بداية ليس هذا مقال سب أو قذف .. حتى لا يتعرض للحذف أو القصف.. بل هو موضوع شديد الجدية ..
اتخذ جديته عندي من ملاحظة عابرة علقت بذهني من تكرار استخدام رجل ملحد لكلمة (اشمئزاز) بطريقة لافتة للتعبير عما يعتمل في قلبه تجاه مخالفيه في الرأي والعقيدة والفكر ..
هو يستخدم هذا اللفظ بالذات كدلالة عن انطباعه وكلفظة تقعير يذم بها ويسفه ويهجو مخالفيه أو خصومه ..
رغم أن كلمة اشمئزاز بحسبانها مصطلحاً لغوياً فهي ليست قاصرة على فئة أو طائفة أو مذهب أو جنس أو معتقد ..
وهي لاتستخدم عادة ضمن اللغة الاعتيادية للإنسان أو المفكر أو الأديب أو المثقف إلا في مواضع محدودة وبالذات حينما تجزع نفسه لموقف مغاير للطبيعة الانسانية أو للناموس الإنساني ..
لفت نظري استخدام ذلك الملحد للفظة (اشمئزاز) .. وأجده دوماً يشمئز ويعبر عن انطباعه عن فكر هذا أو فهم ذاك أو معتقد ذلك بالاشمئزاز .. وآخر اشمئزازته كانت هذه الفقرة :
(( أثار انتباهي تعليق كتبه احد المدونين يرد فيه على شخص كتب تعليقا على موضوعه باسم (مصري ملحد)، قال له بما معناه، أول مرة اسمع عن وجود مصري ملحد! بصراحة نصاب بالاشمئزاز كثيرا عندما نرى أقلاما تكتب بهذه الطريقة، التي يعجز الانسان عن إيجاد تسمية لها، فهل يعقل أن لا يكون هناك ملحد واحد في شعب يصل عدد سكانه إلى التسعين مليون نسمة؟ ) )
وبقدر العجب الذي ينتابنا والدهش الذي يعترينا من (لياقة) أو (مناسبة) لفظة الاشمئزاز كحالة تصيب هذا الشخص كانطباع عن شخص آخر نفى علمه بوجود ملحد مصري أو قرر أنه لا يعلم عن هذا الشيء خبراً ..
تعجبت لأن اللغة العربية غنية وثرية جداً بالألفاظ والمصطلحات التي تعبر عن معني التعجب أو الدهشة أو الاستنكار أو الاستهجان أو الانطباع السلبي عموماً ..
لمذا ترك استخدام أي من تلك المصطلحات وتشبث بلفظة الاشمئزاز كانطباع لديه ؟ . .
فلماذا ماتت كافة المعاجم على لسانه ؟
ولماذا جفت ينابيع اللغة في أوردته؟
ولماذا عقمت المصطلحات عنده حتى برزت لديه بجلاء لفظة (الاشمئزاز) كتعبير وانطباع تكررت غير مرة وبطريقة ملحوظة في تضميناته ضد مخالفيه وبالذات في القضايا التي لها اتصال عقائدي أو ديني يتصل بالألوهية أو بالتوحيد و بالدين أو بالعقيدة عامة .. شغلتني كلمة ( الاشمئزاز) هذه كثيراً ..
ففي المعجم الوجيز نجد أن لفظة (شمز ) تعني تقبض .. ومنها (اشمأز بالأمر) .. ومنه (اشمئزازاً) : أي ضاق ونفر منه ..
و قد يعتقد الكثيرون أن لفظة (الاشمئزاز) هذه مستحدثة ضمن ما استحدث في اللغة عن طريق تطورها على مدى عشرات المئات من السنين .. إلا أنهم ربما تأخذهم الدهشة إذا علموا أو إذا (تذكروا) أن هذه اللفظة قد وردت لمرة واحدة فقط في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً .. حيث وصف من خلالها الله تبارك وتعالى حالة ونفسية الذين لا يؤمنون بالله ولا بالآخرة ولا بالبعث ولا بالحساب ولا بالأنبياء إذا ذكر الله .. حيث قال تعالى في سورة الزمر :
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45).. وبحسب التفاسير فإن معنى الآية :
وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ } أي مفرداً بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم ، وقيل : أي إذا قيل لا إله إلا الله { اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } أي انقبضت ونفرت كما في قوله تعالى : { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولو على أدبارهم نفوراً } [ الإسراء : 46 ] { وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ } فرادى أو مع ذكر الله عز وجل { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } لفرط افتتانهم بهم ونسيانهم حق الله تعالى ، وقد بولغ في بيان حالهم القبيحة حيث بين الغاية فيهما فإن الاستبشار أن يمتلىء القلب سروراً حتى ينبسط له بشرة الوجه ، والاشمئزاز أن يمتلىء غيظاً وغماً ينقبض عنه أديم الوجه كما يشاهد في وجه العابس المحزون ...
لذا تجد أن الله تعالى قد سبق وبين أن (الاشمئزاز) هو قرين حالة ونفسية الكفرة والملاحدة فيما يتعلق بذكر الله ووحدانيته وربوبيته ... بينما الاستبشار والغبطة والسرور وانفراج الأسارير قرائن حالهم مع كل شيء يتعارض مع الله أو وحدانيته أو المتعبدين أو المؤمنين به وبكتبه وأنبيائه وبالآخرة وبالبعث والنشور والحساب ..
لقد صدق الله عندما وصف حالتهم وأبان عن نفسيتهم حين أثبت في قرآنه لفظة (اشمئزازهم) أي نفورهم واستكبارهم وامتعاضهم كتعبير عن انطباعهم تجاه الموحدين وبالتالي المسلمين حيث ظلوا مستخدمين لهذه اللفظة كتأكيد للوصف الرباني فيهم وتمييزاً لهم عن المؤمنين..
لذا فقد أعلمنا الله العالم بطبيعتهم النافرة و اشمئزازهم "نفورهم" من وحدانية الله .. ونفورهم من الموحدين بالله .. وامتعاضهم من المؤمنين بالآخرة .. واستكبارهم على كل من دعاهم إلى طريق الوحدانية ..
لذا صدق الله تعالى العظيم في كتابه الكريم :
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
صدق الله العظيم
التعليقات (0)