحيادية .. ونحن ايضا بحاجة الى مزيد من الدراسات والبحوث الاعلامية التي تعطي صورة واضحة فيما اذا كانت تغطية الفضائيات لاحداث بعينها منحازة ام لا.. اما الواجب الاخلاقي فيحتم ان لا يلعب الاعلام دورا سلبيا في زيادة هموم المشاهد العربي وانقسامه وتناحره ، فيكفيه انقساما وتشتتا ؟؟

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات