مواضيع اليوم

اسمهان ..فنانة رائعة وانسانة مطوقة باسوار الاسرار

حسن توفيق

2009-02-27 22:20:48

0

اسمهان ..فنانة رائعة وانسانة مطوقة باسوار الاسرار
 

 
بقلم:حسن توفيق


تنبأت بأن رحلتها مع الحياة لن تطول فاندفعت وراء المجهول 
 


أم كلثوم تنعي الزهرة النضرة والاكاذيب مازالت تتردد!
 
 
 
لم أكن قد أكملت السنة الأولي من حياتي، حين رحلت أسمهان عن عالمنا الذي كانت نيران الحرب العالمية الثانية (1939-1945) تشب في ارجائه دون هوادة، وعلي امتداد سنوات العمر، فإني أحببت أسمهان حبا جارفا وعاصفا كأني كنت أعرفها عن قرب، ومازلت حتي الآن أشعر بأني أفتقدها كلما سمعت صوتها أو تحدث عنها أحد أمامي!.
إذا كان هذا هو حالي مع أسمهان، فإن الأمر كان بالتأكيد أصعب بكثير علي الذين عرفوها وأحبوها عن قرب، وعلي الذين عاصروها وعايشوها وأحبوها، باعتبارها صوتا فريداً نادراً وقادرا علي النفاذ إلي أعماق القلوب دون تكلف أو تعسف وافتعال، فبعد ان غابت أسمهان غيابا مأساويا في العاشرة من صباح يوم الجمعة 14 يوليو- تموز سنة 1944، أقدم شاب عراقي عاشق لصوتها علي الانتحار، حيث ألقي بنفسه في مياه نهر دجلة، كما أقدمت شابة لبنانية جميلة علي الانتحار، حيث القت بنفسها من فوق صخرة الروشة ببيروت، فغرقت في البحر الأبيض المتوسط، وكأن الشاب العراقي والشابة اللبنانية كانا يقلدان ما فعلته - دون قصد- أسمهان، حين غرقت في احدي ترع نهر النيل، فانتحر الأثنان باغراق جسديهما في الماء، عذبا كان أو مالحا!.
وبعيدا عن الذين انتحروا، فإن الذين شعروا بالحزن العميق بعد غياب اسمهان من أساتذتي الكبار الذين تعلمت علي أيديهم كانوا كثيرين، وقد تحدثوا بلوعة عن أسمهان وعن أحساسهم بالفجيعة والفقد بعد غيابها، سواء في أحاديث ذكرياتهم المنشورة أو فيما أبدعوه من قصائد، (رثوا- عبر أبياتها المتفجعة الحزينة- صاحبة الصوت الفريد والنادر القادر علي النفاذ الي أعماق القلوب، ومن هؤلاء أذكر - علي سبيل المثال - الدكتور عبدالقادر القط والدكتور يوسف خليف والدكتور كمال نشأت ومعهم الكاتب الفنان عبدالرحمن الخميسي.
لن اتوقف الآن عند قصائد الرثاء التي خصصها هؤلاء لذرف الدموع علي أسمهان هم وسواهم، لكني لابد ان اشير الي كتاب أسمهان تروي قصتها للكاتب الكبير الراحل محمد التابع الذي كان يلقب ب أمير الصحافة وكان من بين تلاميذه- وقتها- الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. لقد صدر هذا الكتاب في ثلاث طبعات حتي الآن، حيث صدرت طبعته الاولي في مايو سنة 1961، وان كانت فصوله كلها قد نشرت في مجلة آخر ساعة المصرية أوائل سنة 1949 والحقيقة أن كثيرين - وخاصة في مصر- لم يعرفوا هذا الكتاب من خلال طبعته الأولي التي صدرت عن منشورات المكتب التجاري في بيروت، وإنما عرفوه وقرأوه من خلال الطبعة الثانية له، والتي صدرت ضمن سلسلة الكتاب الذهبي لروزاليوسف في القاهرة شهر يوليو سنة 1965، أما الطبعة الثالثة من هذا الكتاب، فقد صدرت في القاهرة خلال شهر سبتمبر 2008 عن دار الشروق تزامنا مع المسلسل اليومي الذي يروي سيرة حياة أسمهان، وتم عرضه خلال شهر رمضان الكريم، ولأني- كما قلت - من عشاق اسمهان، فاني اعتز بأني اقتني هذه الطبعات الثلاث من هذا الكتاب.
أحسست - حين قرأت هذا الكتاب اول مرة- أن أمير الصحافة محمد التابعي لم يكتبه بقلمه، بقدر ما كتبه بروحه واعصابه، ومن خلال لغة عذبة رائقة ورائعة، وسرد مشوق للاحداث والتفاصيل والمغامرات الأسمهانية، وهنا أترك المجال للاستاذ التابعي، ليحدثنا عن وقع الخبر عليه وعلي صديقيه أحمد الصاوي محمد وتوفيق الحكيم.. والخبر الذي اعنيه هو خبر غياب اسمهان عن عالمنا، والذي عرفوه بعد ساعات قليلة من وقوعه.
يقول الاستاذ التابعي - ص 269 من الطبعة الاولي للكتاب.. .. وحلَّ يوم الجمعة، وكان 14 يوليه.. وكان ينزل ضيفا عليَّ يومئذ في عشتي الصديقان احمد الصاوي محمد وتوفيق الحكيم، وبعد تناول طعام الغداء غادرنا العشة (يقصد الشاليه في رأس البر) في طريقنا الي دمياط لكي نستقل منها القطار الي القاهرة، وتوقف القطار في محطة المنصورة، وكان صديقنا الصاوي جالسا وأمامه طبق (عجة محشوة بالمربي) وهو طبق فرنسي ثقيل، ولكنه من مختارات صديقنا في الطعام الخفيف!.. هذا بينما كان توفيق الحكيم يرتشف من قدح شاي.. ويحدثني في موضوع مقاله المقبل عن حماره او حمار الحكيم.. كنا هكذا.. عندما دخل علينا خادم عربة البولمان يروي لنا الحادثة أو الفاجعة التي راحت ضحيتها المطربة أسمهان منذ ساعات قليلة علي مقربة من مدينة المنصورة، أي على أوائل الطريق بين طلخا ودمياط.. وبهتنا جميعا، ووجمنا ساكتين.. وفي رأسي مرق شريط طويل من الذكريات.. .
في اليوم التالي لوقوع الفاجعة - يوم السبت 15 يوليو 1944 - نشرت الجرائد المصرية عما جري في صدر صفحاتها الأولي، ومن بين هذه الجرائد جريدة (المصري)
الشهيرة، وقد استطعت - منذ أقل من شهر وخلال إجازتي السنوية - أن أحصل علي نسخة أصلية من هذا العدد وكان ثمنه - وقتها - 10 مليمات - ولكن اشتريته بعشرين جنيها وأحسست أني اقتني كنزا ثمينا!..
العنوان الرئيسي الذي تصدر الصفحة الأولى من جريدة المصري هو النهاية المفجعة للفنانة اسمهان - سقوط سيارتها في ترعة عند طلخا.. وفاتها ووصيفتها غرقا ونجاة السائق أما بقية أخبار الصفحة الأولي، فكانت كلها تتعلق بالحرب العالمية الثانية من تقهقر الألمان علي طول جبهة نورماندي - نصف مليون جندي و5000 دبابة للحلفاء في فرنسا الي استيلاء الروس علي قاعدة بنسك مرورا بخبر صغير يقول يخطب هتلر يوم 3 اغسطس 1944 في ذوي القمصان السمر وهم حرسه القديم وفي عدد كبير من رجال الحزب النازي .. والسؤال الذي يلح الآن: هل كان لأسمهان دور أو اسهام ما في مجريات تلك الحرب العالمية الثانية؟ والاجابة لابد ان تكون بالإيجاب.. نعم .. كان لها دور.. ولهذا الدور علاقة بما جري لها كما يري كثيرون وكما سأشير إليه في حلقة مقبلة لكن المهم الآن ان أعود الي الصفحة الأخير من عدد جريدة المصري حيث نقرأ خبرا بعنوان نقابة الموسيقيين المحترفين تنعي السيدة اسمهان أما نص الخبر او النعي بالحرف الواحد فهو بقلوب ملؤها الأسي والحزن العميق تنعي رئيسة واعضاء نقابة الموسيقيين المحترفين زهرة يانعة من زهرات الفن، فصلت عن غصنها وهي لما تزل مزدهرة معطرة أفنان الدنيا بسحرها وقوة روحها المغفور لها اسمهان، مستوحشين مبللين ثراها بدموعهم مستودعين شبابها الغض رب العالمين، بلل الله ثراها برحمته واسكنها فسيح جناته وألهم الها وذويها وأسرة الفن جميل الصبر وحسن العزاء - توقيع : أم كلثوم هذا ما كتبته ام كلثوم - باعتبارها رئيسة نقابة الموسيقيين المحترفين في نفس يوم الفاجعة وهو ما نشرته المصري في اليوم التالي 15 يوليو 1944 - ولكن الاكاذيب المضللة والافتراءات المغرضة مازالت تردد حتي الآن ونحن نعايش سنة 2008، وهو ما سأتعرض له لاحقا في الحلقة المقبلة.
أسمهان .. صوتها وردة ترتوي بالألم، وهذا الصوت النادر القادر على النفاذ الى اعماق القلوب ممن عايشوها وعاصروها وأحبوها، ومن أبناء الاجيال العربية الجديدة هو الذي سيظل يتردد كما كان خلال مسيرة حياتها القصيرة التي اختلف حولها كثيرون، ولهذا لابد من طرح سؤال مهم: متي ولدت اسمهان علي وجه التحديد؟.. هل ولدت سنة 1912؟! أم سنة 1915 أم سنة 1917؟!.. واحد فقط ممن كتبوا عن أسمهان هو الذي كتب بدقة عن سنة ميلادها وهذا ايضا ما سأتعرض له في الحلقة القادمة.
وفي خاتمة هذه السطور لابد من الإشارة الي عناصر الاتفاق والافتراق بين اسمهان - الفنانة وأسمهان الإنسانة، فالأولي كانت فنانة متميزة رائعة.
أما أسمهان - الانسانة، فإنها كانت مطوقة بأسوار من الأسرار، وبعضها ما يزال داخل هذه الأسوار، لكن حدسها الصادق - وليس تنبؤات أحد المنجمين - هو الذي جعلها تتنبأ أكثر من مرة، بل مرات عديدة، بأن رحلتها مع الحياة لن تطول، ونتيجة هذا الحدس الصادق فإنها فضلت أن تعيش بالطول والعرض والعمق، فاندفعت وراء المجهول كأنها تود اصطياد لحظات الزمان وهيهات .. هيهات!



 


القصيدة الضائعة من تراث أسمهان 
 
من الذي يستطيع العثور عليها؟



أحاول - منذ سنوات - أن أعثر علي تسجيل لما غنته أسمهان من قصيدة أبي العلاء المعري غير مُجْدٍ في ملتي واعتقادي وقد طلبت من كثيرين من الأصدقاء ومن المهتمين أن يساعدوني في العثور علي هذا التسجيل، ومن بين هؤلاء الصديق الشاعر الكبير فاروق شوشة بحكم مسؤولياته التي كان يضطلع بها في الإذاعة المصرية وبحكم تعاونه الوثيق مع القسم العربي من اذاعة B.B.C البريطانية التي كانت قد احتكرت غناء أسمهان لقصيدتين هما هل تيم البان فؤاد الحمام.. لأحمد شوقي و يالعينيك.. ويالي لأحمد فتحي، ولكن فاروق شوشة أخبرني آسفا أنه لم يوفق في العثور علي غير مُجْدٍ في ملتي واعتقادي .
قام الشيخ زكريا أحمد بتلحين غير مُجْدٍ في ملتي واعتقادي سنة 1940 وغنتها أسمهان في نفس تلك السنة، كما غنت كذلك من الحان زكريا أحمد أغنيتين هما هديتك قلبي و عذابي في هواك أرضاه وقد استطعت العثور علي تسجيل لأغنية هديتك قلبي خلال احدي زياراتي للعاصمة السورية دمشق، حيث وجدتها عند احد المحلات المتخصصة في بيع أشرطة الغناء النادرة، وقد استطعت - فيما بعد- أن اعثر علي تسجيل جيد لقصيدة غير مجد في ملتي واعتقادي بصوت المطربة الكبيرة سعاد محمد التي كانت قد اعادت غناء هذه القصيدة بعد ان غنتها اسمهان، ولكن السؤال المُلح: الي متي ستظل هذه القصيدة- بصوت أسمهان- ضائعة أو تائهة؟!.
إلي جانب هذه القصيدة الضائعة، فإن الباحث الجاد فكتور سحاب يذكر في كتابه السبعة الكبار في الموسيقي العربية ان أسمهان قد غنت قصيدة لابن زيدون- الشاعر الأندلسي العاشق- وهي بعنوان أقرطبة الغراء.. ولم تفلح كذلك محاولاتي المستمرة في العثور علي هذه القصيدة، وهي من تلحين الموسيقار العبقري رياض السنباطي، وهذا يعني أن هناك أعمالا غنائية ضائعة حتي الآن من تراث اسمهان، رغم كل هذا الاهتمام الذي نراه الآن بها بعد عرض المسلسل الشهير عن حياتها خلال شهر رمضان المبارك.
نلتقي هنا اليوم مع النص الذي غنته أسمهان لقصيدة ليت للبراق عينا وهي للشاعرة ليلي العفيفة التي رحلت عن عالمنا سنة 482 ميلادية، ومن الطريف هنا أن أشير الي ان الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة قد سمت ابنها الوحيد البرَّاق رغم صعوبة هذا الاسم وندرته، وذلك تعبيرا عن إعجابها بأداء أسمهان لهذه القصيدة التي لحنها محمد القصبجي سنة 1938، كما نلتقي كذلك هنا مع نص قصيدة اسقنيها وهي من أرق قصائد الأخطل الصغير.



ليت للبراق عينا 
قصيدة الشاعرة ليلى العفيفة



ليت للبراق عينا فتري
ما ألاقي من بلاء وعَنَا
عُذبت اختكمُ يا ويلكم
بعذاب الفكر صبحاً ومسَا
غللوني.. قيدوني.. ضربوا
جسميَ الناحلَ مني بالعصَا
قيدوني.. غللوني.. وافعلوا
كل ما شئتم جميعاً من بَلاَ
فأنا كارهة بغيكمُ
ويقيني الموتُ شيء يُرتجي
 
 
 
اسقنيها
 
قصيدة الأخطل الصغير
 
اسقنيها بأبي أنت وأمي
لا لتجلو الهم عني.. أنتَ هَميِّ
املأ الكأس ابتساما
وغراما
فلقد نام الندامي
والخزامي
زحم الصبحُ الظلاما
فإلاما
قم ننهنه شفتينا
ونذوّبْ مهجتينا
رضي الحب علينا
يا حبيبي... بأبي أنت وأمي
اسقنيها..
لا لتجلو الهم عني
أنت همي
إن تكنْ أنت أَنا
وجعلنا الزمنَا
قطرة في كأسنا
ياحبيبي..
اسقنيها لا لتجلو الهم عني
أنت هميِّ
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !