اشكالية هذه العلاقة، كنت قد تطرقت لها في مقال أو اثنين سابقا. وقد أعادني اليها حوار الاستاذ كمال غبريال، في الحوار المتمدن. توصيف الوضع وتعثر الحركة التحديثية في مصر، كانت واقعية، وألتقي معه في كثير من النقاط. في ما يتعلق بمشروع محمد علي التحديثي ثم النكسة التي تعرض لها، ذلك لأن الحداثة أو أي تغيير اجتماعي، يحتاج الوقت والجهد لتحويله الى واقع على الأرض فهذه القيم الغربية التي نعتز بها، تحتاج منا العمل الدؤوب لترسيخها، فهي ليست وجبة طعام سريعة وجاهزة. وهذا العمل يبدأ من المدرسة قبل البيت، لأن الدولة تستطيع السيطرة على المدرسة ومناهج التعليم، ولا تستطيع فرض قيمها على الأسرة.
بالنسبة لزيارة أنور السادات لمصر، فقد أسقطت مقولة بأن السلام مع اسرائيل سوف يجلب الرخاء للمصريين، بل أرى العكس تماما، فقد كانت طوابير الناس والتقاتل عليها ووقوع الضحايا فيها، كانت على الدجاج أو "الفراخ" وبعد السلام أصبحت الطوابير على رغيف الخبز. قبل السلام لم نسمع بأزمة الغاز، مثلا، وبعد السلام وذهاب الغاز الشبه مجاني الى اسرائيل، أصبح الشّجار حول عبوات الغاز.
بل ان المرحوم أنور السادات، قد هادن الاسلاميين، وأرخى لهم عنان حرية العمل والتعاطي مع الشأن العام، لتمرير، مشروع زيارته الى القدس، وقد أشار الاستاذ كمال الى ذلك، فجاءت النتيجة، توسع الاسلاميين في السيطرة على الناس، ثم جاء اغتيال السادات على يد أحد هؤلاء الاسلاميين.. وكان أن ذهب الشعب المصري ضحية سلام ورخاء وهميين، وحركة أصولية أرجعته الى مجاهل التاريخ البدوي والعشائري..
تبقى النقطة الأهم، ليس بالنسبة لي كفلسطينية فقط، ولكن لكل قارىء جيد للتاريخ، ان لم أقل لكل صاحب ضمير، لا ينحاز لمصالح آنية أو خاصة.. ألا وهو موضوع القضية الفلسطينية، والتي لا تعود بتاربخها الى زمن سحيق مختلف على قر اءته، انه فقط يعود الى عام 1948، أي أن شهوده ما زالوا أحياء برزقون، وما زالت الوثائق السرية وغير السرية، تشهد على ما حدث من عملية اختراق للتاريخ. قال الاستاذ كمال بما معناه، بأننا نحتاج الى قوة تقلم أظفارنا وتقودنا الى السلام، وكأنك يا أستاذي الكريم لا تعيش في هذا الكوكب، وترى ذلّ الفلسطيني وهو يستجدي السلام، على فتافيت من أرضه التي عاش عليها، قبل الديانات الابراهيمية الثلاثة.. وهذا واضح وثابت حتى في العهد القديم ولا لبس فيه.
ان الصراع الفلسطيني/ الاسرائيلي، هو صراع ثقافي وحضاري بلا شك، ولكن هذا لا يعطي الحق لهم بغزو البلاد وتطهيرها عرقيا من أصحابها، فاذا كانت قضية بهذا المستوى لا تهزنا من أعماقنا، فأي علمانية أو تمدن علينا أن ندّعيه؟
اضافة الى الخلط المتعمد أو الغير متعمد، من أستاذنا الكريم، وهو رفض شعوبنا لتقبل الآخر، وكأن الآخر هو فقط اسرائيل.. نعم ان الديانات كلها هي مصدر نفي للآخر، حين تحجز الجنة لأتباعها، وتقصيها عن الآخرين.. كعلمانية، أفهم رفض الآخر بثقافته وقيمه في الحرية والديمقراطية وحرية التعبير والمواطنة الصحيحة، ومن هذا المنظار نتفق معا.. لكنك يا أخي اقتصرت رفض الآخر باسرائيل، التي أقصت شعبا بأكمله وحوّلته الى مشردين، وسكان مخيمات! هل زرت مخيمات فلسطينية في حياتك، وشاهدت كيف يعيش من كان له أرض وبيت، أصبح يسكنها الآن أناس من كل أصقاع الأرض؟
وكلمة حق يجب أن تقال عن مجتمعاتنا، برغم كل التخلف الذي يلفّها، بأن اليهود لم يعاملوا، بانسانية وحرية كما عاشوها في البلاد العربية، في الوقت الذي كانوا يساقون فيها الى المحارق في أوروبا. وفي فلسطين كان الزواج بين اليهود والفلسطينيين شائعة وعادية، وهناك الكثير من الفلسطينيين ومن مسؤولي م ت ف، من أمهات يهوديات.
يبقى سؤال بسيبط: لو طرد القبطي من مصر وعاش الذلّ الفلسطيني، فهل سيكون موقفك هو ذاته من عرب مصر؟ ولو قيل للكردي، لا حق لك بأرض أو وطن، قدرك التوزع بين دول تنكر عليك مجرد التحدث بلغتك الأم، فما هو موقفه عندئذ؟؟
ان موقف أستاذنا كمال، انما يدعّم الخلط الغير منطقي والتعسفي، أو لنقل الثنائيات التي لا تلتقي: العلمانية والوطنية .. بمعنى أنت علماني، فأنت ملحد وغير وطني.. أنت وطني يعني انك أصولي واسلامي.. هذا الخلط المنافي للعقل.. فالغرب الذي يدهشنا بقيمه وحضارته وثقافته، وأنا من أكثر المنادين بالتعلم والأخذ به، لا يسيّب حدوده، ولا يسمح لأحد بالاقتراب من أرضه!!
-
التعليقات (0)