مواضيع اليوم

اشكالية التدخل في العلاقات الدولية

حيدر الاحمر

2009-12-12 23:52:01

0

شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية

 

 


1- تعريف التدخل :

لقد كان التدخل في الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها الدولية منذ القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي المقدس، ثم تطورت الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر استخدام القوة في العصر الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي من خلال تعريف عدم التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه التدخل.[2]

وأما كوست فيحاول تقديم تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف إرادتها عليها، سواء كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.

ويرى محمد طلعت الغنيمي أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.

وأما كوريفين فيرى أن التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر قانوني لا تستطيع دول أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت السلطة المحلية محاولات التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.

2- مفهوم التدخل :

ويرى الدكتور فرتز غروب أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى نفيه في محاولة لوضع تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع لابد من محاولة جادة في هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام لهذا التعريف ومناقشته، ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول من وضع أول معالم هذا الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة نظر التدخل على الأقل، على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو القانونية، وثانيا ميزان القوى بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن التدخل هو عمل محدود بالوقت وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.

وأخيرا فإن التدخل يقع سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير على البناء السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.

وهكذا فإن التدخل هو موقف أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من الدول بتجاوز أطراف العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة أو مجموعة من الدول في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء كان سياسيا أو معنويا أو قانونيا.

إن هذه التعاريف أعلاه تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه الحالة فرض للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح مساعدة أو تعاون أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.

هذا ويميل البعض إلى توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما يميل البعض الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول وليس بين الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو بين الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة بالتدخل ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري معرفة وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.[3]

3- أهداف وغايات التدخل :

غالبا ما تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة، فقد يكون ذلك بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع القائم ضد الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف المقدس،[4] الذي عقد بالاستناد على الديانة المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح أوربا في بداية القرن التاسع عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة 1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في سبيل نشر هذه الديانة والحضارة والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة المناطق الأوربية التي كانت تحت سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس مساعدة سكانها المسيحيين.[5]

وقد كان التدخل أيضا يتم أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين الأجانب، كما حدث في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ على سفارتها هناك من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين، فقد أصبح لكل معسكر أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن أهداف التدخل المشروع هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف المعسكر الاشتراكي لذلك نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات التحررية ومكافحة الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من المعسكرين يحاول تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.

4- القانون الدولي لا يقر التدخل المنفرد :

إن الحجج والأسانيد القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة الممارسة الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة يضاف إلى ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ الدولية المعمول بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد لأغراض إنسانية لا يتم إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ وجوب تسوية النزاعات الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي.[6]

كما تتضمن أسانيد التيار المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة. يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على "ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان".

تتنكر الأسانيد القانونية الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل الإنساني العكسري.[7]

لقد أوضحت المحكمة هذه القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول.[8]

فليس ثمة تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.[9]

إن حكم المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية كما يتعذر النظر إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر الغايات الإنسانية الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات العملية للدول الخاصة بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع الأساسي لهذه الممارسة كما أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا جزئيا وفي بداية الأمر دون أي سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا حجة لها ولا دريعة لها وحدها ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام القوة ترتكز له الدول في تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.

5- إعلان الأمم المتحدة لتحريم التدخل :

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.

إن جوهر هذا الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة جوانبه وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة الأمم المتحدة محل التدخل الفردي.

وأخيرا لابد من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.[10]

وهي بذلك تتساوى في صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتمتع القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم المتحدة.

6- التدخل الجماعي والتدخل الفردي :

لاحظنا أن القانون الدولي التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل بصورة منفردة، لذا كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق القانون كما تشاء وأما الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة، فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق الدول الكبرى في التدخل وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية أصبح التدخل يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :

1- أن المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة ولها دور كبير تلعبه في المحافل الدولية.

2- إن وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد من الإمكانيات المتاحة لها من قبل الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها سابقا.

وهكذا أصبح التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.[11]

[




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !