كتب غازي ابوكشك
الشهيد (ابو فتحي) من مواليد سنة 1929 في قرية( تل )قضاء نابلس ، ولد وحيد الأبوين وعاش يتيما بعد وفاة والده وهو ابن عامين فقط، تزوجت والدته من ابن عمها الذي رفض تربية وحيدها (محمد) حيث تربى في بيت خالته (ام وليد) ،وظل في كنفها حتى بلغ من العمر 11 عام حيث غادر القرية متوجها الى قرية (جنيد) المجاوره وعمل راعيا لدى احد سكان تلك القرية وحارسا لمعصرة الزيتون في الليل، وفي تلك الفتره كان للثوار مرورا بشكل دوري على المعصره يرتاحون ويأكلون ويغادرون ومرة تلو اخرى رأه احد كبار قادة الثوار الشهيد القائد (عبد الرحيم الحاج محمد ) فاحبه واعجب بشخصيته القويه وحسن سلوكه وامانته بالمقارنه مع صغر سنه وتعرف اليه واخذه معه بعد ان لمس رغبته الشديده بان يكون ثائرا ويحمل بندقيه وجعله مساعدا له ، في خلال فتره وجيزه اثبت الشهيد (محمد عفانه) قدرته على التحمل وبلغ من العمر ما يؤهله لان يحمل البندقية ويقاتل فاعتمد عليه بكثير من المهمات ، وفي عام 1946 تعرف على القائد المجاهد الشهيد( عبد القادر الحسيني) فاحبه وتبناه واعجب بجراته وشجاعته واطلق عليه اسما حركيا (عثمان بن عفان) ، وبقي مقربا من الشهيد(عبد القادر الحسيني ) وشارك في اهم المعارك البطوليه التي خاضها الثوار في حينها اهمها معركة مطار راس العين ومعركة باب العامود ومعركة القسطل حيث اصيب عدة طلقات في مختلف انحاء جسده في تلك المعركه التي استشهد فيها القائد الشهيد (عبد القادر الحسيني) لاحقه الاحتلال البريطاني لعدة سنوات وحكم عليه بالاعدام غيابيا وبقي مطاردا ويرفض الاستسلام ويكثف من عملياته العسكريه ، وفي عام 1948 وبينما كان مع مجموعة من المقاتلين قرب مدينة صفد ومع هجرة السكان في تلك المنطقه وجد فتاه تائهه عن ذويها واخذها وطمانها وابلغها انها اختا له وسوف يحرص على توصيلها الى اهلها حيث كانت تبلغ من العمر 12 عاما وتدعى ( ريا سليمان شراب) وعاد بها الى قريته (تل ) الى بيت خالته وطلب منها الاهتمام بها حتى يبحث عن اهلها ، وبعد مرور 3 شهور وصل اهل الفتاه (ريا ) الى قرية (تل )ليتعرفوا على ابنتهم الضائعه فاستلموها وعرضوا عليه بان يتزوجها عندما تبلغ سن الزواج من باب التكريم له على شهامته وحرصه وامانته ولكنه رفض وقال (هل سمعتم ان احدا تزوج اخته)غادروا (ال شراب) الى قطاع غزه مع ابنتهم ،
واصل الشهيد ( محمد عفانه ) مشواره النضالي وتميز في قوة ضرباته الموجعه للكيان الصهيوني في مختلف اماكن تواجده حتى بلغ سيطه الى قيادات العمل الثوري المسلح في ارجاء الوطن ... وفي نهاية الخمسينات تزوج من زوجته المرحومه (مريم عبد الله ابو هنيه) من قرية كفر ثلث ،وكان اخوتها من بين الفدائيين الذين انتظموا معه في الخلايا المسلحه ، ومع بداية تأسيس حركة فتح في بداية الستينات تم تكليفه بتشكيل خلايا عسكريه في الداخل وتدريبهم وتامين الاسلحه حيث غادر الى الاردن وفتح خط لتهريب الاسلحه وتخزينها الى حين يتم تجهيز مجموعات فدائيه ،وتسلم قيادة العمل العسكري لحركة فتح في الضفه الغربيه وكان على اتصال مباشر بقائد الثوره الشهيد الرئيس (ياسر عرفات ابو عمار ) وتنقل معه في العديد من اماكن تواجده في البلدة القديمه في نابلس وبيت فوريك وقباطيه ،، وفي منطقة (عين المزراب في جبال قرية تل ) .
وكان الشهيد( محمد عفانه) من اوائل المطلوبين على مستوى وطن حتى عام 1969حيث تم محاصرته في مخيم ( عين بيت الماء ) القريب من نابلس وكان معه مجموعه من المقاتلين في داخل احد البيوت لاحد انسبائه ، وعندما طلبوا منه الاستسلام عبر مكبرات الصوت رفض وبادر باطلاق النار هو ومن معه من الفدائيين الذين سجلو اسطورة صمود يشهد لها التاريخ واوقعت العديد من القتلى في صفوف جنود الاحتلال واصيب بعدة طلقات في خاصرته وساقيه بعد ان تم قصف المنزل وتدميره بالكامل ، تم اعتقاله ومن معه واستشهد احد المقاتلين في تلك العمليه ،، وعلى الفور توجهت قوة كبيره من الجنود الى قرية (تل ) وتم اخلاء منزله من زوجته وهي حامل واطفاله الاربعه الى العراء وتم هدم المنزل وكان من بين اوائل المنازل التي هدمت في منطقة نابلس .
مارست مخابرات الاحتلال مع الشهيد (محمد عفانه ) ابشع وسائل التعذيب في اقبية التحقيق في (صدفند) والذي كان يعرف حينها ( بالمسلخ) واستمر التحقيق لاكثر من اربعة شهور دون ادلاء أي اعتراف او تجاوب مع المحققين ، وتم نقله الى مستشفى سجن الرمله وهو في حالة غيبوبه خطره وتم ابلاغ مختار القريه انه توفي ، وفي قرية (تل) قام اقارب الشهيد ( محمد عفانه) بفتح بيت العزاء وهم ينتظرون استقبال جثمانه ، وبعد يومين قام الحاكم العسكري لمدينة نابلس بطلب حضور مختار القريه وزوجة الشهيد الى مقره في نابلس حيث قال لهم انه لا يزال حيا وتم انقاذ حياته في اللحظات الاخيره وهو يرفض تلقي العلاج والمطلوب منهم اقناعه تلقي العلاج لتقديمه الى المحكمه ، وبالفعل قاموا بمقابلته وكان هذا هدف الشهيد ( ابو فتحي ) وقال لزوجته (مريم ) وهي في شهرها التاسع من الحمل عندما يولد المولود تسميه (عبد الرحيم )او (عثمان) واراد بذلك تخليد ذكرى الشهيد القائد (عبد الرحيم الحاج محمد) .
وفي نفس العام تم تقديمه للمحاكمه حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياه وعدم الاستئناف للحكم مع السجن المشدد ، تم نقله الى سجن عسقلان ، حيث كان من اوائل قيادات الحركة الاسيره والذي تسلم حينها موقع (الموجه العام للسجون) وتواصل مع القيادة في الخارج من خلال الزيارات والرسائل(الكبسولات) ومارس دوره في العمل الفدائي من داخل الاسر حيث تم عزله ومنعه من الزياره لاكثر من 3 سنوات على التوالي محاولة من ادارة السجون قطع الاتصال بينه وبين العالم الخارجي ،
وفي العام 1979 وفي عمليه تبادل للاسرى بين منظمة التحرير الفلسطينيه واسرائيل(عملية النورس) تم اطلاق سراحه من بين 76 اسير فلسطيني مقابل طيار اسرائيلي احتجزته الثوره في لبنان ، وبعد اطلاق سراحه مباشرة فرضت عليه الاقامة الجبريه مع ضرورة اثبات وجوده يوميا في مقر الحكم العسكري في نابلس ، ولم يسلم من المداهمات اليوميه والمفاجئه لمنزله وتفتيشه ، وكان ضابط المنطقه المدعو ( ابو النور ) يبلغه انه لن يدعه يحيى بسلام وسوف يحاصره من كل جانب وطلب منه ان يغادر البلاد ولا يعود ولكن الشهيد (محمد عفانه ) كان يرفض هذه التهديدات ويتحدى ضابط المخابرات وبشده.
وفي ظل كل تلك الظروف الصعبه والتي تهدف الى الحد من تحركاته واتصالاته قام الشهيد( ابو فتحي ) بتشكيل عدة خلايا عسكريه مسلحه على مستوى الضفة الغربيه وتم تكليفها بالضرب في عمق الكيان الصهيوني وفي جميع اماكن تواجد جنود الاحتلال ومستوطنيه وعملائه ، وعمل بشكل سري للغايه على خلق حلقات وصل بين تلك المجموعات والخلايا في الضفه الغربيه بحيث لم يتعرف عليه أي منهم تحسبا لاعتقال احدهم ، وكان يؤمن لهم السلاح والذخيرة عبر ( نقاط ميته) ويتم نقلها من خلية الى اخرى بشكل سري جدأ ، ومن اهم الخلايا التي ضربت فأوجعت ( خلية الجرمق ) والتي كان يقودها الشهيد (بلال النجار ) من قرية بورين والذي تم اغتياله عام 1982 بعد ان رصده من قبل احد العملاء قرب قريته بورين ،
قام الشهيد بمحاربة ظاهرة روابط القرى العميله في ذاك الوقت وكان له دور بارز في الحد من انتشارها وعمل على تصفية اهم مؤسسيها في الضفه الغربيه ،
في العام 1981 استشهد ابنه البكر (فتحي ) في بيروت اثناء غارة صهيونيه على مقرات حركة فتح في منطقة الفاكهاني وكان هناك برتبه ملازم اول في مكتب الشهيد القائد ( خليل الوزير) بعد ان اتم دراسته هناك (علوم سياسيه) وكان ذلك بتاريخ 17 رمضان من عام 1981 ، تلقى خبر استشهاد ابنه بفرحة غامره واحزنه ان يسبقه الى الشهاده ورفض استقبال التعازي وقال (ابني شهيد واستحق التهنئه )
واصل مشواره النضالي وضرب عدة ضربات موجعه لفتت اليه نظر مخابرات الاحتلال التي ما لبثت ان كلفت عملائها باختطافه وتصفيته جسديا في مستوطنة قريبة من نابلس بعد ان تم التحقيق معه لمدة اسبوع ، واعلن عن استشهاده في تاريخ 17 رمضان من عام 1982عن عمر 53 عاما، (بعد مرور عام بالضبط على استشهاد ابنه فتحي ) وقامت قوات الاحتلال حينها باعتقال زوجته (ام فتحي ) واعتقال العديد من ابناء القرية والتحقيق معهم عن علاقتهم بالشهيد (ابو فتحي ) في الوقت الذي كان ابنه الشهيد ( ابراهيم ) يقضي حكما بالسجن لمدة 6 سنوات ،
ملاحظات ... تشكلت عدة مجموعات عسكريه تحمل اسم الشهيد وقامت بتصفية العديد من العملاء الذين خطفوا الشهيد (محمد عفانه) وكان من بين هذه المجموعات ابنه (عمر) حيث تم اعتقاله عام 1992 وحكم بالسجن 4 مؤبدات و80 عام واطلق سراحه ضمن عملية (طابا) عام 1996 ،
---استشهد ابنه ( ابراهيم ) وهو برتبة رائد في قوات الامن الوطني الفلسطيني اثناء اجتياح الاحتلال الاسرائيلي لمدينة نابلس عام 2002 وهو اب لسبعة ابناء وكان قد امضى قبلها ما يزيد عن 10 سنوات من مجموعة اعتقالات لدى الاحتلال
--- بعد مرور حوالي 60 عام تم العثور على شقيقته ( ريا سليمان شراب ) في مدينة (الشيخ زويد)شمال سيناء في (جمهوية مصر) وهي الان مقيمة هناك مع ابنائها وعائلتها وتحدث قصتها لابنائها واحفادها واقاربها كل يوم وهي تذرف دموع الشوق لاخ لها احبها وحماها في وقت تاهت فيه عن اهلها وبحثت عن الامان في ظل صخرة او جوف كهف ،، تحدث قصتها وهي فخورة به وتقسم انه رجل لن يكون له مثيل باخلاقه وسلوكه وتواضعه ووطنيته ،،، تتواصل مع ابناء شقيقها كل يوم بالاتصال الهاتفي او عبر الانترنت لتشاهدهم وتحدثهم وتطمأن عليهم .
ولام فتحي رواية اعجزت بوصفها اقلام الادباء والكتاب
المرحومه( مريم عفانه .ام فتحي )
--- توفيت زوجته (ام فتحي) عام 1998 وهي واقفة على قدميها وتروي دالية زرعها الشهيد في مدخل البيت الذي بنته بعد ان هدمه الاحتلال وكانت قد اعتقلت عدة مرات من قوات الاحتلال وواجهت المحققين برجولة وصلابه اعجزت الجلادين واعترفوا لها بعجزهم عن كسر ارادتها عندما اعتقلوها بعد استشهاد زوجها وهي مرضعه لابنها (نعيم) وساوموها عليه ( الاعتراف مقابل السماح بارضاع طفلها ).
ولكن( للشهيد القائد الحاج محمد عيسى عفانه )مآثر واساطير يصعب حصرها نتركها مع ذكراه العطره التي تنبض في قلوب من عرفوه ليحدثوا عنه الاجيال القادمه.
غازي ابوكشك
التعليقات (0)